الديمقراطية 3
[soundcloud url=”https://api.soundcloud.com/tracks/324724134″ params=”color=ff5500&auto_play=false&hide_related=false&show_comments=true&show_user=true&show_reposts=false” width=”100%” height=”166″ iframe=”true” /]
مستمعينا مستمعي راديو النجاح اهلا بكم في حلقة جديدة من برنامجكم نجاحبيديا في حلقتنا لهذا اليوم نكمل فيها موضوع الديمقراطية من حيث مفاهيمها وقيمها
مفهومُ الشرعيةِ السياسيةِ والثقافةِ الديمقراطية
تعتمدُ كلُ أشكالِ الحكوماتِ على شرعيتها السياسية، أي على مدى قبولِ الشعبِ بها، لانها من دونِ ذلك القَبولِ لا تعدو كونَها مجردَ طرفٍ في حربٍ أهلية، طالما ان سياساتَها وقراراتِها ستلقى معارضةً ربما تكونُ مسلحة. وباستثناءِ من لديهم اعتراضاتٌ على مفهومِ الدولةِ لاسلطويةٍ والمتحررينَ (Libertarians) فإن معظمَ الناسِ مستعدونَ للقبولِ بحكوماتِهم إذا دعت الضرورة. والفشلُ في تحقيقِ الشرعيةِ السياسيةِ في الدولِ الحديثةِ عادةٌ ما يرتبطُ بالانفصاليةِ والنزاعاتِ العرقيةِ والدينيةِ أو بالاضطهادِ وليس بالاختلافاتِ السياسية، إلا أن ذلك لا ينفي وجودَ أمثلةٍ على الاختلافاتِ السياسيةِ كالحربِ الأهليةِ الإسبانيةِ وفيها انقسمَ الإسبانُ إلى معسكرين سياسيَيْن متخاصمَيْن.
تتطلبُ الديمقراطيةُ وجودَ درجةٍ عاليةٍ من الشرعيةِ السياسيةِ لأن العمليةَ الانتخابيةَ الدوريةَ تقسم السكانَ إلى معسكرين “خاسرٍ” و”رابح”. لذا فإن الثقافةَ الديمقراطيةَ الناجحةَ تتضمنُ قبولَ الحزبِ الخاسرِ ومؤيديه بحكمِ الناخبينَ وسماحهم بالانتقالِ السلمي للسلطةِ وبمفهومِ “المعارضةِ المواليةِ” أو “المعارضةِ الوفيّةِ”. فقد يختلفُ المتنافسونَ السياسيون ولكن لابد أن يعترفَ كلُ طرفٍ للآخرِ بدورهِ الشرعي، ومن الناحيةِ المثاليةِ يشجعُ المجتمعُ على التسامحِ والكياسة ِفي إدارة ِالنقاشِ بين المواطنين. وهذا الشكلُ من أشكالِ الشرعيةِ السياسيةِ ينطوي بداهةً على أن كافةَ الأطرافِ تتشاركُ في القيمِ الأساسيةِ الشائعة. وعلى الناخبينَ أن يعلموا بأن الحكومةَ الجديدةَ لن تتبعَ سياساتٍ قد يجدونها بغيضةً، لأن القيمَ المشتركةَ ناهيكَ عن الديمقراطيةِ تضمنُ عدم حدوثِ ذلك.
****
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن الانتخاباتِ الحرةِ وحدها ليست كافيةً لكي يصبح بلدٌ ما ديمقراطياً: فثقافةُ المؤسساتِ السياسيةِ والخدماتِ المدنيةِ فيه يجبُ أن تتغيرَ أيضاً، وهي نَقلةٌ ثقافيةٌ يَصْعُبُ تحقيقُها خاصةً في الدولِ التي اعتادتْ تاريخياً أن يكونَ انتقالُ السلطةِ فيها عبرَ العنف. وهناك العديدُ من الأمثلةِ المتنوعةِ كفرنسا الثوريةِ وأوغندا الحاليةِ وإيرانِ التي استطاعت الاستمرارَ على نهجِ الديمقراطيةِ بصورةٍ محدودةٍ حتى حدثتْ تغييراتٌ ثقافيةٌ أوسعُ وفتحتْ المجالَ لظهورِ حكمِ الأغلبيةِ.
الديمقراطياتُ القديمةُ
إن مصطلحَ الديمقراطيةِ بشكلِه الإغريقيِّ القديمِ- تمَّ نحتُه في أثينا القديمةِ في القرنِ الخامسِ قبلَ الميلادِ. والديمقراطيةُ الأثينيةُ عموماً يُنظرُ إليها على أنها من أُولى الأمثلةِ التي تنطبقُ عليها المفاهيمُ المعاصرةُ للحكمِ الديمقراطيِّ. كان نصفُ أو ربعُ سكانِ أثينا الذكورِ فقط لهم حقُّ التصويت، ولكنَّ هذا الحاجزَ لم يكن حاجزاً قومياً ولا علاقةَ له بالمكانةِ الاقتصاديةِ فبِغَضِّ النظرِ عن درجةِ فقرِهم كان كلُّ مواطني أثنيا أحرارَ في التصويتِ والتحدثِ في الجمعيةِ العموميةِ. وكان مواطنو أثينا القديمة يتخذون قراراتِهم مباشرةً بدلاً من التصويتِ على اختيارِ نواب يَنوبون عنهم في اتخاذها. وهذا الشكلُ من الحكمِ الديمقراطيِّ الذي كان معمولاً به في أثينا القديمة يُسمَّى بالديمقراطيةِ المباشرةِ أوِ الديمقراطيةِ النَّقِية. وبمرورِ الزمنِ تَغيَّرَ معنى “الديمقراطيةِ” وارتقى تعريفُها الحديثُ كثيراً منذ القرن الثامن عشر مع ظهورِ الأنظمةِ “الديمقراطية” المتعاقبةِ في العديدِ من دولِ العالم.
أُولى أشكالِ الديمقراطيةِ ظهرتْ في جمهورياتِ الهندِ القديمةِ والتي تواجدتْ في فترةِ القرنِ السادسِ قبلَ الميلادِ وقبلَ ميلادِ بوذا. وكانت تلكَ الجمهورياتِ تُعْرَفُ بالـ ماها جاناباداس، ومِن بينِ هذه الجمهورياتِ فايشالي التي كانت تَحْكمُ فيما يُعْرفُ اليومَ ببيهارَ في الهندِ والتي تُعْتبرُ أولُ حكومةٍ جُمهوريةٍ في تاريخِ البشرية. وبعد ذلك في عهدِ الإسكندرِ الكبيرِ في القرنِ الرابعِ قبلَ الميلادِ كتَبَ الإغريقُ عن دَولتيْ ساباركايي وسامباستايي، اللَّتينِ كانتا تحكُمانِ فيما يُعْرفُ اليوم بباكستان وأفغانستان، ” وِفقاً للمؤرخينَ اليونانيينَ الذين كتبوا عنهما في حينه فإنَّ شكلَ الحكومةِ فيهما كان ديمقراطياً ولم يكن مَلَكياً”
تطور القيم الديمقراطية في العصور الوسطى
معظمُ الديمقراطيّاتِ القديمةِ نَمتْ في مُدنٍ صَغيرةٍ ذاتِ دياناتٍ محليّةٍ أو ما يُسمَّى ب المدينةِ-الدولة. وهكذا فإِنّ قيامَ الإِمبراطورياتِ والدولِ الكبرى مثل الإِمبراطورية الفارسيّة والإِمبراطورية الهلّينية-الرومانيّة والإِمبراطورية الصينية والإِمبراطورية العربيّة-الإِسلامية والإِمبراطورية المغولية في العصورِ الوسطى وفي معظمِ البلادِ التي كانت تضمُّ الديمقراطياتِ الأولى قد قضى علَى هذه الدُّويلاتِ الديمقراطيةِ بل علَى فُرصِ ِقيامِها أيضاً. لكنَّ هذا لا يعني أنَّ تطَوّراً بٱتجاهِ الديمقراطية لم يحصل في العصور الوسطى. ولكنّ معظمَ هذا التطوّرِ حصلَ علَى مُستوَى القِيَمِ وحقوقِ الأفرادِ الذي نتج عن قِيَم الليبراليةِ التي نشأتْ مع فلاسفةِ التنويرِ توماس هوبز وجون لوك وإيمانويل كانط قبلَ تحقيقِ تقدمٍ ملموسٍ في الديمقراطيةِ وهو الذي أدَّى إلى ازدهارِ نموذجِ الديمقراطيةِ الليبراليةِ دونَ غيرِها من الديمقراطياتِ في الغرب.
وقد ساهمت الدياناتُ الكبرَى كالمسيحيةِ والبوذيةِ والإسلامِ في تَوطيدِ قِيَمٍ وثقافاتٍ ساعدت علَى ازدهارِ الديمقراطيةِ فيما بعد. ومن هذه القيم:
- فكرةُ شرعيّةِ الدَولة.
- فكرَةُ المساواةِ الكاملة بَين القبائِلِ والأعراقِ بشكلٍ عام.
- فكرَةُ المساواةِ ولو جُزئيّةً بَين الأفرادِ ولا سيّما بَين الجنسَين وبين الأسيادِ والعبيد.
- أفكارٌ عن المسؤُوليّةِ والمسَاءَلةِ والتعاونِ والشورَى.
- الدفاعُ عن حقوقٍ عديدةٍ مثلُ افتراضِ البراءةِ وحريةِ التنقلِ وحقوقِ الملكيةِ وحقِّ العمل.
الديمقراطياتُ الحديثة
لم يكنْ يوجدُ في عامِ 1900 نظامٌ ديمقراطيٌ ليبراليٌ واحدٌ يضمنُ حقَّ التصويتِ وِفقَ المعاييرِ الدولية، ولكنْ في العامِ 2000 كانت 120 دولةٍ من دول العالم أو ما يوازي 60% من مجموعِها تُعدُّ ديمقراطياتٌ ليبرالية. استنادًا على تقاريرِ مؤسسةِ بيتِ الحرية Freedom House وهي مؤسسةٌ أمريكيةٌ يزيد عمرُها عن 64 عاما، هدفُها الذي يعبر عنه الاسم والشعار هو نشر “الحرية” في كلِّ مكان، كانت هناك 25 دولةٍ في عام 1900 أو ما يعادلُ 19% منها كانت تطبِّقُ “ممارساتٍ ديمقراطيةً محدودةً”، و 16 أو 8% من دول العالم اليوم.
إن تقييمَ بيتِ الحريةِ في هذا المجال لا زال مثاراً للجدل فنيوزلندا مثلاً تطبقُ المعاييرَ الدوليةَ لحقوقِ التصويتِ منذ عام 1893 (رغمَ وجودِ بعضِ الجدلِ حولَ قيودٍ معينةٍ مفروضةٍ على حقوقِ شعبِ الماوري في التصويت). ويتجاهلُ بيتُ الحريةِ بأنَّ نيوزيلندا لم تكن دولةً مستقلةً تماماً. كما إن بعضَ الدولِ غيّرتْ أنظمةَ حكمِها بعد عامِ 2000 كالِّنيبال مثلاً والتي صارت غيرَ ديمقراطيةٍ بعد أن فرَضتْ الحكومةُ قانون َالطواريء عَقِبَ الهزائمِ التي لحِقتْ بها في الحربِ الأهليةِ النيبالية.
وهكذا نكون قد أتممنا موضوع الديمقراطية ولنا لقاء في الحلقة القادمة وموضوع جديد الى ان ألقاكم في الحلقة القادمة مني لكم انا محمد العدرة اجمل التحية ومن الهندسة الاذاعية الزميلة ياسمين الزهيري دمتم في أمان الله