إن الله تعالى أمر عباده جميعا بعمارة الأرض وإحيائها، لأن لهم فيها معاشهم ومستقرهم «ولكم في الأرض مستقرٌ ومتاعٌ إلىٰ حين»، بل دعاهم إلى العمل على ما فيه خير ومصلحة، خدمةً لمفهوم عمارة الأرض «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها»، إلا أن الإنسان حاد عن أمر الله، وألهمه فجوره فسادا وتخريبا، فأصبحت الحياة على هذا الكوكب قاب قوسين أو أدنى من الدمار.
ومن هنا، بات موضوع حماية البيئة من المواضيع المهمة، ومن أكبر التحديات الراهنة التي تشغل اهتمام العالم بسبب تداعياتها الخطيرة، التي تضع كوكب الأرض كله في خطر.وفي حال عدم استيقاظ الضمائر الإنسانية، فإن الأمور ستؤول إلى الأسوأ بما كسبت أيدي المفسدين، فقد قال تعالى: «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس».وفي ظل تفاقم هذه الأزمة سنشارك في مؤتمر «قادة الإيمان-لقاء الضمير»، توحيد قادة الإيمان من أجل عودة الكوكب المزمع عقده في السادس والسابع من نوفمبر بعاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة أبو ظبي، للبحث في تداعيات أزمة المناخ ودور الرموز الدينية في توجيه الرأي العام، والضغط على صناع القرار لإنقاذ العالم من الكارثة البيئية المرتقبة.كما سنقدم ورقة عمل تحت عنوان: «القيادات الدينية ومسؤوليتها في معالجة أزمة المناخ ودورها في إحياء كوكب الأرض».
مسؤولية القيادات الدينية في معالجة أزمة المناخ
إن الله تعالى ـ كما قلنا ـ في المقدمة لم يحمل الإنسان مسؤولية حماية البيئة فحسب، بل دعاه وأمره بعمارتها بكل ما تحمل هذه الكلمة من عمق في الدلالات والمفاهيم.وإن المسؤولية كبيرة والإنسان منذ خلقه تعالى تحملها، «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، إنه كان ظلوما جهولا».لكن حب السيطرة والجشع والأنانية جعلت على بصره غشاوة فأصبح لا يعقل ولا يرى، وراح يلهث نحو نزواته وأطماعه اللامتناهية، فلم ينجح في تحقيق التوازن بين التقدم الحضاري الذي لا تعارضه الشرائع السماوية وبين تدمير مقدرات الشعوب والأمم، لذلك حرّم الخالق ـ جل جلاله ـ العدوان بكل مظاهره، بما في ذلك تعرض الإنسان للطبيعة بتلويثها وتخريب أسس توازنها، بما ينعكس سلبا على أرضها وسمائها ومائها، وعلى حياة الكائنات الحية التي تعيش فيها، وكذلك على حياة الإنسان.ومن هنا، تقع المسؤولية على الرموز والقيادات الدينية بكل مذاهبها ومشاربها لنشر الوعي على مستوى المجتمعات، والتأكيد على أن الأرض جميعا لكل البشر والكائنات، والضرر إذا لحق بجزء منها فسيقضي على الجميع، وينبغي الانطلاق من مفاهيم الأخوة الإنسانية من مبدأ المؤازرة وتفعيل سبل التعاون، كما أوصى النبي ـ صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيارـ حين قال: «إن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه».كما نؤكد ضرورة وأهمية الرجوع إلى وثيقة مكة المكرمة باعتبارها مصدرا ومرجعية لهذا الموضوع، فقد خصصت الوثيقة في بندها الـ12 لموضوع حماية البيئة تحت عنوان «الطبيعة التي نعيش بين جنباتها» هبة الخالق العظيم للإنسان، فقد سخّر له ما في السماوات والأرض، والاعتداء على موارد الطبيعة وإهدارها وتلويثها تجاوز واعتداء على حق الأجيال القادمة.
دور القيادات الدينية في معالجة أزمة المناخ
إن دور الشخصيات الدينية المؤثرة، له دلالته وأهميته في معالجة أزمة المناخ التي تحتاج إلى خطوات فعالة وجادة، من خلال:
-إصدار الفتاوى التي تؤكد تحريم تلويث البيئة وعقوبة ذلك في الدنيا والآخرة.
-التأكيد على أحكام الشرائع الدينية الداعية إلى تحقيق تنمية بيئية رشيدة، والإضاءة على موقف الدين من تلويث البيئة، والدعوة إلى عمارة الأرض مفهوم إيجابي لمواجهة مفهوم الفساد.
أهمية تحقيق العدالة في توزيع الثروات.
التأكيد على دعوة رسولنا الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار ـ على الاهتمام بنظافة البيئة ووجوب رعاية ذلك، فعنه صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار: «اتقوا الملاعن الثلاثة، البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل».
کما جاء في الحديث عن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «لا يبولن أحدكم في الماء الراكد»، لأن تلويث موارد المياه بالبراز وما يشتمل عليه من جراثيم، عامل أساس في نقل الأمراض، وتلوث الخضراوات والثمرات التي تسقى بهذا الماء.
تسليط الضوء على استراتيجية الإسلام في حماية البيئة خلال المشروع الأخضر والتشجيع على الغرس، عملا بقوله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، ولا يرزؤه أحدٌ إلا كان له صدقة».
كما نشيد بدور مجلس حكماء المسلمين، وعلى رأسه شيخ الأزهر فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب، وجهوده ومساعيه الحثيثة لمواجهة أزمة المناخ.كما نثني على الدور المميز لمعالي أمين عام مجلس حكماء المسلمين الدكتور محمد عبد السلام، على دوره الإيجابي ومتابعته وحرصه على إنجاح مؤتمر الإيمان لقاء الضمائر، للخروج بنتائج وتوصيات فعالة لإنقاذ كوكب الأرض.
*المصدر: التنويري.