محمد عابد الجابري قارئًا لابن خلدون
يحضر ابن خلدون بقوَّة في كتابات محمد عابد الجابري وفي مقالاته وفي بحوثه، وفي محاوراته بل وفي مساره الفكري والعلمي بشكلٍ خاص، فقد كان ابن خلدون حاضرًا بقوَّة في المشوار الفكري والفلسفي والعلمي والأكاديمي عند المفكِّر محمد عابد الجابري، فهذه الصلة القويَّة والقرابة الجامعة بينهما والتي تزيد على نصف قرن ترجمت بين الجابري وابن خلدون لتحضر في عدَّة مناسبات ولقاءات بينهما، ولتأخذ امتدادات بعيدة، فهي تعود إلى فترة الخمسينات ولتصل إلى السبعينات، بل ولتمتدّ إلى وفاة المرحوم محمد عابد الجابري لتترجم في كتابات تظهر لأوَّل مرَّة، تحدَّث فيها المرحوم عن شخصيَّة ابن خلدون وفكره، إنَّها مرحلة الدراسة الجامعيَّة مع نهاية الخمسينيات، وفيها ترجمت وتجسَّدت هذه العناية والاهتمام برسالة جامعيَّة أعدَّها المرحوم محمد عابد الجابري لنيل دبلوم الدراسات العليا في شعبة الفلسفة بالرباط بالمغرب، وكانت في موضوع المنهج التاريخي عند ابن خلدون سنة 1967.
ولقد توطَّدت وترسَّخت هذه العلاقة، وتوسَّعت بشكل أكثر وأشدّ بين الرجلين لتتَّسع بشكل أوسع، توّجت هذه العلاقة بأطروحته الجامعيَّة التي طبعت بعنوان “فكر ابن خلدون، العصبيَّة والدولة: معالم نظريَّة خلدونيَّة في التاريخ الإسلامي[1]، وهي الأطروحة التي ناقشها سنة 0197، وصدرت سنة 1971.
غير أنَّ هذا الوفاء لم ينقطع أبدًا بين ابن خلدون محمد عابد الجابري، بل استمرَّ بينهما من خلال مشاركة محمد عابد الجابري في جل الندوات والمهرجانات واللقاءات العلميَّة الدوليَّة التي نظّمت في مختلف البلاد العربيَّة بمناسبة الذكريات التي كانت تحتفي بابن خلدون وبتراثه وبفكره وبعلمه.
لا سيما مشاركته ومداخلته المتميِّزة التي شارك بها في مؤتمر ابن خلدون الدولي، الذي شهدته رحاب كليَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة بالرباط سنة 1979، بمناسبة مرور ست مائة سنة على تأليف كتاب المقدمة.[2]
وكانت مشاركة محمد عابد الجابري بهذه المداخلة: ابستمولوجيا المعقول واللامعقول في مقدّمة ابن خلدون.[3]. وقد تمَّ نشر هذه المداخلة في كتاب المؤتمر الذي أصدرته كليَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة بالرباط سنة 1979، كما تمَّ نشرها في عدد من المنابر الثقافيَّة [4].
والمضمون العام لهذه المداخلة هو الكيفيَّة التي بها تشتغل العلوم وتتطوَّر تبعا لتطور العمران البشري، وأهميَّة العلوم عند ابن خلدون تكمن في مدى الحاجة إليها، أو في الفائدة والنفع التي تؤدِّيه وتمنحه للإنسان، كل هذا احترازًا من التكرار وضياع الوقت في العلوم التي لا يرجى منها أي نفع، وتحقيقًا للهدف العام الذي من أجله تتأسَّس هذه العلوم.
ما يعني أنَّ حديث ابن خلدون عن العلوم وقيمتها المعرفيَّة تحدّد في مدى الحاجة إليها، أو في المنفعة التي تقدِّمها وتحقّقها إلى الإنسان في عاجلته وآجلته.
ومن المشاركات الرائدة والمتميِّزة لمحمد عابد الجابري حول ابن خلدون مشاركته في ندوة ” ابن خلدون والفكر المعاصر” التي عقدت بتونس بتاريخ 1-5-1980وقد اختار محاضرة بـ عنوان: “ما تبقَّى من الخلدونيَّة”؛ حيث طرح أسئلة دقيقة وعميقة حول الطريقة والكيفيَّة التي بها يتمّ التعامل مع ابن خلدون في سياق التحوّلات التاريخيَّة التي تعرفها المجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة المعاصرة اليوم.
كما يستمرّ حضور ابن خلدون في كتابات محمد عابد الجابري؛ لا سيما في كتابيه: ” تكوين العقل العربي”، و”بنية العقل العربي، بل حتى مداخلاته ومناظراته التي كان ينشرها بين الفينة والأخرى في مجلَّة فكر ونقد.
___________
- [1] –: طبعت هذه الأطروحة أزيد من عشرة طبعات أخرها طبعة مركز دراسات الوحدة العربيَّة سنة 2014 .أما الطبعة الأولى فكانت سنة 1984بدار النشر المغربيَّة.
[2] محمد عابد الجابري مسار مفكر عربي للباحث محمد الشيخ إصدار مركز دراسات الوحدة العربيَّة السنة 11 20.
[3] – صدرت ضمن ندوة ابن خلدون وهي من منشورات كليَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة الرباط السنة 1979.
[4] – ابستمولوجيا المعقول واللامعقول في مقدمة ابن خلدون مشاركة المفكر محمد عابد الجابري ضمن ندوة ابن خلدون وأعاد نشرها بمجلة أقلام المغربيَّة -العدد 3السنة .1979
_________
*محمد بنعمر.
*المصدر: التنويري.