ماهية المفهوم
المفهوم هو تمثيل رمزي لمجموعة من الخصائص والمركبات الفكرية والمعرفية المشتركة في أي علم من العلوم وفي أي تخصص من التخصصات، ويطلق المفهوم في مقابل المنطوق أي ما يفهم من المنطوق .
وأخذ المفهوم بعناية خاصة من لدن الباحثين والمشتغلين بالدراسات الفلسفية والنقدية ، لأن من المبادئ الأساسية في العلوم أن تحديد المفاهيم كان من التقاليد الراسخة، ومن الأعراف المعهودة السائدة في مجال البحث العلمي في التراث العربي الإسلامي ،لأنَّ تحديد المفاهيم هو في الأصل تحديد للأرضية العلمية المشتركة والجامعة بين الباحثين والمتدخلين في أي علم من العلوم وفي أي تخصُّص من التخصّصات .
والمفهوم عادة ما يكون هو المدخل الأساسي والبناء الأولي لعالم الأفكار، والبحث في المفاهيم والمصطلحات هو أساس لولوج المعارف.
والمفهوم ليس بلفظ كسائر الألفاظ، بل هو وعاء كبير حامل للمعاني والدلالات والرموز عادة ما تكون تمثّلات ذهنية.
تحديد المفاهيم
إن تحديد المفاهيم ،وتعيين المصطلحات يعد عملا ملزما، ومسلكا ملحا لكل دارس أو باحث يود مقاربة أية ظاهرة ثقافية أو دينية أو فكرية أو تربوية أو لغوية في قسميها النظري والتطبيقي، في أي علم من العلوم ،باعتبار أن لكل علم مصطلحا ته الخاصةبه، لا سيما ما تعلق بالمفاهيم والمصطلحات التي تنتمي إلى علوم اللغة العربية بجميع فروعها.
وتعيين المفهوم في اللغة العربية يعدّ من الأهمية بمكان، لأنّ التمكُّن من أي علم من العلوم يمرّ أولا عبر تحديد وتعيين شبكة المفاهيم في ذلك العلم ،وإظهار المصطلحات المستعملة والمتداولة فيه.
وقد ظل هذا المطلب حاضرا بقوة في أغلب العلوم الإسلامية، فقد كانت لعلماء اللغة في الثقافة الإسلامية مشاركة رائدة، ومساهمة متميزة في ضبط المفاهيم وفي تحقيق المصطلحات التي يتداولونها ويستعملونها في تخصصاتهم العلمية، مما جعل التحقق من الألفاظ والمصطلحات والمفاهيم، من مقدمات ومداخل علومهم ،بحيث كانت وجهتهم في هذا الاختيار أن “لكل اسم مسمى يختص به ،ويتبين به المراد ليقع التفاهم والبيان “.[1]
فالأصل أن لكل مفهوم يجب أن يختص باسمه دون أن يشاركه فيه غيره، وقديما قال الجاحظ ت 255ه ” إن لكل صناعة ألفاظ” ،[2]وهو المعنى ذاته نجده عند الدكتور الشاهد البوشيخي في قوله:”لا علم بدون فهم، ولا فهم بدون تذليل عقبة المصطلح……”.[3]
وانطلاقا من هذا المبدأ والاعتبار العام في أن العادة المركبة للعلوم في التراث العربي، أن لكل علم وجهته وموضوعه ومفاهيمه الخاصة به والمميزة له.
ومن شأن عدم التحقق من المفهوم في أي قطاع علمي آو معرفي أن يفضي إلى الخفاء ويودي إلى الالتباس، بل أيضا إلى استشكال المعنى وخفائه على السامع والمتلقي، وهو المعنى القصد الذي أراده ابن حزم الأندلسي في قوله : “فلا شيء أعون على العلم ،من تخليط الأسماء الواقعة المعاني …”.[4]
____________
[1]-الإحكام في أصول الأحكام لان حزم الأندلسي:8/20
[2]-ا الحيوان للجاحظ:399
[3]-مقدمة الشاهد البوشيخي لندوة الدراسات المصطلحية والعلوم الإسلامية .منشورات كلية الآداب فاس سايس.
ج:-1- 18السنة:1996.
[4]-الإحكام في أصول الإحكام لان حزم الأندلسي :8/101.
__________
*الدكتور محمد بنعمر.
*المصدر: التنويري.