يبدو جليًّا اعتماد الشاعرة أماني السلاّخ على الكتابة الواضحة البعيدة عن الرمز ومراميه حيث نجد ذاتاً مكتظة بالأسئلة تخاطب الآخر وتستجوبه على كامل امتدادات تلك النصوص، حيث نجد حزماً من التساؤلات الراصدة لرغبة داخلية في مد الجسور وخلق المناخات الهادفة لفهم العالم بما فيه من معضلات وأسرار، حيث الذات المرهفة هنا في رحلة استكشاف وخوض لتجارب وفهم هذه المغامرة على تشعباتها، وهذا ما يجعلنا ندرك مدى إيغال النفس المرهفة في عملية الكتابة لمزاحمة الوقت من خلال سبر كثيف لأغوار الزمن شعرياً فلنقرأ ما يتعلق بثيمة التساؤل وفق قصيدة إلى متى؟ ص6.
لو كنت وهماً فكيف قد ألهمتني.
هل تنرجس (عائدة هنا للقلب)
أم تحجّر
هل أنت حي أصلاً
أم متَّ حياً تراك؟
متى ستعرف أنني ..لقيطة الأحرار
عبارة لقيطة الأحرار تشير إلى نزوع مبهم لفهم الحرية التي تكبلها صفة إشكالية تخص دلالات اللقيط هنا، لكنها بدت مع كلمة الأحرار لتشير إلى ذلك الحلم المجهض، وقد حاول المسترقون نعت كل هبة أو حراك باللاشرعي محاولة في إسكات الأصوات
المخالفة والتي تعبر عن شيء غير اعتيادي، رغبة في كسر المألوف أو محاولة في إحداث انزياح للحرية المعهودة.
قصيدة (لك) تتردد فيها عبارة أريد الكاشفة عن مقدار الرغبة والإرادة العاصفة بالمرء والمتضوعة بعبق الحسرات، هذا التكرار يعطي العبارات إيقاعات موسيقية خارجية إلى جانب الرغبة في إتيان ما كمن في الداخل بقوة ذلك التكرار اللفظي، ص9.
أريد أن أصارحك
أريدك على صفحاتي حورية
أريدك أن تكوني
أريدك أن تتحدي حياءك
أريدك أن تعيشي حياتك
هذا ما تعبر عنه الذات الأنثوية مستعينة بروح الرجل الذي تقمصته بغية الانفتاح الجنسوي على الآخر، في إشارة لضرورة فهم
الآخر نفسياً وهذا جزء من عملية الحوار الحقيقي بين الجنسين إذ تنشد الشاعرة عالماً قائماً على التشاركية العادلة.
أردت مما سبق كناقد فهم دلالات تلك النصوص واستنطاقها محاولاً تأويلها لما للمنهج التأويلي من قدرة على الإيغال في النفس ودواعي حاجتها للتوثب والانطلاقة بغية الفكاك من أسر رتيب يقض مضجع الروح ويجعلها في حالة من الحيرة والاكتئاب، فتأتي القصيدة هنا لتعبر عن نهضة وإعادة لفهم العالم، إيماناً بأن العمل الإبداعي لا يكتمل إلا بالنقد المركز ولأهمية اقتران العمل القائم بالنقدي وتوأميتهما، فهما معاً يبحثان عن الجلي في الغامض عبر ولوج بعيد وعميق للذات وتجلياتها الفنية وحضورها البارز في
حياة مفصحة عن تغييرات مستمرة وعاصفة.
نصوص الشاعرة يغلب الشأن الوجداني عليها ولعل الشعر في غالبه يستغرق في هموم العلاقة بين الرجل والمرأة منذ أن وجد على سطح البسيطة، والنفس المتقلبة المتغيرة والحساسة المزاجية هي حديث المشاعر عبر الزمن، تهتم الشاعرة بالأنسنة وفهم الرجل، امتهانها لذلك دليل على قدرة الإنسان في خوض طبيعة الجنس الآخر، إذ يستطيع النوب عنه ففي كل رجل امرأة والعكس، إذ أحياناً تبتعد أماني عن الشعر فتدخل في حقل الخاطرة وتعود للشعر بين حين وآخر هذا التداخل بين الفنين يصعب الفصل بينهما عندما تسقط الكتابة في أحابيل الفيوضات الذاتية الناجمة عن حزن يعتمل الداخل حيث الصور المعنوية الطاغية على الحسية وإن كانت تحمل الشعرية في متنها، نجد في ص 18-19 السجع في تلك النصوص من ورود عبارات أردت أن تصبح قافية من مثل: مخدع مدفع يركع تشبع … هنا دعت الحاجة الداخلية لوجود الموسيقا الخارجية للنص المعبر عن الجغرافيا
والمحيط الاجتماعي ما بين الأمس والحاضر.
لدمشق حصة القلب في كيان الشاعرة حيث تتوجس إن زارت دمشق بعد غياب ورأت مدى التغير الذي أصابها، حيث ستميل إلى تفاصيل المكان حيث عاشت، مما يمكننا فهم المكان من بوابة الحنين العاصف بالذات والذي هو مسبب مباشر لإخراج الآداب الإنسانية للضوء حيث تنشغل القصيدة بتفاصيل الحواري والشوارع، ص 54.
ستعودين لتصنعي حياة جديدة وذكرى/ في كل زقاق وشارع وربوة ودار.
الانفعال الشعري يتجلى في تكرار فعل الأمر هنا في قصيدة عش مجانين.
أحبيني/ازرعيني/ اجمحي/ اخرجي/ تزوجيني/ أشعليني
هنا يثبت تأثير الرغبات على الإدراك وصراعها الضاري فيما يتعلق بغلبة غريزة الاستحواذ والملكية وطغيانها على نزعة الحب
السامية المتصالحة مع العقل أكثر، قدرة الغريزة هنا على محاصرة الحب المجاري للموسيقا والفنون في وقارها
تهتم الشاعرة أماني بترويض الذات المنفعلة وذلك بإخراج كل ذلك الركام من الداخل في محاولة لابد منها في ترميم الأبنية
المشادة على أنقاض المتهدمة.
-خلاصة:
النصوص مثقلة بالكثير من المواضيع الدائرة حول علاقة الإنسان بالآخر، علاقته بالمكان، بالنفس حيث يعتبر الديوان مخبراً لتحليل الحب ومنغصاته، عيادة لمعالجة الكبرياء من أثر الانكسارات والسقوط في الهاوية، وما علق على النفس من غبار الألم،
ومصحاً رحيباً لإزالة كل العصابية والشحوب الذي أحال كل منطق يحاول الخروج إلى النور ليباب وسراب. ديوان يتضوع بالمعاني ومكتظ برحلة استكشاف الحياة والذات بغية انعتاقها وكسرٌ لكل إيقاع رتيب.
*المصدر: التنويري.