في ظلال السرد كتاب صدر للشاعر والأديب والناقد علي عطا ليلقي الضوء على الأدب العربي وكذلك الأدب الأفريقي والآسيوي، هذا الأدب جدير بأن يقف على قدم المساواة مع الأدب الغربي وأدب أمريكا اللاتينية، ولهذا تجاورتْ هنا مراجعات علي عطا ذات البعد النقدي غير الأكاديمي لأعمال أدبية مكتوبة باللغة العربية، مع أخرى مترجمة من لغات شتى.
هذا كله كان نتاج دور نشر في مصر وبلدان عربية أخرى، اهتمت في السنوات الأخيرة بترجمة أعمال أدبية وفكرية وعلمية وأيضا سياسية واقتصادية واجتماعية من لغاتها الأصلية إلى اللغة العربية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: المركز القومي للترجمة ومؤسسة بيت الحكمة وسلاسل “عالم المعرفة”، و”إبداعات عالمية” و”المسرح العالمي”، ودار “العربي” ومكتبة “تنمية”، ودار “آفاق”، والهيئة المصرية العامة للكتاب (خصوصا سلسلة الجوائز) والهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة. والأعمال التي تناولها هذا الكتاب،وهي صدرت بين عامي 2019 و2022، باستثناء رواية إبراهيم أصلان “صديق قديم جدا” الصادرة عام 2015، وقد حرص المؤلف على مقاربتها أولاً لأنها لم تحظ بما تستحق من مراجعات صحفية، ومن مقاربات نقدية، ربما لصدورها بعد رحيل صاحبها بنحو ثلاث سنوات. فضلا عن أنها نموذج نادر لما يسميه المؤلف ظلال سرد التفاصيل، والذي لطالما تميز به أصلان في مجمل أعماله القصصية والروائية. أشار المؤلف إلى أن اختيار “ظلال السرد” عنوانا لهذا الكتاب يرجع إلى الكاتبة الصحفية والناقدة الأدبية المتميزة نشوة أحمد التي قامت بقراءة مسودة الكتاب وإبداء ملاحظات ثاقبة بشأنها انعكست على الشكل النهائي له وسروده العامرة بالعديد من الظلال السردية التي منحت النصوص المكتوب عنها هنا جدارة التجاور بل والتلاقح أيضا برغم انتمائها لثقافات ولغات مختلفة في الأساس.
سيجد القارئ ظلالا سردية / شعرية على اللغة كما في رواية الشاعرة والروائية والقاصة المغربية عائشة البصري “كجثة في رواية بوليسية”، وظلالا سردية سياسية كما في رواية طارق إمام “طعم النوم”، فضلاً عما ينطوي عليه سردها من ظلال عجائبية في اشتباكها مع روايتي “الجميلات النائمات” للياباني ياسوناري كواباتا، و”ذكرى عاهراتي الصغيرات” لللكولومبي جابرييل جارثيا ماركيز، والكاتبان فازا بجائزة نوبل. وهناك ظلال فلسفية وصوفية كما في رواية “سر العنبر” للمصرية مي خالد. وهناك ظلال نفسية كما في رواية “كل شيء هادئ في القاهرة” للمصري محمد صلاح العزب، وظلال تاريخية وسيرية، كما في رواية “رامبو الحبشي” للكاتب الأريتري حجي جابر، وظلال رومانسية كما في الرواية التاريخية “غيوم فرنسية” للكاتبة المصرية ضحى عاصي، وظلال غرائبية كما في رواية “يوم الثبات الانفعالي” للمصرية سهير المصادفة، وظلال ذاتية طاغية كما في الرواية السيرة “أقفاص فارغة” للمصرية فاطمة قنديل، وظلال الهوة العميقة بين الحلم والواقع في رواية “غرفة التقدمي الأخير” للكاتب السوداني عبد الحميد البرنس، وظلال أثر اجتماعي لا يمحى لهزيمة 1967 في رواية “شقي وسعيد” للمصري حسين عبد الرحيم، فضلا عن ظلال جموح التخييل بما يخالف المستقر في الأذهان كما في رواية “حانة الست” للمصري محمد بركة، وهو الأمر الذي ينطبق كذلك على رواية تقتفي سيرة شخصية واقعية معاصرة، هي رواية “رابطة كارهي سليم العشي” للمصري سامح الجباس.
وليس من الصعب تلمس التقاطعات بين الأعمال المترجمة، مثل “نوتردام النيل”، و”أمي عميلة سرية”، و”طلاق على الطريقة الصينية”، و”البازار الأسود”، و”أخي الكبير”، و”ثم ابتلعه الحوت”، و”الكتب التي التهمت أبي”، و”فتاة كازابلانكا”، و”سفينة نيرودا”، و”فنانو الذاكرة”، و”طموح في الصحراء”، وتلك المكتوبة باللغة العربية، مثل “النوم في حقل الكرز” من حيث الهموم والظلال المهيمنة على السرد في ما يتعلق بقضايا إنسانية، تحظى باهتمام الشرق والغرب والشمال والجنوب على حد سواء، مثل الاضطرار للهجرة تحت وطأة الاضطهاد والفقر في البلدان الأصلية، والقمع الذي يصل إلى حد السجن أو القتل في مواجهة حرية التعبير وحرية الاعتقاد. كورونا أرخت كذلك بظلالها على سرد عدد من الأعمال التي جرى تناولها في هذا الكتاب، وكلها أعمال عربية؛ ربما لأن الترجمة عادة ما تعقب صدور العمل بلغته الأصلية بفترة زمنية قد تطول أو تقصر، باستثناء أعمال كتاب بعينهم على رأسهم الياباني هاروكي موراكامي الذي أحيانا ما يتزامن صدور عمل له مع ترجمته إلى لغات عدة، منها اللغة العربية عبر لغة وسيطة غالبا هي الانجليزية. وهناك أيضا ظلال إخفاق حدث شديد الأهمية في التاريخ العربي المعاصر، وهو ثورات الربيع العربي، وفي القلب منها ثورة 25 يناير 2011، كما في رواية وجدي الكومي، ورواية محمد صلاح العزب، ورواية تكاد تكون غير معروفة للكاتب الفرنسي المصري الأصل ألبير قصيري عنوانها “طموح في الصحراء” تتناول جذور ثورة على حكم مستبد في بلد عربي، تشبه تلك الثورات التي شهدها العديد من البلدان العربية قبل نحو 13 عاما من الآن. وأخيرا فإن الأعمال التي تناولتُها في مقالاتي التي يضمها هذا الكتاب هي لكتاب من مصر، السودان، العراق، المغرب، السعودية، سوريا، الصين، أريتريا، فرنسا، اليابان، النمس، كندا، إيطاليا، تشيلي، هولندا، بريطانيا، الكونغو، البرتغال، المجر، رواندا، والولايات المتحدة الأمريكية.
هذا الكتاب لا شك أنه مرجع نقدي للأدب يجعلك تجول بين الشرق والغرب والشمال والجنوب ، وهو بيعكس قدرة المؤلف علي جمع شتات متفرق لكي يجعله في دائرة الضوء ويجعلنا نكون رؤية واضحة له ، تفوق علي عطا علي نفسه في تقديم وراية محمد صلاح العزب ( كل شيء هاديء في القاهرة ) الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية ، والتي تدور حول صحفي شاب لا نعرف له اسما ربما لكونه حالة أكثر منه شخصا محددا يجد نفسه أثناء ثورة 2011 ، حيث ينخرط في الأحداث ليخرج من سلسلة اخفاقاته لنري رواية يهيمن عليها ضمير المتكلم ، لكن الرواية في داخلها تحليل وتشريح نفسي واجتماعي للوسط الصحفي في مصر ، ويصفه الرواي بأنه كل شيء هاديء في هذه الرواية ، من دون أمل في عاصفة ، هو هدوء يخفي العاصفة نفسها التي لا أمل في اندلاعها، يستسلم الرواي تماما لما يسميه قدره، لنري بطل الرواية يكف عن التفكير في أن الثورة نشبت للحظة ولم تكن سوي سراب .
ونجد الشخصيات تبرز بتناقضتها في رواية ( شقي وسعيد ) للروائي حسين عبد الرحيم التي صدرت عن دار خطوط وظلال في الأردن ، ومن وجهة نري هي أشبه بالسيرة الذاتية للمؤلف ، وهو يرصد نزوح أسرة مصرية من بورسعيد في شمال مصر إلي طلخا في أعقاب هزيمة يونية 1967 ، تتدفق أحداث الرواية في نصف قرن ، تمزج الخاص بالعام ، منطلقا من شعور داهم بالوحدة والخسران ، لتتحول الحياة إلي كابوس يطارد البطل في نومه .
علي عطا رأي في ظلال التاريخ أهمية في السرد لذا نراه يجنح نحو رواية ( غيوم فرنسية ) للكاتبة ضحي عاصي الصادرة عن دار ابن رشد في القاهرة ، وتنطلق الرواية من أحداث الحملة الفرنسية علي مصر وترك نابليون مصر وعودته إلي فرنسا ، تاركا القيادة لكليبر الذي سرعان ما تم اغتياله علي يد سليمان الحلبي ، لنري المؤلفه تلتقط خيطا رفيعا وهو تتبع المصريين الذين خرجوا من مصر مع الحملة الفرنسية ، تتبع هذه الشخصيات لم يأخذ حقه من المؤرخين ، فالرواية تفتح الباب أمام جانب في ظل التاريخ .
*المصدر: التنويري.