” تلعب اللغة دوراً مركزياً في تشكيل الخبرة والمعرفة الإنسانية وبناء الروابط والعلاقات الاجتماعية. فاللغة ليست أداة للتواصل كما يتصور البعض بل أداة رئيسية لبناء العوالم الاجتماعية “.
يهدف المقال إلى تحليل ونقد اللغة في سياقها الاجتماعي من خلال التأكيد على أن الواقع يتم بناؤه من خلال الخطاب. ويؤكد أن فهمنا للعالم لا يتشكل من خلال الحقائق الموضوعية ولكن من خلال التفاعل بين اللغة والتفاعل الاجتماعي. ويدعو هذا المنظور إلى فحص مفصّل لكيفية قيام الاتصال اليومي بإنشاء وتحديد المعايير والهويات وأنظمة المعرفة، مع التركيز الشديد على ديناميكيات القوة المضمنة في اللغة. كما أنه يمهد الطريق لاستكشاف كيف تساهم الخطابات المختلفة فيما يُنظر إليه على أنه واقع أو تعارضه، مع تسليط الضوء على دور اللغة في تشكيل وجهات النظر والسلوكيات المجتمعية.
كما يسعى تحليل الخطاب إلى توضيح دور اللغة والتفاعل الاجتماعي في بناء الواقع الاجتماعي. ويفترض أن الكثير مما نفهمه عن عالمنا ليس معطى بطبيعته، بل يتم بناؤه من خلال تفاعلاتنا واستخدام اللغة. يحاول هذا المنظور التركيز على الطرق التي يتم بها إنشاء الظواهر الاجتماعية والحفاظ عليها وتغييرها من خلال الخطاب. بناءً على مجموعة من الأسس، وهي كالآتي:
1. بناء الواقع: إن تصوراتنا للواقع تتشكل من خلال الخطابات التي نشارك فيها. فالواقع ليس كياناً ثابتاً ولكنه يتم إنتاجه وإعادة إنتاجه باستمرار من خلال ممارساتنا اللغوية والاجتماعية.
2. تشكل اللغة عنصراً تأسيسياً: اللغة ليست مجرد أداة للتواصل أو انعكاس للعالم، بل يُنظَر إليها بوصفها عنصراً تأسيسياً. فهي تبني الواقع الاجتماعي بنشاط، وهذا يعني أن الطريقة التي نتحدث بها عن الأشياء تشكل فهمنا وتجربتنا لها. على سبيل المثال، تلعب اللغة المحيطة بالجنس والعرق والطبقة دوراً حاسماً في بناء الهويات الاجتماعية وعلاقات القوة.
3. دور الخطاب: تتأسس من خلال الخطاب المعايير والقيم والفئات الاجتماعية ويتم الطعن فيها. ومن هذا المنظور، يتضمن تحليل الخطاب فحص الطرق التي تُستخدم بها اللغة لبناء وجهات نظر معينة للعالم والآثار المترتبة عليها.
4. الطبيعة العلائقية والسياقية للمعرفة: يُنظر إلى المعرفة باعتبارها علائقية وتُنتج في سياقات تاريخية وثقافية محددة. وهذا يتحدى مفهوم الحقائق الموضوعية أو العالمية، ويقترح بدلاً من ذلك أن ما نعرفه يتم بناؤه بشكل مشترك من خلال تفاعلاتنا مع الآخرين داخل بيئات اجتماعية معينة.
5. السلطة والبناء الاجتماعي: تشكل ديناميكيات السلطة جزءاً لا يتجزأ من عملية البنى الاجتماعية. فالخطابات مشبعة بالسلطة، وتعمل على ترسيخ هيمنة مجموعات أو أفكار معينة والحفاظ عليها. ويتضمن تحليل الخطاب التدقيق في علاقات السلطة هذه وكيف تؤثر على بناء المعرفة والهويات والمعايير الاجتماعية.
إن تحليل الخطاب ينبع من نقد النهج الواقعي للغة. وهو يرفض فكرة أن الواقع الاجتماعي له معنى جوهري ثابت ينعكس ببساطة من خلال اللغة. بل إنه يزعم أن المعنى يتشكل داخل اللغة ونتيجة لذلك فإن اللغة تشكل العالم الاجتماعي. وتتكون الخطابات من سلسلة من العبارات المترابطة (البصرية أو النصية) التي تشير إلى موضوع معين. وهي تخلق لغة موثوقة للحديث عن هذا الموضوع والتي لها عواقب وتأثيرات حقيقية. بعبارةٍ أخرى، تشكل الخطابات الطريقة التي يتم بها فهم قضية معينة وهذا الفهم يشكل الطريقة التي نتصرف بها. كما لا يلجأ تحليل الخطاب إلى النصوص أو الصور كمصدر للحقائق أو الأدلة حول موضوع معين. فهو لا يقرأ النصوص أو يحلل الصور بحثاً عن ” الحقيقة ” ولكنه يحاول فهم ما تدعيه النصوص أو الصور بأنه ” الحقيقة ” وكيف يشكل هذا الادعاء العالم الاجتماعي. كما يعتمد تحليل الخطاب النقدي على فكرة مفادها أن النص والكلام يلعبان دوراً رئيسياً في الحفاظ على عدم المساواة والظلم والقمع في المجتمع وإضفاء الشرعية عليه. ويستخدم تحليل الخطاب لإظهار كيفية القيام بذلك، ويسعى إلى نشر الوعي بهذا الجانب من استخدام اللغة في المجتمع، والدفاع صراحةً عن التغيير على أساس النتائج التي توصل إليها.
بذلك يُنظر إلى تحليل الخطاب بأنه مجال معقد ومتعدد الأوجه يستقي من النظريات والمنهجيات من علم اللغة وعلم الاجتماع وعلم الإنسان ودراسات الاتصال والتواصل الاجتماعي. وهو يسعى إلى ترسيخ فهم أن اللغة ليست مجرد أداة محايدة للتواصل، بل هي قوة اجتماعية وثقافية قوية تشكل فهمنا للعالم ومكاننا فيه.
وهذا يعني أن أحد الأسس المركزية في تحليل الخطاب هي فكرة أن اللغة ليست مجرد انعكاس للواقع، بل هي عامل فعال في بناء وتشكيل الواقع. فاللغة ليست مجرد وسيلة لنقل المعلومات، بل هي وسيلة للسيطرة الاجتماعية، والتفاوض على السلطة، وتكوين الهوية. ومن خلال استخدام اللغة، يمكن للأفراد والمجموعات الاجتماعية تأكيد سلطتهم، وإنشاء التسلسلات الهرمية، وتعزيز أو تحدي المعايير والإيديولوجيات الاجتماعية القائمة.
بذلك يعترف تحليل الخطاب بأن اللغة ليست كياناً ثابتاً، بل هي نظام ديناميكي ومتطور يتغير باستمرار ويتكيف مع السياقات الاجتماعية والثقافية الجديدة. ويعترف أيضاً بأن الجماعات الاجتماعية والمجتمعات المختلفة لديها طرقها الفريدة في استخدام اللغة، والتي تتأثر بتجاربها وقيمها ومعتقداتها المشتركة. كما يعترف تحليل الخطاب بأن اللغة مكان للصراع والتنافس. وقد يكون لدى المجموعات الاجتماعية المختلفة تفسيرات وفهم متضارب للغة، مما قد يؤدي إلى صراعات على السلطة والصراعات حول المعنى. على سبيل المثال، يمكن أن تكون المناقشات حول استخدام اللغة الشاملة أو تفسير النصوص الدينية مثيرة للجدال وتعكس انقسامات اجتماعية وإيديولوجية أعمق.
إن أحد الأساليب الرئيسة المستخدمة في تحليل الخطاب هو تحليل الممارسات الخطابية، والذي يتضمن فحص الطرق التي تُستخدم بها اللغة في سياقات ومواقف محددة. ويمكن أن يشمل هذا تحليل النصوص المكتوبة، والمحادثات المنطوقة، والتمثيلات الإعلامية، وحتى أشكال الاتصال غير اللفظية مثل الإيماءات ولغة الجسد. ومن الجوانب المهمة الأخرى لتحليل الخطاب دراسة الاستراتيجيات والتكتيكات الخطابية. وهي التقنيات والأساليب التي يستخدمها الأفراد والمجموعات الاجتماعية لتشكيل معنى اللغة وتفسيرها والتحكم فيها. على سبيل المثال، قد يستخدم السياسي أدوات بلاغية لإقناع جمهوره والتأثير عليه، في حين قد تستخدم الحركة الاجتماعية تقنيات التأطير لحشد الدعم لقضيتها. بناءً على ما تقدم يسعى المقال إلى مناقشة العناصر التالية:
1- أهمية تحليل الخطاب: تنبع أهمية الخطاب من خلال توضيح الطرق التي تعمل بها اللغة لتشكيل عالمنا الاجتماعي. وهي تمكن الباحثين مما يلي:
– فحص الطبيعة المصطنعة للفئات الاجتماعية: من خلال تحليل الخطاب، يمكن للباحثين الكشف عن كيفية بناء الفئات الاجتماعية مثل العرق والجنس والطبقة، وتحديها والتفاوض عليها من خلال اللغة.
– فهم دور اللغة في تشكيل الهويات: يكشف تحليل الخطاب كيف تتشكل الهويات الفردية والجماعية فيما يتعلق بالخطابات المتاحة داخل المجتمع من خلال الأدوار التي يقوم بها الأفراد في الواقع الاجتماعي وما يتمخض عنها من مراكز ومكانات اجتماعية.
– تحليل علاقات القوة: يسمح باستكشاف كيفية عمل الخطابات لتعزيز أو مقاومة بنى القوة، مما يوفر نافذة على الآليات التي يتم من خلالها إنتاج التفاوتات الاجتماعية وإدامتها.
– استجواب إنتاج المعرفة: يمكن لتحليل الخطاب أن يوضح كيف يتم إنتاج المعرفة سياقياً، مع تسليط الضوء على العمليات التي من خلالها يتم قبول بعض المفاهيم على أنها ” حقيقة ” بينما يتم تهميش البعض الآخر.
كما يؤكد تحليل الخطاب على الدور النشط للغة في خلق واقعنا الاجتماعي. وهو يدعو إلى فحص نقدي للطرق التي يتم بها بناء مفاهيمنا وهوياتنا ومؤسساتنا الاجتماعية والطعن فيها وتحويلها من خلال الخطاب. لا يثري هذا النهج تحليلنا للغة فحسب، بل يوفر أيضاً وسيلة للتعامل بشكل نقدي مع البنى الاجتماعية التي تشكل حياتنا.
2- فهم الخطاب: يشير الخطاب إلى استخدام اللغة في سياق اجتماعي محدد. ولا يشمل الخطاب الكلمات التي نستخدمها فحسب، بل يشمل أيضاً المعاني الأساسية والافتراضات وديناميكيات القوة المضمنة في اتصالاتنا. ويسعى تحليل الخطاب إلى الكشف عن البنى والإيديولوجيات الخفية التي تشكل فهمنا للعالم.
يمكن أن يتخذ الخطاب أشكالاً مختلفة، بما في ذلك النصوص المكتوبة، والمحادثات المنطوقة، والتمثيلات الإعلامية، وحتى الاتصال غير اللفظي. ويتأثر بالعوامل الاجتماعية والثقافية والتاريخية، ويلعب دوراً حاسماً في بناء النظام الاجتماعي والحفاظ عليه.
عند دراسة الخطاب، من المهم أن نأخذ في الاعتبار ديناميكيات القوة التي تلعب دوراً في هذا السياق. فاللغة ليست محايدة، بل إنها تعكس وتعزز هياكل القوة القائمة. فعلى سبيل المثال، قد يتم تهميش أو استبعاد مجموعات معينة من خلال استخدام خيارات لغوية محددة أو من خلال غياب أصواتها في الخطابات السائدة.
وعلاوةً على ذلك، يمكن للخطاب أن يشكل فهمنا للواقع. فالكلمات التي نستخدمها والروايات التي نرويها يمكن أن تؤثر على كيفية إدراكنا للعالم ومكانتنا فيه. ويمكن أيضاً أن تؤدي التمثيلات الإعلامية إلى إدامة الصور النمطية وتعزيز التفاوتات الاجتماعية، في حين يمكن للغة المستخدمة في الخطب السياسية أن تشكل الرأي العام وتؤثر على القرارات السياسية.
إن تحليل الخطاب يسمح لنا بفحص هذه البنى والإيديولوجيات الأساسية بشكل نقدي. ومن خلال تحليل اللغة المستخدمة، والسياق الاجتماعي الذي تستخدم فيه، وديناميكيات القوة التي تلعب دوراً في ذلك، ويمكننا اكتساب فهم أعمق لكيفية تشكيل الخطاب لأفكارنا ومعتقداتنا وأفعالنا.
وفي النهاية، يمكن لتحليل الخطاب أيضاً الكشف عن الطرق التي تتموضع من خلالها المجموعات الاجتماعية المختلفة في البناء الاجتماعي وكيف يتم بناء هوياتها من خلال اللغة. كما يمكن أن يساعدنا في توضيح دور بعض الخطابات في منح امتيازات معينة لمجموعات ما أو تهميشها، وكيف تسهم هذه الخطابات في إعادة إنتاج التفاوتات الاجتماعية.
3- الممارسات الخطابية: يركز تحليل الخطاب على الممارسات الخطابية التي تشكل استخدام اللغة وتتشكل من خلاله. وتشير هذه الممارسات إلى الطرق التي يتم بها استخدام اللغة في سياقات محددة، مثل: المحادثات، أو المقابلات، أو الخطب، أو النصوص المكتوبة. ومن خلال فحص الممارسات الخطابية داخل خطاب معين، يمكن للباحثين الكشف عن البنى والقواعد والمعايير الأساسية التي تحكم الاتصال وتساهم في بناء المعنى.
4- استراتيجيات الخطابة: يتناول تحليل الخطاب أيضاً الاستراتيجيات الخطابية المستخدمة في الخطاب. تشير هذه الاستراتيجيات إلى الاختيارات المتعمدة التي يتخذها المتحدثون أو الكتاب لتحقيق أهداف تواصلية محددة. فعلى سبيل المثال، قد يستخدم المتحدث أدوات بلاغية، مثل: الاستعارة، أو السخرية، لإقناع جمهوره أو التأثير عليه. ومن خلال تحليل الاستراتيجيات الخطابية المستخدمة في الخطاب، يمكن للباحثين اكتساب رؤى حول التقنيات الإقناعية أو التلاعبية المستخدمة لتشكيل المعنى والتأثير على التفسير.
5- مجتمعات الخطاب: إن تحليل الخطاب يدرك أن استخدام اللغة يتشكل ويشكل المجتمعات التي يحدث فيها. وإن مجتمعات الخطاب هي مجموعات من الأشخاص الذين يتشاركون أهدافاً وقيماً وممارسات مشتركة تتعلق بخطاب معين. وتضع هذه المجتمعات معاييرها وقواعدها وأعرافها الخاصة للتواصل، والتي تؤثر على اللغة المستخدمة داخل المجتمع. ومن خلال دراسة مجتمعات الخطاب، يمكن للباحثين اكتساب رؤى حول كيفية عمل اللغة كممارسة اجتماعية وكيف تساهم في بناء الهويات والعلاقات الاجتماعية.
6- تحليل الخطاب النقدي: يمكن لنا التعامل مع تحليل الخطاب من منظور نقدي، يُعرف باسم تحليل الخطاب النقدي. يهدف هذا النهج إلى الكشف عن البنى السلطة والإيديولوجيات والتفاوتات المضمنة في الخطاب وتحديها. ويدرس تحليل الخطاب النقدي كيفية استخدام اللغة للحفاظ على الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المهيمنة أو تحديها. ويسعى إلى الكشف عن المعاني والتحيزات والافتراضات الخفية داخل الخطاب، وتمكين الفئات المهمشة من خلال إعطاء صوت لتجاربهم ووجهات نظرهم.
وفي الختام، إن تحليل الخطاب هو نهج متعدد التخصصات يدرس الطرق التي تُستخدم بها اللغة لبناء المعنى وتشكيل الواقع الاجتماعي وممارسة القوة. ومن خلال تحليل المفاهيم الأساسية للقوة والإيديولوجية، والبناء الاجتماعي للواقع، والسياق والتناص، والممارسات الخطابية، والاستراتيجيات الخطابية، ومجتمعات الخطاب، وتحليل الخطاب النقدي، يمكن للباحثين اكتساب فهم أعمق لتعقيدات اللغة ودورها في تشكيل المجتمع.
7- تحليل السرد: تحليل السرد هو أسلوب يركز على جانب سرد القصص في الخطاب. وهو يدرس كيف يقوم الأفراد ببناء ونقل المعنى من خلال السرد، سواء في شكل مكتوب أو شفوي. غالباً ما يتضمن هذا النهج تحليل السرد الشخصي، أو المقابلات، أو النصوص الأدبية لفهم كيف يفهم الأفراد تجاربهم ويبنون هوياتهم من خلال سرد القصص.
8- تحليل الخطاب المتعدد الوسائط: تحليل الخطاب المتعدد الوسائط هو أسلوب يأخذ في الاعتبار مختلف وسائل الاتصال التي تتجاوز اللغة فقط، مثل: المرئيات، والإيماءات، والأصوات. وهو يستكشف كيف تعمل وسائل مختلفة معاً لخلق المعنى والتأثير على التفسير. وغالباً ما يتضمن هذا النهج تحليل مجموعة من النصوص المتعددة الوسائط، مثل: الإعلانات، أو الأفلام، أو مواقع الانترنت، لفهم كيفية بناء المعنى من خلال التفاعل بين وسائل مختلفة.
9- تحليل الخطاب الاجتماعي المعرفي: يجمع تحليل الخطاب الاجتماعي المعرفي بين الرؤى المستمدة من علم النفس الاجتماعي واللغويات المعرفية لفحص كيفية استخدام اللغة لبناء ونقل المعنى الاجتماعي. وهو يستكشف كيف تنعكس الهويات الاجتماعية للأفراد ومعتقداتهم ومواقفهم في استخدامهم للغة. وغالباً ما يتضمن هذا النهج تحليل المحادثات التي تحدث بشكل طبيعي أو النصوص المكتوبة للكشف عن العمليات المعرفية والعوامل الاجتماعية التي تؤثر على استخدام اللغة.
هذه مجرد أمثلة قليلة على الأساليب والمناهج المستخدمة في تحليل الخطاب. حيث تقدم كل طريقة رؤى فريدة حول كيفية استخدام اللغة، ويعتمد اختيار الطريقة على سؤال البحث وطبيعة البيانات التي يتم تحليلها. ومن خلال استخدام هذه الأساليب، يمكن للباحثين اكتساب فهم أعمق للأبعاد الاجتماعية والثقافية والإيديولوجية للخطاب.
10- الحركات الاجتماعية والأنشطة: كما تم تطبيق تحليل الخطاب لدراسة الحركات الاجتماعية والأنشطة. من خلال تحليل اللغة المستخدمة في شعارات الاحتجاج والبيانات والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للباحثين اكتساب رؤى حول الاستراتيجيات الخطابية التي يستخدمها النشطاء لحشد الدعم وتحدي الإيديولوجيات السائدة وإحداث التغيير الاجتماعي. ويمكن أن يساعد تحليل الخطاب في الكشف عن الطرق التي تُستخدم بها اللغة لبناء الهويات الجماعية وتأطير القضايا الاجتماعية وتشكيل الخطاب العام.
11– التعليم والخطاب الصفي: يتم استخدام تحليل الخطاب في البحث التربوي لفحص التفاعلات في الفصول الدراسية والطرق التي تُستخدم بها اللغة لبناء المعرفة وديناميكيات القوة والتسلسلات الهرمية الاجتماعية. ومن خلال تحليل المناقشات في الفصول الدراسية والتفاعلات بين المعلم والطالب والسياسات التعليمية، ويمكن للباحثين اكتساب رؤى حول كيفية استخدام اللغة لإعادة إنتاج أو تحديد البنى الاجتماعية والتفاوتات القائمة داخل البيئات التعليمية.
12– الخطاب والقطاع الصحي: يتم تطبيق تحليل الخطاب في مجال الصحة والطب، فقد تم استخدامه لفحص التفاعلات بين الطبيب والمريض، والاستشارات الطبية، والتواصل الصحي لفهم كيفية استخدام اللغة لبناء سرديات المرض، والتفاوض على ديناميكيات القوة، وتشكيل نتائج الرعاية الصحية. ومن خلال تحليل اللغة المستخدمة في هذه السياقات، يمكن للباحثين الكشف عن الطرق التي تؤثر بها خطابات الصحة والمرض على ممارسات الرعاية الصحية، وتجارب المرضى، والتفاوت في الصحة.
13– الخطاب والقطاع التنظيمي: يتم استخدام تحليل الخطاب في الدراسات التنظيمية لفحص الطرق التي تُستخدم بها اللغة لبناء والحفاظ على الهويات التنظيمية وعلاقات القوة والثقافة التنظيمية. من خلال تحليل الوثائق التنظيمية والاجتماعات وممارسات الاتصال، يمكن للباحثين اكتساب رؤى حول كيفية استخدام اللغة لتشكيل الممارسات التنظيمية وعمليات صنع القرار وتجارب الموظفين. يمكن أن يساعد تحليل الخطاب في الكشف عن الاستراتيجيات الخطابية التي تستخدمها المنظمات للحفاظ على القوة والسيطرة، فضلاً عن الطرق التي تُستخدم بها اللغة لمقاومة وتحدي الخطابات التنظيمية المهيمنة.
14– الدراسات الإعلامية والثقافية: يتم استخدام تحليل الخطاب على نطاق واسع في الدراسات الإعلامية والثقافية لفحص التمثيلات الإعلامية والنصوص الثقافية والثقافة الشعبية. ومن خلال تحليل النشرات والمقالات الإخبارية، والإعلانات، والأفلام، والبرامج التلفزيونية، يمكن للباحثين الكشف عن الممارسات الخطابية التي تشكل الرأي العام وتعزز أو تتحدى المعايير الثقافية وتساهم في بناء الهويات الاجتماعية. كما يمكن أن يساعد تحليل الخطاب في الكشف عن الإيديولوجيات الأساسية وعلاقات القوة والمعاني الاجتماعية المضمنة في النصوص الإعلامية والثقافية.
خلاصة القول، إن تحليل الخطاب أداة متعددة الاستخدامات وقيمة في علم الاجتماع يمكن تطبيقها على مجموعة واسعة من الظواهر والقضايا الاجتماعية. ومن خلال تحليل استخدام اللغة والممارسات الخطابية، يمكن للباحثين اكتساب رؤى حول الطرق التي يتم بها بناء الهياكل الاجتماعية وديناميكيات القوة والتفاوتات والحفاظ عليها أو تحديها في سياقات مختلفة. ويقدم تحليل الخطاب فهماً دقيقاً لكيفية تشكيل اللغة وانعكاسها للواقع الاجتماعي، مما يوفر رؤى قيمة للبحث الاجتماعي والتغيير الاجتماعي.
وهكذا يركز تحليل الخطاب النقدي على التحقيق في الطرق التي تُمارس بها القوة الاجتماعية والهيمنة وعدم المساواة، وإعادة إنتاجها، ومقاومتها أحياناً من خلال فحص أشكال الاتصال فيما يتعلق بالسياقات الاجتماعية والسياسية. إن تحليل الخطاب النقدي ليس أسلوباً معيناً بل هو موقف نقدي تجاه استخدام ممارسات الخطاب للحفاظ على الوضع الراهن في علاقات القوة. وبالتالي، يدمج تحليل الخطاب النقدي دراسات من وجهات نظر وأساليب مختلفة في دراسات الخطاب، بما في ذلك تحليل المحادثة، وتحليل الحجج، وبراغماتية الخطاب، وتحليل الخطاب المتعدد الوسائط.
فاللغة هي جزء من المجتمع، وليست خارجة عنه بصورة ما، وثانياً أن اللغة عملية اجتماعية، وثالثاً أن اللغة عملية يتحكم فيها المجتمع، أي إنها تخضع لتحكم جوانب أخرى (غير لغوية) في المجتمع. أما الظواهر اللغوية فهي اجتماعية، بمعنى أنه حيثما تكلم الناس أو أنصتوا أو كتبوا أو قرؤوا، فإنما يفعلون ذلك بطرائق يحددها المجتمع، ولها آثار اجتماعية، وحين يصل وعي الناس بفرديتهم إلى ذروته ويتصورون أنهم برئوا إلى أقصى حد من الآثار الاجتماعية وبالأخص (الأسرية)، فإنهم يستخدمون اللغة أيضاً بطرائق تخضع للأعراف الاجتماعية، والظواهر الاجتماعية اللغوية، من ناحية أخرى، بمعنى أن النشاط اللغوي الذى يجري في السياقات الاجتماعية ليس مجرد انعكاس أو تعبير عن العمليات والممارسات الاجتماعية، بل يمثل جزءاً من هذه العمليات والممارسات، كالمنازعات حول معنى بعض العبارات: الاجتماعية، أو الثقافية، أو السياسية.
_________
– المراجع المعتمدة:
– نورمان فيركلف: اللغة والسلطة، ترجمة: محمد عناني، المركز القومي للترجمة، القاهرة، العدد: 2555، ط1، 2016.
– نورمان فاركلوف: تحليل الخطاب (التحليل النصي في البحث الاجتماعي)، ترجمة: طلال وهبه، مراجعة: نجوى نصر، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2009.
– سعيد بكار: التحليل النقدي للخطاب: مفهوماته ومقارباته، مجلة الخطاب، المجلد: 16، العدد: 2، الجزائر، جوان 2021.
– عبد الخالق مرزوقي: أحاديث نورمان فيركلف حول اللغة والسلطة، موقع ساقية، 15 أغسطس 2021.
– مؤلف جماعي: التحليل النقدي للخطاب: مفاهيم ومجالات وتطبيقات، إشراف وتحرير: محمد يطاوي، المركز الديمقراطي العربي، ألمانيا (برلين)، ط1، 2019.
– Mr Edwards: Exploring Discourse Analysis: Language and Social Reality, Easy Sociology, Research Methods, Sociology of Language, April 9, 2024 – Updated on May 15, 2024. https://easysociology.com/sociology-of-language/exploring-discourse-analysis-language-and-social-reality/
– Ortega Alcázar: Visual Research Methods (Discourse Analysis), International Encyclopaedia of Housing and Home, 2012.
– T. van Leeuwen: Critical Discourse Analysis, Encyclopaedia of Language & Linguistics (Second Edition), 2006. https://www.sciencedirect.com/topics/social-sciences/critical-discourse-analysis
– Eric Mayor, Lucas Bietti: Ethnomethodological studies of nurse-patient and nurse-relative interactions: A scoping review, International Journal of Nursing Studies, 2017. https://www.sciencedirect.com/topics/social-sciences/critical-discourse-analysis
– Discourse Analyzer: Introduction to Social Constructionism in Discourse Analysis, April 6, 2024. https://discourseanalyzer.com/introduction-to-social-constructionism-in-discourse-analysis/
_______
*د. حسام الدين فياض/الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة/ قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً.