في نهاية الخمسينات كان أحد مُؤلفي السيناريو الأمريكيين مُلاحقًا ومُتهمًا بتُهم الانتماء للشيوعيَّة، وظلَّ يُعاني طويلاً هذا الاتهام في عيون الآخرين، وهذه المعاملة التي تجعل الإنسان منبوذًا وتفقده شعوره بإنسانيَّته. فقرَّر أن يكتب فيلمًا يُعبِّر عن آلام البشر المُضطهَدين. ولأنَّ أقسى درجات الاضطهاد هو الاستعباد رأى فيه اختياره الأفضل ليبثَّ كل شكواه من خلاله. كان الفيلم ثوريًّا على كل سلوك يعامل الإنسان بامتهان لإنسانيته. مما جعل أحد مُمثلي العصر يعجب به، ويبحث له عن مُخرج مناسب. حدثت في طريقهم تحالفات وخلافات وأنفقوا مبلغًا ضخمًا حينها (12 مليون دولار). وفي النهاية أخرج لنا المؤلف دالتون ترامبو، والممثل كيرك دوجلاس، والمخرج ستانلي كوبريك أحد أهمّ الأفلام التاريخيَّة، وأحد علامات السينما العالميَّة اللامعة .. إنَّه فيلم “سبارتاكوس” الذي خرج لنا في عام 1960.
فيلم “سبارتاكوس” تدور أحداثه في “روما” القديمة، وعلى التحديد في القرن الأول قبل ميلاد السيد المسيح. ولبُعد الظروف التاريخيَّة عن زماننا، ولبُعد ثقافتنا عن ثقافة روما حينها أيضًا قد نشعر ببعض الغرابة أثناء مشاهدتك، وقد تبقى لدينا بعض الأسئلة. ولا بُدَّ كي نتلقى الفنَّ تلقيًا صحيحًا، وكي نستطيع تقييمه من أن ندرك سياقه؛ الذي بدوره يفسِّر لنا الكثير من الأمور، ويجعل تجربة المشاهدة أفضل كثيرًا. ومع فيلم من أفضل أفلام التاريخ، والذي حصد خمسة أضعاف تكلفة إنتاجه -60 مليون دولار-، والذي تمَّ إدخاله في السجل الوطنيّ للأفلام في مكتبة الكونجرس الأمريكيّ يتوجب علينا معرفة بعض الأمور عن سياق الأحداث.
تذكُرُ بعضُ الأساطير أنَّ “روما” نشأت في القرن الثامن قبل الميلاد عندما رضَعَ أخوانِ من ذئبة -لذلك تجد رمز الذئب حتى الآن على كثير من معالمها مثل شعار نادي “روما” الشهير-. وعلى مدار العقود والقرون صارت روما أحد أعظم الحواضر، وأسستْ حضارة أوربيَّة وإمبراطوريَّة ضخمة تُعرف بـ”الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة”. حيث بدأت هذه المدينة تستولي على جميع مدن “إيطاليا” الأخرى، ثم تتوسَّع في القارة الأوربيَّة وتتوسَّع حتى لمْ تعد مدينةً بعد، بل دولةً ضخمةً.
وفي هذه الأوقات كانت هناك حضارة أوربيَّة بدأت في الذبول هي حضارة “اليونان” القديمة التي عرفناها بالفلاسفة كسقراط، أفلاطون، أرسطو. و”اليونان” ليست دولة مُوحَّدة بل هي مُدُن؛ حيث كانت الوحدة الحضاريَّة آنذاك هي المدينة مثل “أثينا”، “اسبرطة” اليونانيتَيْن، و”روما”. وتغيَّر كل شيء عندما غزتْ روما اليونان. فرغم أنَّ الروم غلبتْ اليونانَ إلا أنَّ هذا في الحرب فقط. فقد كانت اليونان متفوقة عليها في غالب معالم الحضارة والفكر والعلوم. وكما يقول “ابن خلدون” في مقدمته: “إنَّ المَغلوب مُولَعٌ بتقليد الغالب”؛ فالرومان المغلوبون في الحضارة -المنتصرون في الحرب- قلَّدوا كل شيء في اليونان الغالبة في الحضارة -المنهزمة في الحرب-. ومن بعد غزوهم لليونان صارت لديهم حضارة فكر وأدب، وأبدعوا في القانون وفنونه -والقانون الرومانيّ أحد مصادر القوانين في أوربا-.
وكانوا كما اليونان أيضًا في تعدد الآلهة لذلك نجد في الفيلم الكثير من الإشارات لآلهة عديدة، آلهة مجسَّدة في تماثيل، وغير مجسَّدة. حتى اشتهر بينهم قول: إذا مشيت في الطريق ستقابل آلهة كثيرة ولا تقابل رجُلاً واحدًا. وقد كان لديهم احترام -متفاوت- لهذه الآلهة؛ خاصةً بعد أن دافعت الدولة عن نظام تعدد الآلهة. لذلك في الفيلم نجد أحدهم يقول: إذا لم يكنْ هناك آلهة على الإطلاق كنتُ سأتخيلها. لكنَّ الرومان لم يتوقفوا عند بلاد اليونان بل أكملوا في غزوهم للأرض حتى استولوا على رقعة كبيرة من الكرة الأرضيَّة.
وفي ظلَّ هذه الرقعة الضخمة للدولة كان لا بُدَّ للحُكم من نظام. وقد كان المجتمع الرومانيّ طبقيًّا يُفرِّق بين الناس حسب مولدهم؛ فهناك النبلاء وهناك الشعب. واليونان أيضًا كانت تفعل ذلك، بل كانت مُؤيِّدة أشد التأييد لاستعباد البشر؛ ويظنُّ الكثير من المثقفين أن “أفلاطون” ومثاليته المشهورة قد ترفض هذا، لكنَّ الاستعباد وتقسيم البشر كان أحد دعائم رؤيته للدولة كما في كتابه الأشهر “الجمهوريَّة”. كما أن روما فعلت مثل اليونان فاعتقدت أنَّها أفضل البشر كلهم، وأن مواطنها هو أرقى من البشر أجمعين؛ وبذلك سهل عليها أن تستعبد غيرها.
وتداولت كثير من الأنظمة على تاريخ الروم؛ لكنْ من الممكن تسمية نظامها بحُكم الأرستقراطيَّة وهي حكم الطبقة النبيلة أيْ الراقية المرتفعة عن بقية الناس. لذلك نجد في الفيلم مجلسًا هو “مجلس الشيوخ” فيه علية القوم من القوَّاد والأغنياء هم مَن لهم حقّ تعيين “القنصل”؛ وهو الحاكم الفعليّ لكنَّها كانت تعيِّن قنصلَيْن كي لا ينفرد أيٌّ منهما بالحكم دون الآخر، مدة حُكم كل قنصل عام واحد فقط. وهناك منصب آخر فيه ينفرد شخص واحد فقط بكل سلطات الدولة دون الرجوع إلى أحد يُسمَّى “الديكتاتور”. وهذا المنصب لا يشغله أحد إلا في حالات الخطر الداهم على الدولة. وهذا ما سنراه في الفيلم عندما طلب “كراسوس” أن يكون ديكتاتورًا، ولهذا أيضًا سنجد “جراكوس” يحاول بكل الطرق أن يبعده عن هذا.
وفي ظلّ نمو روما وإمبراطوريَّتها تزداد حاجتُها إلى مزيد من العبيد الذين يخدمون طبقة النبلاء من نبلاء الدم، والفرسان، والأغنياء، وكثير من الرُّتب المستحدثة. وصارت روما مكانًا لأضخم تجمُّعات الرقيق. وعندما زاد الرقيق هذه الزيادة الملحوظة بدأ الأمر يدخل حيِّز الخطورة. خاصةً في ظل معاملة قاسية تُمارس عليهم. ويكفي أن تعلم أنَّهم كانوا يستغلون العبيد لترفيه أسيادهم بكل الطرق؛ بما فيها أن يصارعوا بعضهم حتى الموت، أو يصارعوا حيوانات ضاريَّة مثل الأسود. لذلك قامت عدة ثورات من العبيد ضدّ الدولة؛ كان من أشهرها ثورة العبيد الثالثة التي خرج فيها أحد العبيد واسمه “سبارتاكوس” ليشعل مع مجموعة من رفاقه نيران الثورة مُكتسحًا أراضي روما.
بدأ الأمر كله من رفض هذا العبد المُتمرِّد معاملته الدائمة من أسياده كحيوان. ولعلَّه في هذا ليس مُتمرِّدًا فلا يُعدُّ مُتمرِّدًا مَن يعترض على هؤلاء الذين يدرِّبونه كي يموت في النهاية أمام أسياده ليُسعدهم؛ وما اعتراضه إلا لأنَّهم في أثناء تدريبه يُعاملونه معاملة الحيوانات! .. يتضافر هذا مع بدء حبه لعبدة هي فيرينا التي أحيت قلبه من بعد موت، وأشعلت جذوة الروح فيه. وفي ذات يوم وبعدما تعرَّض لموقف إنسانيّ حاسم يقرر سبارتاكوس أن يتعدَّى بالضرب على مُدربه، ويشعل صدور زملائه فيعتدون على بقيَّة الحُرَّاس، ويستولي العبيد على المكان كلَّه. ثم يقررون أن يتجهوا إلى قارة أفريقيا عن طريق مواني مدينة “البندقيَّة” ليتخلصوا من العبودية إلى الأبد. لكن تقف أمامهم صعاب كثيرة؛ فلن تقف روما مكتوفة الأيدي وهي ترى العبيد الحقراء يستولون على الدولة. وفي الجانب الآخر نجد صراعات روما ومجلسها ونبلائها في طريقة الوقوف أمام هذا الخطر الداهم الذي يهدد بقاء الدولة من الأساس. وبين هذا الجانب وهذا الجانب يتقلَّب بنا فيلمنا الرائع الرائق.
الفيلم إنسانيّ بامتياز، صيحة من صيحات الإنسانيَّة التي تعزز قِيَمها أمام قيم غير إنسانيَّة؛ أهمُّها رغبة الإنسان في التحكم في أخيه إلى حدّ الموت والحياة. وقد أفعم هذه المعاني في الفيلم تجربةُ المؤلف الحقيقيَّة في مواجهته لتُهم “الماكارثيَّة” (نسبةً إلى جوزيف ماكارثي نائب مجلس الشيوخ الذي أطلق الاتهامات وهيَّج الدولة بداعي انتماء الكثيرين في الخفاء للشيوعيَّة، وقد تسبب في التحقيق والحبس والتعذيب لكثير من المثقفين والكُتاب الأمريكيين). وهنا نجد المؤلف يصبُّ جزءًا كبيرًا من اهتمامه على مجلس الشيوخ المُوازي في روما القديمة، ويتعرَّض لكل المشاعر والأفكار التي تُذكي التحكُّم في الغير وتزيد في النفس السلطويَّة. في مقابل الحبّ والرقة والعذوبة في أمثال شخصيات سبارتاكوس، فيرينا، والعبد المُغنِّي.
الفيلم اهتمَّ بمعاني كثيرة قد يكون من أهمّها التحكُّم في الغير، و التهالُك نحو السلطويَّة، لكنَّ أرقى معانيه تمثَّلت في استخدامه لأسلوب المقابلة أو الموازنة بين أحلام السلطة وأحلام البُسطاء، بين آمال الطامع في المزيد من النفوذ وآلام الطامح في القليل من حقوقه، بين روح القيادة الحرَّة النزيهة وبين غدر السياسة وآلاعيبها. وهناك عدة مشاهد نُفِّذت عن طريق تقنية تُسمَّى بـ”المونتاج المُوازي” توضح أنَّ هذه المقابلة أحد أهم ما يطمح الفيلم في زرعه في نفوس مُشاهديه.
وفي الفيلم حوار لطيف جدًّا بين سبارتاكوس ومبعوث تُجَّار البندقيَّة عن المحاولة الإنسانيَّة في ظلّ الصعوبات التي قد تواجهها هذه المحاولة. والتي قد تجعل محاولة الإنسان ضربًا من المُحال من الجميل أن نتأمَّلها.
واستمرارًا لأسلوب المقابلة في المعاني نجد الفيلم يستغلّ شخصيتَيْن في مجلس الشيوخ هما كراسوس وجراكوس ليعرض لنا نموذجَيْن مُتقابليْن من السياسة ما بين اعتبارات الشرف والمجد والتمجُّد والتقاليد والحزم وبين اعتبارات العمليَّة والبرجماتيَّة النفعيَّة. وما زال هذا الحوار يدور في جنبات السياسة وعلومها حتى الآن، وسيظلُّ دومًا.
وقد تميَّز السيناريو بكثير من المميزات منها أنَّه سيناريو ملحميّ، ومنها تميُّز شديد في الحوارات التي اتسمت بالشاعريَّة البالغة، وبالجمل القويَّة المليئة بالمعاني، وأيضًا تميَّز السيناريو بإدخال نماذج إنسانيَّة متشعِّبة في حيِّز الفيلميَّة بشكل واضح ومؤثر على المشاهد.
وقد يبدو أبرعَ ما في التأليف أمران: تفادي السذاجة في تناوله لرجال عالم السياسة؛ فلمْ يُقدِّم نموذجًا للخير المطلق ونموذجًا للشرّ المُطلق، بل قدَّم دوافع حقيقيَّة لكل اتجاه، وقال بأنَّ لكل اتجاه شيئًا من الصواب يستند عليه. وهذا ما يضع أمام المشاهد نماذج حقيقيَّة أبعد عن النماذج الكرتونيَّة التي تقدم دائمًا. الأمر الآخر هو تجريد شخصية سبارتاكوس؛ حيث قدَّمها المؤلف بصورة أقرب للمعنى المُجرِّد منها للإنسان، وكأنَّها معاني مُشخَّصة -أيْ في صورة شخص-. معاني البحث عن الإنسانيَّة، والرغبة في العيش الكريم، والتفاعل مع الحياة بطبيعيَّة وبحُريَّة، والتمتع بحبّ هادئ مع زوجته ومع الآخرين.
مخرج الفيلم هو الشهير “ستانلي كوبريك”. وباختصار كوبريك يعني التميُّز في التصوير وأعتقد أن هذا الرجل لو أخرج فيلمًا في أول القرن العشرين أو في آخره فسينتج واحدًا من أبرع آيات التصوير السينمائيّ مهما كانت الأدوات المساعدة. وفيلم “الالتماع” ( The Shining ) خير دليل أمام الجميع على تفرُّده. ولعلَّ مُشاهد اليوم سيشاهد الفيلم وسينسى منذ لحظاته الأولى أنَّ الفيلم أنتج قبل ستيِّن عامًا مضت! .. الفيلم باختصار آية من آيات التصوير السينمائيّ؛ ولعلّ الصعوبة في هذا تُكشف إذا تخيلنا أمرين: الظروف التاريخيَّة التي يدور فيها الفيلم ومُجريات السيناريو، وكذلك أدوات التصوير قبل ستين عامًا.
قبل ستين عامًا لمْ يكن هناك خدع رقميَّة ومنظومات كاملة من (VFX) التي تبهر عيوننا الآن فاستغلَّ كوبريك اللوحات الورقيَّة المَرسومة، وكذلك التكوينات الكرتونيَّة (الماكيت)، ومواقع التصوير المُحاكي (الاستوديو الداخليّ) في إكمال ما لا يستطيع التصوير الحقيقيّ أن ينجزه أصلاً. وهذه وحدها يجب أن تُحترم. كما أعطانا وليمة من زوايا التصوير، وحركات الكاميرا. كل هذا صنع حقًّا فيلمًا يُحترم على صعيد الإخراج. كما لا بُدَّ في هذه النوعيَّة من الأفلام أن نُراعي فكرة التعامل مع المجاميع (وهم هؤلاء الأفاضل الذين يمثلون دور الجنود في الجيوش وغيرها) وقد أحسن التعامل معها. وكذلك التعامل مع الأداء التمثيليّ الذي امتاز هو الآخر وهذا من لمسات المخرج.
الممثلون جميعهم أجادوا وتفننوا في أدوارهم وكثير منهم ترشَّح لجوائز كبيرة وقد فاز الممثل “بيتر أوستينوف” الذي قام بدور مدير مدرسة العبيد بجائزة أفضل تمثيل مساعد في الأوسكار. والحقيقة أن اثنين من الممثلين سيخطفان عينَيك هما “لورانس أوليفيه” الذي قام بدور (كراسوس) الذي سيجبرك على احترامه وتصديق أدائه المتفرِّد، والآخر هو “تشارلز لوتون” الذي قام بدور (جراكوس) هذا الممثل استطاع بحنكة واقتدار أن يفرِّق بين أداءاته وهو أمام مجلس الشيوخ وأداءاته وهو يصارع الأوَّل بصورة مثيرة للإعجاب. وهنا لا يجب أن ننسى مِرآة الفيلم كلِّه وهو “كيرك دوجلاس” الذي قام بدور (سبارتاكوس) نفسه والذي ما كان للفيلم أن يصنع تأثيرًا لدى المشاهد إلا بإقناعه إياه بكل تفاصيل دوره، وأحقيَّة وجوده على الشاشة. ومعلوم أن “كيرك” غادر دنيانا منذ أيام عن عُمر 103 عامًا.
الأفلام التاريخيَّة لديها خصوصيَّة في التنفيذ وهي دخولها في حيِّز خاص بعيدًا عن عالمنا الذي يعيشه المُشاهِد لذلك عليها عبء ليس على بقيَّة الأفلام؛ وهو أن تجعلك تصدِّقها وتقتنع بها. هذا العبء يُلقى على جزئيَّات كثيرة مظلومة دائمًا في تقييم الأعمال السينمائيَّة ولا يذكرها الكثيرون ممن يكتبون عن الأفلام مثل الأزياء، التزيين وتصفيف الشعر، تصميم الإنتاج، الموسيقى. كل هذه العناصر كانت بالغة الجودة في فيلمنا البديع هذا. وقد حصلت عناصر الأزياء وتصميم الإنتاج على جائزتَيْ أوسكار. لكنَّ الموسيقى هي أظهر ما قد يقابلك أو يسحر حسَّك بالأساس.
اعتمد التأليف الموسيقيّ في الفيلم على مقطوعتَيْنِ اثنتين واحدة منهما للمشاهد القتاليَّة ومشاهد الخطر، والأخرى لمشاهد الرومانسيَّة أو العاطفة المحضة. وقد تمَّ استخدام المقطوعتين كثيرًا في الفيلم -وهذا يكون قرار مخرج الفيلم لا المُؤلِّف الموسيقيّ-. لكنَّ الاستخدام كان يخفّ في مشاهد الحوار، ويتركَّز على مشاهد الصورة وحدها. ولا داعي لتكرار وصف التأليف الموسيقيّ بالإجادة فسماع بعض ما في الفيلم كافٍ لتقرير الأمر. وهناك مقطوعات أخرى غير الاثنتين لكنَّها كانت جانبيَّة أو مقطوعات مُساندة.
وهناك بعض الأخطاء التي قد تغتفر مثل المبالغة الاعتياديَّة في التأثيرات الصوتيَّة -وكانت سمة العصر السينمائيّ كله-. وبعض الاختلافات في تسجيل الجمل الحواريَّة من حيث قوة الصوت وحدته (هذه أخطاء تحدث بسبب لواقط الصوت والتعامل معها في ظروف التصوير القاسية حسب طبيعة هذا الفيلم). ومن الأمور التي قد يلحظها المشاهد هي الاختلاف أو التفاوت اللونيّ بسبب الانتقال بين مواقع التصوير الحقيقيَّة (صحراء مثلاً) ومواقع تصوير مُحاكية (استوديو) في نفس المشهد. وبالعموم لمْ يكن في الإمكان أفضل مما كان.
وفي الأخير قد يسأل البعض لِمَ قد أشاهد فيلمًا كهذا؟! .. إنَّه فيلم يقدم سينما معاني نظيفة من كل ما قد يقلق بصرك ويصبُّ اهتمامه على ما يريح قلبك وعقلك. كما أنَّك حينما ستراه ستدرك كم هو جميل مشاهدة أفلام ليست رقميَّة وسماع موسيقى (بالغة التميُّز) معزوفة بالفعل وليست خارجة من خوارزميات حسابيَّة على الحواسيب، ورؤية مشاهد حقيقيَّة خالية من زيف الرقميَّة الذي طفح به زماننا هذا. كم هو جميل أن ترى محاولة إنسان في أن يُريك شيئًا راقيًا ليُدخل في قلبك شعورًا راقيًا؛ وهذا ما يفعله هذا الفيلم.
___________
*عبد المنعم أديب- كاتب.
*المصدر: التنويري.