استيقظتُ مَفزوعةً على إثرِ حُلمٍ بحَيوانٍ من طائفةِ العنكبوتيات، فاستعذتُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم، و ظَـلَـلتُ خَائفةً غيرَ مُطمَئنة.
أمسَكتُ دَفترَ تفسيرِ الأحلامِ للنابلسيِّ لأجدَ فيهِ أنهُ في المَنامِ يَـدُلُّ على الهَـمِّ والنَّـكَـدِ منَ الإنسانِ النَّـمَّام.
ما هذا الحَيَوانُ المفزعُ؟! في الحقيقةِ وفي الخيالِ، إنهُ العَـقرب، من طائفةِ العنكبوتياتِ، لَهُ ثَـمانيةُ أقدام، ويَـعيشُ في المناطقِ الحارةِ والجافّة. ويَـذكُرُ العلماءُ أن العَقاربَ لا ترى، فرُؤيتُها ضَعيفةٌ جداً، ولا تسمعُ ولا تشُم، بل تعتمدُ على الذبذباتِ الصَّوتيةِ والاهتزازاتِ لمعرفةِ اتجاهِ فريسَتها. إنهُ حَيوانٌ قويٌ رغمَ صِغَرِ حجمه.
لـقَـد ذَكَرَ الدكتور مُحمد راتب النابلسيّ أنهُ كانَ قد قَـرَأَ مَقالةً مَضمُونُها أنَّ فَـرَنسا قبلَ خمسٍ وثلاثينَ عَاماً قامَتْ بتَـفجيرِ نَـوويٍّ في صَحراءِ الجزائر، وهذا التفجيرُ النوويُّ لهيبٌ حارق، وضغطٌ ماحق، فالإنسانُ يتوهمُ أنَّ التفجيرَ النوَويَّ يقـتُـلُ الكائناتِ الحية بفعلِ الحرارةِ المرتفعة، هذا الكلامُ صحيح، ولكن كلاماً لا يقلُّ عنهُ صِحّةً أنَّ الضَّغطَ الذي يُـولِّـدُهُ هَذا الانفجارُ يَسحَقُ كُـلَّ شيءٍ، فمَـن لم يَـمُت بالحرارةِ ماتَ بالضغط، فإذا قُـلنا: انفجارٌ نَوَويّ، فينبغي ألا يبقى كائنٌ حَيٌّ كائناً من كانَ بعدَ هذا الانفجار. طبعاً هذا الانفجارُ لا يُبقي نباتاً، ولا حيواناً، ولا إنسانًا، هذا الانفجارُ أحدَثَ حُفرةً كبيرةً جداً، وشكَّـلَ كُـرَةً من النارِ تعلو إلى مسافاتٍ شاسعة، وبعد نهايةِ الانفجارِ وسُكونِ الأرضِ وجدوا عقرباً يَمشي في أرضِ الانفجار، إنها مُفاجئةٌ غريبةٌ عَجيبة! شيءٌ مُدهشٌ، شيءٌ غيرُ مُجرّبٍ في البحوثِ العلمية، لذلكَ عكفَ علماءُ الحيوانِ ربعَ قرنٍ على دراسةِ هذا العقرب !!
لقد وجدَ العلماء: الآن يبدأُ المغزى، وجدوا أن العقربَ يستطيعُ أن يبقى بلا طعامٍ ولا شرابٍ لثلاثِ سنوات، ووجدوا أن العقربَ يستطيعُ أن يكتُـمَ أنفاسُه تحتَ الماءِ يومينِ كاملين، ووجدوا أنه إذا وُضع العقربُ في ثلاجةٍ وكانت البرودةُ من عشرِ درجاتٍ إلى عشريَن درجةٍ تحتَ الصفر فإنه لا يتأثر، فلو نُقلَ إلى رملِ الصحراءِ المحرقةٍ في درجةِ ستين فإنه يتكيفُ مع هذا التبدلِ الحراريِّ الطارئ.
ثُـمَّ إنهُ إذا وُضِعَ في حَمّامٍ منَ الجَراثيمِ الفظيعةِ لم يتأثرَ بها إطلاقاً، وكأنه في حمامُ بارد، ثم إنهم عرَّضوه لأشعةٍ نوويةٍ تزيدُ ثلاثمئةِ ضعفٍ ما يتحملَهُ الإنسانْ فتحملَها، شرّحوه فلم يجدوا فيه دماً، بل فيه مصلٌ أصفر.
يا إلهي سُبحانَ اللهِ الخالقِ المقدر، ماذا لو كنا عقارب؟؟ نعيشُ رَغماً عن كل الظروفِ و المصاعب، لا نشقىَ لا ونَـألَمُ لا نموت. كم ستحتَمِلُ الأرضُ من أعدادٍ بشرية. نعم، إنهُ اللهُ المقدرُ الذي جعلَ الموتَ والحياةَ ليبلوَنَا أيُّـنا أحسنُ عملاً.
أمَّا أكثرُ ما يُخيفُنا منها فهو سُمٌها، أعاذنَا اللهُ وإياكم منه، حيثُ يُعتبرُ سُمُّ العقربِ مَصدراً مُفزعاً للناسِ منها وهي تَستَخدمُ السُّمَّ لتخديِرِ فرائِسِهِا وللدفاعِ عن نفسها وقد لاحظَ العلماءُ أنَّ العقاربَ التي تكونُ مَقارضُها ضعيفةً تكون سُميتُها أقوى، والعجيبُ أن أغلبَ فرائِسها من اللافقارياتِ الصغيرةِ غيرَ أن سُمَها أكثرُ تأثيراً في الثدييات.
ويُعزى ذلكَ للدفاعِ عن نفسها من الثديات. ويتركبُ السُمَ من أنزيماتٍ ومركباتٍ بعضُها تسببُ الآلامَ المُبرحةَ للملسوع، ومركباتٍ أخرى تؤثرُ على الجهازِ العصبي، حيثُ تخدرُ الجسمَ وتسببُ لهُ الاضطرابَ في التنفسِ وهبوطٍ في دقاتِ القلب. وتبلغُ الآلامُ والاضطراباتُ أشُدَها بعد تقريباً ساعةٍ من اللسعة، وتستمرُّ لمدةِ ساعةٍ أو ساعتين، يبدأُ بعدها التحسن، وينتهي كلَ شيءٍ بعد يومينِ أو ثلاثة. وتختلفُ حساسيةُ الناسِ للسُمِ حسبَ العمرِ والوزن، فالصغارُ وكبارُ السنِ أكثرُهم تأثراً بالسُم. الصغارُ لصغرِ وزنِهم حيث يكونُ تركيزُ السُمِ في أجسامِهم أكثر، والكبارُ لضعفِ مناعةِ أجسامهم. والأعراضُ التي تصيبُ الملسوع تختلفُ من شخصٍ لآخر، ومنها على سبيلِ المثال، ارتفاعُ درجةِ الحرارةِ وضغطِ الدمِ أو هبوطهِ وزيادةٍ في التعرقِ وسيلانِ اللعابِ ونزولِ الدموعِ اللاإرادي وألمٍ شديدٍ في موضعِ اللسعةِ وإسهالٍ وترجيع. وعند الدخولِ للمستشفى يعطى الملسوعُ مصلاً.
أتمنى ألا أحلُم بك ثانيةً وألا أقابلكَ في حياتي أيضاً.