حوارية الاجتماع السياسي الأردني من التأسيس إلى التطوير
الحمارنة: الذين يدافعوا عن سياسات القمع هم من يقوِّضوا استقرار الدولة ولا بديل عن الانفتاح السياسي
قال الدكتور مصطفى حمارنة : أنه لابديل عن الانفتاح السياسي وأن كل مبررات الإغلاق لم تعد متواجدة، والهوية الوطنية الجامعة هي السبيل لمواجهة الأزمات.
وكان الحمارنة قد تحاور مع نخبة من الشباب الأردني خلال ندوة مع نخبة من الشباب بعنوان “الاجتماع السياسي الأردني من التأسيس إلى التطوير” (ضمن سلسلة حواريات المئوية التي يعقدها معهد السياسية والمجتمع بالتعاون مع صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية) بهدف توثيق الذاكرة السياسيَّة في ذهنية جيل الشباب، يوم الجمعة 26آذار (عبر تطبيق الزووم).
وتقوم فلسفة الحوارية، على عقد جلسات مشتركة بين الخبراء والباحثيين والسياسيين الأردنيين، ومجموعات من الشباب يمثلون مختلف مناطق وشرائح المجتمع الأردني، من خلال توظيف الفضاء الرقمي في بناء السردية التاريخية الأردنيَّة، بمنهجية نقاشية حواريّة، حيث تكون المئوية الأردنيَّة الأولى مدرسة للمئوية الثانية القادمة.
ويذكر أن د. مصطفى الحمارنة عضو مجلس الأعيان، وأستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية كما شغل منصب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية.
التطور السياسي للمجتمع الأردني
بدأ الحمارنة حديثه عن بدايات تأسيس الدولة الأردنية و وجودها ضمن منطقة الهلال الخصيب التي تشكلت بفعل التدخلات الخارجية لو تركت المنطقة لوحدها لكان هناك أشكال مختلفة لدولة واحدة أو أكثر ، ووجود إمارة شرق الأردن لأنهم أرادوا منها أن تكون حاجز بين سوريا والجزيرة العربية وحتى يلجأ لها الفلسطينيين حيث كان الحديث قائم عن وطن قومي لليهود .
ثم أكمل الحديث عن خصوصية قيام الدولة الأردنية وتأثير ات الاستعمار عليها وطبيعة المجتمعات التي تواجدت في شرق الأردن حيث قال أن الإنجليز عندما جاءوا الحكم كان استعماريا بالكامل ، امسكوا بكل مقدرات الدولة ولم يريدوا أن ينفقوا المزيد من أموال الامبروطورية على الأردن. وفي وقت الإمارة لم يكن للإدارة الأردنية أي دور في رسم السياسة الخارجية ، سمح لنا فقط بفتح قنصليات في الثلاثينيات في العراق ومصر وسوريا وأن لا تعمل في أي مجال دبلوماسي مع تأكيد أن يكون الإنفاق عليها أردنياً.
حيث لم تتوفر العوامل الموضوعية لأن تبرز دولة مستقلة في هذه البقعة الجغرافية وأهم هذه العوامل أنه لم يكن لدينا فائض اقتصادي ننفق فيه على البيروقراطية ، ولم يكن هناك نخبة لها قاعدة اقتصادية واجتماعية ولها نفوذ على مساحة الوطن الجغرافية. جاءت الدولة من الأعلى تداخلية ومركزية في غياب الموارد كان يجب على الدولة أن تتدخل في المجال الاقتصادي، كذلك في فترة الانتداب كان الإنفاق على الجانب الاقتصادي وخلق فرص العمل وفتح المدارس والمستشفيات.
الحدث الوحيد المهم اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً في عهد الإمارة هو نمط الاستقرار الذي حدث الانتقال من البداوة إلى الاستقرار لأن تاريخ شرق الأردن في القرن التاسع عشر خلافات حادة بين المجتمعات الزراعية الصغيرة الضعيفة والقبائل البدوية ، لكن مجيء كلوب باشا وتأسيسه قوات البادية أوقفوا الغزوات وأنشأوا محطات أمنية ساعدت ودعمت في استقرار المجتمع الأردني.
شهدت الأردن في تلك الفترة غياب للمجتمع الحضري وغياب للتواصل لم ينشط المجتمع المدني ولا الجامعات ولا المقاهي، حدثت بعض المعارضات المحدودة التي لم يكن لها تأثير في الشارع مثل ثورة البلقاء والتحركات لمناهضة المعاهدة الأردنية البريطانية والمطالبة بمقاطعة انتخابات المجلس التشريعي، لكن الحياة السياسية كانت بدائية، التعقيد يبدأ عندما تزدهر المدن ويتحرك الناس إلى المدن و يتأطروا للدفاع عن مصالحهم من خلال النقابات والأحزاب ، كذلك الظروف الموضوعية وإمساك الدولة بالموارد لم يساعد على بروز موقف مستقل وخلق قيادات وزعامات وطنية مستقلة.
كما أضاف الحمارنة أننا عانينا كمجتمع أردني من نمط استقرار عشائر بأكملها حيث لم تختلط هذه التجمعات ببعضها، هذا الجذر التاريخي عمق مفهوم الهوية الفرعية التي نعاني منها اليوم وتأثيرها الثقافي ، لكن الجيش العربي لعب دورا حداثيا من هذه الناحية حيث شكل تجنيد المواطنين به تعزيزاً لعلاقة فردية مع الجيش كما ساهم الجيش العربي وقوات البادية إلى دفع الاستقرار .
تأثير النكبة الفلسطينية على النشاط السياسي في الأردن
تحدث الحمارنة عن أن النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948 كانت كارثية لكنها؛ لم تقرأ بصورة موضوعية فقد ساهمت بنهضة تعليمية كبرى في الأردن كما ضاعفت الفئة المتعلمة من أطباء ومهندسين ومعلمين ، الذين ساهموا في بناء بيروقراطيات عديدة في الوطن العربي. حيث ساهمت وحدة الضفتين فيما بعد بتغيير النشاط السياسي في بلادنا من مجتمعات لا يوجد بينها اتصال إلى حواضر يحركها المجال العام، كانت القضية الفلسطينية هي المحرك الأساسي نتيجة الظلم الهائل الذي وقع على الفلسطينيين، أضاف أن الملك عبدالله الأول قدم تنازلات للقيادات الفلسطينية مقابل شكل من أشكال الوحدة، وأنه ليس كما يشاع أنه كان هناك رغبة حقيقية جارحة في الانضمام إلى المملكة.
وأتبع الحمارنة بأنه خرج النظام الأردني من حرب عام 1948 مشبوها وأن هذا الانطباع غير موضوعي، حيث كان تعداد الجيش العربي حينها 4000 ويغطي مناطق يستحيل عليه تغطيتها، وأن الانطباع الذي ساد عند الفلسطينيين أن الملك والأردن لعب دورا تآمرياً مع اليهود تعمق هذا الانطباع بعد معركة الرملة واللد، بعد الوحدة كان هناك كتل بشرية هائلة تعارض النظام .ظل غياب الحريات حتى مجيء الملك حسين وأحضر معه فوزي الملقي رئيساً للوزراء كان رجل يؤمن بالديمقراطية.تحدث الحمارنة أن النظام الأردني منذ تأسيس الدولة نظام محافظ عربي قومي تداخلي يرتبط بتحالفات مع الغرب الإمبراطورية البريطانية آنذاك.
التحديات التي واجهها الانفتاح السياسي
بدايةً تحدث الحمارنة عن التحديات التي واجهتها الأردن كدولة في الاعتراف الدولي واعتراف الأمم المتحدة بها، حيث لعب الاتحاد السوفييتي دور في منع الأردن من دخول الأمم المتحدة واستخدم حق النقض الفيو مرتين في قرار انضمام الأردن ، وكذلك دور المنظمات اليهودية في البيت الأبيض في عدم الاعتراف بالأردن سياسيا للرغبة في الاستيلاء على الأردن.
كما لعبت ثورة 23 يوليو في مصر ، وموقف عبد الناصر حيث أدخل السوفييت كقوة فاعلة في المنطقة أعلن الملك حسين تأييده لتأميم قناة السويس وحاول أن يحتوي المشهد ، لكن النظام لم يكن يستطع أن يصمد أمام الدعايات التي تأتي من مصر وزاد من تعقيد المشهد وقلق النظام هو الانقلاب على الهاشميين في العراق أصبح النظام يستشعر بالخطر ، والانقلاب على حكومة النابلسي والدخول في مرحلة قمع، والاعتقاد بأن أي انفراج سياسي سيطيح بالنظام. بعد حرب 1967 دخلنا في انفتاح سياسي بعنف حتى وصلنا إلى صدام مسلح.
انفتاح سياسي وهوية وطنية جامعة
في سياق الحديث عن الانفراجات السياسية أكد الحمارنة أنه لأول مرة في التاريخ السياسي الأردني منذ عام 1920 يتحرك الأردنيون لأسباب مطلبية داخلية محضة شعاراتها تطالب بتحسين الوضع الاقتصادي والحريات عامة. قرأ الملك حسين المشهد، ألغيت الأحكام العرفية وأعلنوا عن انتخابات حرة ، كما ذكر الحمارنة أن إلغاء الفقرة (هـ) التي نصت على أن كل من يريد إسقاط النظام ممنوع من الترشح على الرغم من مطالبة بعض الكتاب الإبقاء عليها أعطت مصداقية كبيرة للانتخابات. كما قال الحمارنة أن هذا موقف تاريخي للملك في أزمة عميقة ومركبة لابد من المشاركة السياسية.
كما أضاف أن هذا الانفتاح سبقه تغييرا جذرية حيث غابت كل مبررات الأحكام العرفية والعوامل الخارجية الضاغطة بعد الانفراج تفكك الاتحاد السوفييتي وموت عبدالناصر وقوى اليسار التي شكلت ضغط عليه ما عادت موجودة، المبرر الأساسي للإغلاق لم يعد موجود، السياسة التي تتبعها “المخابرات وأطراف الدولة الأخرى” بمعاداة القوى السياسية والأحزاب بحجة حماية الاستقرار هي التي تقوض الاستقرار، ولا يوجد مبرر لأي قيود.
قال بأن الأسس الذي يجب أن تقوم عليه علاقة الدولة بالمواطن هي المواطنة وتكافؤ الفرص والعدالة. وأنه عندما أصدرنا “تقرير حالة البلاد جاءني الكثير من العتب من المسؤولين الحاليين والسابقين هل من المعقول أنه لا يوجد إنجاز” وبأن الانجاز موجود وإنجاز كبير لدينا قامت لدينا المدارس والجامعات لكن علينا أن ننتقل من الكم إلى النوع ، وأن المعضلة الأساسية في الدولة اليوم في إدارة الدولة هناك تراجع كبير، علينا بناء المؤسسات مؤسساتنا ضعيفة وسلطة القانون هي التي تحقق العدالة.وأن العامل الوحيد الذي سيساعدنا للانتقال من حالة لأخرى مجتمعياً هو التعليم.
كما ختم بأننا في العشرينيات كنا نتحدث “بالديرة وليس بالوطن” القضاء العشائري والفروسية والكرم نحن الآن نعيش في مجتمع مختلف تماما نتحدث اليوم عن العدالة وتكافؤ الفرص.