قال وزير الداخلية الأسبق، العين حسين المجالي، إنّ ما يميّز النظام الأردني عن الكثير من الأنظمة العربية الأخرى أنّه لم يكن يوماً من الأيام نظاماً دموياً أو استبدادياً، بل كانت سياسته تقوم على الدوام على قيم التضامن والتسامح والانفتاح بين الملك والأطراف السياسية كافّة.
وذكّر المجالي (ضمن سلسلة حواريات المئوية التي يعقدها معهد السياسة والمجتمع بالتعاون مع صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية) بأنّه كان برفقة الراحل الحسين (قبل 25 عاماً) عندما اصطحب الملك شبيلات في سيارته من السجن إلى منزله، في يوم الجمعة وكان المجالي يقود السيارة وفيها فقط الملك وشبيلات، وبرفقتهم سيارة حرس وحيدة، وكان شبيلات يمثّل أحد أبرز قادة المعارضة، ممن تحدثوا بسقوف غير مسبوقة، فمثل هذا المشهد، وفقاً للمجالي، لا يمكن أن تراه أو تقرأه إلاّ في الأردن وفي سياسة الملوك الهاشميين مع شعبهم.
وأشار المجالي، الذي كان مرافقاً شخصياً للراحل الحسين، أنّه لما اراد تعيين أحد الأشخاص في موقع سياسي عارض من حوله هذا القرار وذكروا للملك كيف أنّ ذلك الشخص كان ينتقد ويعارض ويتحدث ضد النظام، لكن الملك أجابهم بأنّه ملك وواجبه أن يستوعب الأردنيين. وأضاف المجالي أنّ سياسة كل من الملكين الراحل الحسين والملك عبدالله الثاني تتمثل بالاستيعاب واحتضان المجتمع، والتعامل بمنطق الرعاية والمسؤولية.
وأكّد المجالي (في حواره مع نخبة من الشباب الأردني عبر تقنية الزووم) أنّ هنالك بالتأكيد اختلاف بين الملكين في أسلوب إدارة الحكم والقيادة، وهو ما تحدث به الملك عبدالله الثاني نفسه، بعد فترة قصيرة على تسلمه مقاليد الحكم، لكن ما يجمع بين الملكين هي منظومة من القيم الأساسية: التسامح الاستيعاب وإزالة أي جدران بينهما وبين الشعب، فاختلاف أسلوب القيادة منطقي ومطلوب طالما أنّ التحديات مختلفة وموازين القوى متغيرة.
وقال المجالي إنّ اسلوب القوة والبطش والضرب هو سلاح الضعيف، أما الاستيعاب والنقاش فهو سلاح القوي، وهو الأسلوب الذي انتهجه الملوك الهاشميون في الحكم. واستذكر المجالي عندما كان مديراً للأمن العام في المرحلة الأولى للربيع العربي، عندما خرجت مظاهرة في الجامع الحسيني، فقال لي: يا حسين لا أريد أن تراق قطرة دم واحدة على الأرض الأردنية.
وقال المجالي إن نظرة الملك عبدالله الثاني للملك تقوم على إنكار الذات وعلى المسؤولية الأخلاقية وليست نظرة العظمة والاستبداد، فهناك تواضع وقيم وأخلاق ورثت بالعقل والدم من مطلق الثورة العربية الكبرى لمؤسس المملكة وصولاً إلى الملك عبدالله الثاني.
وذكر المجالي إن الملك يفكر ملياً في مئوية الدولة كيف سيورث الحكم لابنه والأجيال القادمة، بعد عمر طويل، فهذا حمل ثقيل يتطلب أن يكون حول الملك رجال دولة يتقون الله وينتمون إلى الوطن.
وقال المجالي إنّ حكم الملك عبدالله كان محفوفاً بالتحديات الأمنية والإقليمية العاصفة، منذ اجتياح العراق 2003، ثم ظهور الجماعات المتطرفة والأحداث الإرهابية، والفشل في دول الجوار، لكن الأردن بقي صامداً وفشل رهان كل من كان يظن أنّ الدولة لن تصمد! وأضاف المجالي بأنّنا أخطأنا في إدارة بعض الأزمات، لكن لو الوقت الذي يمضيه البعض بالعبث وشيطنة الآخر استثمر في إدارة الدولة بالصورة الصحيحة كان الوضع أفضل.
وتطرق وزير الداخلية الأسبق لفاجعة السلط وقال إنّها لم تكن بسبب قلة الإمكانيات ولا عدم الاستعداد بل هي جريمة بحق الإدارة العامة جراء التقصير والاستهتار.
تحديات الأردن الراهنة:
ثم تطرق المجالي إلى أبرز التحديات التي تواجه الأردن خلال الفترة الراهنة ووضع التحدي الاقتصادي كأولوية، وبالرغم من صعوبته إلا أنه علينا ان نسخر نقاط القوة لصالحنا، كما قال المجالي، ” حتى المواطن غير المؤمن بأن هناك عملية إصلاح تجري اليوم إلا أنه سيكون أكثر رضى إذا استطاعت الدولة تقديم الخدمات له وتحسين قطاعي الصحة والتعليم وباقي الخدمات التي تمسّ العلاقة اليومية بين المواطن والدولة”.
ثم أشار إلى أنّ تحدي الهويات الفرعية يمثل اليوم أولوية من الضروري التعامل معها، ففي الوقت الذي تمثل فيه التنوعات المذهبية والطائفية والتقسيمات المناطقية مصدر توتر وضعف في دول الجوار، إلاّ أنّها مصدر قوة للأردن، كما كانت على الدوام، فالتنوع – على حد وصفه- بمثابة قوة داخلية، ومن الضروري ألا يفتح المجال لقوى خارجية أو عابثة أن تحاول التلاعب بذلك وتقسيم المجتمع على أسس هوياتية، ما يستدعي العمل على تعزيز الهوية الوطنية الجامعة المبنية.
ثم أشار العين المجالي إلى تحدي “عدم الانضباطية” وفقدان الثقة بسيادة القانون فهو خطير جدا وحالة الاستهتار بمؤسسات الدولة، والاستعلاء على القانون، وهي تحديات تتطلب العمل على معالجتها.
نبّه المجالي إنّ هذه التحديات والأولويات تمسّ المعادلة الداخلية بدرجة رئيسية ما يعكس التحول في مصادر التحدي والتهديد، في جوار تنامي فجوة الثقة التي تتسع يوماً بعد يوم، وهي ناجمة عن اعتقاد النخبة امتلاك المعرفة الحقيقية لإدارة الدولة، من دون الاستعانة بجيل الشباب الذي من الضروري إدماجه في المجال العام.
ثم ذكر مدير الأمن العام الأسبق التحدي الجيوسياسي للأردن، لموقعه في منطقة إقليمية متوترة من جميع الجهات، بخاصة “إسرائيل”.
نقاش مع الشباب
أجاب المجالي عن أسئلة الشباب المشاركين في الحوارية وقال: بمقدورنا أن نقوم بمشروع وطني وعلينا أن نقرر اليوم كيف يكون الأردن ونتفق على الأساسيات التي تجمعنا، ذلك يتطلب حواراً بين جميع الأطراف لنكون قادرين على صياغته والتوافق على مضامينه.
وقال المجالي إن الأردن لم يقص أي من رجالات الدولة، فهنالك رجال أقوياء وشخصيات سياسية على قدر المسؤولية، لكن من يخفق فليس برجل دولة، وفي الربيع العربي بعض السياسيين هم من اختاروا الانسحاب من المشهد خوفا من القادم وأن رجالات الأردن باقية.
أما عن جدلية الأمني والسياسي، فقال: البعض يعتقد إذا كان الجهاز الأمني قويا فالبلد غير ديمقراطي وأكد أن الأمن هو الضامن للديمقراطية وعنصر أساسي لكن لا يجب أن تصل المشكلات السياسية إلى الأمن لعلاجها، فهذه مسؤولية المؤسسات السياسية، وإخفاقها هو الذي يضع عبئاً ثقيلاً على الأجهزة الأمنية، فإذا فشلت المؤسسات المعنية عليها مصارحة المجتمع لا أن تتهرب من المسؤولية.
وأرجع المجالي عدم مشاركة الشباب إلى أن القادة السياسيين “الكبار” غير القادرين على الانتقال لدور صناعة القيادات الجديدة، وترك المساحة للشباب، لكن في الوقت نفسه قال المجالي إنّ على الشباب أن يحسنوا اختيار النواب وألا يتم ذلك على أسس عشائرية أو مناطقية، بل ينظرون إلى البرامج الانتخابية والسياسية للمرشحين.
أما عن تحدي أزمة الثقة فقال العين المجالي: قبل أي إصلاح سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي يجب ردم فجوة الثقة التي تتسع بين مؤسسات الدولة و المواطن.
وفي معرض الإجابة عن المعارضة الخارجية، قال المجالي إذا كانوا يرون أن السيف على رؤوسهم كما يدعون ، فكيف غادروا الأردن ؟ خاصة وأن الحدود والمنافذ الأخرى التي يمكنهم الخروج منها مغلقة ! إذا المنفذ الوحيد هو مطار الملكة علياء، فلا يمكن لأحد الخروج من المطار دون موافقة الدولة على ذلك، ودعا إلى عدم التشكيك في وطنيتهم.
وحذر المجالي من بعض العقليات التي لازالت في العصر الحجري التي تحاول حجب الفضاء الرقمي، وأنه يجب على الدولة أن تعظم استفادتها من هذا الفضاء لصالحها، فيجب تقوية الدولة لكن ليس بأدوات الماضي.
يذكر أنّ حديث المجالي (يوم الجمعة الماضي) جاء ضمن سلسلة حواريات المئوية التي يعقدها معهد السياسية والمجتمع بالتعاون مع صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، بهدف توثيق الذاكرة السياسيَّة في ذهنية جيل الشباب.
وتقوم فلسفة الحوارية، على عقد جلسات مشتركة بين الخبراء والباحثيين والسياسيين الأردنيين، ومجموعات من الشباب يمثلون مختلف مناطق وشرائح المجتمع الأردني، من خلال توظيف الفضاء الرقمي في بناء السردية التاريخية الأردنيَّة، بمنهجية نقاشية حواريّة، حيث تكون المئوية الأردنيَّة الأولى مدرسة للمئوية الثانية القادمة.
وحسين هزاع المجالي هو وزير الداخلية الأردني الأسبق ومدير للأمن العام سابقاً وسبق أن عمل كمرافق شخصي للراحل الملك حسين لسنوات طويلة ، وعمل لفترة كسفير للأردن في مملكة البحرين.