حرب العاجز؛ سيرة عائد سيرة بلد
لا يخالف الروائي زهير الجزائري العنوان الفرعي لكتابه (حرب العاجز). الصادر عن دار الساقي، فما يحتويه الكتاب هو (سيرة عائد، سيرة بلد) فعلا. لكن ينبغي القول إنَّ الحسّ الروائي. لا يغيب عن الكتاب الذي أريد له أن يكون مدوّنة شبه توثيقيَّة لعودة مثقّف عراقي. من المنفى إلى بلده بعد غياب أكثر من ربع قرن. كما لا يخلو الكتاب من انطباعات شخصيَّة للمكان، لكن سرعان ما تعقبها أفكار ومقارنات واستطرادات من نوع آخر.
يكتب الجزائري تفاصيل سيرة عودته، لكن السرد والواقع يضطرانه إلى كتابة أجزاء وحوادث. وتطوّرات من الحياة اليوميَّة في العراق يمتزج فيها الخاص بالعام.
يقول المؤلّف:
” لقد قضى الكثيرون من أبناء العراق نصف شبابهم في أجواء الحرب التي سرقت منهم الطمأنينة. وراحة البال. وتركت مصائرهم في مهّب المجهول، وعلى عتبات أُفقٍ مسدود. وحالما انهارت الدولة التي أذلت حياتهم، وحرقت أجمل أيام شبابهم، تفجرّت في دواخلهم نوازع الغضب الأعمى. فراحوا ينهبون ويحرقون أمكنة اعتبروها مواضع عدوٍ لا يريدون ترك أثرٍ له يذكرّهم بعهود الذّل والحرمان.. ” غياب السلطة خلق نوعا من انتشاء الذات داخل عالم غير عقلاني تشكّله ذوات منتشية بلا محرّمات “.
وفي زحمة انشغالاته بمشاهد الخراب التي خلّفتها الحرب. ومتابعة صورها اليومية المقطّعة هنا وهناك، أراد الجزائري فسحة يستريح فيها من ضغط تلك المشاهد، فأختار بيت العائلة. القديم ملاذاّ يرتدي فيه ” دشداشة ” أبيه. وينام في سرير أمه، ليعيش لحظاتٍ عبقَ الطفولة. وذكريات الأهل في شريطٍ استعادي، توقف في محطاته. سارداً يوميات العائلة بتفصيلاتها الصغيرة، كأنه يريد القول لنا بأن للحياة أشكالاً أخرى. غير هذا الخراب الذي يحاول. أن يُنسينا إيقاعها الإنساني المشحون بالعاطفة والتواصل. وهذا ما فعله الكاتب أيضا في إستعادة وجوه أصدقائه. بتوصيفاتٍ دقيقة تركّز على ما يميزهم في السلوك والعمل والنزهات الحرة التي تتجسّد فيها طباعهم بلا رتوش. ولأننا لم نجرّب ارادتنا بطلاقة منذ وقتٍ طويل. بحسب الجزائري، فضلا عن عدم تجريب القص، ولو همساّ، فقد ازدحمت مخيّلة العراقيين وتداخلت فيها الحكايات بارتباك السياق والجمل.
وكما البخار المضغوط. فأن قصصنا تحتاج إلى منفذٍ لكي تُقص بشكل مفهومٍ وبدون إرتباك. ويبدو أن زهير الجزائري قد. جرّب إرادته بطلاقةٍ في هذا الكتاب ليصنع لنا منفذا لقصص عراقية واضحة السياق، تاركا وراءه الهمس الخائف.