حاجتنا إلى سباق التنمية – الدكتور رحيل محمد غرايبه
حاجتنا إلى سباق التنمية د. رحيل محمد غرايبه
العالم العربي اليوم بأشد الحاجة إلى سباق التنمية في جميع مجالات النهوض والتقدم، على صعيد التعليم والصحة، وعلى صعيد الغذاء والدواء، وعلى صعيد النقل والمواصلات، وعلى صعيد الثقافة والأدب، وعلى صعيد رفع سوية الانتاج وإيجاد مشاريع لتشغيل الشباب، وعلى صعيد توطين التقنية واستنبات بذور الابداع والابتكار، والسير التدريجي نحو الاعتماد على الذات من خلال بناء مسارات التكامل العربي في مجالات الانتاج والنقل والمواصلات والأيدي العاملة. نحن اليوم بأشد الحاجة إلى رصد الأموال والموازنات الكبيرة من أجل إعادة بناء الإنسان العربي القادر على مواجهة أعباء الحياة وخوض معركة البقاء، والاستعداد للمستقبل بسلاح العلم والمعرفة وامتلاك أدوات التحضر الحقيقية. لا بد أن نعترف في وقفة مع الذات وفي لحظة صفاء مع النفس، أن أحد عوامل تأخرنا هو الاستغراق في الاتجاه نحو العسكرة المبالغ بها، والانفاق الكبير على صفقات التسلح أكثر بكثير من الانفاق على التعليم وفي مجالات التنمية البشرية، لأننا وجدنا يقينا أن هذا الانفاق الذي تم في مجالات التسلح لسنوات وعقود طويلة لم يكن ليستخدم ضد أعداء الأمة، بقدر ما تم استخدامه في عمليات التدمير الذاتي، وفي مواجهة طواحين الهواء المتوهمة، على حساب الجوع والمرض وانعدام فرص الانتاج الذاتي والاستثمار في طاقات الأرض وخيراتها، ولذلك كما يقول رئيس الولايات المتحدة في القمة الإسلامية مؤخرًا أنه تم الاتفاق على عقود ما يقارب (400) مليار دولار، منها (110) مليارات قيمة مبيعات أسلحة دفاعية، وأخرى سوف يتم رصدها لبناء مصانع أسلحة، ولم يتم التطرق لمجالات التربية والتعليم والتأمين الصحي وزراعة الحبوب، ومقاومة الكوليرا. مواجهة التطرف في العالم العربي والإسلامي أيها السادة الكبار لا يحتاج إلى سباق تسلح، وإنما تتم مواجهة التطرف في الانفاق السخي على إعادة بناء الإنسان العربي، وتحسين تعليمه وتربيته، والبذل المالي والمعنوي على تنمية التفكير العلمي، وبعد ذلك إيجاد بيئة منتجة قادرة على استيعاب الشباب في الانخراط في عملية بناء أوطانهم وذواتهم وصناعة مستقبلهم الآمن، ويحتاج إلى إيجاد البيئة السياسية الديمقراطية التي تهيء لمشاركة شعبية حقيقية في إدارة شؤون بلدانهم، وتعزيز مناخات الحرية التي تحترم فيها كرامة الإنسان وتصان فيها قيمة الآدمي، ومن أكثر الأسلحة فعالية في تجفيف منابع التطرف تلك التي تقوم على تجفيف منابع الفساد، ومواجهة القطط السمان التي تستهلك المال العام وتسطو على مقدرات الشعوب. إذا أردنا أن نجعل من منطقة الشرق الأوسط منطقة آمنة ومستقرة، وغير طاردة لسكانها، وليست مصدراً لأعداد كبيرة من اللاجئين، علينا أولاً أن نخلص المنطقة من كل أشكال الاحتلال، والقضاء على كل أشكال العدوان والظلم والاستبداد، وأن يتم التعاون بين دول العالم على ترسيخ العدالة بين البشر، والمساواة بين الشعوب، ومقاومة كل أشكال الاستعمار والاستيطان الخبيث وغير المشروع، ورد الحقوق لأصحابها، وعودة المهجرين واللاجئين إلى أرضهم وديارهم. الحديث يكون متناقضاً عندما يتم الطلب من دول المنطقة وشعوبها أن تتعاون من أجل طرد الإرهابيين وأصحاب الأيدولوجيات المتطرفة من أراضيها، وفي الوقت نفسه يتم غض البصر عن الاحتلال والعدوان وطرد الشعوب من أوطانها وتدمير بيوتها وتدنيس مقدساتها، والحيلولة دون عودة السكان الأصليين إلى أرضهم وديارهم، حيث لا يمكن مقاومة البعوض مع وجود المستنقع.