المستشرق الإسباني أسين بلاتيوس انموذجًا
لا يمكن إنكار أو التقليل من الجهود العلميَّة الكبيرة التي بذلها الاستشراق في التعريف بالتراث العربي الإسلامي عامة، والتراث الأندلسي خاصَّة.[1]
فقد ساهم الاستعراب الإسباني في التعريف بالتراث الاندلسي، وجاء هذا التعريف في سياق تاريخي خاص، وفي فترة زمنيَّة متميزة، كانت المعرفة بهذا التراث تكاد تكون غائبة بل قليلة بين الدارسين والباحثين العرب والمسلمين، والمشتغلين بالتراث الأندلسي بصفة عامَّة.
فرغم هذه الجهود الكبيرة التي بذلها الاستشراق في حقِّ الثقافة والتراث العربي الإسلامي تعريفا وتوصيفا وتحقيقا وترجمة وتنظيرًا، وهو ما تشهد له مؤلفاتهم وتعكسه مصنفاتهم، فإن هذه الجهود العلميَّة لم تخل من عدة مشاكل معرفيَّة وأخرى منهجيَّة، تتعلق في غالبها الأعم بصعوبات البحث وبمشاكل التنقيب عن أصل المخطوط الأندلسي .
وبغض النظر عن الثغرات المعرفيَّة، والمزالق المنهجيَّة التي رافقت هذه العمليَّة التي مارسها الاستشراق على التراث العربي الاسلامي، فمع ذلك تعد هذه المرحلة البداية الأوليَّة في التعريف بالتراث الأندلسي والمغربي، فإن هذه المرحلة تعد مرحلة متميزة هادفة و بداية أوليَّة ناجحة في التعريف بالتراث الأندلسي عامة، من خلال سعيها نحو إظهار والتعريف بهذا التراث للدارسين والباحثين والمتابعين والمشتغلين بالحركة العلميَّة والفكريَّة والفلسفيَّة بالأندلس.
لكن فهذه الصعوبات التي اعترضت سبيل المستشرقين في اشتغالهم على التراث العربي الإسلامي، مؤشر قوي، ودليل مؤكد على أن جهود المستشرقين لا ينبغي إنكارها أو التقليل من قيمتها العلميَّة وأهميتها المعرفيَّة، لاسيما ما تعلق بجهودهم العلميَّة في تحقيق النصوص التراثيَّة القديمة …[2].
إن اختلاف المواقف وتباين التوجهات وتقاطع الرؤى في تقويم عطاء الاستعراب الإسباني وجهوده في التعريف بالتراث العربي الإسلامي والمخطوط الأندلسي، لا يمنع من القول والاعتراف بالجهد العلمي الكبير للمستشرقين الإسبان، وما بذلوه من خدمات في حق التراث العربي الأندلسي،وما قدموه من إسهامات ومشاركات في مختلف أصناف المعرفة المتصلة بهذا التراث مرجعهم هو حبهم لأرض الأندلس….[3].
جهود المستشرق الإسباني- أسين بلاتيوس Asin palacios في ترجمة تراث ابن حزم الأندلسي
يعد ابن حزم الأندلسي من أبرز الشخصيات العمليَّة الأندلسيَّة، في القرن الخامس الهجري، فلقد كانت للظروف الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والعلميَّة التي عاشتها الأندلس الأثر البالغ، والوقع الكبير في تكوين شخصيته، وفي بناء تراثه وفكره وفلسفته .
وقد كان لابن حزم إشارات ومشاركات في العلوم الفلسفيَّة والمنطقيَّة والدينيَّة، بحيث اشترط على الفقيه أن يكون على معرفة وتمكن بعلم المنطق، متمكنا من آلياته، فهو الأداة المعينة على تفهم النص الشرعي، وعلى الاستدلال وبناء البراهين.
فقد كان لاشتغال ابن حزم بالمنطق، وتقريبه إلى علوم الشريعة، الأثر القوي المسار العلمي الذي قطعه مساره العلمي،فهو عالم مشارك ومساهم في كثير من العلوم، بحيث يعتبر شخصيَّة علميَّة موسوعيَّة مشاركة، وهذا ما يتجسد من خلال تتبع مؤلفاته ومصنفاته، و كتبه التي تركها في الفقه والأصول، وفي علم المنطق، وعلم الخلاف العالي وفي التخصصات العلميَّة الأخرى.
وقد اعتنى الاستشراق الإسباني بتراث ابن حزم، وعمل كثير من المستشرقين على تقريبه وترجمة تراثه إلى اللغة العربيَّة.
وقد كشف عن هذه الجهود الباحث المغربي سالم يفوت في دراسة له بعنوان تصنيف العلوم لدى ابن حزم نشرها بمجلة كليَّة الآداب الرباط العدد التاسع السنة : 1982 -.
- أسين بلاتيوس – Asin palacios
يعد المستشرق الإسباني أسين بلاتيوس من المستشرقين الذين اشتغلوا على شخصيَّة ابن حزم وفكره، وتراثه، فقد قام بتتبع تراث ابن حزم، وعمل على ترجمة جزء كبير من هذا التراث من العربيَّة إلى اللغة الإسبانيَّة، كما قدم خدمات جليلة،ومساهمات كبيرة للمكتبة العربيَّة .
ومن الشخصيات العلميَّة التي اشتغل عليها المستشرق أسين بلاتيوس شخصيَّة الفيلسوف ابن مسرةالقرطبي، ويعد كتابه :”ابن مسرة ومدرسته الفلسفيَّة في الأندلس” الذي صدر بمدريد سنة:1914 من أبرز أعماله الفلسفيَّة القليلة التي أرخت لفيلسوف قرطبة ابن مسرة .[4]
وقد عرف المستشرق أسين بلاتيوس بالمخطوط العربي الأندلسي المتواجد في الديار الإسبانيَّة، واتجه إلى المخطوط الفلسفي والصوفي الأندلسي بشكل خاص.
والمستشرق أسين بلاتيوس هو أول من أدار معهد الدراسات الإسبانيَّة من1932الى 1944 .
ومن أبرز أعماله: DE GORDOBA IBNHAZM
ومن أبرز أعماله: ابن حزم القرطبي الأندلسي، وهو الجزء الأول من دراسته الموسوعيَّة التي خصصها لترجمته لكتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل، وهو كتاب في علم مقارنة الأديان[5]، إذ تحدث عن شخصيَّة ابن حزم، وعن تراثه الفقهي والمنطقي والفلسفي .
كما قام بتوصيف جامع وشامل لكتاب ابن حزم “التقريب لحد المنطق” الذي يعد كتابا في علم المنطق [6] .
ونشر جزءا منه مترجما إلى اللغة الإسبانيَّة، وبشكل خاص هذه المقدمة التي قال ابن حزم:”فكتبنا كتابنا المرسوم بكتاب التقريب،وتكلمنا فيه على كيفيَّة الاستدلال جملة،وأنواع البرهان الذي به يستبين الحق من الباطل في كل مطلوب، وخلصناها مما يظن انه برهان وليس ببرهان، وبينا كل ذلك بيانا سهلا لا إشكال فيه….”.[7].
تركيب
رغم الصعوبات التي اعترضت سبيل المستشرقين، ومسالكهم في ترجمة وتحقيق التراث العربي الإسلامي، ورغم تحيز البعض منهم، فإن جهودهم ستبقى جهودا راسخة وحاضرة لا يمكن إنكارها أو إغفالها في سياق مدارسة تراث الأندلس الحضاري والثقافي والعلمي، وهو تراث يستحق البحث والمتابعة الأكاديميَّة.
[1] – عادة ما يعرف الاستشراق بأنه هو: “دراسة الغرب للشرق وتحويل حضارات الشرق إلى موضوعات للدراسة”.
[2] -أسئلة في الاستشراق الاسباني حوار محمد بنعمر مع الدكتور عبد الواحد العسري محاورة منشور في مجلة التسامح ص:11
[3] -المسلمون في الاندلس لدوزي رينهارن ترجمه حسن حبشي القاهرةالسنة1984.2/14
[4] – الاتجاهات الفكريَّة في الأندلس لمحمد الوزاد رسالة جامعيَّة مرقونة بكليَّة الآداب فاس السنة1980ص:134
[5] -تراث الأندلس ومساهمة المستعربين في دراسته لمحمد لعمارتي مجلة عالم الفكر العدد:-1-مجلد-43-السنة:2014.
[6] – التقريب لحد المنطق لابن حزم الأندلسي 454ه يقع في الجزء الرابع ضمن رسائل ابن حزم التي حققها الدكتور إحسان عباس وصدرت عن منشورات دار الأفاق الجديدة بيروت1996.
[7] -الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم:1/8
*المصدر: التنويري.