قصص النزوح بعدسة صحفي النزوح
راديو النجاح – عدسة تحارب الصورة النمطيَّة .. وتتجاوز الإعلام التقليدي
لم يعد الإعلام حِكرًا على دارسيه وحسب في عصر الصحافة الرقميَّة، وإنَّما هي صنعة من امتلك مقتضياتها ونزل عند مواضعاتها. وذلك مع الفضاء الواسع الذي أُتيحَ عبر الشبكة الإلكترونيَّة. ووسط مؤسَّسات وإعلاميّون تخلُّوا وتملَّصوا من المهنيَّة، وأخلاقيَّات الإعلام، بغية مآرب ومصالح وأجندات سياسيَّة. تبعدهم عن الاستقلاليَّة كونهم ذراعًا لجهةٍ مموَّلة أو داعمة، أيًّا كانت الأسباب. فالنتيجة البعد كل البعد عن الحياد والموضوعيَّة.
هذا لا يعني بطبيعة الحال…
أنَّ من امتهنَ الإعلام (الإعلام الاجتماعي، ووسائل الاتِّصال….إلخ)، يخلو من مثل هذه المآرب أو حتى التوجَّهات الفرديَّة المبنيَّة على رأيٍ سياسي ما. متمثِّلة بالانحياز أو المتاجرة بالمعاناة، فهنالك صورة نمطيَّة أوجدها الإعلام وحاربها الإعلام ذاته، باختلاف حامله والعامل به.
أزمات متعدِّدة كانت حديث الإعلام بأشكاله المختلفة (المسموعة، المرئيَّة، المكتوبة)، أبرزها ما غيَّر إيقاع الحياة في البلدان العربيَّة، رفضًا للأنظمة الحاكمة؛ ثوراتٌ حملت مسمَّى (الربيع العربي)، هذه الموجة التي انتقلت من بلدٍ إلى آخر بدرجات متفاوتة، ونتائج متغايرة.
الإعلام والربيع العربي
أنشأ الربيع العربي تغيرًّا على جميع الأصعدة بغضّ الطرف عن نتائجه، فلم يكن الإعلام مستثنىً من هذا التغيير، فبين الوسائل التقليديَّة وغير التقليديَّة كان الإعلامُ حاضرًا في مشاهد الربيع العربي.
ويتحدد الفارق الماثل بين التقليدي وغير التقليدي في مساهمة العالم الإلكتروني. في نشوب الثورات، والتحشيد من خلالها، فقد صار المجال العام الإلكتروني مساحةً أخرى للمواجهة بين الثوّار الشباب الساعين إلى الديمقراطيَّة. والعدالة الاجتماعيَّة من جهة، والأنظمة الدكتاتوريَّة الشموليَّة من جهةٍ أخرى. كما حدَّثنا د.نواف التميمي.
مردفًا بأنَّ ظاهرة المواطن الصحفي أفرزت أثرًا إيجابيًّا على الإعلام، وذلك بتحريك وسائل الإعلام نحو إنشاء أقسام خاصَّة للتحقُّق من الأخبار الزائفة، التي تُعَدُّ من السلبيّات التي برزت مع الإعلام غير التقليدي، كما يُضيف بأنَّ لهذه الإيجابيَّة الدرس الذي تعلمته الأنظمة الحاكمة التي رحلت وما زالت، بأنَّ للإعلام قوَّةً ودورًا أساسيًّا في الثورات ونشوئها، وخصَّ بذلك الإعلام الرقمي.
أمَّا المواطن الصحفي..
فوجَدَ في الإعلام غير التقليدي منبرًا حرًا يبثُّ من خلاله رؤيته الواضحة. التي خلَّفتها الثورات المضادَّة للأنظمة، الرافضة للدكتاتوريَّة، والمطالِبة بالحريَّة التي لم تحصل عليها رغم كلّ ما قدَّمته الشعوب.
ما أورثته ثورات الربيع العربي
برز (اللّجوء والنزوح) واحدا من التركات الضخمة التي خلَّفها الربيع العربي. وهذا ما كان وما زال ماثلًا في سوريا، ففي تذكيرٍ للمعاناة ضمن اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2021 قام فريق (منسقو الاستجابة). بإحصائيَّة لأعداد اللاجئين السوريين الذين بلغوا أكثر من 6.5 مليون مدني في مختلف دول العالم. وأعداد النازحين في الداخل السوري التي تربو على 78521 لكافة الفئات. ضمن أكثر من 147 مخيّمًا في محافظة إدلب وريفها، إضافة إلى مناطق ريف حلب الشمالي. (1)
في حين، أنَّ أكثر من مليون ونصف مدني يقطنون ضمن المخيَّمات، يعانون من عودة دائمة لمشاهد الكوارث المتمثِّلة بفصل الشتاء. وما ينجم عنها من انغماس خيمهم بمياه الأمطار، فضلًا عن قِلَّة المعونة المقدَّمة لهم.
صحفي النزوح
لم يقتصر الإعلام البديل على نقلِ الخبر وحسب، وإنَّما كان الصحفي المواطن بارعًا في نقل القصص الإنسانيَّة المسمّاة بقصص النزوح واللُّجوء، تلك القصص وليدة النزوح واللُّجوء، انتقلَ من خلالها المواطن الصحفي لانتزاع الرَّقم الذي أُعطيَ لكل من يملكه، ليهب له اسمًا وحكاية نضال وكفاح.
المواطن الصَّحفي الذي ما عاد شاهد عِيان ينظر إلى مآسي البشر من ثقب الباب، وذلك بدخوله تفاصيل الهجرة والمعاناة التي عاشها في أغلب الأحيان.
صحفي النزوح (يوسف الجمعة) لم تقف مسيرة النزوح من حمص إلى إدلب عائقًا أمام الدأب لاستمراريَّة سير الحياة والسعي للقيام بمتطلباتها. من هنا انتقل يوسف من العلم الذي لم يتمّمه لعائق الحرب وتضييق النظام. للعمل في مجال الطهي للحصول على تكلفة معدات أوليَّة لحلم كبير ما زال يسعى لنيله وصقله، متمثّلا كاميرا كانت حصيلة عمل عام تقريبًا في مطعم للعائلة، اقتناها خفيَّة عن والده الذي يدرك خطورة اقتناء أداة أشبه ما تكون في مناطق محفوفة. بالنزاعات والحروب بالسلاح غير المرخص، وبأنه لا فائدة من اقتنائها معبرًا عن ذلك “يا يوسف أنت تقوم بهدر نقودك سدىً”.
إتقان ما يجهل
لكسب المعرفة التي أجلها إلى حين امتلاكه الأداة، عمد في عام 2019 لمتابعة دروس مجانيَّة متوفِّرة على منصَّة. youtube، كما أنَّه تطوَّع في الميدان مع “هيئة ساعد الخيريَّة” لأخذ الخبرة.
لا تختلف العوائق التي تواجه الصحافي. فهي تتشابه كثيرًا، إلا أنها تزداد صعوبة في أماكن محفوفة بالحروب والنزاعات.
حقّ الحصول على المعلومة، كما هي معرفة الصحافي بالقوانين التي تحميه كانت شبه ضبابيَّة لصحافي يمتهن الإعلام من معايشة واقعه، قصَّة نور واحتكار فكرته من قبل جهة إعلاميَّة كانت البداية لإدراك أنه لا قانون مطبق ولا حماية يُعتدّ بها.
ففي مناطق تشهد النزاعات والحروب. تُعطَّل القوانين الكفيلة بحماية المدنيين فكيف هو الحال في توفير الحماية وكشف الحقائق التي يعمل عليها الصحافي المواطن، وبالرغم من وجود الأطر الدوليَّة لحمايَّة المواطنين. وعمل الصحافيين في أماكن النزاع، هل يتمّ تطبيقها على الأرض بين الجهات المتقاتلة؟! هذا ما تمّ تأكيده من قبل الأستاذ محمد شما “مراسل منظّمة مراسلون بلا حدود العالميَّة -عمَّان-“.
تبدُّل الغاية
لم يكن الدافع لدى يوسف منذ البداية هو نقل الصورة الأوضح للنازح، إنما كانت متمثِّلة بحبّه لصناعة الأفلام.
اقتنى الكاميرا خلال أحد عشر شهرًا تخلَّلها الروتين بالاستيقاظ باكرًا. في الفترة الصباحيَّة، والتبديل مع أخيه للفترة المسائيَّة للعمل في مطعم العائلة للمأكولات الشعبيَّة وسط المخيم، إلا أن هذا الروتين كسر في أحد الصباحات. بإصابة تعرَّضَ لها في يده اليسرى بماكينة فرم اللحم، وكانت الحدّ الفاصل بين استكمال العمل كطاهي.
أما عن تبدل الغاية فكانت بالأخيرة. وهي صعوبة الحصول على المعلومة بسبب الصورة التي أورثها بعض ممتهني الصحافة دون مراعاة أخلاقياتها، من خلال الوعود المزيفة، وبيع للأوهام. واستخدامهم القصص المصورة كأداة لجمع. الدعم المادي، عدا عن ذلك والأهم بالنسبة للجمعة هو تغيُّر الصورة النمطيَّة. التي أوجدها هذا الإعلام بتعميم صفة التسوُّل على النازحين.
هنا يكمن التحدِّي بنظرة المواطن نفسه بأن من يمتهن الصحافة سارق. وصورة أخرى أنشأها الإعلام ذاته بأنَّ النازح متسول. فتمثَّل الجمعة الإعلام المضادّ المدعم بأخلاقيَّات المهنة الداعم لأبناء وطنه، فكانت حكايتي.
ولادة حكايتي
أكمل الجمعة مسيرته مؤمنًا بأن كل من يسكن المخيم في جوفه حكاية، تستحقُّ أن تخرج للعالم، فكان راويها بتلك الإمكانيات عبر المنصَّات الرقميَّة التي جعلت له صوتًا ينقل من خلالها ما تراه عيناه.
في محاولة منه لقلب الصورة النمطيَّة التي تلاحق النازح واللاجئ كانت بدايته في صناعة قصص واقعيَّة، لمناهضة من يظهرهم بهيئة المتسوّلين.
“حكايتي” مشروعه الذي بدأه في عام 2021 بقصة البطلة نور صاحبة العشر سنوات التي تَعلِّم مع والدها أطفال ذوي الإعاقة على ممارسة رياضة الكاراتيه، وتحلم أن تكون بطلة العالم بالكاراته.
صحيح النزوح هد الحيل هد.. ودموع اليتامى احفرت سواجي على الخد.. ونال التعب من كل مسن وجد.. لاتقولون نازحين والعوز بينا اشتد.. نزحنا كرام ونرجع كرام.. هامتنا تنحني لله مو لحد..
هذه الأبيات كتبها الفتى إبراهيم صاحب 14 عامًا من على تلة مقابل خيمته، في مخيم إدلب، حالمًا بالعودة لبلدته التي تركها عنوةً.
تتشابه المعاناة وتختلف الأهداف التي لم تنطفئ لدى صغار النزوح فكان راموس سوريا (حسام) وشغفه الكبير بكرة القدم لتحقيق حلم رسمه مع والده الراحل في الأحداث.
خوف شديد خلفه القصف في نفس علا إلا أن عزيمتها وإرادتها فاقت تلك الصعاب لتسير على خطى العالمة الأمريكيَّة جريس هوبر، فدخلت عالم التصميم وصناعة الروبوت، فقامت بتصميم كرسي خاص بعياداتِ الأسنان.
تمتدّ هذه السلسلة من “حكايتي” لتوصل أحلامًا وأماني ما نزعتها أهوال الحرب وشدّتها، لتنقل صوت طفل بذاكرة مثقلة بوجع الحنين وألم سابق ممتد، ولكنّه بقدرة ما صفاها جميعها من الشوائب، ليهطل الثلج وتبدِّل الأرض ثوبها، ويتجدَّد الحلم.
أمّا رسالة الجمعة لكل من امتهن الإعلام ويرغب بامتهانه أن تكون الرسالة ويكون الهدف واضحًا لخدمة من خبر المعاناة وعاش أوجاع الحرب، وليكن العطاء متجليًا بصورته الإنسانيَّة الخالية من الذلّ والمهانة.