المقالاتمنوعات

المنطق في الأندلس

العلوم الشرعيَّة

العلوم الشرعيَّة  في الأندلس العصر الذهبي

ما زالت الأندلس بحاجة إلى المزيد من البحث والمتابعة الفكرية والاكاديمية، ويعتبر العصر الخامس الهجري العصر الذهبي في الحضارة الأندلسية. في هذا العصر ازدهرت العلوم باختلاف أصنافها، وأنواعها الشرعية والعقلية واللغوية والفلسفية، وقد تطورت هذه العلوم بفضل التأثير الذي مارسته الرحلة الذي قام بها علماء الأندلس والمغرب إلى المشرق،  بحيث نقلوا كثيرا كان للعلوم النقلية على حساب العلوم العقلية، وعلوم الرواية على حساب علوم الدراية.

ومن الخصائص العلمية بالأندلس أنَّ علماءها لم  يستحسنوا علوم الأوائل، مثل علم المنطق والفلسفة والتنجيم، وعلم الجدل، وإنما اتجه الاهتمام والعناية بالعلوم النقلية والعلوم الشرعية والفقهية والدراسات القرآن ية والحديثية، وعلم القراءات الذي نبغوا فيه بشكل كثير، وكان للعلوم اللغوية والبيانية موقعها المهم لما لها من أثر في الفهم السديد والتفسيرالسليم للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف،  وهذه العلوم كانت تسمى عندهم بالعلوم  النافعة التي تحقق السعادة والخلاص  للإنسان في عاجلته وآجلته.

ومما اشتهر به الأندلسيون أيضا هو عنايتهم الكبيرة والفائقة بالقرآن الكريم،  وبعلومه، وبقراءته وبرسمه، وبحفظه سواء في البيوت، أوفي المساجد.

وهذا الإقبال على القرآن  الكريم وعلى مدارسته، أثبتته كثير من الدراسات الجامعية والأكاديمية .

فمعيار قبول العلم في الأندلس كان متجها نحو العلوم النافعة  التي تنفع الإنسان في عاجلته وآجلته قال ابن حزم:”فأفضل العلوم ما أدى إلى الخلاص في دار الخلود، ووصل إلى الفوز في دار البقاء”[1].

– ابن حزم الأندلسي وعلم المنطق

يعد ابن حزم من أبرز الشخصيات العلمية والفكرية التي عاشت في الأندلس في القرن الخامس الهجري،  فقد كانت للظروف السياسية والثقافية والفكرية التي مرت منها الأندلس أثرها القوي في  شخصيته وفكره واجتهاده في العلوم الشرعية واللغوية والفلسفية والمنطقية.

ولقد اشتغل ابن حزم على المنطق  في بيئة  وثقافة تعارض الممارسة بالمنطق بالمرة، وتعارض  الممارسة المنطقية عند الأندلسيين[2].

وكان لابن حزم الأندلسي إشارات، ونقول ومشاركات واسعة في تقريب صناعة المنطق إلى علم أصول الفقه، وهو ما تدل عليه مقدمة كتاب “التقريب لحد المنطق“، إذ اشترط على الفقيه أن يكون على اطلاع على المنطق، متمكنا من آلياته، عارفا  بجهاته، لأنه الأداة المعينة على تفهم الخطاب الشرعي،  وعلى الاستنباط والاستدلال  على الاحكام الشرعية.

.وقد رفع  ابن حزم من شان المنطق، ومن  كتابه التقريب فقال في شأنه “فهوكتاب جليل المنفعة عظيم الفائدة لا غنى لطالب الحقائق عنه فمن أحب أن يقف على الحقائق فليقراه”.[3]

وهو ما جعل علماء الإسلام يتجهون إلى هذا العلم،  ويطورون من مباحثه،  ويوسعون من محاوره المركبة له ويدخلون كثير من هذه العلوم في هذه المباحث، خاصة ما تعلق بالمحاور التي تشتغل على فقه الخطاب الشرعي، وتحصيل الدلالة والمعنى، وهو المحور المشهور بمحور الدلالات  …[4].

 أصول الفقه  في علاقته بالمنطق  

من أبرز العلوم الإسلامية التي نالت الشهرة الواسعة في الأندلس علم أصول الفقه،  وهو   من مفاخر العلوم كما قال  الفيلسوف طه عبر الرحمان في كتابه “تجديد المنهج في تقويم التراث “، وقد ألف علماء الأندلس في هذا العلم عدة مصنفات عديدة وكثيرة،  ظلت ضمن المصادر المعتمدة والأساسية في هذا العلم.

 

قطع علم أصول الفقه  في علاقته بالمنطق  في العلوم الشرعية بالأندلس عدة مراحل، وهذا مظهر من مظاهر التميز المنهجي في هذا العلم، هو استثمار المنطق وتقريبه إلى علم أصول الفقه ومباحثه الكبرى.

وهذا التقريب بدأ مع الأصولي النظار الإمام الغزالي ت 505ه في المشرق، وابن حزم الأندلسي في الأندلس.

وتذهب كتب الحنابلة ومنها كتاب الروضة لابن قدامة  المقدسي  ت 620ه أن الريادة في هذا التقريب،  تعود إلى الامام الغزالي النظار الأصولي والمنطقي الذي خص هذا العلم بعدة مصنفات منها الثلاثية  المشهورة:معيار العلم –القسطاس المستقيم –محك النظر.

كما قدم الإمام الغزالي  لكتابه المشهور المستصفى بمقدمة منطقية، اعتبر فيها المنطق علما ضروريا لمن قصد الاشتغال بعلوم الشريعة وبعلم أصول الفقه.

لكن نقول انه من الصعوبة بمكان الفصل بين بين المتقدم والرائد في تقريب   المنطق إلى علم اصول الفقه،  رغم أن الريادة  يبقى يتقاسمها الإمام الغزالي مع الإمام  ابن حزم .

وإن كان الباحث المغربي سالم يفوت يمنح الريادة إلى ابن حزم الأندلسي في أطروحته الجامعية حول ابن حزم  الأندلسي وفكره الفلسفي في المغرب والأندلس التي أعدها تحت إشراف فضيلة الدكتور محمد عابد الجابري. 4.

لقد كان خيار ابن حزم الأندلسي،  هو  إدرا ج المنطق ضمن العلوم الإسلامية،   لأن المنطق  هو علم مشترك وجامع  بين جميع الأمم، فهو  علم مخصوص في ما يسدده من خدمات لغيره من  العلوم،  ولا سيما ما تعلق بعلوم الشريعة [5].


[1] ـرسالة في مرات العلوم الابن حزم :ص63

[2] -نشاه الفكر الفلسفي في الاندلس لمحمد الوزاد ص:12

[3] – الإحكام في أصول الاحكام لابن حزم “5/82.

[4] -الفارابي ونسق العلوم في الثقافة الإسلامية للدكتور محمد وقيدي. مجلة دعوة الحق العدد:364.السنة:2002.ص:123

[5] -الأثر الأرسطي للدكتور عباس ارحيلة  ص: 552

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات

شاهد أيضاً
إغلاق