تقارير

الملابس السريعة: الموضة تقتل البيئة

في عالمٍ تحكمه السرعة ويُقاس فيه النجاح بعدد الصيحات التي تملأ الأسواق خلال أسابيع، تبرز صناعة الموضة السريعة كأحد أكثر الصناعات إضرارًا بالبيئة، وإن كانت تُروَّج على أنها تقدم جمالًا وأناقةً بأسعارٍ زهيدة. لكنها في الواقع تخفي وراء واجهاتها البراقة أزمة بيئية تتسع رقعتها عامًا بعد عام.

تعتمد الموضة السريعة على إنتاج كميات ضخمة من الملابس بتكلفة منخفضة وجودة متدنية، في دورات إنتاج قصيرة تستجيب لصيحات السوق المتغيرة بشكل متسارع. هذه المنظومة، ورغم ما تحققه من أرباح للشركات الكبرى، تقوم على استنزاف ممنهج للموارد الطبيعية. فإنتاج قطعة ملابس قطنية واحدة قد يستهلك ما يزيد عن 2700 لتر من المياه، وهو ما يكفي لإرواء عطش إنسان لمدة عامين ونصف. أما على مستوى الانبعاثات، فقد أظهرت تقارير منظمات دولية أن قطاع الأزياء يسهم بما يتجاوز 10% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميًا، أي أكثر من مجموع انبعاثات الطيران التجاري والشحن البحري مجتمعَين.

ويُضاف إلى ذلك الأثر غير المباشر لهذه الصناعة، من حيث الاستخدام الكثيف للمواد الكيميائية في صباغة الأقمشة، والتلوث الناتج عن الألياف الصناعية مثل “البوليستر” و”النايلون”، والتي لا تتحلل بسهولة وتُطلق جزيئات بلاستيكية دقيقة تتسرب إلى المحيطات وتدخل السلسلة الغذائية البحرية، ما يُهدد صحة الإنسان والكائنات الحية معًا.

أما الوجه الآخر لهذا النظام الاستهلاكي القاسي، فهو النفايات. فمعظم هذه الملابس، التي تُشترى بدافع العروض المغرية وتُلبس لبضع مرات فقط، ينتهي بها المطاف في مكبات النفايات أو تُحرق، مسببة انبعاثات سامة وتلوثًا طويل الأمد. تشير الإحصائيات إلى أن العالم يُنتج نحو 92 مليون طن من النفايات النسيجية سنويًا، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 134 مليون طن بحلول عام 2030 إذا لم يتم تدارك الأمر.

في هذا السياق، يسلط التقرير الضوء على الأثر البيئي الكارثي لهذا النمط من الإنتاج، ويُبرز حجم الكارثة التي نشارك فيها – دون أن ندري – مع كل قطعة نشتريها لمجرد مسايرة الموضة. لذا، لم يعد كافيًا أن نلقي باللائمة على الشركات فقط، بل نحن كمستهلكين مطالبون بتغيير جذري في سلوكياتنا.

يمكننا البدء بخطوات بسيطة لكنها فعّالة: تقليل الشراء، والامتناع عن الانجراف وراء كل صيحة مؤقتة، اختيار الجودة والمتانة على حساب الكمية الزائدة، إصلاح الملابس بدلًا من التخلص منها، ودعم العلامات التجارية التي تتبنى سياسات إنتاج مسؤولة ومستدامة.

لأنّ المعركة ضد التغير المناخي لا تُخاض فقط في المؤتمرات والاتفاقيات الدولية، بل تُخاض أيضًا في تفاصيلنا اليومية، في خياراتنا الشرائية، وفي الطريقة التي نستهلك بها ونعتني بما نملك.
ربما لم نختر شكل هذا العالم، لكننا نملك أن نُعيد تشكيله… قطعةً قطعة، وخزانةً خزانة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق