المقالاتسياسة واقتصاد

المكتبة الوطنيَّة الاسرائيليَّة؛ الاستيلاء على الأرشيف الفلسطيني

جاءت الحرب الأخيرة في غزة لتلقي بظلالها على المكتبة الوطنيَّة الاسرائيليَّة والتي كان من المقرر افتتاح بنايتها الجديدة في شهر أكتوبر الماضي، فأجل الحفل وخيمت أجواء الحرب على المكتبة، إلى أن قررت إدارتها افتتاحها للجمهور يوم 29 أكتوبر، المكتبة بدأت مشروعا لتوثيق أحداث 7 أكتوبر عبر عدد من المستويات منها التسجيل مع الاشخاص وتوثيق كل ما ينشر على وسائط التواصل الاجتماعي، كانت إسرائيل قررت في عام 1998 البدء في مرحلة جديدة للمكتبة تواكب المغريات في فضاء المكتبات وأدوارها، فالمكتبات لم يعد دورها ترفيف وخزن الكتب بل إنتاج المعرفة وإتاحتها، تزايد هذا الدور مع تصاعد الخدمات الرقميَّة للمكتبات، مع عام 2012 تم طرح مسابقة معماريَّة  لتصميم بناية جديدة للمكتبة تواكب هذه المتغيرات، وبالرغم من أنه كان من المقرر أن تفتتح البناية عام 2021 إلا أنه إلى عام 2024 لم يتم الانتهاء منها نهائيا، تبلغ تكلفة البناية الجديدة 225 مليون دولار، بتصميم على مساحة 46 ألف متر مربع، بارتفاع 11 طابق، وتضم قاعة قراءة كبرى تسع 600 قارئ، مع إمكانيات كبيرة غير مسبوقة .

الاستيلاء على الأرشيف الفلسطيني

تؤشر المكتبة الجديدة إلى رغبة إسرائيل في دور جديد للمكتبة فهي ليست ذاكرة  إسرائيل وأرشيفها ومستودعها الرقمي، بل أيضا فاعل ثقافي وفكري وعلمي، هذه الأدوار تؤشر إلى الحاجة لبناء مشروعات بحثيَّة وإنتاج ثقافي، يعزز هذا شراكة الجامعة العبريَّة في المكتبة التي كانت بدايتها عام 1892، مما يساعد على هذا مجموعات المكتبة القويَّة من أوعية المعرفة فهي تقتني ما يزيد على 4.500.000 كتاب، 2.500.000 صورة، 106.141 صحيفة، 609.000 مخطوطة، وما يقرب من 12167 خريطة، 1.418.350 وثيقة، 14793 فيديو، يتكامل مع هذا ارشيف الانترنت الإسرائيلي الذي يحفظ كل ما ينشر على الإنترنت من مواد متعلقة باسرائيل واليهود للأجيال القادمة، هذه المواد تتنوع ما بين مواد متعلقة باليهود وتاريخهم وبين مواد تركز على المنطقة العربيَّة، لكن الملفت للانتباه هو المجموعات الفلسطينيَّة المتعددة من صحف وكتب وصور وهذه المجموعات أتت من استيلاء المكتبة على مكتبات خاصة بمواطنين فلسطنيين أثناء حرب 1948 و1967، ومن أبرزها مجموعات كانت في بيوت القدس التي هجر أهلها قصرا، وكذلك من بيوت عدد من كبارالمثقفين الفلسطنيين ومن أبرزهم: خليل السكاكيني، محمد النشاشيبي ، حلمي عبد الباقي، يوسف هيكل، توفيق كنعان، عمليات المصادرة طالت الكتب والصور والوثائق وغيرها .

المكتبة الإسرائيليَّة والثقافة العربيَّة

إن ما يؤشر على نجاح مشروعات المكتبة الوطنيَّة الإسرائيليَّة قدرتها على فهرسة مقتنياتها من أوعية المعرفة العربيَّة، بصورة جعلت البحث على شبكة الإنترنت تقدم أوعيتها العربيَّة على غيرها من المكتبات العربيَّة، وهذا رصده عدد من الباحثين العرب، فضلا عن بناء مجموعات من المصادر والمراجع حول موضوعات محددة فالتاريخ والجغرافيا حاضرين فيها، وتجاوزت ذلك إلى بناء رصيد من الصور من القرن 19 إلى القرن العشرين شمل فلسطين والمنطقة العربيَّة، وبغض النظر عن مصدر هذه الصور إلا أن طريقة عرضها وكذلك إتاحتها بصور مختلفة وتوظيفها يستلب القارئ العربي أيضا، فإلى أين تذهب المكتبة الوطنيَّة الإسرائيليَّة في فضاء الثقافة العربيَّة ؟

في حقيقة الأمر إن المؤسسات الثقافيَّة العربيَّة القويَّة وهي عددها قليل نسبيا وضعف الغالبيَّة العظمى منها، يتيح المجال لتمدد المكتبة الوطنيَّة الإسرائيليَّة في فضاء الثقافة العربيَّة، هذا التمدد الذي قد يراه البعض جزءا من سياسات التطبيع العربي الاسرائيلي وقد يراه البعض محاولة لاستلاب العقل العربي وقد يراه البعض جانبا من بناء معرفي للتعاطي مع العقليَّة العربيَّة، لكنه في حقيقة الأمر هو كل ماسبق، فقد حرصت اسرائيل منذ قيامها على دراسة العرب والتعاطي مع الشعوب العربيَّة، وكانت بداية هذا إذاعة إسرائيل باللغة العربيَّة التي في بعض اللحظات حققت نجاحات في ظل كذب الإذاعات العربيَّة التي فقدت مصداقيتها، فقد كانت إذاعة اسرائيل العربيَّة تنطلق من فهم العقليَّة العربيَّة، ثم أن الدراسات الاسرائيليَّة المتعلقة بالمنطقة العربيَّة جادة وتتابع عن كثب كل شيء، هنا نرى مساحات للمكتبة الوطنيَّة الاسرائيليَّة فعلى سبيل المثال تحتفظ المكتبة الوطنيَّة الاسرائيليَّة ب 34709 صحيفة عربيَّة معظمها من فلسطين ثم مصر، بإجمالي 294007 صفحة و931317 مقالة، تشكل في مجملها وجهات نظر من الماضي توظف في القضايا السياسيَّة الحاليَّة، وتشتمل على أبعاد اقتصاديَّة واجتماعيَّة وثقافيَّة، ومن هذه الصحف النادرة :

القدس : صدرت عدة صحف في القدس تحمل اسم القدس كان أولها سنة 1876 صدرت باللغتين العربيَّة والتركيَّة، وسرعان ما أغلقت، ثم ظهرت مجددا صحيفة القدس في عام1903، ثم صدرت في الفترة من 1908 : 1913 صحيفة القدس وهي صحيفة عرفت نفسها بأنها أدبيَّة اجتماعيَّة سياسيَّة .

إن قدرة المكتبة الوطنيَّة الإسرائيليَّة على مخاطبة الجمهور العربي والمسلم ممتدة نحو الاحتفاء بالمناسبات الإسلاميَّة عبر إتاحة صور لها أو كروت بريديَّة أو معلومات أو مخطوطات مثل: المولد النبوي،عيد الأضحى، وفي ذكري الإسراء والمعراج أتاحت على موقعها مقتنياتها من المخطوطات وغيرها من المقتنيات المرتبطة بهذا الحدث.

حرصت المكتبة الوطنيَّة الإسرائيليَّة على إبراز العلوم الإسلاميَّة بعرض مخطوطاتها خاصة مخطوطات الفلك والطب والرياضيات، وامتد ذلك إلي إبراز عدد  من الشخصيات الإسلاميَّة مثل ابن تيميَّة وابن القيم الجوزيَّة والبوصيري .

——–

*دكتور خالد عزب.

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات