بين الحابل المعرفي والنابل الإيديولوجي
الاتهام بالانتماء السلفي، الذي وجهه موقع إخباري للاعب المنتخب المغربي “زكريا أبو خلال”. ليس إلا نموذجا مصغرا للدعاية الإيديولوجية التي أصبح يمتهنها البعض. دون سابق وعي، فقد اختلط الحابل المعرفي بالنابل الإيديولوجي، فيقع الكثير من المحللين و المتابعين في محظور التزييف حينما يناقشون مكونات الهوية الوطنية دون أن يدروا !
من منظور معرفي. لا يختلف اثنان حول الطابع الدستوري لإسلامية الدولة المغربية. و هذا ليس شعارا، بالطبع، بل حقيقة واقعية تتحكم في تفكير و تصور و سلوك الشعب المغربي. و هذا، طبعا، يختلف عن الإيديولوجيا الإسلاموية التي تظل تأويلا حزبيا مختزلا للفكرة الإسلامية.
ينتج عن هذا ما يلي:
** من منظور معرفي، المغربي مسلم، بطبعه. مع استثناءات نادرة، بمعنى أنه يصدر عن رؤية إسلامية في تفكيره و تصوره و ممارسته.
** من منظور إيديولوجي، الإسلامويون جماعة سياسية تتوزع على طوائف مختلفة: سلفيون، إخوان، متصوفة… يجمعهم التأويل السياسي للفكرة الإسلامية و تفرقهم طبيعة التأويل.
هذا التمييز، بين المسلم و الإسلاموي، آلية معرفية حاسمة تمكن من الفرز بين الحابل المعرفي و النابل الإيديولوجي.. حاسمة لماذا ؟
لأن المغرب، كغيره من دول العالم الإسلامي. تأثر بالأجواء السلبية للحرب العالمية على الإرهاب، حيث استغل الإسلام–فوبيون الفرصة لخلط الأوراق، و ربط المظاهر الإسلامية، في الحياة اليومية للمغاربة، بتأويلات إيديولوجية إسلاموية، فأصبح إصدار أحكام القيمة على كل ملتزم بقيمه الدينية الإسلامية أمرا شائعا.
هذا الوضع غير طبيعي، تماما. و لا يمكن لفوضى التأويل أن تستمر، لأنها تستهدف الأمن الروحي و القيمي للمغاربة حينما تحولهم إلى غرباء في وطنهم. تمارس ضدهم كل أشكال التمييز من منظور إيديولوجي مزيف.
و لذلك..
نثمن، عاليا، البلاغين الصادرين عن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم و المجلس الوطني للصحافة. كما نعبر عن كبير التقدير للوعي الوطني العابر، رسميا و شعبيا، و الذي حضر في الوقت المناسب و ردع، بقوة، التزييف الإيديولوجي الذي يسيء لثوابتنا الوطنية.
إذا كان الخلط بين البعد الإيديولوجي و البعد المعرفي، في مكونات الهوية الوطنية. قد حدث بين الإسلام الإسلاموية، في حالتنا هاته، فإن نفس هذا الخلط يقع بين العروبة كبعد معرفي و بين القومية كبعد إيديولوجي، كما يقع كذلك بين الأمازيغية كبعد معرفي و بين العرقية كبعد إيديولوجي. و لذلك، لابد من تحقيق الفرز بين البعد المعرفي الثابت/الأصيل (الإسلام، العروبة، الأمازيغية) و بين البعد الإيديولوجي الطارئ/الهجين (الإسلاموية، القومية، العرقية).
الهوية الوطنية لا يمكنها أن تتأسس على الطارئ/الهجين. لذلك تظل النزعة الإيديولوجية شيئا عابرا يطفو إلى السطح كلما تفاعل مع أحداث سياسية عابرة. ثم يتلاشى مع تلاشي الأحداث. لكن، في المقابل. الهوية الوطنية بنية لا تفرّط في عناصرها الثابتة/ الأصيلة التي تلاحمت، عبر قرون من الاحتكاك الحضاري، مثلما يقع في مجال الجيولوجيا، تماما، حيث لا تفرط الصخرة الرسوبية في مكوناتها و إلا تلاشت ! فقد تلاشت التيارات الإسلاموية و بقي الإسلام. و تلاشت القومية و بقيت العروبة، و تلاشت سردية الظهير البربري و بقيت الأمازيغية.
الباحث المعرفي أكبر من مجند إيديولوجي، فمهمته ترسيخ المبادئ الأصيلة/الثابتة للهوية الوطنية، مع محاولة تنقيتها من الشوائب الإيديولوجية التي تعلق بها عند احتكاكها بالواقع السياسي، و هذا يفرض نوعا من الصدام مع الفاعل الإيديولوجي، بمختلف أطيافه، الذي يسعى إلى فرض الطارئ/الهجين الإيديولوجي كأصيل/ثابت معرفي، متحديا المنطق الإبستملوجي السليم.. المقاربة الإيديولوجية لمكونات الهوية الوطنية أقرب إلى منطق البناء العشوائي ! لذلك كان، و سيظل، عدوها اللدود هو الباحث المعرفي الذي يفرض منطقا هندسيا صارما.
_________
*د.إدريس جنداري – باحث.