المقالاتفكر وفلسفة

المسؤوليَّة الاجتماعيَّة للدين

الدين

عقدت الرابطة العربيَّة للتربويِّين التنويريِّين، يوم السبت الموافق 22 يناير/ كانون الثاني 2022، وعبر تقنية الاتّصال عن بعد، ندوة (المسؤوليَّة الاجتماعيَّة للدين) التي أدارها الأستاذ  أحمد ناجي الباحث في مجال إدارة التنوّع وقضايا الشأن العام من اليمن، واستضاف فيها كل من الدكتور عامر الحافي أستاذ الأديان المقارنة في جامعة آل البيت من الأردن، والدكتور يوسف كلام أستاذ العقيدة ومقارنة الأديان بجامعة القرويين من المغرب.

ورحّب مدير الندوة الأستاذ أحمد ناجي بضيفي الندوة والحضور الكريم، مثمّنًا للرابطة العربيَّة للتربويّين التنويريّين تنظيم هذه الندوات الفكريّة المتنوّعة، لافتًا إلى أهميّة موضوع الندوة التي تتناول موضوع المسؤوليَّة الاجتماعيَّة للدين، وموضحًا أنَّ القسم الأوّل من الندوة يشتمل على المداخلتين الفكريتين للدكتور عامر الحافي والدكتور يوسف كلام، بينما سيخصّص القسم الثاني من الندوة لنقاشٍ فكريٍّ تفاعليّ يشارك فيه الحضور بطرح أسئلتهم وعرض مداخلاتهم على ضيفي الندوة.

وفي مداخلته، شدَّد الدكتور عامر الحافي، على أنَّ الخطاب الدّيني في جوهره هو خطاب اجتماعي، إذ يتعذَّر الفصل بينهما، لأنَّ غياب البعد الاجتماعي عن الدِّين هو غياب للدِّين نفسه سواء كنّا نتحدّث في سياق الدّين الإسلامي أو سياق الأديان الأخرى. لافتًا أنَّ الخطاب الديني أو الإسلامي هو جزء من خطابٍ عريض وواسع جدا داخل مختلف الخطابات، وأنَّ هذا الخطاب في أحيانٍ كثيرة يبتعد عن مسؤوليّته الاجتماعيّة والتزاماته ويحلِّق بعيدًا عن المجتمع، مشيرًا إلى معضلة هي أنّ صورة المجتمع  المنشود في الفكر الدّيني صورة مختطفة؛ هل هو مجتمع جاهز ومُنجَز، أم مجتمعٍ لا بدّ أن يستمرّ في عمليَّة التطوير والإبداع بشكلٍ مستمرّ؟  

وأضاف الدكتور الحافي، أنَّ النظرة المقاصديّة للنصِّ الدّيني هي التي تجعلهُ إنسانيًّا، لافتًا أنّ العبارة التي تقول إنّ “النصّ الديني  صالح لكلِّ زمانٍ ومكان” تكون صحيحة إذا فهمنا النصّ أو الدّين بأبعاده المقاصديّة، وتكون غير صحيحة إذا لم نميّز بين الفرع والأصل، وبين المبادئ الكلّيّة والتفاصيل الفرعيّة والعمليّة، لا باتّجاه الحرّيّات، ولا باتّجاه إعطاء الأقليّات حقوقها، ولا باتّجاه حقوق كثيرة مثل المساواة وعدم التمييز وغيرها.

وأكَّد أنَّ عقيدة الاستخلاف تقوم على المسؤوليَّة ، وأنَّ التأسيس العقائدي لفكرة المسؤوليَّة تأسيس قوي في الدين الإسلامي، وتجسّد، على سبيل المثال، في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، مشدِّدًا على أنّ هذا المفهوم مبدأ أساسي للتغيير الاجتماعي وتحمّل المسؤوليّة وهو يتعدّى مفهوم المسار التعبُّدي الشِّائع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى فريضة الزّكاة باعتبارها فريضة تحقِّق التّوازن الاجتماعي والاقتصادي. 

وختم الدكتور عامر الحافي مداخلته قائلا إنَّ العمق القيمي للدين هو ما يحتاجه الخطاب الديني المعاصر، مشيرًا إلى انشغال الخطاب الإسلامي بالتوظيف السياسي للدين سواء أكان بتبرير وتسويغ النظم السياسيَّة أو تبرير وتسويغ معارضة النظم السياسيَّة، وابتعاده عن مهمّته الأساسيّة بتعزيز القيم الإنسانيّة الجامعة، وحمل مسؤوليّته الاجتماعيّة التي هي جوهر الدّين.  

وافتتح الدكتور يوسف كلام مداخلته تحت عنوان (كيف يكون الإسلام دينًا لكل مجتمعٍ وعصر؟) موضحًا أنَّ الإسلام صالح لكلِّ زمان ومكان إذا نظرنا إلى الإسلام بمقاصده الكبرى وإلى النصّ المؤسِّس، أمّا أحكام الإسلام فقد لا تكون صالحة لكلِّ زمان ومكان على اعتبار تطوّر المجتمعات، وأنّ الأحكام تخضع إلى ظروف وعلاقات نتجت عنها هذه الأحكام. لافتًا إلى ضرورة التمييز بين النّصوص المؤسِّسة في الإسلام وكلّيّاته، وبين جزئياته وفروعه والأحكام المستنبطة من هذه النصوص المؤسِّسة، إذن الثّابت هو الصالح لكلِّ زمان ومكان وهو النصّ المؤسِّس/ القرآن الكريم، والمتغيِّر هي تلك الأفهام التي نستخلصها والأحكام التي نستنبطها من ذاك النصّ المؤسِّس.

ولفتَ إلى حقّ كل متديِّن أن يسائل الدّين، فإذا كان الإسلام نظامًا؛ بمعنى أنّه يضمّ كل ما يشتمل عليه النظام من قطاعات اجتماعيَّة وسياسيَّة واقتصاديَّة، فحقّ للمحكومين (سواء أكان مسلمًا أو غير مسلم يعيش ضمن هذا المجتمع الإسلامي) من قبل هذا النظام أن يسائلوه، كما نسأل الأنظمة السياسيّة عن مشاريعها وما قدّمته أو وعدت بتقديمه، مشيرًا إلى أنّ القرآن الكريم مليء بآيات تتضمّن الجذر سأل، فمن حقِّ المسلم أن يسائل الدّين، كما يمكن للدّين أن يسائل المجتمع الإسلامي.

وقارب الدّكتور يوسف كلّام، مسألة كيف يمكن للإسلام أن يكون صالحًا لكلِّ زمانٍ ومكان، في أربعة نقاطٍ هي؛ أولاً: مرونة النصّ القرآني وقابليّته للأفهام المتعدِّدة، وانفتاحه على كلِّ القراءات، وقدرته على أن يكون حمّال أوجه. ثانيًا: أنّ النصّ القرآني نصّ تجديدي بامتياز، داعمٌ للتجديد رافضٌ للتقليد، وصالح للاجتهاد، إذ لا يكون الإسلام صالحًا لكلِّ زمانٍ ومكان، إلا بإعادة النّظر في الاجتهادات السّابقة والنّظر في المستجدّات التي طرأت على العصر. ثالثًا: أنّ الدين الإسلامي يستفيد من التّجارب السّابقة، كون القرآن اعترفَ بالأديان السّابقة واستفاد منها. رابعًا: أنّ الإسلام نزل على أمّةٍ أُمّيّة، حتّى لا تكون لدى أفرادها أحكام مسبقة، وهذا جعل النصّ مفهومًا بشكل أكبر. وأشار الدكتور يوسف كلّام، إلى ضرورة أن نتخلّص من الأحكام المسبقة، حتّى نتمكّن من فهم النصّ القرآني وفق واقعنا والسياق الذي نعيشه.

أمّا في القسم الثاني من الندوة، فقد اشتملت على نقاشٍ فكريٍّ تفاعليّ شارك فيه الحضور، إذ شهدت الندوة التي حضرها عدد من المهتمّين والفاعلين في مجال التنوير الديني، نقاشًا موسَّعًا، أجاب فيه الدكتور عامر الحافي والدكتور  يوسف كلّام على مداخلات الحضور واستفساراتهم، علمًا أنّ الندوات ستتواصل بشكلٍ دوري، ويمكن للمهتمين متابعة منصّاتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي نعلن من خلالها عن مواعيد الندوات، ونتيح المشاركة فيها. 

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات