المثقَّف والسلطة… استقراء لطبيعة العلاقة الإشكالية
التنويري
يحدِّد الباحث عبد الحسين الطائي في كتابه الصادر بعنوان “جدلية العلاقة بين المثقف والسلطة” عن دار الحكمة في لندن بالتعاون مع المركز الثقافي العراقي في لندن، إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة من خلال تحليل موضوعي وتاريخي للأحداث، مسلطاً الضوء على دور المثقف في الوسط السياسي والاجتماعي.
وقد حدد الكتاب مفهوم الثقافة وعلاقاته ودوره وأهدافه، كذلك يهدف إلى إزالة الغموض وفك حالة الالتباس ومحاولة تحديد مفهوم الثقافة، وتبيان علاقة المثقف بالسلطة، في استقراء لطبيعة المشهد الثقافي بشكل عام، خاصة الوضع العراقي، بوجهيه السائد والاختلافي، والبحث عن سبل وأنماط جديدة تهدف إلى إزالة الغموض الذي يحيط بهذه المفاهيم، في محاولة لتبيان الأسس والمعايير في كيفية تعامل المثقف مع السلطة، بعيداً عن الأساليب القمعية التي تتبعها أجهزة السلطة للحفاظ على وجودها واستمراريتها.
ضم الكتاب بابين. تناول الباب الأول موضوع الثقافة والمثقف من خلال أربعة فصول، خصص الفصل الأول للأمور المنهجية للبحث، وغطى الفصل الثاني المفهوم اللغوي والاصطلاحي للثقافة وعناصرها، ومنشأ الثقافة، والثورات التي شهدتها.
كما تطرق إلى وظيفة المثقف ودوره عالمياً وعربيا، معرجاً على الحقبة التنويرية من خلال الكواكبي ومحمد باقر الصدر وإدوارد سعيد، كذلك يستعرض في ذات الباب مفهوم الحرية ومشكلة الحرية السياسية وثقافة النقد.
وجاء الباب الثاني من الكتاب بعنوان: “مراحل علاقة المثقف العراقي بالسلطة” الذي تناول فيه ثورة العشرين ونشأة الأحزاب السياسية ومواقف أعلام الثقافة العراقية: الزهاوي، الرصافي، الشبيبي، النجفي، رفائيل بطي، عبد الفتاح إبراهيم، والجواهري.
وفي ذات الباب يناقش الكاتب عهد الجمهورية من خلال مواقف كل من: السياب والوردي وحسين مردان، ثم ينتقل إلى مرحلة عسكرة الثقافة بين عامي 1968-203، معدداً سماتها وأدبها عبر مواقف بعض مثقفي السلطة، عدنان الصائغ، حميد سعيد، وعزيز السيد جاسم. ويختتم الملف الباب في العد الجديد الذي تلا عام 2003، ممهداً لسمات المرحلة ومتناولاً ثقافة المنفى من خلال الشاعر مصطفى جمال الدين وكامل شياع وأحمد مطر.
وخصص الفصل الثالث علاقة المثقف بالسلطة، مستعرضاً المفهوم اللغوي والاصطلاحي للسلطة، والعلاقة المتبادلة بين المثقف والسلطة والمجتمع. مركزاً على دور المثقفين العراقيين وطبيعة علاقتهم بالسلطة، سلباً وإيجاباً، منذ 1920.
ويخرج الكتاب بعدد من الاستنتاجات لعل من أهمها:
أن المناخ الديمقراطي الحقيقي هو الذي يتيح للمثقف الحرية الفكرية للتعبير عن المواقف التي يهدف إلى تحقيقها. الموقف الطبيعي للمثقف أن يكون إلى جانب الشعب، فإذا كان مع السلطة فإنه يشكل خروجاً عن وصعه ودوره الطبيعي.
إن أزمة المثقفين نابعة من أزمة المجتمع. والمجتمعات العربية عموماً تعاني من مشكلة غياب السلطات التشريعية.
السلطات القمعية التي تحتكر السلطة، تغلق كل مسامات الحرية على المثقف، مما يجعل منه أن يكون بوقاً لها، أو معارضاً ايديولوجياً لسياستها.
ورغم التجارب المريرة التي عاشها الشعب العراقي خلال العقود الماضية، فإن الخروج من النفق المظلم يتطلب إعادة الاعتبار للثقافة العراقية الأصيلة، وفي ضوء ما أسفر عنه فإن الباحث يقدم بين طيات كتابه البعض من الحلول لدفع الثقافة إلى واجهة الحياة ومنها: ضرورة تعزيز ثقافة الحوار والتسامح واحترام الرأي والرأي الآخر، وإعادة النظر في كل البرامج الثقافية التي غذيت بها عقول الأجيال، وضرورة أن تتولى هذه المهمة نخبة من المختصين العراقيين في الحقل الثقافي، والاهتمام بالقراءة، من خلال تشجيع كافة المطبوعات والإصدارات، لأن الكتاب الجيد كفيل بنشر الوعي الثقافي والفكري الجيد، وإقامة الندوات والمحاضرات وورش العمل لتجسير الفجوة بين المثقف والجمهور، والاحتفاء بالعلماء والمفكرين والرموز الفكرية من ذوي الإنجازات الثقافية المتميزة، وتوسيع الانفتاح على الثقافات الإنسانية وتفعيل دور مثقفي الإثنيات في الساحة الثقافية، والاهتمام بالوسط الثقافي في منظمات المجتمع المدني لأنها تسهم في نشر القيم والأفكار التي تخدم الصالح العام، وترسم آفاق جديدة لمستقبل الثقافة القائم على مفاهيم الحرية والديمقراطية.