المتن المجهول.. محمود درويش في مصر
صدر عن دار المتوسِّط في ميلانو كتاب الناقد سيد محمود عنوانه “محمود درويش.. المتن المجهول”. الكتاب بناه المؤلِّف على نصوص ووثائق تنشر لأوَّل مرَّة عن الفترة التي أقام فيها محمود درويش في مصر، وهي فترة شهدت فيها مصر الانتقال من رؤية جمال عبدالناصر للقضايا العربية إلى رؤية أنور السادات للقضايا العربية، فمحمود درويش هنا يعكس هذا الانتقال على حالة شاعر ومبدع فلسطيني احتضنته مصر في سياقين، الجديد في هذا الكتاب هو تقديم مجمل إنتاج محمود درويش ليس فقط إنتاجه الشعري، وإنما أيضا المقالات التي كان يكتبها في مجال التحليل السياسي والتي كان ينشرها في صحيفة الأهرام، وفيها قدَّم تعليقات حول الشأن الفلسطيني، جاءت في توقيت مضطرب بعد أيلول الأسود 1970، ثمَّ محاولات لم الشمل الفلسطيني عقب انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة عام1972.
تتضمَّن المقالات تحليلات مبكَّرة حول الشخصيَّة الإسرائيليَّة والأدب العربي وظاهرة الخوف التي تأصَّلت بعدها. ويرى سيد محمود أنَّ هذه المقالات ساعدت بعد ذلك على تنامي اتِّجاه في دراسات علم الاجتماع السياسي وعلم النفس السياسي في مصر، قامت على تحليل الشخصية الإسرائيليَّة.
تتيح مقالات محمود درويش الأدبيَّة في رأي سيد محمود التعرّف على مجمل تصوّراته الفنيَّة خلال تلك الفترة، وفيها طوَّر فكرته الشهيرة عن ضرورة تفادي الحبّ القاتل، كما تظهر نفوره من اختزال تجربته في الشعر النضالي، وتبرز تصوّراته عن سلبيّات وإيجابيّات المهرجانات الشعريَّة، التي تنامت بغرض تأكيد الدور المقاوم للشعر، وأنا أرى أنَّ مشاركة محمود درويش في العديد من الأنشطة الثقافيَّة ساهم في إبقاء حضور القضيَّة الفلسطينيَّة حيَّة وحيويَّة، إذا هنا الشعر والثقافة بحضورهما أحد أقوى أدوات المقاومة والبقاء.
كتاب سيد محمود يجعلنا نعود إلى قضيَّة عرب 1948 عرب الداخل وهي شريحة عربيَّة مهمَّة صمدت على الأرض العربيَّة للمقاومة ومنهم أتى درويش، وهو ما شكَّل مخيلته وصموده، غسان كنفاني كما يذكر سيد محمود لخَّص مرحلة وجود محمود درويش في فلسطين المحتلَّة حين كتب مقالا عن قصيدة درويش (بطاقة هويَّة) حيث قال، إنَّ محمود درويش يمثِّل علامة طليعيَّة بين رفاق الشعراء العرب في الأراضي المحتلَّة، وقد وضعه شعره الحادّ في حرب مع العدو، ثم وضع في السجن، ومن داخل ذلك السجن، كتب أجود شعره وأكثره عنفا وتحدّيا.
*المصدر: التنويري.