اللاحسم كهويَّة حنبليَّة تأصَّلت في مدوّنات ابن تيمية
من المفيد ألا يخطفنا زمن ابن تيميَّة بعيدًا عن إدراك تضارب التيارات الحنبليَّة-الحنبليَّة المكوِّنة للتراث الحنبلي أبّان صدر حنبليته، وذلك لكي نمارس نقدًا “عبر أزمني” ينقِّب في كتابات ابن تيميَّة بعمق.
فالاستغراق المقتصر على استحضار سيرة ابن تيمية كفقيه مجتزء عن تاريخ صراع التيارات الحنبليَّة-الحنبليَّة، يوصّلنا إلى نتائج تفتقد جزء مهمّ من عناصر الحقيقة في التاريخ الحنبلي.
فإنّ ابن تيمية اقتات فكره بشكل جيد على كتابات ماضي المدرسة الحنبليَّة وتفرّعاتها. وهو ماض متوتِّر ومتصارع بين مكوّناته. فمن يقرأ نصوص ابن تيمية بهدوء (وبعيد عن ضجيج السلفيَّة الراهنة) سيتمكن من سماع تباين أصوات شيوخ ابن تيميَّة الذين سبقوه بمئات الأعوام وهم يتناددون ويتعارضون ويشطبون آراء بعضهم البعض. عندها سيتمكن القارئ المنصت من فهم كيف تنعكس تلك التناقضات على كتابات ابن تيمية، حيث يظهر تردّده في حسم تلك التناقضات الحنابليَّة وتراجعه عن اتِّخاذ موقف حاسم يعالج التوتُّرات الحنبليَّة.
فعلاقة الفقيه لا ترتهن، فقط، بواقعه بل أيضا بمدرسته. هكذا يكون الفقيه. فهو عقل مرتبط بالماضي وبالحاضر. فعبر تقليد المواقف الفقهيَّة السالفة (وتسمَّى “التمسُّك بالفروع”) يتّصل الفقيه بالماضي، وعبر التأصيل، يتَّصل الفقيه بالراهن. وكان ابن تيمية يجدّل كتاباته بشيء من “الدليل والتأصيل” مع شيء من “التمسُّك بالفروع”. كما أنَّ تأثير أقوال (شيخ الإسلام) ابن تيمية في معرفة “المعتمد” من أهل الماضي في المذهب الحنبلي يؤكّده علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد المَرْداوي (المتوفى: 885 هـ) الذي وضع أقوال شيخ الإسلام ابن تيميَّة ضمن زمرة أقوال علماء المذهب الحنبلي الذين جعلهم حَكمًا على معرفة المعتمَد في المذهب، فيما إذا كان الترجيح مختلفًا فيه بين الأصحاب في مسائل متجاذبة المأخذ؛ معلِّلًا لذلك بأنهم هذَّبوا كلام المتقدمين، ومهَّدوا قواعد المذهب بيقين. (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/ 17)).
لا يوجد تردد عندما أَجْمَعً غير واحد القول إن الحنبلي ابن تيميَّة (شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم، ت. 728 هـ)، نتيجة غزارة إنتاجه وسعة انتشار كتبه، يعدُّ اسماً مألوفاً. وهناك من يزعم أنَّ ابن تيميَّة الأوفر حظًّا في التأثير والنفوذ في زمننا الراهن. فَقَلّ ما يتمّ خوض نقاشٍ حول الدين إلا ونجد حضور اسمه، بطريقةٍ أو بأخرى، ممَّا يجعله أحد أهمّ علماء العصور الوسطى من الذين يُسْتَشْهد بهم في العصر الحديث. تتضمَّن مجموعة كتبه البارزة كتاب “مجموع الفتاوي” و”منهاج السُنة” و “السياسة الشرعيَّة في إصلاح الراعية والرعيَّة”. في ضوء نتاجه الفكري يجدر بنا أن نسأل إذا كان كل فردٍ تحكمه تفاصيل تحصيله العلمي السائدة في عصره، وبالتالي، للحصول على فهمٍ أفضل لعقليَّة ابن تيميَّة التي أنتجت معاييره، فمن الأفضل إلقاء نظرةٍ سريعة على أفكاره ومشاربه الحنبليَّة.
نحن وفي محض رسم ملامح ابن تيميَّة الفكريَّة فإننا لا نسرد سيرة حياة ابن تيميَّة. بل إنَّنا نؤكَّد على مرتكزات مهمَّة في حياة ابن تيمية المعرفيَّة. فكما يشير د. محمد يسري أنَّ في دفن ابن تيميَّة في مقبرة المتصوّفة أيجاز، ترك بصمته على نهاية الرِّحْلة عند ابن تيميَّة، فجسده خارج حرم العائلة الحنبليَّة، وكأنّ هذه الحالة التي وجد عليه قبره، استكمالًا لحياته التي كان عليها، وهي أن يعيش بين التصوُّف ورفضه.
“بين الرفض والقبول.. كيف نفهم موقف ابن تيمية من التصوُّف” ( محمد يسري، يونيو 2022).
خطوط متقاطعة
أهم خطوط ابن تيميَّة الفكريَّة تتخيَّل الإسلام كجسد معرفي وتطبيقي فاقد لنصاعته الأصليَّة نتيجة تلوثه بثقافات وتقاليد دخيلة لا تتماهى مع الحياة الدينيَّة ذات “الطريق الصحيح” التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة في المدينة المنورة وخارجها. في ضوء ذلك، رغّب ابن تيميَّة الباحثين عن “الطريق الصحيح” العودة إلى مصادر الإسلام الأصيلة، إذ كان يؤمن بالالتزام الصارم بالقرآن والسنة، وأن الإجماع ليس له قيمة بحدِّ ذاته. كما كان يعتقد ابن تيمية أنَّ أفضل مثالٍ على الحياة الإسلاميَّة هي الأجيال الثلاثة الأولى من الإسلام (أي السلف). لذا ينبغي على المسلمين الرجوع فقط إلى معارف السلف عند تفسير المصادر الدينيَّة. كما كان يعتقد أن الأجيال الثلاثة الأولى خلقت المجتمع الإسلامي “المثالي.” وبالتالي، للكف عن الفساد، ينبغي على المرء اعتبارهم قدوةً في أي وقت، إذ كان ينظر إلى أي انحرافٍ عن ممارستهم على أنه بدعة أو ابتكار سيء.
نقَّاد ابن تيميَّة
حصدت أطروحات ابن تيميَّة إعجاب الحنابلة في زمانه ولكنَّه أيضا نجحت في حشد أعداد من العلماء والفقهاء والقضاة الذين ناظروه أو ردُّوا عليه وذكروا معايبه. القائمة التالية تذكّر أسماء بعض من ناظر ابن تيميَّة المتوفى سنة 728 هـ أو ردّ عليه من المعاصرين له والمتأخرين عنه من شافعيَّة وحنفيَّة ومالكيَّة وحنابلة، ونذكر رسائلهم وكتبهم التي ردُّوا عليه فيها فمنهم:
ا- القاضي المفسر بدر الدين محمّد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي المتوفى سنة 733هـ .
2– القاضي محمّد بن الحريري الأنصاري الحنفي.
3– القاضي محمّد بن أبي بكر المالكي.
4– القاضي أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي.
حنبليَّات في أفق المذهب
مقالة ” اللاحسم كهويَّة حنبليَّة تأصّلت في مدونات ابن تيميَّة” تنطلق من فرضيَّة وجود حَنْبَلِيّات لا حنبليَّة واحدة. فعلى مرِّ التاريخ الماضي واليوم الراهن بزغت تيارات وأفهام حنبليَّة مختلفة عن سالفتها. ولو إننا نتوقَّف قليلا عند ما أورده ابن رجب الحنبلي (ت 795 هـ) في موسوعته “ذيل طبقات الحنابلة” عن الحافظ ضياء الدين المقدسي الحنبلي (ت 643 هـ) الذي ذكر أنه:
” كتب بعضُهم إلى أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي (ت 513 هـ) يقول له: صِف لي أصحابَ الإمام أحمد على ما عرفت من الإنصاف. فكتب إليه يقول: هُم قوْم خُشُنٌ ، تقَلّصتْ أخلاقهم عن المخالطة ، وغلظت طباعهم عن المداخلة ، وغلب عليهم الجدّ ، وقلَّ عندهم الهزل ، وغربتْ نفوسهم عن ذل المراءة، وفزعوا عن الآراء إلى الروايات ، وتمسّكوا بالظاهر تحرّجًا عن التأويل ، وغلبت عليهم الأعمال الصالحة ، فلم يدقّقوا في العلوم الغامضة ، بل دققوا في الورع ، وأخذوا ما ظهر من العلوم ، وما وراء ذلك قالوا: الله أعلم بما فيها، من خشيَّة باريها ، لم أحفظ على أحد منهم تشبيهًا ، إنِّما غلبت عليهم الشناعة لإيمانهم بظواهر الآي والأخبار، من غير تأويل ولا إنكار، والله يعلم أنني لا أعتقد في الإسلام طائفة محقة ، خاليَّة من البدع ، سوى من سلك هذا الطريق ” انتهى.
نجد أنَّ هذه الصورة النمطيَّة، التي رسمها وجهاء الحنابلة من أمثال أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي ورسخها ابن رجب الحنبلي، تعزز فكرة الغلظة والخشونة كجزء أصيل في الشخصيَّة الحنبليَّة. فهل أصاب بن عقيل الحنبلي فيما ذهب اليه؟ ليس في مقالة “معايير ابن تيميَّة في الميزان”. فقد كان من الحنابلة من أمثال الفقيه نجم الدين سليمان الطوفي الصرصري (ت 716 هـ) من قال عن نفسه:
“حنبلي رافضي ظاهري – أشعري انها احدى الكبر “.
فنجد أن الحنبلي نجم الدين الطوفي يحمل نفسا تسامحيّا مع الشيعة والأشعريَّة ومع ابن حزم. لكن لا يبدو أن ابن تيميَّة (ت. 728 هـ) الذي توفى بعد نجم الدين الطوفي ب 12 عاما قد تأثر به. في حين أن تأثره بالبغدادي أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري (ت 329 هـ) وبأبي الفرج بن الجوزي القرشي البغدادي وهو فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم (510 – 597هـ) أكثر وضوحا. فمعايير ابن تيميَّة متشكلة بقدر من أفكار البربهاري وبنسبة من أفكار أبي الفرج بن الجوزي. ولكي ننجز مقالة متجردة من غواشي الإعجاب أو مراسي الرفض التي ترسم مشهدنا الفكري الظرفي علينا التحلي بالقيم الأزليَّة التي تنصف بلا تكلّف موضوع مشارب ابن تيميَّة المشكلة لمعاييره الفكريَّة.
وقد أشتهر بين الحنابلة ما كتبه البربهاري (ت 329 هـ) في كتابه شرح السنة:
“وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب فهو عن الله تعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه وعن التابعين، وعن القرن الثالث إلى القرن الرابع؛ فاتق الله يا عبد الله! وعليك بالتصديق والتسليم والتفويض والرضا لما في هذا الكتاب، ولا تكتم هذا الكتاب أحداً من أهل القبلة؛ فعسى يرد الله به حيراناً عن حيرته، أو صاحب بدعة عن بدعته، أو ضالاً عن ضلالته فينجو به، فاتق الله! وعليك بالأمر الأول العتيق، وهو ما وصفت لك في هذا الكتاب، فرحم الله عبداً ورحم والديه قرأ هذا الكتاب وبثه وعمل به، ودعا إليه واحتج به؛ فإنه دين الله ودين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب فإنه ليس يدين الله بدين وقد رده كله، كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى إلا أنه شك في حرف؛ فقد رد جميع ما قال الله تعالى، وهو كافر”.(شرح السنة للبربهاري، ج 1، ص 102).
يتَّضح من هذا النص أن من يختلف مع شيء ممّا كتبه البربهاري في كتابه شرح السنة فإنه ليس ممن يدين بدين الله. هذا النمط من التفكير تبلور كخط فكري والذي تسرب بنسبة وتناسب إلى المذهب. ابن تيميَّة انعكست على كتاباته أفكار البربهاري ولكن أيضا انعكست عليه أفكار التصوف.
ومن أقدم متصوّفة الحنابلة أبو محمد سهل ابن عبد الله التستري (ت 283 هـ) وقد أرّخه ابن العماد الحنبلي في وفيات سنة 283 هـ وقال عنه: فيها توفي القدوة العارف أبو محمد سهل ابن عبد الله التستري الزاهد في المحرم عن نحو من ثمانين سنة وله مواعظ وأحوال وكرامات. وكان من أكبر مشايخ القوم ـ ومن كلامه وقد رأى أصحاب الحديث فقال: أجهدوا أن لا تلقوا الله تعالى إلا ومعكم المحابر، وقيل له: إلى متى يكتب الرجل الحديث؟ فقال: حتى يموت ويصب كل حبره في قبره. وقال من أراد الدنيا والآخرة فليكتب الحديث فإن فيه منفعة الدنيا والآخرة.
ومن الحنابلة الذين اختلطت حنبليتهم بالتصوُّف هو أبو الفرج بن الجوزي القرشي البغدادي وهو فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم (510 – 597هـ). ومن الملفت أن أبو الفرج أول حنبلي إستطاع أن يتجاوز البربهاري عندما قرر أن يكتب عن شخصيَّة متصوفة وعن التصوف في كتاب بعنوان “درر الجواهر من كلام الشيخ عبدالقادر الجيلاني“.
موضوع الكتاب هو الشيخ عبدالقادر الجيلاني أو الكيلاني (470 – 561هـ) وهو متصوف مشهور جدا وتنسب الطريقة الصوفيَّة المشهورة بالقادريَّة إليه. بهذا العمل الكتابي نسج الحنبلي أبو الفرج بن الجوزي مبكرا مجدّلة عقدت بين ضفيرة حنبليَّة مع أخرى متصوفة بحيث لا يمكن فلّها. وكان هذا الكتاب محاولة جادة من أبو الفرج بن الجوزي في مواجهة تشكل تيار الحنبليَّة البربهاريَّة. ففي تقديري توجس أبو الفرج بن الجوزي من خطورة ما أطلقه أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري (233 – 329هـ) بسلوكياته وكتاباته المتأزمة باسم الحنبليَّة.
فلم يستطع أبو الفرج بن الجوزي تجاهل سكوت البغدادي البربهاري (ت 329هـ) ما فعله البغدادي الحنبلي أبي بكر بن أبي داود (ت 316 هـ) من غيظهم على البغدادي محمد بن جرير الطبريِّ (ت 310 هـ). والسبب أنه الطبري ألف كتابه “اختلاف الفقهاء”، ولم يسبق أن صنّف مثله، وأورد فيه مذاهبَ الفقهاء السابقين كالإمام أبي حنيفة (ت: 150هـ) ومالك (ت: 179هـ) والشافعي (ت: 204هـ) وغيرهم، ولكنه لم يورد ضمنَهم الإمام أحمد ابن حنبل. وعندما سأله الحنابلة لما لم تجعل أحمد بن حنبل في كتابك؟ قال إنه محدث وليس بفقيه. فقام الحنابلة بسكوت البربهاري وبن أبي داود برمي داره بالحجارة حتى صار على بابه كالتلّ العظيم. حتى اضطرت الشرطة للتدخُّل ومنعهم من ذلك، ورفعوا الحجارة عن بابه. وكان من تواضع الإمام الطبري وسماحة نفسه أن أعرض عن مجادلتهم، وخلا بعد ذلك في داره، وكتب كتابًا في الاعتذار إليهم، بيَّن فيه مذهبه واعتقاده، وجرّح من ظن فيه غير ذلك، وفضَّل أحمد ابن حنبل وذكر مذهبه وتصويبَ اعتقاده، وقرأ الكتاب عليهم، وانتهت المشكلة، ولكن بقي بعض عوامِّ الحنابلة متحاملين عليه في ذلك، رغم أنه لم يخرج كتابَه “اختلاف الفقهاء” الذي انتقدوه عليه حتى مات، فوجدوه مدفونا في التراب، فأخرجوه ونسخوه، ولكن عوام الحنابلة ظلموه كما يذكر الإمام ابن خزيمة رحمه الله.
(معجم الأدباء2451و 2443 المجلد 6).
فكل من الشيخ ابن تيميَّة (661 – 728هـ) وزميله الشيخ ابن قيم الجوزيَّة (691 – 751هـ) لم يستطيعا حسم موقفهما بالانضمام إلى حنبليَّة ابن الجوزي الناعمة والمتصوفة أو الانضمام إلى حنبليَّة البربهاري الصلبة. بل يبدو أنهما قررا مسك العصا من الوسط فتجد في كتاباتهما إرث أبو الفرج ابن الجوزي المتصوف الحنبليَّة الناعمة وتجد في كتاباتهما إرث البربهاري الصلب.
فهذا الشيخ ابن قيم الجوزيَّة كبير تلامذة ابن تيميَّة يتبع خط البربهاري الفكري ليؤلف كتابا بعنوان غريب “إعلام الموقعين عن رب العالمين” والذي جعل فيه الفقيه موقعا عن رب العالمين وأتي في الكتاب هذه الفصول:
–فصل علماء الأمة على ضربين، فصل ما يشترط فيمن يوقع عن الله ورسوله، –فصل أول من وقع عن الله، فصل عمن انتشر الدين والفقه، فصل من صارت إليه الفتوى من التابعين، فصل فقهاء المدينة المنورة، فصل فقهاء مكة، فصل فقهاء البصر، –أصول فتاوى أحمد بن حنبل، فصل كراهة العلماء التسرع في الفتوى، المراد بالناسخ والمنسوخ، خطر تولي القضاء، فصل المحرمات على أربع مراتب، النهي عن أن يقال هذا حكم الله، لفظ الكراهة يطلق على المحرم، ما يقوله المفتي فيما اجتهد فيه، فصل كلام الأئمة في الفتيا-أدوات الفتيا، –الفتوى بالتقليد، شروط الإفتاء، –فصل الإفتاء في دين الله بالرأي.
كما أن الشيخ ابن قيم الجوزيَّة يميل إلى نعومة الحنبلي أبو الفرج بن الجوزي المتصوف عندما ألف كتاب “مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين” والذي هو شرح لكتاب منازل السائرين للإمام المتصوف الهروي.
نعم تجد عند “ابن تيميَّة-ابن القيم” من إرث أبو الفرج ابن الجوزي فتارة تجد أن ابن تيميَّة يسهب في الكتابة عن متصوفة الحنابلة الثلاثة، الشيخ عبدالقادر الجيلاني، وعن الإمام الجنيد، وعن إبراهيم بن أدهم. كما تجد ابن القيم يختصر كتاب تصوفي باسم “مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين” وفي ذات الأثناء تقرأ بين نصوصهما تعابير الإقصاء وزندقة المخالف وبل تكفيره اقتداء بالبربهاري.
نجد في مجموع الفتاوي لابن تيميَّة مجلدين عن التصوف. مجموع الفتاوى لابن تيميَّة: المجلد العاشر – الآداب والتصوف:
كلمات في أعمال القلوب | القائلون بتخليد العصاة | فصل في الأعمال الباطنة | فصل في محبة الله ورسوله | فصل في مرض القلوب وشفائها | فصل مرض القلب نوع فساد | فصل الحسد من أمراض القلوب | فصل أضرار البخل والحسد وغيرهما من أمراض القلوب | سئل الشيخ رحمه الله عن العبادة وفروعها | فصل التفاضل في حقيقة الإيمان | مخالفات السالكين في دعوى حب الله | معوقات تحقيق النفوس لمحبة الله | أكابر الأولياء لم يقعوا في الفناء | سئل شيخ الإسلام عن دعوة ذي النون | فصل الضر لا يكشفه إلا الله | التوحيد والإشراك يكون في أقوال القلب وأعماله | محبة أبي طالب للنبي محبة قرابة ورئاسة | غلط من فضل الملائكة على الأنبياء والصالحين | التائب من الكفر والذنوب قد يكون أفضل ممن تجنبها | فصل في موجبات المغفرة | هل الاعتراف بالذنب المعين يوجب دفع ما حصل بذنوب متعددة | ما السبب في أن الفرج يأتي عند انقطاع الرجاء عن الخلق | فصل في تفسير الفناء الصوفي | فصل في وقوع البدع في أواخر خلافة الخلفاء الراشدين | فصل في خلط متقدمي المتكلمين والمتصوفة كلامهم بأصول الكتاب والسنة | أصل النسبة في الصوفيَّة | فصل في قولهم فلان يسلم إليه حاله | فصل في العبادات والفرق بين شرعيها وبدعيها | أصول العبادات الدينيَّة | فصل في الخلوات | فصل علينا الإيمان بما أوتي الأنبياء والاقتداء بهم | فصل في أهل العبادات البدعيَّة | سئل شيخ الإسلام ما عمل أهل الجنة وما عمل أهل النار | فصل في هل الأفضل للسالك العزلة أو الخلطة | من مستلزمات العقل والبلوغ | فصل في أحب الأعمال إلى الله | سئل عمن يقول الطرق إلى الله عدد أنفاس الخلائق | الرسل جميعا بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها | فصل في طريق العلم والعمل | فصل في كيف يكون السالك وعاء لعلم الله | فصل في شرح أمر الشيخ عبد القادر وشيخه الدباس | فصل في ضرورة مخالفة الهوى في حال الولايَّة | احتمال خفاء الأمر والنهي على السالك | فصل في العبادة والاستعانة والطاعة والمعصيَّة | سئل عن إحياء علوم الدين وقوت القلوب | فصل في ذكر الله ودعائه | فصل في الصراط المستقيم | فصل في جاذبيَّة الحب | فصل في جماع الزهد والورع | فصل في قول بعض الناس الثواب على قدر المشقة | فصل في تزكيَّة النفس | سئل شيخ الإسلام عن رجل تفقه وعلم هل له أن يقطع الرحم ويسير في الأرض | سئل شيخ الإسلام عن مقامات اليقين | سئل شيخ الإسلام أن يوصي وصيَّة جامعة لأبي القاسم المغربي | سئل شيخ الإسلام عن الصبر الجميل والصفح الجميل والهجر الجميل | سئل شيخ الإسلام عما ذكر القشيري في باب الرضا | سئل شيخ الإسلام فيمن عزم على فعل محرم هل يأثم بمجرد العزم | فصل في الأحاديث التي بها التفريق بين الهام والعامل | مسألة هل توبة العاجز عن الفعل تصح.
مجموع الفتاوى لابن تيميَّة: المجلد الحادي عشر – الآداب والتصوف:
سئل شيخ الإسلام عن الصوفيَّة | سئل في رجل يقول إن الفقر لم نتعبد به | سئل شيخ الإسلام عن أهل الصفة | فصل في حال أهل الصفة | فصل فيمن قال إن أحدا من الصحابة أهل الصفة أو غيرهم أو التابعين أو تابعي التابعين قاتل مع الكفار | فصل في تخطئة من فضل أهل الصفة على العشرة وغيرهم | فصل في حكم سماع المكاء والتصديَّة | فصل في تفسير قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي | فصل في الحديث المروي ما من جماعة يجتمعون إلا وفيهم ولي لله | فصل في من هم أولياء الله | فصل في الفقراء | سئل عن قوم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى باب أهل الصفة فاستأذن | سئل رحمه الله عن قوم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث لا سند لهم بها | سئل عن الفتوة المصطلح عليها إلخ | سئل عن جماعة يجتمعون في مجلس ويلبسون لشخص منهم لباس الفتوة | فصل في الشروط التي تشترطها شيوخ الفتوة | فصل في معنى لفظ الفتى | فصل في بشريَّة النبي | فصل في المؤاخاة | فصل عن الشيخ عدي بن مسافر بن صخر | سئل هل تخلل أبو بكر بالعباءة وتخللت الملائكة لأجله بالعباءة أو لا | سئل عن معنى قول حب الدنيا رأس كل خطيئة فهل هي من جهة المعاصي أو من جهة جمع المال | سئل عما يذكر من قولهم اتخذوا مع الفقير أيادي فإن لهم دولة وأي دولة | فصل قول القائل نحن في بركة فلان أو من وقت حلوله عندنا حلت البركة | سئل عن رجل متصوف تكلم عن الفقر | سئل عمن قال إن الفقير والغني لا يفضل أحدهما صاحبه إلا بالتقوى | فصل أيهما أفضل الفقير الصابرأو الغني الشاكر | سئل عن الحمد والشكر ما حقيقتهما هل هما معنى واحد أو معنيان | تلخيص مناظرة في الحمد والشكر | العلاقة بين الحمد والشكر | الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان | قاعدة شريفة في المعجزات والكرامات | فصل في الأمور الخارقة | فصل في كلمات الله تعالى | فصل في العلم بالكائنات | فصل في تكلم طائفة من الصوفيَّة في خاتم الأولياء | كلام مردود للحكيم الترمذي في كتاب ختم الولايَّة | فصل في قول القاضي أبو يعلى في عيون المسائل | سئل أيهما أولى معالجة ما يكره الله من القلب أو الاشتغال بالأعمال الظاهرة | سئل هل قال النبي صلى الله عليه وسلم زدني فيك تحيرا | سئل عن رجل يحب رجلا عالما فإذا التقيا ثم افترقا حصل لذلك الرجل شبه الغشى | سئل ما الحكمة أن المشتغلين بالذكر يفتح عليهم من الكشوفات والكرامات | سئل الشيخ رحمه الله عن قوم داوموا على الرياضة مرة فرأوا أنهم قد تجوهروا | سئل شيخ الإسلام عن الحديث المروي في الأبدال هل هو صحيح أو مقطوع | ما قاله عن البطائحيَّة | موقفه من الذين يصرون على الابتداع في الدين | سئل عن المرشدة كيف كان أصلها وتأليفها | سئل عن رجل تخاطب هو وإنسان على من قرأ المرشدة | سئل عن قوم منتسبين إلى المشائخ | فصل في ذكر غلوهم في الشيوخ | فصل في فساد الأولاد | فصل في النذر للموتى من الأنبياء والمشائخ وغيرهم | فصل في مؤاخاة الرجال النساء الأجانب | فصل في الحلف بغير الله من الملائكة والأنبياء والمشائخ والملوك وغيرهم | فصل في قول القائل لمن أنكر عليه أنت شرعي | فصل في كون الأمر بالمعروف هو الحق الذي بعث الله به رسوله | فصل في لباس الخرقة التي يلبسها بعض المشائخ المريدين | فصل في قول القائل أنت للشيخ فلان وهو شيخك في الدنيا والآخرة | فصل في قول القائل إن الله يرضى لرضا المشائخ ويغضب لغضبهم | فصل في قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب | سئل عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد | سئل شيخ الإسلام عما أحدثه الفقراء المجردون | ما تقول السادة الأعلام في صفة سماع الصالحين | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن السماع | سئل عمن قال إن السماع على الناس حرام وعلي حلال هل يفسق في ذلك أو لا | سئل عن أقوام يرقصون على الغناء بالدف | سئل شيخ الإسلام عن رجل يحب السماع والرقص | سئل عن الذين يعملون النار والإشارات | سئل عن رجل فلاح لم يعلم دينه ولا صلاته | سئل عن رجل منقطع في بيته لا يخرج ولا يدخل | سئل شيخ الإسلام عن جماعة يجتمعون على قصد الكبائر | فصل في متابعة الكلام في المكاشفات والمشاهدات | فصل في الكون يقظة ومناما | سئل عمن يقول إن بعض المشائخ إذا أقام السماع يحضره رجال الغيب | سئل عن النساء اللاتي يتعممن بالعمائم الكبار | سئل عن الذنوب الكبائر المذكورة في القرآن | سئل رضي الله عنه عن شرب الخمر وفعل الفاحشة | سئل الشيخ عن رجل مدمن على المحرمات | فصل في كل من تاب من أي ذنب كان فإن الله يتوب عليه | فصل في أن التوبة والاستغفار يكون من ترك الواجبات وفعل المحرمات | فصل في المقصود أن الاستغفار والتوبة يكونان من كلا النوعين | فصل في إخبار الله تعالى عن قبح أعمال الكفار قبل أن يأتيهم الرسول | فصل في أمر الله الناس أن يتوبوا ويستغفروا مما فعلوه | فصل فيما يستغفر ويتاب منه | سئل عن قوله ما أصر من استغفر | سئل عن اليهودي أو النصراني إذا أسلم هل يبقى عليه ذنب بعد الإسلام.
بعد هذه المقدمة انكشفت عنا قشاعة أربكت الكثير في عدم فهم معايير ابن تيميَّة-ابن القيم المسهبة في التصلب وتارة المسهبة في النعومة. لذلك أعتقد أنه إذا ما تمكن لنا من إعادة اكتشاف تصوفيات السلفي/المتصوف أبو الفرج بن الجوزي وحجم تأثره على كل من ابن تيميَّة-ابن القيم ومن ثم سنفهم إرث ابن تيميَّة-ابن القيم من تسربات التصلب الوافدة من إرث البربهاري.
_________
*د. محمد الزّكري القضاعي/ خريج معهد دراسات العرب والإسلاميات/ جامعة إكستر البريطانيَّة/ رئيس دارة ابن الزكري الألمانيَّة للنشر المعرفي. برلين/ ألمانيا.
*المصدر: التنويري.