-تقديم
يعدّ تفسير النص الشرعي وبيان دلالته اللغويَّة، وإظهار معانيه الشرعيَّة، وتمثّل القصد منه، من أبرز القضايا المعرفيَّة، والمسائل المنهجيَّة التي استحضرها، وتعاطاها علماء الإسلام بصفةٍ عامَّة،وعلماء الأصول بشكلٍ خاص.
ومن أبرز العلوم الحاملة لإشكال تفسير النصّ وتحصيل المعنى في النصّ علم أصول الفقه، فهو من أبرز وأهمّ العلوم اشتغالًا على المعنى، واهتمامًا بتلقِّي هذا المعنى من النصّ الشرعي.
فلقد أراد له مؤسّسه الإمام الشافعي ت204ه أن يكون علم أصول الفقه علما مسدّدًا لفهم النص، ومعينا على تحصيل المعنى، وخادمًا وموجّهًا لاكتساب الدلالة من هذا النص، ومساعدًا على الاستدلال على الأحكام الشرعيَّة.
والذي كان يحذو الإمام الشافعي في مشروعه العلمي هذا الذي جسَّدهُ في كتابه الرسالة، هو هذا الاعتراف المبدئي بهذا السند العلمي، المحدّد أنَّ التلقِّي السليم للنص وتمثُّل المعنى، واستيعاب القصد منه، ينبغي أن يتأسَّس على مجموعة من المداخل، وعلى عددٍ من القواعد والدعائم والمقتضيات، الجامع بين هذه الضوابط، والمشترك بين هذه الأصول والأسس هو أنها تشترك جميعها في هذا الجامع، هو أن الفهم والتفسير والبيان والتلقِّي من مداخله الأساسيَّة التمكُّن من اللغة العربيَّة وعلومها، بحيث ألزم الإمام الشافعي ت204ه وفرض على مفسِّر الخطاب ومتفهّمه من التمكُّن من اللغة العربيَّة، والدراية بقواعدها الأساسيَّة في التفسير والبيان.
لأنَّ من شأن التمسُّك بهذه القواعد اللغويَّة، والاستعانة بمقتضياتها ولوازمها، أن تساعد المستدل على التلقِّي السليم، وعلى الفهم السديد للنص القرآني في معانيه الجزئيَّة والكليَّة ، وأن تمكّنه من أن يحافظ على حمولة النص الدلاليَّة والشرعيَّة دون أن يرمي بالمعنى الأصلي، ومن أن يتعرَّف على مقاصده التشريعيَّة.
إنَّ هذا العمل التقعيدي الكبير والعميق، الذي أقدم عليه علماء الأصول يكشف ويشهد عن عمق وسعة العقليَّة الفقهيَّة الإسلاميَّة في تعاملها و تواصلها مع العلوم الأخرى، وتعميقها للبحث الفقهي وتأصيله، وتمديد هذا البحث ليشمل العلوم الأخرى و الحقول المعرفيَّة .
وهو ما اكسب القواعد الفقهيَّة والأصوليَّة هذه المكانة العلميَّة، وأهَّلها لتكون من المباحث المقنَّنة والمنظَّمة على شكل قواعد وضوابط لتكون أداة معينة وطريق مساعد للفقيه في بناء استدلالاته الفقهيَّة وتخريجاته في استنباطاته الفروعيَّة.
لأنَّ ما يميز هذه القواعد من حيث علاقتها بالاستدلال والاستنباط، أنها عبارة عن كليات وقواعد شرعيَّة عامَّة مجرَّدة عن عاملي الزمان والمكان، بحيث يتمّ الاعتماد عليها في استيعاب المستجدّات، وتلبية الحاجيات والمقتضيات عن طريق إدراج وتنزيل هذه الكليات على الجزئيات الطارئة والمستجدَّة.
-دور القواعد اللغويَّة الأصوليَّة في فهم النص
لقد اتَّجهت العلوم في التراث العربي الإسلامي إلى تأسيس وتشييد البيان والفهم المؤدِّي إلى تفهُّم الخطاب الشرعي بوضع الضوابط، وإرساء الشروط، وعرض الأسس المبيِّنة لكيفيَّة الفهم واكتساب الدلالة من هذا الخطاب.
ممَّا جعل معارف هذا التراث معارف ضابطة للتفسير، ومؤصّلة لشروطه،ومجليَّة لدعائمه، ومبيِّنة لمقتضياته، ومؤسِّسة لأسسه، و كاشفة لمكوّناته، ومقنِّنة لعناصره ومقدّماته ومداخله.. [1]..
منطلقة من هذا الاعتبار العلمي،وآخذة بهذا المبدأ المنهجي التوجيهي،وهو”أن كتاب الله لا يفسر إلا بتصريف جميع العلوم فيه….”.[2]
ومن أبرز مشاغل علماء الإسلام في الفهم والبيان،هو تأسيس وتقنين القواعد ذات الصلة بفهم النص الشرعي بصفة عامَّة .
- نماذج من القواعد اللغويَّة الأصوليَّة
-الأصل في اللفظ أن يحمل على الظاهر.
– الأصل في الخطاب أن يحقِّق الفائدة.
– الأصل في الكلام أن يحمل على الحقيقة.
لا يعدَّل إلى المجاز إلا بدليل.
إذا تعذر الحمل على الحقيقة صير إلى المجاز.
– لا يخاطبنا الحقّ سبحانه باللفظ المهمل ولا بالمشكل.
لا يقع التخاطب بالمجمل
– إعمال اللفظ أولى من إهماله.
– التأويل خلاف الأصل.
– لا يصار للتأويل إلا بدليل.
[1] -التفكير المنهجي وضرورته لفتحي ملكاوي: ص19.مجلة إسلاميَّة المعرفة المعهد العالمي للفكر الإسلامي.العدد:28-السنة:2002.
[2] -مقدمة تفسير ابن عطيَّة الغرناطي الأندلسي:1/5.
*المصدر: التنويري.