صدر كتاب ” القهر والإبداع ومستقبل الثقافة العربية ” للمؤلف ماجد موريس إبراهيم عن دار النهضة العربية ببيروت، و الكتاب يضم 4 فصول هي على الترتيب: الفصل الأول، حدود مثلث القهر، ويعرض فيه الكاتب عن حدود لصيقة تشكل قهرا للإنسان مهما بلغت مثالية البيئة النفسية والمادية التي يعيش فيها، وهذه الحدود القاهرة هي؛ الذات والزمان والمكان. هنا يستحضر المؤلف المقارنات والشواهد في سياق البرهنة على أثر هذا المثلث على الإبداع في المنطقة العربية ، لكننا نقف في هذا الفصل عند العديد من التحليلات النفسية فقد انعكس عمل المؤلف كطبيب نفسي على الكتاب.
الفصل الثاني يعرض فيه الكاتب لتعريف وآليات وخطوات العملية الإبداعية، سواء كانت تقليدية تلتزم خطواتـ الإعداد ُثم الاحتضان أو الكمون ثم الومضة الإبداعية تليها العملية التنفيذية أو التحقيق، أي النقل من حيز الخيال والأمل إلى المجال المحسوس الملموس، ويمكن أن تتبع العملية أيضا أسلوب الجشطلت، بمعنى الصورة الكلية التي تفرض نفسها فجأة بلا تخطيط وبلا تفاصيل كثيرة، ويستعرض الكاتب في هذا الفصل علاقة الفسيولوجيا بالعملية الإبداعية فيشير إلى المراكز المخصصة بالمخ البشري لأداء خطوات الإبداع.
في الفصل الثالث، دراسة لعلاقة الإبداع بالمرض النفسي، الأسباب والمظاهر المختلفة، مع محاولة لتفسير هذه العلاقة الملتبسة والملغزة ويرتبط بهذا الفصل ملحق في نهاية الكتاب به ذكر لعدد كبير من المبدعين في كافة المجالات، العلم والأدب والفن بأشكاله المختلفة، وبين الأمراض العقلية التي ألمت بهم ومعاناتهم النفسية والسلوكية.
الفصل الرابع يتناول العلاقة بين الإبداع والسلطة، يعرض حالات الإبداع والمبدعين في ظل أشكال وفلسفات الحكم، الثيوقراطية، والديكتاتورية الشمولية، والتكنوقراط، والحكم الفاشي، وأخيرا الديمقراطية.
وفي خاتمة الكتاب يشير الكاتب لحال الثقافة العربية المعاصرة فيقول إنها تتسم بالقهر والسكون والثبات، وتعنى بفكر المؤامرة وسلطة صد النص وبالخلط بين الدين والعروبة وبسواد الخرافة من جهة وتهديد التكنولوجيا الاستهلاكية والرقمية التي تنذر بجفاء العلاقات الإنسانية وتهددها بشدة.
تصورنا لثقافة المستقبل مبني على حتمية الإبداع أملا في تجاوز هذه العقبات. نتجاوز قهر المؤامرة والتحوصل بإبداع أنماط من التجسير والنوافذ المفتوحة، ونتجاوز قهر سلطة النص بإبداع يتجاوز محدودية التأويل إلى عمومية التفرد والاستقلالية وكلاهما السبيل لإبداع نمط جديد من أنظمة الحكم يتلافى عيوب الديمقراطية، ويتجاوز قهر الربط التعسفي بين العروبة والإسلام بإبداع تمييز ذكي بين عناصر كل منهما. قهر الخرافة نتجاوزه بإذكاء أسس التفكير العلمي وقهر استهلاك التكنولوجيا نتجاوزه بأنماط حميمة للدفاع عن إنسانيتنا.
معالم ثقافة المستقبل هي التجسير، والتفرد، والتمييز بين العروبي والإسلامي، والتكنولوجيا الرحيمة.
*المصدر: التنويري.