حضور ضعيف للمرأة الأردنية كخبيرة ومصدر للرأي في الصحافة
راديو النجاح – ظلّ قطاع الرياضة حكرًا على الذكور من صحفيين ومحللين ومعلقين وخبراء. حتى بداية التسعينيات من القرن الماضي. عندما تأسس الاتحاد الأردني لكرة القدم وبدأت تظهر مشاركة النساء في الرياضة. لكنّ الفضائيات هي التي أحدثت الفارق الأكبر. بإتاحتها الفرصة لإعلاميات تقديم البرامج الرياضية.
الإعلامي الرياضي محمد قدري حسن يبين أن مشاركة الإعلاميات من الاستديوهات قد ازدادت. لكنهنّ بقين بعيدًا عن الميدان. ولم تتجاوز قاعدة البيانات للسيدات الخبيرات في المجال الرياضي -بحسب تقديراته- (10%) . خلال الأجيال التي عاصرها على مدى 40 عامًا من الخبرة. معتبرًا أن الخبرة تتكون نتيجة عمل يتراكم مع مرور الزمن، والنساء دخلن المجال في وقت متأخر مقارنة بالرجال. فحين تأسست رابطة الإعلام الرياضي في عام 1983 كانت تضم 40 عضوًا. جميعهم من الذكور. وبقي هذا الحال قائمًا لسنوات طويلة، الأمر الذي يوضّح ضعف وجودهن كصحفيات وكمصادر للمعلومات والآراء أيضًا، بحسب قدري.
وفي الوقت الحاضر. هناك مؤشرات لحدوث تغيير تمثل في ظهور الإناث كمقدمات للمحتوى الرياضي. حيث تضم القناة الرياضية في التلفزيون الأردني حاليًا عشرة إعلاميات يعملن في إعداد وتقديم البرامج الرياضية.
وبشكل عام، فإن نسبة ظهور المرأة في محتوى الصحافة الإعلام الأردني ما زال ضعيفًا. ولا يقتصر ذلك الضعف على المجال الرياضي. فلم تتجاوز نسبة ظهورهن كمصادر للرأي والمعلومات عمومًا في وسائل الإعلام (9%). مقابل مشاركة مرتفعة للرجال بنسبة تمثلت بـ (91%). وبلغت نسبة مشاركتهنّ كمصدر خبرة (16%) فقط؛ هذا ما أظهرته دراسة. لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقاقة (يونيسكو) حملت عنوان (التوازن الجندري في الإعلام الأردني)، صدرت عام 2018.
في كل وسائل الإعلام
حضور ضعيف للخبيرات
يستحوذ الخبراء من الرجال على المساحة المخصصة للرأي والتحليلات. سواء في البرامج التلفزيونية أو الصحافة المكتوبة، نتيجة تداول أسمائهم على نطاق واسع في وسائل الإعلام المختلفة. وعدم البحث عن مصادر جديدة تشمل سيدات. على الرغم من وجود خبيرات متميزات في المجالات المختلفة. لكن لم تدر إليهنّ عدسات الكاميرات. هذا ما عبرت عنه الإعلامية هناء الأعرج في ضوء تجربتها على مدى 12 عامًا. كمعدة ومقدمة برامج سياسية واجتماعية. بأن المعدّ في التلفزيون وأيضا الصحفي يبحث عن الأسهل.فيلجأ للأسماء المعروفة حتى يوفر على نفسه عناء البحث.
وعن تجربتها الشخصية..
تؤكد الأعرج أنها تراعي التوازن الجندري في برامجها. لكنها تصطدم بالواقع القائم على هيمنة ذكورية، فغالبية المخولين بالحديث في مجال السياسة. والشأن العام مثلًا من الرجال. خاصة إن كانت القضايا المطروحة ذات طابع جدلي. كما تصطدم بواقع التمثيل الضعيف للمرأة مقابل الرجل تحت قبة البرلمان. وكذلك الأمر داخل الأحزاب، حيث تتولى النساء منصب الأمين العام في حزبين اثنين فقط في الأردن، وفقًا لقولها.
وتفرض الثقافة المجتمعية العامة على المرأة وإن تعمقت في خبرتها. أن تحصر حديثها في قضايا معينة، وتبتعد عن المسائل الحساسة أو الخلافية خوفًا من نظرة المجتمع، حتى العاملات في وسائل الإعلام يخترن الموضوعات الأقل جدلًا، أو الأكثر قبولًا من المجتمع، كما توضح الأعرج.
وتشير إلى عوائق أخرى..
تحول دون مشاركة الخبيرات، والحقوقيات في البرامج، كالبعد الجغرافي عن العاصمة، ما يجعل إمكانية حضورهنّ الدائم إلى الاستديوهات لاستضافتهن صعبة.
ولا يقتصر الخلل في التوازن الجندري على قطاع بعينه، فهو ينطبق على كافة القطاعات، بحسب رئيس تحرير صحيفة الدستور مصطفى ريالات.
ويعزو ريالات ضعف ظهور الخبيرات عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى عدم مبادرتهن إلى التعريف بأنفسهنّ وخبراتهنّ، أو كتابة مقالات ودراسات تعكس قدراتهنّ الفكرية، مؤكدًا على أهمية دورهنّ. وعدم وجود أي موقف ضد ظهورهن، وخير دليل على ذلك وجود 9 صحفيات يشغلن مواقع قيادية في صحيفة الدستور.
ويرى ريالات أن على المؤسسات المختصة بقضايا المرأة تكثيف جهودها لدعم الخبيرات، وتعزيز قدراتهنّ للتعامل مع وسائل الإعلام، وتوسيع حضورهنّ، وفي الوقت ذاته، علينا التعامل مع معطيات الواقع، فإن طرحت قضية اقتصادية سنجد خبراء الاقتصاد غالبيتهم من الرجال، ومصادر المعلومات كرئيس اللجنة النيابية في البرلمان رجال أيضًا، بالتالي ستكون الخيارات محصورة، على حدّ قوله.
مبادرات لتعزيز ظهور الخبيرات
لتعزيز مشاركة الأردنيات الخبيرات في وسائل الإعلام، وتقليص الفجوة الجندرية في الظهور الإعلامي، أنشئت مبادرة (بوابة خبيرات الأردن)، من خلال توفير منصة إلكترونية تضم أسماء (60) خبيرة في مجالات مختلفة، متاحة للصحفيين في الأردن والعالم العربي، لتسهيل الوصول إليهن والاستفادة من خبرتهنّ؛ لكن المبادرة لم تحدث التغيير المناط بالهدف الذي أنشئت من أجله، وذلك بسبب ضعف الترويج للمنصة، بالإضافة إلى المشاكل التقنية التي تمنع الصحفيين من الدخول إليها، والحيلولة دون الاستفادة من بياناتها، فيضطرون للبحث عن بديل آخر.
وبالمقارنة مع دول عربية أخرى..
يتشابه واقع الفجوة الجندرية في محتوى الإعلام، ما دفع حكومات ومنظمات لإطلاق مبادرات من أجل معالجة المشكلة، كما هو الحال بالنسبة للمغرب، الذي يشبه الأردن إلى حد كبير من حيث النظام السياسي، والمنظومة الرسمية في قطاع الإعلام، كما توضح الصحفية والباحثة المتخصصة في شؤون الإعلام سوسن زايدة، مضيفة أن جهود المجتمع المدني في كلا البلدين للتقليل من أثر البنية الاجتماعية الذكورية التي تخل بالتوازن الجندري في كافة مجالات الحياة المتشابهة.
ومن إحدى التجارب المغربية الهامة، تشكيل لجنة داخلية تسمى (لجنة المناصفة) في التلفزيون العمومي المغربي، تتألف من رجال ونساء من ذوي الخبرة في العمل التلفزيوني، لمتابعة ومراقبة ظهور النساء كمصادر للمعلومات بنسبة تصل إلى 50% في كل برنامج، لتحقيق مساواة جندرية، وفقًا لزايدة.
كما توضح أن الهيئة العليا للإتصال السمعي والبصري (الهاكا) في المغرب، تشترط على المتقدمين بطلب الحصول على رخصة البث الإذاعي والتلفزيوني، تحقيق حد أدنى من التوازن الجندري في محتوى البرامج، ويشمل تعزيز مشاركة النساء كمصادر وخبيرات بنسبة لا تقل عن (35%)، عبر ما يطلق عليه (دفتر التحمّلات)، الذي يلزم به المرَّخص له.
ويمكن للمؤسسات الصحفية والإعلامية تحقيق هذا الأمر من خلال آليات التنظيم الذاتي أيضًا، بحسب زايدة، كوضع مدونات سلوك، وسياسات تحريرية تضمن تمثيل النساء، وتشجع على تحقيق التوازن الجندري في المحتوى الإعلامي، واعتماد آلية رقابية تضمن تطبيق ذلك، علمًا أنّ هيئة الإعلام في الأردن تمتلك صلاحيات واسعة تمكنها من محاكاة التجربة المغربية، حتى يصبح التوازن الجندري تقليدًا ثابتًا، وممارسة سائدة في المؤسسات الإعلامية.
من جهته، يشير مدير هيئة الإعلام الأردنية محمد قطيشات إلى صعوبة ربط هذا الأمر بمنح التراخيص أو تجديد الرخصة لوسائل الإعلام، لعدم وجود مادة تشير إلى ذلك في قانون الإعلام المرئي والمسموع، مؤكدًا أن الهيئة عمدت إلى تعديل وتطوير مواثيق الشرف المهنية لمراعاة كلّ هذه المسائل، ويمكن تضمين موضوع مشاركة المرأة كمصدر خبرة في الميثاق المنوي تطويره العام المقبل، وفقًا لتوصيات الجهات المختصة وبناء على دراسات.