صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الديمقراطية والبندقية: العلاقات المدنية – العسكرية وسياسات تحديث القوات المسلحة، لعبد الفتاح ماضي. ويقدم الكتاب (436 صفحة) عرضًا تحليليًا لسبع دول نجح قادتها السياسيون والعسكريون، إلى حدٍ بعيد، في معالجة العقبات التي فرضتها سياقات هيكلية مُعرقِلة – لا تقلّ عن تلك التي تُواجهها حاليًا دول عربية عدة – وتمكّنوا، عبْر اختيارات وسياسات محددة، من إنجاز هدفَي خروج العسكريين من السلطة، وإقامة الرقابة المدنية الديمقراطية على القوات المسلحة. ويُقدم نتائجه وخلاصاته في “دليل عملي” يصلُح لمساعدة السياسيين والعسكريين العرب الراغبين في إقامة الديمقراطية، وتحديث مؤسساتهم العسكرية وحوكمة القطاع الأمني.
يبحث هذا الكتاب العلاقات المدنية – العسكرية في تجارب سبع دول نجحت في إخراج العسكريين من السلطة، كما حققت قدرًا من النجاح بدرجات مختلفة في معالجة العلاقات المدنية – العسكرية، وذلك للحدّ من نفوذ العسكريين في السياسة أو إنهائه. ويهتم الكتاب بالإجابة عن سؤالين محوريين بهدف فهم متطلّبات التغيير والانتقال من حكم الجنرالات إلى الحكم الديمقراطي المدني واشتراطات هذا التغيير، فضلًا عن استخراج الدروس المستفادة وخلاصات عمليات الانتقال الناجحة:
- السؤال الأول: متى يخرج العسكريون من السلطة؟ بمعنى متى، وفي أي ظرف، يضطر العسكريون إلى الخروج من السلطة؟ أو ما العوامل المُهيِّئة لقبولهم الانتقال إلى الحكم المدني الديمقراطي، أو اضطرارهم إلى قبوله؟
- السؤال الثاني: متى يخرج العسكريون من السياسة، أو يتم الحدّ من نفوذهم في السياسة؟ بمعنى متى وكيف تجري إقامة الرقابة المدنية الديمقراطية على القوات المسلحة بعد خروج العسكريين من السلطة؟ أو ما الاستراتيجيات والسياسات والآليات التي استُخدمت لتحقيق سيادة القانون والمؤسسات المدنية المنتخبة على الجيوش، ومعالجة نفوذها في السياسة، مع تقوية الجيوش ذاتها والحفاظ على وحدتها وتحديثها وتعزيز مهنيتها؟
تُساهم الإجابة عن سؤالَي هذا الكتاب في تراكم الوعي والخبرة في دولنا العربية، ولا سيما تلك التي تؤدي فيها المؤسسات العسكرية والأمنية أدوارًا محورية في ترسيخ النظم التسلّطية. والهدف هنا ليس مجرد استخلاص القواعد العامة من تجارب الآخرين فقط، بل أيضًا فهم السياقات الهيكلية واستيعابها، أو شروط التغيير ومتطلّباته، التي تُهيّئ المجال السياسي لنمو قوى التغيير في المجتمع، والتي من دونها لا يمكن تصوّر خروج العسكريين من السلطة أو إخراجهم منها، ثم معالجة نفوذهم في السياسة بعد ذلك. لا حتميات في عالم الممارسة السياسية، والتغيير دومًا ممكنٌ إذا توافرت مقدّماته، وقد امتلك المدافعون عنه إرادة الفعل والعمل، من أجل مواجهة التحديات والعقبات وتقديم البدائل ورسم السياسات.
يمثل الكتاب أيضًا مقدمة ضرورية لفهم الحالات العربية التي تحتاج، بلا شك، إلى طرق محددة لمعالجة العلاقات المدنية – العسكرية، وتراعي الأوضاع العربية واستهداف المشروع الصهيوني للمنطقة، لكن من دون الانفصال، في الوقت نفسه، عن تجارب الشعوب الأخرى التي تتشابه أوضاعها جزئيًا مع الأوضاع في الدول العربية. ويضم الكتاب ثلاثة أقسام، من اثني عشر فصلًا وخاتمة.
مقدمات مفاهيمية ونظرية
يهتم القسم الأول من الكتاب بالعلاقات المدنية – العسكرية من جوانب مفاهيمية ونظرية متعددة، وذلك في الفصول الثلاثة الأولى. يتناول الفصل الأول الديمقراطية، ويتضمن التعريف بالأبعاد المختلفة لهذا المفهوم المحوري بما في ذلك الخصائص الرئيسة لنظام الحكم الديمقراطي، وموقع المؤسسات العسكرية في الدولة الديمقراطية المعاصرة، فضلًا عن إيضاح مختصر لعدد من الإشكاليات التي تثيرها الديمقراطية في الدول العربية. إنّ الرقابة المدنية على القوات المسلحة – موضوع هذا الكتاب – هي الرقابة المدنية الديمقراطية؛ أي التي تقوم في “الدول ذات نظام الحكم الديمقراطي” تحديدًا، حيث تتقيّد السلطة السياسية ومسؤولوها السياسيون المدنيون بالدستور الديمقراطي وبمبادئ الديمقراطية وإجراءاتها ومؤسساتها وضماناتها التي يوضحها هذا الفصل. ومن هنا، تقع الرقابة المدنية التي تحققت على نحو أو آخر في دول غير ديمقراطية؛ لا شك في أنّ لدراسة الحالات التي فشلت أيضًا أهميةً، وهي حالات أكثر من الحالات الناجحة، لمعرفة لماذا فشلت هذه الحالات في إخراج العسكريين، أو في إتمام إقامة الرقابة المدنية على القوات المسلحة؛ وهذا أمر يحتاج إلى دراسة منفصلة، مثل الصين أو الاتحاد السوفياتي السابق خارج نطاق هذا الكتاب. ويمثل الفصل الخاص بالديمقراطية أيضًا مقدمةً ضرورية لأي قارئ غير متخصص في العلوم السياسية ونظم الحكم؛ إذ يحتوي على تعريفات مكثفة لمفاهيم مركزية وذات صلة قوية بموضوع الكتاب.
أما الفصل الثاني، فيعالج المساهمات النظرية التي قُدّمت حول تدخّل العسكريين في السياسة وخروجهم منها، وحول العلاقات المدنية – العسكرية. ويتضمن الفصل أيضًا التعريف بعدد من مفاهيم التحوّل الديمقراطي ذات الأهمية. وقد وصل الكاتب إلى خلاصة لهذا الفصل مؤداها أن “عملية معالجة العلاقات المدنية – العسكرية جزءٌ لا يتجزأ من عملية ترسيخ النظام الديمقراطي، ومن ثم يتحقق النجاح في إقامة الرقابة المدنية على القوات المسلحة ما دامت عملية التحول تسير بنجاح في اتجاه ترسيخ الديمقراطية، أما إذا ظهرت العقبات خلال عملية التحول، فليس من المتصوّر إنجاز ذلك الهدف”.
ويستكمل الفصل الثالث هذه المساهمات بالحديث عن مفهومَي “إصلاح قطاع الأمن” و”حوكمة القطاع الأمني”.
دراسات حالة
يتناول القسم الثاني سبع حالات تطبيقية تقع بين الفصول الرابع والعاشر، حيث دُرست حالة كل من البرازيل والأرجنتين وتشيلي وإسبانيا والبرتغال وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا. وقد جرى في كل حالة بحث طبيعة الحكم العسكري، وطريقة انتقال النظام إلى الحكم الديمقراطي، إضافةً إلى عملية إقامة الرقابة المدنية الديمقراطية على القوات المسلّحة خلال مرحلتي التحول والترسيخ الديمقراطيَّين. إن عرض هذه الحالات بمنهج دراسة الحالة مهم؛ نظرًا إلى أهمية الوقوف عند الخلفيات التاريخية والسياقية في كل حالة، وكذا تطور المواقف والبرامج والسياسات ومعرفة التحديات والمشكلات.
نتائج وخلاصات مقارنة
في القسم الثالث (الأخير)، يعود الكتاب بنظرة مقارنة إلى تقديم إجابات محددة عن سؤالَيه؛ حيث يعرض الفصل الحادي عشر طرق الانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم المدني الديمقراطي، أي الطرق المختلفة التي من خلالها خَرَجَ العسكريون – أو دُفعوا دفعًا إلى الخروج – من السلطة وإقامة الحكم المدني الديمقراطي، فضلًا عن دور العوامل الخارجية في مسألة الانتقال إلى الديمقراطية، مع التركيز على الجوانب المتصلة بعلاقة الجيوش بالسلطة في مناطق جغرافية مختلفة. بينما يشرح الفصل الثاني عشر بالتفصيل مضامين الرقابة المدنية على القوات المسلحة وأبعادها المختلفة من حيث: من يقوم بها؟ ومتى؟ وما الاستراتيجيات المستخدمة؟ وما سياقاتها الداخلية والخارجية؟
خاتمة
تعرض خاتمة الكتاب أبرز النتائج في شكلٍ أقرب إلى الدليل العملي الذي يصلُح لمساعدة السياسيين والعسكريين العرب الراغبين في إقامة النظام الديمقراطي وإصلاح العلاقات المدنية – العسكرية وتحديث مؤسساتهم العسكرية. وفي هذا الإطار تتضمن الخاتمة خلاصات مكثفة حول: 1. سُبل خروج العسكريين من السلطة، 2. سمات الإدارة الجيدة لإقامة الرقابة المدنية الديمقراطية على القوات المسلحة، 3. خريطة السياسات العامة اللازمة لتحديث الجيوش، 4. العائد المتوقع من سياسات التحديث والفروق بين طبيعة العلاقة بين المؤسسات السياسية المدنية والعسكرية قبل إقامة الرقابة المدنية الديمقراطية وبعدها.
من الجدير ذكره في هذا المقام أن فصول الكتاب تشكّل معًا نصًّا متّصلًا ومتكاملًا، وهذا أمر يأمل المؤلف أن يُفيد الباحث المتخصص وعموم القرّاء أيضًا، لكن يمكن أن يقرأ القارئ غير المتخصص كل فصل بمفرده.
عبد الفتاح ماضي:
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، ومنسق مشروع التحول الديمقراطي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيس تحرير دورية “حكامة” للسياسات العامة. حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية ودرجة الماجستير في الدراسات الدولية من جامعة كليرمونت للدراسات العليا في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأميركية. عمل أستاذًا زائرًا في مركز وودرو ويلسون في واشنطن، وفي جامعة دنفر الأميركية، وخبيرًا في “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، ومنسقًا لمشروع بحثي في معهد قرطبة للسلام بجنيف. له دراسات عدة في نُظم الحكم، والتحول الديمقراطي، وعلاقة الدين بالسياسة، والصراع العربي – الصهيوني، وحقوق الإنسان. من مؤلفاته: عثرات في الميدان: كيف أخفقت ثورة يناير في مصر؟؛ الدين والسياسة في “إسرائيل”؛ عمليات الحوار بعد انتفاضات 2011 العربية؛ العنف والتحول الديمقراطي في مصر بعد الثورة.
__________
*المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
*المصدر: التنويري.