التحرش الإلكتروني: تحرش يطال ضحاياه في بيوتهم
إعداد: سارة مومني، حمزة ربابعة، أنسام بني اسماعيل، علي العبوشي
قد تواجه الفتيات تحرشا جنسياً في الأماكن العامة مثل العمل أو الأسواق، لكن أن يتم التحرش بها في منزلها ووسط عائلتها فهو ما لا يدركه كثيرون.
التحرش الإكتروني، يعتبر جرم بحق ضحاياه والذين غالباً ما يكونوا فتيات وأطفال وحتى رجال يسخدمون الإنترنت وتحديداً في منصات الإعلام الإجتماعي المختلفة التي تنطوي على محادثات وتفاعل.
قد تتعرض الضحية إلى تحرش، كتابي أو صوتي أو صُوري، وفي حال صمتت عن الشكوى، لجهل أو لظرف اجتماعي ما، ما يعني استمرارا في ارتكاب فعل التحرش والتهديد ومن ثم لينتقل من الفضاء الإفتراضي إلى الواقع.
زاد وقوع حالات التحرش الإلكتروني مع انتشار استخدام الإنترنت بين المواطنين، ومع تنامي استخدام المواطنين لمنصات اجتماعية متعددة (فيسبوك، تويترـ انستغرام، واتس اب) ما زاد من فرص وقوع تلك الحوادث، مع إمكانية قيام المرتكب بممارسة “التحرش” عبر حسابات وهمية، ومن أماكن جغرافية خارج نطاق البلد الذي فيه الضحية.
يعُرف مفهوم التحرش عبر الإنترنت بأنه إرسال التعليقات والرسائل والصور والفيديوهات غير اللائقة عبر الإيميل أو الرسائل الفورية أو وسائل التواصل الاجتماعي، ويندرج تحت مفهوم التحرش الإلكتروني، عبر المكالمات الهاتفية بما تحمله من رسائل تنتهك الخصوصية.
محلياً، ورغم الجدل الحقوقي حول قانون الجرائم الإلكترونية رقم 27 لسنة 2015، إلا أن المادة التاسعة فقرة (ب) تعاقب”كل من قام قصدا باستخدام نظام معلومات أو الشبكة المعلوماتية في إنشاء أو إعداد أو حفظ أو معالجة أو عرض أو طباعة أو نشر أو ترويج أنشطة أو أعمال إباحية لغايات التأثير على من لم يكمل الثامن عشرة من العمر (…) بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 1000 ألف دينار ولا تزيد عن 50000 خمسة آلاف دينار.
وفي ذات السياق، تنص المادة 306 من قانون العقوبات على أنه” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر كل من عرض فعلاً منافياً للحياء أو وجه أي عبارات أو قام بحركات غير أخلاقية على وجه مناف للحياء بالقول أو الفعل أو الحركة أو الإشارة تصريحاً أو تلميحاً بأي وسيلة كانت متى وقع الإعتداء على: (1) شخص لم يكمل الثامنة عشرة من عمره. (2) شخص ذكر كان أو أنثى أكمل الثامنة عشرة من عمره دون رضا.“
يعتقد بأن الضحية التي تقدم الشكوى بأنه ثمة “لوم مجتمعي قد تتعرض له”، تقول المحامية هالة عاهد في اطار تعليقها على ثقافة سائدة تلوم الضحية على أنها قد تكون هي من شجعت المرسلين في الارسال والتواصل.
توصي المحامية عاهد بكل من يتعرض لتحرش إلكتروني بضرورة عدم حذف أي رسالة وردتها لتكون دليلاً ضد المتحرش، وبعدها اللجوء إلى وحدة الجرائم الإلكترونية لعرض القضية على القضاء ومن ثم الوصول إلى حل يُجازى من خلاله الفاعل.
لا يقتصر التحرش على النساء فحسب بل ضحاياه أطفال ورجال، لكن تبقى الضحية الأولى هن الفتيات، واللاتي يتعرضن لمعاكسات دائمة وطلبات قبول أصدقاء على نطاق واسع.
حوادث متكررة
لانا -فضلت عدم ذكر اسمها- تعرضت إلى “تحرش إلكتروني” تروي لراديو النجاح ما حدث معها، عندما بدأت الحادثة، بتعارف متبادل، ومن ثم دخلت الكلمات البذيئة، لتنهي الحادثة بــ “البلوك” أيا إغلاق المحادثة تماما. لكن الإشكالية هو أنها واجهت تكرارا للتحرش من ذات الشخص وفي أكثر من حساب، وشملت صوراً وفيديوهات جنسية.
“كانت تزعجني المسجات الخادشة للحياء والألفاظ البذيئة أيضاً، وكنت أُعالج هذا الموضوع بــ البلوك إلا أنه لا يزال هناك تأثير نفسي كبير يلاحقني؛ كوني لم أنسى كلمة واحدة من الكلمات” هكذا روت (سلمى/اسم مستعار) قصتها مع مواقع التواصل الاجتماعي، وتابعت سلمى بأن البلوك لم يعد يأتي بنتيجة حقيقية تحد من التحرش أو الانتهاكات النفسية والبصرية.
تعرضت عبير-إسم مسعار-، لملاحقة من قبل حساب وهمي، وهو لا يعرف سوى إسمها، كانت تتجنب فتح رسائله المتكررة، ومن ثم أصبح يهددها، إلا أن انقطعت تماماً من التفاعل على الشبكة.
عادة ما تتلقى الفتاة رسائل على الخاص، بمجرد تفاعلها على صفحات المجموعات العامة، لتبدأ طريقها نحو تلقي رسائل غزل وطلب تعارف، وفي حال تفاعلت مع أحدهم، فسوف يتمادى ويرسل أكثر من ذلك.
وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءً أساسياً من حياة الأفراد، وما كان غير مألوف قبل عقد من الزمان؛ كـ إمتلاك حساب على الفيس بوك، أصبح أمراً بديهيا حالياً، ما يعني فرصة لارتكاب البعض تحرشاً بحق الأفراد.
الحظر أو “البلوك” هو أداة للتخلص من المضايقات والتحرشات وإن لم يكن حلاً جذرياً في بعض الحالات، فإنه يساهم بشكل إلى الحد من التحرشات والإنتهاكات التي قد يتعرض لها مستخدمي شبكات التواصل الإجتماعي، فإذا لم يكن المتحرش على معرفة شخصية بالمتحرش به أو يمتلك معلومات وسبل أخرى للوصول إليه، فإن البلوك غالباً كفيل بالتخلص منه.
غير أن بعض المتحرشين، قد يلجأون إلى حسابات وهمية للإيقاع بالضحية، حيث أن ثمة متحرشين يبقون لساعات طويلة على مواقع التواصل الإجتماعي في البحث عن ضحاياهم؛ وفق الأخصائي الفروخ.
أشكال التحرش الإلكتروني
تتعدد طُرق التحرش، من رسائل مباشرة، تحتوي على تلميحات في الرغبة بالتعرف، أو لأهداف جنسية، ومنها ما قد تحتوي على أفلام إباحية بصرية، أو نشر صور الشخص من دون علمه والتلاعب بالشكل الخارجي لها، أيضاً هناك رسائل غير مرغوب فيها ومخلة بخصوصية الفرد.
المادة 15 من قانون الجرائم الإلكترونية تنص على ” كل من ارتكب جريمة معاقب عليها بموجب أي تشريع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات أو موقع إلكتروني أو اشترك أو تدخل أو حرّض على إرتكابها، يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في ذلك التشريع”.
تتبع القضايا أمنيا
إحدى السيدات، وبعد مراقبتها لاستخدام ابنائها لمواقع التواصل الاجتماعي اكتشفت محاولة أحد الأشخاص يتراسل مع ابنتها البالغة عشرة سنوات، محاولاً استغلالها جنسياً حيث توجهت على الفور إلى وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية وتقدمت اليهم بشكوى. وبعد تحقيق الوحدة، تبين لهم بأن الشخص أنشأ صفحة وهمية على الفيسبوك باسم فتاة بغية استخدمها للاستغلال الجنسي للأطفال وتم تحديد مكان تواجده وأُلقي القبض عليه وضبط بداخل منزله بعد تفتيشه جهازي حاسوب وهاتف خلوي كان يقوم باستخدامها لتلك الغايات واعترف بالتحقيق معه بقيامه بإنشاء صفحة تحمل اسم فتاة ومن ثم التواصل مع عدة فتيات قاصرات لغايات استغلالهم جنسياً.
تدعو وحدة مكافحة الجرائم الالكترونية التابعة لمديرية البحث الجنائي المواطنين إلى الحذر ورفع مستوى الحماية لكل مستخدم للانترنت.
يقول مدير الوحدة، الرائد رائد الرواشدة، لراديو النجاح، أن الجرائم الالكترونية ازدادت بفعل زيادة استخدام المواطنين للانترنت عموماً والهواتف الذكية خصوصاً.
تعمل الوحدة على تتبع القضايا المُبلّغ عنها، ومن ثم القضاء الأردنيّ يتسلمها بعد تقديم الأدلة والاثباتات حسب كل قضية على حدة.
يصنف الرواشدة الجرائم الإلكترونية، وفق فئتين؛ الجريمة الإلكترونية التي تتعلق بالبرمجيات الخبيثة وهي “انكار الخدمة” وتتم إلكترونياً وتستحوذ على 25 % من الجرائم الالكترونية، والفئة الثانية، وهي الجريمة التقليدية والتي تتم من خلال الوسائل التكنولوجية للتواصل، مثل جرائم التحرش الجنسي الإلكتروني (السب والشتم) والإنتحال والإبتزاز والتهديد وتشكل نسبتها من الجريمة الإلكترونية قرابة 75 %.
يدعو الرواشدة المواطنين إلى توخي الخصوصية عند نشر الأخبار الخاصة أو الصور المتعلقة بالأسرة، وهي تتعلق بمدى حس المواطن بحماية بياناته الخاصة.
عن الضحايا، يقول الرائد الرواشدة أن التبليغ للقضايا التي تمس المجتمع فإن التحقق يكون بحسب معطيات الجرم، وبحسب حجمه أيضاً وهذا من أجل الحق العام، “على صعيد القضايا الشخصية، فهذا يقع على عاتق الضحية، أي أنه/ أوجب التبليغ وعدم الخوف من أي تداعيات.
هل المتحرش الواقعي هو متحرش إلكتروني؟
ثمة اختلاف بين المتحرش الواقعي والافتراضي، فيما الأول يقوم بفعلته لمشاهدة ردة فعل الضحية والإستمتاع بها، أما الثاني فيحاول جذب من تتجاوب معه، (وهذا لايُلغي كونه إنتهاكاً نفسياً وجسدياً) ومع اختلاف الدوافع والشخصيات لن يجد المتحرش الواقعي متعته إلكترونياً، لأنها ببساطة لا تشبع رغباته.
الأخصائي النفسي، علاء الفروخ، يقول في لقاء مع راديو النجاح، على أن الصورة أو الفيديو من أهم وسائل “النمذجة” أو التعلم، وبالطبع المقاطع الصورية تثير الغرائز، وبذلك يمكن لأي شخص أن يُحدث علاقة مع الطرف الآخر دون قرب حقيقي فالقرب الإفتراضي كحال أي قرب أو ملامسة.
قوة المشهد والصورة تشجع الطرفين على إقامة علاقة إفتراضية، كما يقول الفروخ، وهي لا تقل أثراً عن علاقة واقعية. “البلوك ليس حلا لضبط الرسائل أو الصور، وهذا يقع على عاتق الأسرة فيما لو كانت الضحية قاصرة/، ومن ثم المجتمع كونه لا يتيح الثقافة الجنسية أمام الأطفال قبل الشباب”.
الأمر المًهم والمؤرّق في هذا الجانب، هو التأثّر النفسي الذي تتعرض له الفتاة بعد لفظ أو صورة أو فيديو عبر مواقع التواصل الإجتماعي والتي قد تّحدث خللاً أو حاجزاً ما بينها وبين هذه المساحات التي كانت قد اعتبرتها مساحات آمنه للتعبير عن آرائها ولتبادل الثقافات مع الآخرين، فتنحيها عن إستخدام هذه المساحات بمثابة إنتهاك لحقوقها وخصوصيتها.
لا يوجد دراسات لتقصي نشاط الأفراد ذكوراً وإناثاً على شبكات التواصل الإجتماعي، لكن ثمة دراسة عربية صدرت العام 2017 عن كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية الامارتية، حملت عنوان (شبكات التواصل الاجتماعي وانترنت الأشياء) تحدثت فيما يخص الأردن عن نسبة تواجد الأردنيات من إجمالي مستخدمي فيسبوك في الأردن وصلت إلى 41 %، راصدة عدد مستخدمي هذه الشبكة بما يزيد عن 5.7 مليون مستخدم. فيما نسبة تواجدهن على تويتر 33 %.
تبقى حماية الخصوصية والتعامل مع وسائل التواصل الإجتماعي بحذر صمام الأمان لمستخدميه للحد من أي إنتهاك مفترض قد يقع عليهم.
* تم إعداد التقرير ضمن مشروع ” دعم الاعلام في الأردن” الممول من قبل الاتحاد الأوروبي ومشروع UNESCO-UNCCT، بتنفيذ من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR ومكتب يونسكو عمان