التحدِّي الإسلاموي: من “الإسلام هو الحل” إلى الديمقراطيَّة والتعدّديَّة
*ترجمة: منال عبد الحفيظ شريده
في الدور الذي يلعبه الإسلامويون الآن في حياة العالم العربي وسعيهم ليكونوا بديلا للحركات القوميَّة الأخرى التي قادت بلدانها إلى الإخفاق ينبغي عليهم التأكيد على أنَّ وصولهم للسلطة سوف يكون مبنيا على الديمقراطيَّة والتعدّديَّة واحترام مبادئ حقوق الإنسان للنهوض بالعالم العربي من سباته الطويل.
انتظرت المجموعات والمنظّمات الإسلامويَّة في العالم العربي طويلاً لتنفتح لهم أبواب السلطة على مصراعيها، على الأقل، إن لم يتمكَّنوا من الحكم أو المشاركة به، فمن أجل القيام بنشاطاتهم السياسيَّة بحريَّة وبدون خوف من القمع والملاحقة والتهميش المتعمَّد الذي كانوا عرضة له في العقود الأخيرة.
أفول هالة الحكام العرب
يعتقد مؤيِّدو العقائد السياسيَّة الإسلامويَّة أنهم أكثر كفاءة لقيادة الأمَّة من هؤلاء الذين ينتمون إلى سياسات أخرى غزت العالم العربي خلال القرن الماضي. بالرغم من أنَّ هذه الحركات قد زحفت إلى السلطة بشعبيَّة ساحقة، إلا أنَّها فقدت ديناميكيتها التي كانت تتمتَّع بها في بادئ الأمر، وفشلت في تحقيق وعودها بقيادة الشعوب العربيَّة إلى نهوض سياسي فعلي وانتعاش اقتصادي.
عوضاً عن ذلك وقعت حركات النهضة الشعبيَّة هذه في قبضة حكام مستبدين، وابتعدت ايديولوجياً عن الواقع وباتت ملطَّخة بالفساد، تخدم بالدرجة الأولى مصالح شخصيَّة لنخبة معينة من الناس.
يدِّعي الإسلامويون أنَّ الوقت قد حان لتوليهم السلطة ويلمّحون بشكل غير مباشر إلى أنَّ زمن الليبراليين العرب قد ولّى. فبالرغم من أنَّ هؤلاء قادوا الصراع ضدّ الاستعمار ليحقِّقوا الاستقلال، إلا أنّهم تراجعوا مع ظهور القوميين العرب والايديولوجيات اليساريَّة المتطرَّفة رغم أن الليبراليين العرب يخوضون معركة صعبة، إن لم تكن مستحيلة لاسترجاع مكانتهم وهيبتهم السابقة.
في الواقع، إنَّ نظرات الشك التي تلاحقهم وكأنهم يشكِّلون “طابوراً خامساً” لخدمة مشروع “الشرق الأوسط الكبير” الأميركي الذي يستهدف العروبة كإطار لسياسة إقليميَّة أو كتعبيرٍ عن الهويَّة الثقافيَّة، جعل تعبير “الليبراليَّة الجديدة” يكتسب صبغة سلبيَّة.
وبالنتيجة، فإنَّ الذين قد يصنّفون أنفسهم في هذه الخانة مشغولون جداً في الدفاع عن سمعتهم الشخصيَّة وولائهم لشعوبهم لدرجة أنهم غير قادرين على تكريس أنفسهم لاستقطاب الشعب إلى آرائهم وتجنيد أعضاء جدد في أحزابهم السياسيَّة الهشَّة.
الحقّ في الحصول على فرصة
في الوقت نفسه بدأت الأرضيَّة تتهاوى تحت أقدام الليبراليين التقليديين يوماً بعد يوم، فتقوقعوا في أبراجهم الخطابيَّة العاجيَّة، غير قادرين على الصمود في وجه جاذبيَّة القوميين العرب والتوجّهات الإسلامويَّة وقدرتهم التنظيميَّة.
يعتقد الإسلامويون أنَّ زمن القوميين العرب قد ولّى أيضاً لأنهم أثبتوا أنهم غير قادرين على حمايَّة المكاسب المهمَّة التي تمَّ تحقيقها في الفترة التي سبقت وتلت التحرير الوطني.
كما ترى غالبيَّة الإسلامويين أن لها الحق في إثبات قدرتها على النجاح حيث فشلت الحركات والايديولوجيات السياسيَّة الأخرى. إذ أن شعارهم “الإسلام هو الحل” يعني لهم أن حقهم ليس سياسياً فقط ولكنه ضروة سماويَّة حتميَّة. يظهر ذلك جلياً في عقليَّة الأعضاء الشبان المتحجِّرة وفي كتابات عديدة لسيد قطب مروراً بمحمد قطب وصولاً إلى أنور الجندي.
وتنظِّم الجماعات الإسلامويَّة بشكل متزايد حملات دعائيَّة متشدِّدة في العالم العربي ترتكز على نقاط عدَّة. ففي الصدارة يأتي “خيار المقاومة”. إنها جماعة اسلاميَّة، على حدِّ قولهم، حملت راية المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولبنان وهضبة الجولات وضدّ الاحتلال الأميركي في العراق.
علاوة على ذلك، فقد نقلت تلك العناصر، تحت مظلَّة تنظيم القاعدة، المعركة إلى خندق العدو. إذ أجبرت العمليات الارهابيَّة في الخارج الغرب على اتِّخاذ موقع الدفاع. وترحّب بعض الكتل الإسلامويَّة بها كخطوة كبيرة ومهمَّة إلى الأمام لإحباط مخطّطات الغرب لتهميش المنطقة، وفي تحرير الأراضي العربيَّة والإسلاميَّة وإعادة أمجاد وكبرياء المنطقة.
شعبيَّة عريضة
ويشيرون أيضاً إلى الثقة المتزايدة التي اكتسبها الإسلامويون “المعتدلون” في صفوف الشعب العربي. والنجاح في الانتخابات البرلمانيَّة والبلديَّة في السنوات الأخيرة، في الكويت والأردن والمغرب والبحرين والسعوديَّة ومصر مثلا كدليل على تنامي هذه الثقة. وأيضاً في أنحاء أخرى من العالم العربي يكتسب الإسلامويون، سواء عن طريق نشاطات سريَّة أو بطرق شرعيَّة، دعماً شعبياً قوياً.
في سوريا مثلاً، يعتبر الإخوان المسلمون من أقوى القوى الشعبيَّة المعارضة، ومن المتوقَّع أن يصلوا إلى سدَّة الحكم في حال سقوط النظام.
كما نجح الإسلامويون في كسب نسبة لا بأس بها من التعاطف من خلال تصوير أنفسهم ضحايا للقمع السياسي والديني أحياناً. وتعزِّز ادّعاءاتهم التقارير الدوليَّة لمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد الديني في العالم العربي.
طالما أنهم يقدِّمون ثمناً غالياً في صراعهم ضدّ الأنظمة الشموليَّة الطاغية، فهم الورثة الشرعيون للحكم بعد انهياره، حسب قولهم.
ينظر بعض الإسلامويين، في أحسن الحالات، نظرة ضيقة جداً إلى الديمقراطيَّة وأساليبها. ربما يؤكِّدون على مشاركتهم في الأساليب الديمقراطيَّة والحكم الديمقراطي، الا أن إصرارهم على حقّهم في تولي الحكم يتنافى مع إيمانهم أنهم على رأس قافلة الخبرات السياسيَّة العربيَّة الحديثة.
في الواقع، لا يعزِّز هذا الاعتقاد صورة المنظّمات والمجموعات السياسيَّة الإسلاميَّة لدى الشعب بأنها تؤمن فعلاً بالتعدّديَّة السياسيَّة وبمبدأ تدوير السلطة. وما يعزِّز هذه الشكوك هو أنَّ شريحة مؤثرة من الحركات الإسلامويَّة تعارض بصريح العبارة العمليات الديمقراطيَّة، كما هو واضح في عدد كبير من الكتب الأصوليَّة في العالم العربي.
رفض الأساليب الديمقراطيَّة
ونذكر أيضاً أن أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة كان قد انتقد الإخوان المسلمين في مصر لمشاركتهم في الانتخابات البرلمانيَّة الأخيرة. لا أحد ينكر أن الإسلاموييين حالياً يشكِّلون أكبر قوَّة خطابيَّة ديناميكيَّة معارضة، وأنهم نجحوا في استقطاب قاعدة عريضة من التأييد الشعبي. ولا يستطيع أحد أن ينكر شرعيَّة رغبتهم في تقديم الأعمال الخيريَّة للشعب وحصولهم على الاعتراف الرسمي والرخصة الشرعيَّة لتمكنهم من القيام بذلك بشكل أفضل، وخاصَّة أنهم أفلحوا في فرض أنفسهم كقوَّة وطنيَّة.
مع ذلك، ينبغي عليهم إذا كانوا يريدون فعلا المساهمة في تقدّم الشعب وحمايته من مصائب أخرى تغيير نظرتهم السياسيَّة جذرياً. يجب مثلا التخفيف من تلاهثهم وراء السلطة بأيَّة وسيلة كما يجب أن يظهروا صدق إيمانهم في حقّ التوجّهات والحركات السياسيَّة الأخرى في الاستمرار والعمل، مثلما ينبغي عليهم تطوير قدراتهم على التعاون البناء مع العالم الخارجي.
فضلا عن ذلك، عليهم وضع برنامج سياسي محدد مدروس بتمعن للنهوض بالعالم الاسلامي من حالة الانحطاط والتشرذم الحاليَّة، والتأكيد على أن اعتلائهم السلطة لن يغيِّر فجأة أشكال القمع السياسي والاجتماعي المألوفة.
_________
* صحيفة “الأهرام ويكلي” المصريَّة/ الراصد التنويري/ العدد الرابع (4)/ نيسان- إبريل/ 2009.
*المصدر: التنويري.