ملاحظة توضيحية حول العنوان:
بداية نريد أن نوضح أن عنوان هذا المقال المقتضب “الاكتشاف الميتافيزيقي للإنسان عند ديكارت” هو نفسه عنوان كتاب الفيلسوف ومؤرخ العلم الفرنسي فرديناند ألكييه Ferdinand Alquié (1906-1985)، الذي جاء باللغة الفرنسية هكذا
“La découverte métaphysique de l’homme chez Descartes “
لهذا عند نقله إلى اللغة العربية فضلنا استعمال هذا العنوان: “الاكتشاف الميتافيزيقي للإنسان عند ديكارت” وسنتعرف على حيثيات هذا الخيار أثناء عرض المقال.
كما لا نريد من قارئ المقال للوهلة الأولى أن يعتقد أن المقال ترجمة لكتاب صاحبه، بل فقط، سنقوم باختيار بعض الفقرات والنصوص الأساسية في الكتاب والتي تلخص مضمونه من أجل توضيح العنوان جيداً وزوال ضبابية الرؤية حتى يصبح مقالنا هذا اكتشاف ثان للاكتشاف الميتافيزيقي للإنسان عند ديكارت الذي لاحظه فرديناند ألكييه.
توطئة لديكارت الذي نعرفه:
من منا لا يعرف رينيه ديكارت (بالفرنسية: René Descartes) (31 مارس 1596 – 11 فبراير 1650)، المشهور لدى تلامذة الثانوي التأهيلي بأبي الفلسفة الحديثة، والمعروف أيضاً بالهندسة التحليلية التي هي هندسة جبرية في الأساس، أي عبر من خلالها ديكارت جبرياً على الأشكال والرموز الهندسية فكانت اكتشافاً حديثا في الرياضيات، ويعرف في الفلسفة بأنه فيلسوف المنهج من خلاله مقاله الشهير: “في المنهج: لحسن قيادة العقل والبحث عن الحقيقة في العلوم والمعارف”، كما اشتهر بقواعده الذهبية الأربعة في المنهج:
- الوضوح والبداهة،
- التحليل والتقسيم،
- التركيب والترتيب،
- المراجعة والإحصاء.
واشتهر أيضاً بتأملاته الميتافيزيقية أو كتاب “تأملات في الفلسفة الأولى” الذي يحتوي ستة تأملات ميتافيزيقية شهيرة:
- التأمل الأول: تلك الأشياء التي قد تكون موضعاً للشك.
- التأمل الثاني: في طبيعة العقل البشري، وأنها معروفة أكثر من المعرفة بالجسد.
- التأمل الثالث: في وجود الله، وهنا سيقدم أدلته الأنطولوجية الشهيرة على وجود الله.
- التأمل الرابع: الصواب والخطأ.
- التأمل الخامس: يتعلق بجوهر الأشياء المادية، ومرة أخرى بالله، فيما إذا كان موجوداً أو لا.
- التأمل السادس: يتعلق بوجودية الأشياء المادية، والفرق الحقيقي بين العقل والجسد.
ونحن هنا لن نغوص في حيثيات وتفاصيل فلسفة ديكارت، فهذه أمور مشهورة لدى كل الطلبة والمهتمين بالفلسفة، لذلك سنحاول في مقالنا هذا قراءة ديكارت والتعرف عليه بمعية إحدى كبار وعظماء مؤرخي الفلسفة والعلم الفرنسي فرديناند ألكييه، خاصة اكتشافه الميتافيزيقي للإنسان عند ديكارت، فكلنا نقرأ لديكارت ونحفظ أقواله عن ظهر قلب، وتحول الكوجيطو الديكارتي Cogito ergo sum إلى عبارة مسكوكة محفوظة عن ظهر قلب يرددها الصغير كما الكبير بمعرفة أو بدون معرفة قيمتها وحدودها ومستوياتها وحمولتها الأنطولوجية والإبستيمولوجية العظيمة، خاصة وأننا أصبحنا عندما نقول ديكارت أول ما يحضر في العقل-الذهن هي مقولته الشهيرة: “أنا شك، إذن أنا أفكر، أنا أفكر، إذن أنا موجود”، وهكذا نختزل ونلخص تراث وإرث ديكارت كله في هذه القولة المسكوكة والسهلة التي أصبحت لكثرة استعمالها وتداولها فارغة من المعنى وبدون فائدة، وليس هذا موضوع مقالنا.
ما يهمنا الآن هو الاكتشاف الميتافيزيقي للإنسان عند ديكارت، ما الذي اكتشفه ديكارت؟ وهل اكتشف ديكارت شيئاً كان مخفياً عن الناس-العامة؟ وهل ديكارت يستحق كل هذه الضجة وهذه الشهرة وهذا الضوضاء؟ وهل نحن ديكارتيين؟ وما معنى أن نكون ديكارتيين؟ وهل ديكارت هو ديكارت؟ بمعنى هنا هل ديكارت المشهور الذي نعرفه هو ديكارت الإنسان الذي قد لا نعرفه؟ كل هذه الأسئلة وأخرى سنحاول الإجابة عنها في معرض المقال.
بداية نود أن نقول لعموم القراء والجمهور والعوام أن ديكارت الذي كتب تأملات في الفلسفة الأولى (باللاتينية: Meditationes de prima philosophia, in qua Dei existentia et animæ immortalitas demonstratur) ونشرها لأول مرة في عام 1641م (باللغة اللاتينية التي هي لغة الفلسفة والعلوم في ذلك الزمن، أو كاللغة الإنجليزية اليوم) وتم ترجمتها ونشرها باللغة الفرنسية (التي كانت لغة العوام نشرت من قبل دوق لوين بإشراف ديكارت نفسه) في عام 1647م بعنوان تأملات ميتافيزقيّة، نشرت بعد مرور ست سنوات تقريباً، ما يعني أنها أتت أكلها باللغة اللاتينية لغة الفلسفة والعلم، ونشرها باللغة الفرنسية دليل على إرادة ديكارت ولربما لأول مرة تحدث بعد موت سقراط، نشر أفكاره وطروحاته للعوام من أجل قراءتها وتداولها وحفظها كما يحدث الآن، وكما حدث في ذلك الوقت، لأن ديكارت كان يريد لأفكاره أن تذاع وتشاع وتنتشر وتقرأ وتحفظ بدل أفكار أرسطو التي كانت سائدة ومهيمنة بقوة أنذاك، ولا ننفي رغبة ديكارت في أن تحل فلسفته محل فلسفة أرسطو نظراً لأن فلسفته تتوافق والمستجد أو الطارئ العلمي الحديث الذي لا ننتبه له كثيراً.
المستجد العلمي الحديث الذي جاءت به اللحظة الحديثة من فلسفة حديثة وعلم حديث وفلك حديث ورياضيات حديثة وفيزياء حديثة …إلخ، هو حدث “الثورة الكوبرنيكية” التي تشير إلى الثورة على نظرية بطليموس المعروفة آنذاك بنموذج مركز الأرض التي كانت تقوم على فكرة أن الأرض هي مركز الكون، فزعم كوبرنيكوس على تحريك الأرض من مركزها واعتبر أن الشمس مركز النظام الشمسي. فكانت نظريته نواة لثورة علمية في القرن السادس عشر الميلادي وبالضبط سنة 1543م، فتحريك الأرض معناه أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس، كما تدور حول نفسها، ما يعني أن الإنسان الذي كان في المركز، فقد مركزيته، ومن ثم فقد توازنه، وبالتالي أصبح مجرد ريشة على أرض تتحرك هي أيضاً، ولهذه النظرية الكثيرة من التأويلات والمعاني والدلالات لن نغوص فيها لأنها قد تقودنا إلى كتابة كتاب دون الانتهاء منه، ونحن غرضنا هو المستجد العلمي الحديث الذي تمثل في الثورة الكوبرنيكية.
ولهذا بعد هذه اللحظة الثورية سيبدأ ديكارت في إنتاج فلسفته ورياضياته وفيزيائه وفكره جملة وتفصيلاً بالاستناد على هذا الطارئ العلمي الخطير الذي أفقدنا معه حتى مركزية الحقيقة وأوقعنا في فراغ لا منجاة منه.
من هنا ستنطلق التساؤلات الكبرى للفكر البشري، عن ما هو الإنسان ؟ هل حقاً هذا العالم موجود لأجلنا ؟ سيقول لايبنتز إن صمت هذه العوالم اللانهائية يرعبني !! إذن كان جيوردانو برونو الذي أحرقته الكنيسة لقوله أن العالم لا متناهي على حق؟ من هنا سينطلق ديكارت في الكتابة والإنتاج العلمي والفكري والفلسفي وفق هذا المستجد العلمي الحديث، يكتب ديكارت والثورة الكوبرنيكية بين عينيه.
بل أكثر من ذلك اعتبر ديكارت في إحدى رسائله أنه لو كانت النظرية الكوبرنيكية خاطئة فجميع مبادئ فلسفتي خاطئة !! ما يعني أن ديكارت كتب على أساس رصين أو يقين النظرية الكوبرنيكية، بل كتب رسائل مجهولة الإسم، كي لا يتعرف عليه أحد، وكتب ما بين السطور، وكتب كتابه الشهير “العالم أو كتاب النور”، وهو خائف على نفسه مغبة الموت أو الإعدام حرقاً، خاصة الإدانات التي تعرض لهت سابقوه غاليلي وكبلر واعدام جيوردانو برونو حرقاً، أما كوبرنيكوس فقد نشر كتابه الشهير “في حركة الأفلاك السماوية” أو “حركة الأجرام السماوية” وهو على فراش الموت بمقدمة من صديقه يشرح فيها أن هذا الكتاب لا يخالف تعاليم الكنيسة وأن الكتاب المقدس قابل للتأويل !!!
من هنا نفهم مدى خوف العلماء والفلاسفة ومنهم ديكارت من بطش رجال الكنيسة والسلطة الدينية الكنسية التي كانت لا تتردد في إعدام كل مخالف للكتاب المقدس ولفلسفة أرسطو التي تقول بمركزية الأرض وثباتها وأن العالم عالمين عالم ما فوق القمر الثابت والمستقر وعالم ما تحت القمر المتحرك، وهناك قبة في السماء تحدها، والسماء مكان الآلهة لا مكان الأجرام والكواكب كما أخبرنا تلسكوب غاليليو …
فرديناند ألكييه قارئاً ديكارت قراءة نقدية معاصرة:
ما معنى أن نقرأ لديكارت اليوم؟ أو ما الفائدة المتوخاة من قراءة كتب ديكارت؟ وهل كتب وأعمال ديكارت سهلة القراءة يستطيع الكل قراءتها وتداولها وحفظها والتبحر فيها بدون خوف من موجاتها المترددة؟
هكذا حاول فرديناند ألكييه قراءة ديكارت قراءة نقدية من خلال وضع هذه التساؤلات أمام عينيه، وهذا ما نلحظه في جدول محتويات الكتاب الذي سنفصل فيه قليلاً وهو كالآتي:
بعد المقدمة قسم الكتاب إلى أربعة أجزاء أو فصول أساسية كالتالي:
الجزء الأول: العالم الموضوعي والإنسان الحي
الفصل الأول: الخداع
الفصل الثاني: الإعجاب
الفصل الثالث: الضمان التقني
الفصل الرابع: كفاية الشيء.
يهدف هذا الجزء الأول من الكتاب إلى استكشاف العلاقة المعقدة بين الإنسان كجوهر مفكر أو روح والعالم المادي المتغير المحيط به. فهو يتناول مجموعة من القضايا الفلسفية المتعلقة بمعرفة العالم، وإدراك العالم الخارجي كما هو، والواقع.
الخداع: يتناول هذا الفصل كيف يمكن أن يخدعنا العالم الخارجي أو كيف تخدعنا الحواس وتعيق فهمنا للعالم والطبيعة، أو كيف يمكن أن نخدع أنفسنا حول طبيعة الواقع الخارجي، لا ننسى هنا فكرة الشيطان المخادع التي كانت تحيق بديكارت.
الإعجاب: يتناول هذا الفصل مشاعر الإعجاب التي نشعر بها تجاه العالم الخارجي، وكيف تؤثر هذه المشاعر على سوء فهمنا للواقع.
الضمان التقني: يتناول هذا الفصل دور التكنولوجيا أو التقنية في حياتنا اليومية، وكيف أنها تؤثر هي أيضاً على فهمنا للعالم والطبيعة، ولا ننسى هنا أيضاً فكرة ديكارت عن حفظ الصحة من خلال العلم والتقنية.
كفاية الموضوع: يتناول هذا الفصل سؤالًا فلسفيًا حول ما إذا كان العالم المادي يكفي لتفسير كل شيء موضوع فيه، أو إذا كان هناك أبعاد أخرى للوجود.
بشكل عام، يمكن القول أن هذا الجزء من الكتاب يستكشف التوتر بين الرغبة الإنسانية في فهم العالم المادي، وبين حدود المعرفة البشرية، ذلك أن ديكارت يعترف بقصور الذات الإنسانية وعدم تمامها أو فقدانها الكمال، وكأن ديكارت يقول للإنسان أن كل ما يمتلكه يفتقد إلى الكمال.
الجزء الثاني: المعرفة والوجود: الإله المبدع والإنسان الآلي.
الفصل الخامس: اكتشاف الوجود.
الفصل السادس: خرافة العالم.
الفصل السابع: تاريخ الروح أو العقل.
نظراً لأهمية هذا الجزء الثاني سنفصل فيه قليلاً لكونه سيجيب لنا عن سؤال ديكارت الأساسي بعد الثورة الكوبرنيكية لسنة 1543م، ولن نغالي في القول أنه سؤال الفلسفة والعلم الحديثين أو سؤال الحداثة الغربية عموماً هو سؤال ماذا أعرف؟ وكيف يمكنني بلوغ معرفة حول هذا العالم المتغير؟ وما مصدر كل معارفنا؟ لدرجة سيصل بنا ديكارت إلى أبعد نقطة كيف نعرف الله؟ وما هي الدلائل الأنطولوجية على وجوده؟ تجذر الإشارة هنا إلى أننا جميعاً نعرف الدلائل الشهيرة لديكارت حول وجود الله.
هذا الجزء الثاني عموماً هو جزء ينطلق من الإله المبدع أو الإله الكامل إلى الإنسان الخلاق الآلي.
كما ننبه أيضاً إلى أن ديكارت كان يبحث عن نقطة ثابتة أو نقطة إرتكاز يضع عليها الحقيقة بعد أن أصبح العالم المادي متحرك، وسيعود ديكارت بنا إلى أفلاطون عدو الحركة ليبحث عن مأمن أو ضمان يضع فيه الحقيقة كما فعل أفلاطون الذي جعل الحقيقة توجد خارج هذا العالم في عالم المثل.
ويمكن القول هنا أيضاً أن ديكارت كان بمثابة تعبير عن روح عصره حينما حاول اكتشاف الوجود الجديد الذي يتلاءم ويتوافق والمستجد العلمي والفلكي الحديث، لهذا ذهب بنا إلى حد القول أنه يجب علينا مجاوزة هذا العالم المادي والحواس التي من خلالها ندركه بها، لهذا يقول: “سأفترض نفسي خلواً من الحواس …”
أما عن الجزء الثالث من الكتاب: المعرفة بالوجود: “الإله الصادق والإنسان المفكر”
الفصل الثامن: إرادة القلق
الفصل التاسع: وجود الذات-الأنا.
الفصل العاشر: حقيقة الأفكار
الفصل الحادي عشر: لا نهائية الله
الفصل الثاني عشر: صدق الله.
هذا الجزء من الكتاب يبدو أنه يتناول قضايا فلسفية عميقة تتعلق بالوجود والمعرفة والإله. إليك تحليل مبسط لكل فصل:
إرادة القلق: يتناول هذا الفصل الدور الذي يلعبه الشك المنهجي والقلق المعرفي الذي يولده في عملية البحث عن المعرفة والحقيقة في العلوم.
وجود الذات: يتناول هذا الفصل مسألة وجود الذات الديكارتية (الأنا مفكر) وكيفية تأكدنا من وجودها أو كيف يمكننا إثبات وجود ذواتنا.
حقيقة الأفكار: يتناول هذا الفصل طبيعة الأفكار وماهيتها وما إذا كانت تمتلك وجودًا مستقلًا عن العقل-الذهن.
لا نهائية الله: يتناول هذا الفصل الصفات أو الطبائع الإلهية، ولا سيما صفة اللانهائية التي منها استمد جيوردانو برونو لانهائية العالم انطلاقا من لا نهائية الله، وكيف يمكن للإنسان أن يفهمها.
صِدْقُ الله: يتناول هذا الفصل مسألة صدق الله وحقيقة المعرفة الإلهية بما هي معرفة حقيقية يمكن الاستناد عليها لتأسيس العالم.
الجزء الرابع: الحب الوجودي: الطبيعة والإنسان الحر
الفصل الثالث عشر: وزن العالم
الفصل الرابع عشر: الحرية الإنسانية
الفصل الخامس عشر: الروح المتجسد
الفصل السادس عشر: موضع الإنسان
الجزء الرابع من الكتاب يتناول بشكل عام العلاقة بين الإنسان ككائن والطبيعة كوجود فعلي لهذا الكائن، ويشدد على مفهوم الحرية الإنسانية، لدرجة يمكن القول أن ديكارت من المدافعين الأوائل على حرية الإنسان في هذا العالم الحديث الذي بدأ مع كوبرنيك.
الحرية الإنسانية: يشير هذا الفصل إلى دراسة طبيعة الحرية التي يتمتع بها الإنسان، وما هي حدودها، وما هي العوامل التي تؤثر سلباً عليها دون أن تحدها، فحرية التفكير لا تفوض.
الحب الوجودي: هذا الجزء من الكتاب يتناول مفهوم الحب ككائن ، فمع ديكارت سيعاد اكتشاف مفهوم الحب الوجودي والتساؤل عن قيمته أو بعده الإنساني من منظور فلسفي عميق، حيث يربط بين الحب والوجود الإنساني والعالم المحيط به.
وزن العالم: يتناول هذا الفصل الشعور بالمسؤولية التي يحملها الإنسان تجاه العالم، والتحديات التي تواجهه في الحياة مستقبلا بعد الكشف الكوبرنيكي.
الروح المتجسد: يشير هذا الفصل على الأرجح إلى علاقة الجسد بالروح، والفصل الشهير الذي قام به ديكارت بين الجسد المادة والروح كجوهر مفكر للنفس وكيفية تأثير الجسد المادي على تجربة الإنسان للعالم.
موضع الإنسان: هذا الفصل يتناول مكانة ومنزلة الإنسان في الكون، وعلاقته بالطبيعة والله، ذلك أن ديكارت وضع الإنسان في منزلة ثانية بعد الله، ذلك أن التراتب القديم الذي يضع الإنسان في المرتبة الأخيرة بين الله أولاً والعالم ثانياً والإنسان ثالثاً لم يعد صالحاً، أصبح مع ديكارت، الله أولاً؛ الإنسان ثانياً فهو مركز العالم لولاه لما وجد هذا العالم؛ ليأتي العالم ثالثاً.
لقد تخلص ديكارت من هذا العالم المادي المتحرك مثله مثل أفلاطون، وقام بتقديس وتعظيم وتقدير الإنسان وتقريبه من مرتبة الله.
لقد أصبح الإنسان الحديث مع ديكارت هو مركز العالم والكون فإن كانت الأرض تدور حول الشمس وحول نفسها فهي تدور مسخرة لهذا الإنسان الذي هو المركز، إنسان ديكارت هو الإنسان الذي سيحفظ الحقيقة الثابتة بداخله.
في الخاتمة: نلحظ تلخيصاً لأهم النقاط التي تم تناولها في الكتاب أو البحث، واستخلاص النتائج النهائية، أنصح بالعودة إليها نظراً لأهميتها في عرض الخلاصة التركيبية للكتاب.
الاكتشاف الميتافيزيقي للإنسان عند ديكارت: تحيل إلى الفكرة الرئيسية التي تم تناولها في هذا الكتاب وهي تحليل الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت لفكرة الإنسان من منظور ميتافيزيقي أي الفلسفة التي تبحث في طبيعة الوجود بما هو وجود.
الملحق الأول: جزء إضافي في نهاية الكتاب يقدم معلومات تكميلية غير متضمنة في النص الرئيسي.
ببليوغرافيا: قائمة بعناوين الكتب والمقالات والمصادر الأخرى التي تم الرجوع إليها أثناء كتابة الكتاب.
جدول زمني: قائمة بأعمال المؤلف مرتبة حسب تاريخ نشرها.
ملاحظات توضيحية: تعليقات إضافية تشرح بعض النقاط المعقدة أو الغامضة في النص الرئيسي.
المراجع: إشارات إلى المصادر التي تم الاستشهاد بها في النص.
“من ناحية أخرى، من الواضح تمامًا أن ديكارت يؤمن بحركة الأرض. فقد اعترف في نوفمبر 1633 بأن حركة الأرض، إذا كانت خاطئة، فإن كل أسس فلسفته ستكون خاطئة أيضًا.” [1].
لقد كان ديكارت من الفلاسفة الذين يؤمنون بنظرية كوبرنيك في حركة الأجرام السماوية التي كانت عبارة عن ثورة فلكية آنذاك، تحركت معها الأرض وجميع الأجرام والكواكب السماوية، ولم نعد نتحدث عن أرض ثابتة أو قبة سماوية أو حد للعالم، لقد أصبح العالم شاسعاً بدون قبة وخال من كل حدود، لهذا أكد ديكارت في أكثر من موقع في كتابه بشكل جلي أو كامن وخفي في بعض الأحيان.
لدرجة أن ديكارت بدء في تدشين وتأسيس فلسفة حديثة استنادا على هذه النظرية الكوبرنيكية الفلكية الحديثة، أي استناداً إلى اكتشافات العلم الحديث، لهذا نقول أن ديكارت شكل لحظة فارقة في الميتافيزيقيا فهو مؤسس الميتافيزيقيا العلمية الحديثة، أو مع ديكارت أصبحت الميتافيزيقيا علماً حديثاً استنادا للكشف الكوبرنيكي الحديث.
لهذا صرح ديكارت في رسائله، أنه لو كانت النظرية الكوبرنيكية خاطئة فإن كل أسس فلسفتي خاطئة، لكن ما حدث هو العكس فكانت النظرية الكوبرنيكية صحتها وأحقيتها مع غاليليو الذي أثبتها فيزيائياً وبهذا أصبحت فلسفة ديكارت صحيحة أيضاً.
“وعبّر ديكارت في رسائله لعام 1634 عن أمله في إعادة النظر في إدانة غاليلي كما حدث مع إدانة نظرية أن الأرض مسطحة”.
“يعتبر [ديكارت] أن الكتاب المقدس ليس وصفًا علميًا للكون، بل سردًا ملائمًا أو لغة شعبية. كما يتساءل ديكارت هنا عما يجب قوله لتلبية المتطلبات الرسمية دون المخاطرة. لكن همه الأساسي هو اللغة: فديكارت يحتفظ بنظام كوبرنيكوس (الذي يزعم لابورت أنه لا يهمه)، ومن المعروف أيضًا أنه يرفض منح الكتاب المقدس أي سلطة في المسائل الفيزيائية، ويعتبر أن استخدامه لتلك الغاية هو إساءة استخدامه، لأن الحقيقة العلمية لا يمكن استخلاصها من النصوص الدينية، بل من العلوم الإنسانية، ولا علاقة لها بالخلاص.” [2].
تجذر الإشارة هنا إلى أن ديكارت وهو يعترف بنظرية كوبرنيك يعرف مدى خطورة ذلك، خاصة وأن الكنيسة والسلطة الدينية كانت ضد هذه النظرية، بل لدرجة أنها أدانت جاليليو الذي كان من أشد المدافعين عنها، لهذا حاول ديكارت تلطيف وتهدئة الأوضاع، حينما رفع شعار أن الكتاب المقدس لم يتم فهمه جيداً، وأنه يحتاج إلى التأويل والفهم والاستيعاب الجيد، وعدم الوقوف عند ظاهر النص المقدس، بل يجب التعمق أكثر في ما وراء السطور، كما أن مهمة التأويل هي العلوم الإنسانية التي سيكتب لها الظهور في بداية القرن 19م.
كما لا ننسى محاولة اسبينوزا في كتابه “الإثيقا” الذي سيعمل من خلاله على تطبيق المنهج الهندسي الديكارتي على مفهوم الله، كما سيعمل في كتابه “رسالة في اللاهوت والسياسة” على النقد التاريخي للكتاب المقدس، كما أنه ومنذ نيتشه في القرن 19م ومعه فرويد، سيتم رفع منهج التأويل الذي من خلاله سيتم تأويل أي شيء، وسيصبح كل خطاب قابلاً للتأويل، وهو ما سيتم التقعيد له مع مارتن هايدغر وتلميذه هانس جورج غادامير وبول ريكور.
وما يمكن استشفافه أيضاً هنا أن موقف ديكارت من نظرية حركة الأرض، وكيفية محاولته التوفيق بين إيمانه بهذه النظرية وبين تعاليم الكنيسة التي كانت ترفضها، فكان ديكارت حريصًا على الحفاظ على أفكاره العلمية، ولكنه في الوقت نفسه كان يدرك الحاجة إلى الحذر والتعبير عن أفكاره بلغة لا تتعارض بشكل صريح مع العقائد الدينية الكنسية، لأنه وبكل بساطة خاف على رقابه من الموت، ديكارت وعى درس سقراط، لا يريد أن يحدث له كما حدث في تاريخ الفلسفة من إعدام لسقراط، وتنكيل بجاليليو، ورفض لكوبرنيك، وحرق لبرونو، ولعنة لسبينوزا، لقد قتل رجال الدين الكثير من الفلاسفة، لكن لم يسبق لفيلسوف أن قتل رجل دين !
هكذا كان ديكارت مؤمناً بنظرية حركة الأرض، كما رأى أن الكتاب المقدس ليس نصًا علميًا، من هنا نفهم محاول توفيقه بين إيمانه العلمي وعقيدته الدينية، لهذا اعتبر ديكارت أن اللغة هي أداة مهمة للتعبير عن الأفكار وتجنب الصراعات بين أي طائفة دينية.
ولاحظ ألكييه أن كتاب “تأملات في الفلسفة الأولى” كتاب حاول من خلاله ديكارت تقديم تأملاته الجديدة أو رؤاه الميتافيزيقية الجديدة للعالم والطبيعة والكون والذات والله، وفق التصور الحديث الذي شهده علم الفلك، فيقول: “يتجلى الطابع الشخصي والتجريبي، بل والكاد أن يكون دينياً، لكتاب “التأملات” في عنوانه نفسه، والذي كان من شأنه أن يوحي للقارئ في ذلك الزمان بتمارين روحية أكثر منها بوضع نظري لحقائق مجردة. ويؤكد النص، المقسم إلى أيام، هذا التوقع. يقول ديكارت: “التأمل الذي قمت به أمس…”، “لقد اعتدت على ذلك كثيراً في الأيام الماضية”، “من الجيد أن أتوقف قليلاً عند هذه النقطة حتى أتمكن، بفضل طول مدة تأملي، من طبع هذه المعرفة الجديدة بشكل أعمق في ذاكرتي”.
وتحذرنا “الردود الثانية” من أن القراء ينبغي أن يكرسوا بضعة أشهر، أو على الأقل بضعة أسابيع، للتفكير في الأمور التي يتناولها التأمل الأول، وبضعة أيام لتمييز الأشياء الجسدية عن الأشياء العقلية.
وبالتالي، لا يمكن تقديم محتوى “التأملات” إلى فهم مجرد بحت، فالصعوبة تكمن ليس في الفهم، بل في تحويل العقل، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بجهد طويل الأمد. فكما يوحي عنوان الكتاب اللاتيني “تأملات في الفلسفة الأولى” (حيث الفلسفة الأولى هي دراسة الوجود بوصفه وجوداً)، فإن التأملات لن تكون تأملات في الشيء، بل في الوجود، وستسعى إلى تحديد مكان الشيء بالنسبة إلى الوجود.” [3].
حاول ديكارت في هذا المقال أن يميز بين الشيء والجسد والعقل: تمييز عقلاني أساسي بين المادة (الجسد) والروح (العقل) وبين كليهما والوجود المطلق.
ما يعني أن هذا المقطع تأكيد على الطابع الشخصي والتجريبي لكتاب “التأملات” لديكارت، والذي يتطلب من القارئ جهداً شخصياً ووقتاً طويلاً لفهم معانيه واستيعاب أفكاره. فالفلسفة الديكارتية ليست مجرد نظام نظري بمعناه المجرد، بل هي دعوة إلى التأمل الذاتي والبحث عن الحقيقة من خلال المنهج الديكارتي الشهير القائم على الشك المنهجي.
ما يميز كتاب التأملات هو أن ديكارت قدم من خلاله تجربته الشخصية أو عصارته الخاصة في البحث عن الحقيقة في العلوم والمعارف.
ما يعني أن كتاب “التأملات” يحتاج وقتاً وجهداً ليس بالسهل أو الهين، ذلك أن الغاية من التأملات: ليس فقط فهم المفاهيم، بل تحويل العقل ووصول القارئ إلى يقين معرفي كما وصل إليه ديكارت من خلال قواعده، وهذا ما يميز الفلسفة الأولى عند ديكارت هو أنها : تركز على دراسة الوجود بوصفه وجوداً، وليس على الأشياء المحددة.
باختصار شديد، حاولت هذه الفقرة التشديد على أن قراءة “التأملات” ليس مجرد قراءة كتاب من الظاهر قراءة سطحية، بل هي رحلة شخصية للبحث عن الحقيقة في العلوم والمعارف، تتطلب من القارئ النفس الطويل والمشاركة الخلاقة والتأمل العميق.
ما هي منزلة الإنسان في متن ديكارت؟
“إن كليته تقاس بقدرته على الشك في كل شيء، ما عدا وجوده كفكر. وفي المقابل، فإن الحركة الديكارتية هي حركة تجاوز وتخطي. فالاكتشاف التدريجي للإنسان ليس دياليكتيكياً. صحيح أن فلسفة ديكارت نشأت كرد فعل من الوعي ضد التلقائية والخبرة الحسية. لكنه لا يعود بذلك إلى النظام الذي يرفضه. فالفلسفة الديكارتية، إذا أرادت الاحتفاظ بكل ما هو معطى لها، لا يمكن أن تخضع للتاريخ أو للتفسير التاريخي. ولم يعد ديكارت، كما هو في شبابه، يسعى إلى وحدة موضوعية، بل يسعى إلى وحدة الإنسان، وهي وحدة لا يمكن أن تظهر إلا في الوعي بالذات. و يخضع هذه الحرية، سيدة العالم الموضوعي، للوجود.”
حاول فرديناند ألكييه في هذه الفقرة البحث عن ماهية الإنسان كوحدة في المتن الديكارتي، وعلاقته بالعالم الجديد الكوبرنيكي، من خلال دور معرفة الذات والعالم والله في تشكيل وعي الإنسان بذاته وبالعالم الخارجي المحيط به، بل ومعرفة الله أيضاً. لهذا حاول فرديناند ألكييه فهم التراث الفلسفي لديكارت، وتقديم نقد بناء له، من خلال البحث عن إجابات جديدة على أسئلة فلسفية كلاسيكية في المتن الديكارتي، ذلك أن العودة إلى ديكارت في عصرنا الحالي يمكننا من فهم إشكالية الوعي بالذات التي نفتقدها حول هذا العالم المتغير المحيط بنا.
“إن ميتافيزيقيا ديكارت تحافظ على ما تَنْفِيهِ، وتسعى نحو الكُلِّيَةِ [وحدة الوجود]، وتكتشف أن كل شيء نسبي بالنسبة لزمانهِ، وهو ما يعني، أولًا وقبل كل شيء، اعتباره وَهْمًا. فاليقين هو كل ما يملكه الإنسان، وبالتالي فإن المُحْتَمَلَ والافتراضي والعَاطِفِيُّ موجود أيضًا ضمن هذا اليقين. ومن الواضح أن هذه الفلسفة [يقصد فلسفة ديكارت] ليست مَنْهَجِيَّةً، فهي لا تَدَّعي تفسير كل شيء، والعَالمَ نفسه. فاعتبار الفلسفة مَشرُوطَةٌ بالتاريخ يعني تجاهل المشروع الأساسي لها، وهو اكتشاف حقيقة الوجود. إن الكوجيطو هو تعبير عن وُجُودٍ، وهذا الوجود هو استئناف لكل الموجودات. والفلسفة لا تسعى إلى اختزال الوجود في المَعْرِفة، بل تَبَنّي أُنْطولوجْيا للطَّبِيعَة الإنسانية. فهي تَعْرِفُ أنها لا معنى لها إلا في مستوى الشَّيْء، ولا تَخْلط بين المعرفة العلمية، التي هي سمة العلم، وبين الرغبة في اكتشاف وَحْدة الوُجود [التي هي سمة للأنطولوجيا]. إن الإنسان هو وَعْيٌ بحدود [وحدة الوجود]” [4].
تكمن أهمية هذا النص في نقده لديكارت: خاصة تركيزه الزائد على العقل والمعرفة النظرية بشكل متعالي مجرد، متجاهلاً الأبعاد التجريبية والاختبارية في الإنسان ما يعني أنه لا يمكن إنكار أهمية التجربة الحسية كونها تتيح لنا الفهم الشامل للإنسان، وليس مجرد التحليل العقلي المجرد.
كما أن النص هو تمييز في الحقيقة بين طبيعة المعرفة وطبيعة وحدة الوجود أو أنطولوجيا للطبيعة الإنسانية بما هي انعكاس للواقع الخارجي وتأثر بشكل خاص على العوامل السيكولوجية والاجتماعية للإنسان.
“إن جوهر الإنسان هو الفكر. ربما يكون الحزن المزدوج الذي عانى منه ديكارت في السنة التي كتب فيها “التأملات”، حين فقد والده وابنته فرانسين، قد أنهى كل أمل في الخلاص من خلال الحياة، ودفعه إلى تدمير الميتافيزيقيا [الكلاسيكية الأرسطية]. على الرغم من ذلك، لا يخلط ديكارت بين الذات [الروح] والمادة، ولا يعتقد بوحدة العالم. إنه [مُنَظِّرُ] الانفصال عن الوجود، هذا الاختلاف المتغير في كل فرد، هو ما يدفعنا إلى البحث عن سبب واحد. إن الحب هو الكلمة الأخيرة. ستسمح لنا الميتافيزيقيا حتى بالتحدث، كما في جنة عدن، إلى إنسان ليس لديه طفولة. ومع ذلك، يبقى الوجود هو الشرط الهش للوعي البشري. على أي حال، يجب أن ننتقل من التاريخ إلى الجوهر، ومن سرد “الخطاب عن المنهج” إلى السؤال عن سبب عودتنا إلى الوجود من خلال العقل. إن العلم ليس سوى معرفة بالعقل. على الرغم من أن الفرد قد يبدو كأنه الكائن الوحيد، فإن فكرة الله، التي لم تخلق العالم من أجلنا، تبدو كأنها الوسيلة الوحيدة لتحديد الشرط الإنساني. وما يميز الإنسان هو أنه يميز بين المادة التي يمكن أن يشك فيها ويتصرف تجاهها، وبين الذات [أو العقل] التي تَفْهَمُ نفسها فقط من خلال الانفصال [بين الروح والمادة]، ولا تجد ذاتها إلا من خلال هذا الانفصال. لكن ديكارت لم ينجذب إلى ما سيصبح بعده مثالياً، فجوهره هو الفكر.” [4].
تجذر الإشارة هنا إلى أن النص أعلاه يجب الإنتباه والتيقظ له جيداً من خلال قراءته والتعليق عليه جيداً، فهو يقدم لنا عديد الخلاصات حول ميتافيزيقا ديكارت بما هي:
- ميتافيزيقا ضد التصور الأرسطي البطليموسي للعالم.
- ميتافيزيقا تحث على أن الإنسان جوهر مفكر، سيد العالم ومالكه.
- ميتافيزيقا تبحث عن الخلاص من هذا العالم المادي المتحرك.
- ميتافيزيقا تكشف عن هشاشة الوجود الإنساني في هذا العالم وتنظر للخلاص الإنساني.
- ميتافيزيقا تعود إلى الذات، من أجل معرفتها والوعي بها وعياً يؤدي بها إلى معرفة العالم وإثبات وجود الله، مع التمييز الضروري بين الروح (العقل) والمادة (الجسد).
- ميتافيزيقا ديكارت هي ميتافيزيقا الفصل والقطيعة بين المادة أو الجسم والروح أو العقل، هذا التمييز ضروري جداً من أجل أفضل فهم لفلسفة ديكارت، لأنه وبكل بساطة كانت يهتم بالروح والعقل والذات على الجسد أو الجسم أو المادة والحواس التي كلها مجرد متغيرات زائلة لا معنى لها.
كما يحذرنا فرديناند ألكييه من تمييز ديكارت بين الفيزياء المادية التي تظل لصيقة بهذا العالم المادي والأنطولوجيا الميتافيزيقية التي تحاول التجرد والتخلص من هذا العالم المادي إلى عالم أكثر ثباتاً، فيقول : “تَبْدُو أَيُّ أنطولوجيا فيزيائية مُقَيَّدَةٌ إلى الأبد بهذا العَالَمِ المَادّي، والذي يبدو أن ديكارت قد شعر بِحَذَرٍ إِزَّاءَهُ.”، بل لدرجة رفضه هذا العالم المتحرك والبحث عن نقطة ثابتة نقيم عليها الحقيقة، فكان أساس “مَبْدَإِ فلسفة ديكارت: هو أن الحقيقة منفصلة عن الحياة.”، بل منفصلة عن هذا العالم المادي المتحرك والمتغير، ولصيقة أكثر بعالم مجرد متعالي خالٍ من الحركة.
في الختام؛ نقول أن كتاب فرديناند ألكييه المعنون ب: “الاكتشاف الميتافيزيقي للإنسان عند ديكارت” يشكل ثورة حقيقية في فهم أبعاد فلسفة ديكارت الإنسانية، بل وأبعادها في الوجود، خاصة وجود الذات، ووجود العالم، ثم وجود الله، ويمكن القول هنا أن كل ما أثبته ديكارت في الجزء الخاص بوجود الذات ما هو سوى إثبات لوجود الإنسان في العالم الكوبرنيكي الحديث، لهذا فقراءة وجود الذات بوجود الإنسان أفضل مدخل للمتن الديكارتي، وهذا ما لاحظناه مع ألكييه، لهذا ينصح بشطب مقدمتنا هذه والعودة إلى محراب الكتاب.
المراجع:
[1]- Alquié, F. (1950). La découverte métaphysique de l’homme chez Descartes (7e éd.). Paris: Presses Universitaires de France , p 340.
[2] – Ibid, p 342.
– [3] Ibid, p 345.
[4] – Ibid, p 346.
*المصدر: التنويري.