الإيديولوجيا العربية المعاصرة؛ ماذا بقي من أطروحات الكتاب وأسئلته في ضوء المتغيرات المتسارعة
“قد يتيه عن الصواب من يبالغ في التدقيق،” (الإيديولوجيا العربية، ص 256)
توطئة: رودنسون يقدم الإيديولوجية العربية
أنجز الأستاذ عبد الله العروي مادة كتابه الإيديولوجيا العربية (بين 1960/1965) وصدرت الطبعة الأولى من الكتاب سنة 1967 عن دار مسبيرو المصنفة في خانة اليسار الفرنسي، تصدرت الطبعة الأولى مقدمة للمستشرق الشهير مكسيم رودنسون (1915-2004) ذكر فيها أن الكتاب مرموق بصفاء نظرته وإخلاصه، وقد نبدي دهشتنا لتأخر صدوره نظراً لشدة الحاجة إليه، ورأى بأنه من المدهش أن الكتاب لقى استجابة لمزايا متضافرة، جعلت مؤلفه يستفيد مما وفره التطور التاريخي للأفكار.
كان العروي ضليعاً على حد سواء في التاريخ الإيديولوجي للعالم العربي وكذلك لأوروبا، ومطلع على طرائق التحليل الحديثة، وقد أخضع أهم قضايا العالم الذي ينتسب إليه للتحليل الأكثر أنصافا وعقلانية، وهو تحليل مشبع بعاطفة جياشة، إلا أنه أعرف من غيره، بما يكابده العالم العربي من صعوبات جمة تحول دون أن يفكر في ذاته تفكيرا صحيحا، وتضمن مقال رودنسون إشادة بالعروي وفكره متطلعا أن يشيع في العالم العربي تفكير مثل تفكيره.
ختم رودنسون مقدمته الضافية ببعض الملاحظات والمآخذ على بعض النقط والتحليلات الواردة في الكتاب، والتي قد تثير أعترا ضات وسوء فهم، مما يستدعي مناقشتها، من ضمن هذه النقط مفهوم الماركسية الموضوعية (La notion de marxisme objectif) الذي سيبدو صادما للماركسيين لأنهم يعتبرون الماركسية بمثابة نظام فكري متسق ومتلاحم ونظرة إلى العالم وحزمة من القيم والحلول الفلسفية والأخلاقية وعلم اجتماع وسياسة ونظرية اقتصادية، ومن ثم فإن أي تصور لا يأخذ بهذه النظرة الكلية فهو قاصر وناقص الفهم.
وكذلك تفسيره لإخفاق المعتزلة المفرط في طابعه المثالي، وأيضا النقد الذي وجهه للمستشرقين بصدد التأليف التاريخي العربي، الذي أعتبره سلبيا نظرا لاعتماد المستشرقين في أحكامهم على التدوين التاريخي العربي على الطرائق المستخدمة في التاريخ الغربي مما نجم عنه قراءة أيديولوجية لتاريخ الإسلام غير منصفة ولا تتسم بالموضوعية، اعتبر رودنسون بأن هذا الموقف من المستشرقين موقف سهل ومتسرع، ويضيف بأن هناك نقطا أخرى يمكن إثارتها من ضمنها الأجناس الأدبية التي تتطلب عرضا موسعا مدعم بحجج مقدرة ومحفزة، إلا أن كتاب العروي وهو بحث مطعم بمادة غنية ومدعم بمجموعة نادرة من المعارف أفضل مما هو متداول هذه الأيام، وأكثر ذكاء من الأشياء السطحية التي يسوقها أولئك الذين يعتقدون أن تمسكهم بالوقائع يعبر عن ازدرائهم كل طريقة للتفكير.
إن هذا الكتاب هو صرخة من الأعماق أطلقها المؤلف ضد تواطؤ الجهل والعجز عن التفكير العقلي المنظم. كان بحاجة ماسة ليطلق هذه الصرخة ويعلن ما يعرفه ويستطيع أن يقوله، فقد رسم برنامجا وعمق استنتاجاته وأغنى تفكيره وصاغ تصورات مع القدرة على نقدها، وهذا يكفي ليملأ حياة العديد من الناس، بالدراسة والتأمل، فله الشكر لأنه دلنا على الطريق،(1) وخير ما يشكر به كاتب وأهم مكافأة تقدم له، أن يقرأ كتابه ويفهم.
_ 1_
الطبعة الأولى من الكتاب صدرت سنة 1967 وسنة 1977 صدرت طبعة منقحة، مع مقدمة للمؤلف، بجانب المقدمة التي كتبها رودنسون وخاتمة بعنوان “الحلم والتراب”.(Le sable et le rêve) يحيل فيها المؤلف إلى كلمة للجنرال ديجول وجهها لسفير سوريا في فرنسا “إنني أعرف، رمالكم وأحلامكم، وقد نسج العروي حول المقولة مقالة تحليلية حول الأوضاع السياسية في العالم العربي.
قبل ظهور الطبعة المنقحة المشار إليها سابقا، ظهرت سنة 1970 عن دار الحقيقة ببيروت ترجمة لكتاب الإيديولوجية العربية أنجزها محمد العيتاني. كتب العروي مقدمة خاصة بالطبعة العربية كما ألحقت بالكتاب مقالة كتبها العروي سنة 1967 رد فيها على بعض الانتقادات التي وجهت إلى كتابه في جريدة العلم المغربية، لقد تمت الترجمة العربية الأولى نقلا عن الطبعة الفرنسية الأولى سنة 1967، ورغم ظهور طبعة منقحة بالفرنسية سنة 1977 فإن الترجمة العربية لم تنقح ولم تصحح وصدرت عنها طبعة ثانية سنة 1977 وطبعة ثالثة سنة 1979 وكانت المرجع الذي يحيل إليه الباحثون والدارسون بما فيهم المؤلف نفسه (انظر كتابه مفهوم الإيديولوجية (1980).
في سنة 1995 أصدر المؤلف ترجمة لكتابه نسخة الترجمة الأولى، وتضمنت مقدمة الترجمة الجديدة. مقطعان مهمان الأول حول الترجمة والتعريب أشار فيه إلى ما أعتور الترجمة الأولى من قصور وهنات وعدم الدقة في نقل المفاهيم الواردة في الكتاب مما أدى إلى سوء فهم المتلقي نتيجة لتغيير المعاني والصيغ، وتشويه لمضامين ومقاصد المؤلف، وكل هذا يعود إلى قصور في الترجمة ونقصان في أهلية المترجم.
ورغم ما اتسمت به الترجمة من ركاكة في الأسلوب وقصور في نقل المفاهيم الجديدة بصورة سليمة، إلا أن الإنصاف يقضي بالتنويه بالجهد الذي بذله المترجم في نقل مضمون الكتاب إلى القارئ العربي، وكان من واجب المؤلف أن يصحح الطبعات العربية كما فعل مع الطبعة الفرنسية المنقحة.
– 2 –
نبه العروي في المقدمة التي كتبها للترجمة الأولى للإيديولوجية العربية إلى أهمية كلمة “إيديولوجيا”، لأن على فهمها يقوم فهم الكتاب كله، ليست الإيديولوجية الفكرة المجردة أو العقيدة إنما هي الفكر غير المطابق للواقع، رغم أن الفرد أو المفكر يظن غير ذلك. تختلف الإيديولوجية عن محض الكذب والتبليس، كما أنها غير الخطأ المنطقي في وسائل الوعي الانعكاسي (Conscience refflet) والتخيل، إذا لم تفهم هذه النقطة بكل وضوح، فإن أي نقاش حول ما يقوله أو يقترحه المؤلف سيكون هامشا.
إن مفهوم الإيديولوجيا استوحاه ماركس من هيجل، وطبقه لتحليل التاريخ والمجتمع والسياسة، ثم تبناه فرويد وطور به علم النفس والأخلاق، وأصبح أساسًا للاجتماعيات الثقافية.
لفهم المفهوم كان لابد من الاطلاع على أبحاث ماركس حول الإيديولوجية المانية ولوكاش حول الوعي الطبقي وكارل مانهايم حول النزعة الطوباوية، كان القارئ الفرنسي قريبا من هذه المراجع التي ترجمت ونوقشت بغزارة منذ الحرب العالمية الثانية، فعلى القارئ العربي الغير المطلع على المؤلفات المذكورة، أن لا يسرع ويحكم بالغموض وعدم الاتساق على بعض الاستنتاجات التي تدخل في باب الاختصار أو التلويح أو التضمين، يرى المؤلف أنه لو أتيحت له الفرصة، لأعد صياغة الكتاب باللغة العربية وبأسلوب آخر أقل تجريدا وأكثر بيانا. (ص 12).
إن مفهوم الإيديولوجية يتطلب وضعاً اجتماعيا وتاريخيا خاصاً، يعيش أثناءه الفرد المنتمي إلى جماعة أو طبقة أو قومية أو ثقافة، حالات تجعله عاجزاً عن إدراك حقيقة واقعه الاجتماعي، ومن التطلع إلى المستقبل، وفي حالة تغير عملية الوعي – الأنعكاسي الجماعية أو الفردية تتغير صورة الواقع المعاش في ذهن الأفراد، وبما أن العمل الجماعي والفردي، يخطط على ضوء هذا الوعي الخاطئ تكون النتيجة مناغضة للأهداف المخططة، وتنتج بدورها نتائج بعيدة عن الأهداف المسطرة، ويتحتم على الباحث في الاجتماع والسياسة والأخلاق، أن يتوصل إلى أصل ثابت، يعود إليه الملاحظ ليستدرك الاعوجاج الطارئ على صورة الواقع في ذهن الأفراد ويستخلص من هذا أن التأخر العربي وتبعيته ما هو إلا نتيجة من نتائج الوعي الانعكاسي أو الوعي الزائف، فلا وجود لواقع مستقر يمكن أن توضع له سياسة لإصلاحه وتطويره، (ص 13).
– 3 –
هذه بعض المسائل والإشكالات المجردة التي تضمنها الكتاب، جاءت في قالب تساؤلي، تدعو المثقفين والمفكرين العرب إلى اجترح الوعي النقدي لكسر قيود الوعي الزائف، ومن هذا المنطلق يرى المؤلف أنه لو حرر الكتاب بعد الهزيمة العربية سنة 1967 لغير الصيغ وأبقى على المضمون، ولطرح جملة من الأسئلة تتعلق بتحديد مفهوم الاستعمار وهل ينحصر في التحكم السياسي والاقتصادي أم هو أعمق وأبعد من ذلك.
ثانيا ما هي الثورة؟ هل هي مجرد تغيير في النظام السياسي وبناء اقتصاد قومي ونهج تعليم عملي، وتقني؟ أم هي تحرير الفرد والجماعة من كل قيد في الماضي أو الحاضر، وإعادة تنظيم الجماعة، وانبعاث وجدان الفرد، بحيث تجعل المجتمع قادرا على إبطال مفعول قرارات المستعمر، ثالثا ما هي عوامل التخلف؟ أهو آلة ناقصة أم ماض نافذ أم مستقبل مستحضر؟ كيف يوزن القول والعمل في المجتمع؟
هل التخلف في نهاية المطاف هو التشبث بالمطلقات، عادة الفرد المتخلف لجوؤه إلى الحقائق المطلقة التي سرعان ما تصبح غير مطابقة لواقع متغير؟ وهل لب التخلف أن تفضل الجماعة إنقاذ المطلقات بانتحار الأفراد عوض إنقاذ الأفراد بضياع المطلقات؟ (ص 15) هذه جملة الأسئلة التي أثارها المؤلف وهو يعد لإنجاز كتابه حول الإيديولوجية العربية، وقام بصياغتها ونقدها في الكتاب وهي تعبر عن إخفاق النخبة المفكرة في العالم العربي.
إن أبرز علامات تأخر العالم العربي تتمثل في تخلف الوعي عن الواقع، ومن ثم فإن انبعاث الإنسان العربي يكمن في التحرر من المطلقات جميعها، والكف عن الاعتقاد بأن العمل الإنساني يعيد ما كان، ولا يبدع ما لم يكن، وفي هذا يتمثل معنى السياسة كتوافق مستمر بين ذهنيات تمليها ممارسة الجماعة التي تتوحد عن طريق النقاش الموضوعي والتجارب المستمرة، لا أحد يملك الحقيقة المطلقة في المجتمع أي ما يصلح وما لا يصلح لخير وسعادة المجتمع، إن نسبية الحقيقة وإبداع التاريخ وجدلية السياسة قواعد المجتمع العصري، لكن المجتمع العربي يتردد في تبنيها، بل ينكرها.
تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على المفكرين العرب الذين انساقوا لاجترار الأفكار والتلفيق بدون معيار ولا مقياس، لن يصلح المجتمع إلا بإصلاح الفكر، وجعل التأليف أداة نقد، لا أداة أغراء وتنويم، وبدون ثورة على التخلف الفكري لن تظهر قيادة قادرة على القيام بثورة شاملة، (ص 17).
– 4 –
لقد شكلت الأسئلة التي سقناها لحمة وسدى الكتاب وحولها صيغت فصوله ونسجت أطروحاته ومفاهيمه ورسمت اختياراته وتصوراته، وتبلورت أجوبته على أهم قضايا الفكر والسياسة والاجتماع، وتطرق المؤلف إلى مفهوم الفكر الكوني وإلى مفهوم الدولة الحديثة، وإلى الماركسية الموضوعية، والليبرالية، وإلى ما يعنيه بالوعي النقدي، وتناول كل هذه القضايا بنفس فكري تساؤلي ومقاربة لإشكاليات البناء الفكري الذي تتولد عنه الخطابات الإيديولوجية. وقد رفض تحويل فعل التفكير من فعل معرفي إلى فعل إيديولوجي، والتزم الصرامة في استخدام المفاهيم وصون حرمتها الدلالية المعرفية، لأن في حمايتها حماية للفكر من الابتذال وسوء الاستخدام والتغليط، ونظر بوعي تاريخي مقارن للأفكار والمفاهيم والظواهر، وتمسك بالنظرة الموضوعية وما يعنيه ذلك من الابتعاد عن الأحكام المعيارية أو القيمية و تبنى التاريخانية باعتبارها منطق السياسة ونظامها الحاكم الذي يسعى إليه كل وعي وفعل يروم التغيير.
واعتبر أن الماركسية الموضوعية ترسم أفقا لكل دعوة إلى التغيير والإصلاح وبناء الدولة الحديثة، وقد تميز بقدرة هائلة على العبور السلس بين الحقول المعرفية (التاريخ والفلسفة وعلم السياسة، وعلم الاجتماع،) وهي قدرة تولدت عن موسوعية معرفية، وبالاستثمار العلمي والمنهجي الخلاق لمعارف العصر التي حصلها، (3).
هذه إشارة مختصرة لعصارة والتوجهات والمقاربات الناظمة للبناء المنهجي والتحليلي لكتاب الإيديولوجية العربية المعاصرة بتعدد موضوعاته وغنى مادته ومصادره، والغاية من التذكير بها أن تكون حافزا لقراءة معمقة لأسئلة الكتاب وطروحاته ومساءلة الاستنتاجات والخلاصات التي انتهى إليها المؤلف وتتلخص في البحث عن الذات والبحث في التاريخ والبحث في مسألة الانخراط في الوعي الكوني.
تضمنت هذه المسائل أفكاراً وتصورات يمكن على ضوئها قراءة الكتاب من زوايا نظر معرفية تسعى إلى مقاربة علاقة المعرفة بالواقع أو علاقة المعرفة بالوجود أو علاقة المعرفة بالمجتمع، مع اعتبار أن المجالات المعرفية تتكامل وتتساوى في النظر إلى الأشياء،
يقول المؤلف بأن محور كتابه هو البحث عن الذات، وأن الدافع وراء إنجازه لدراسته هو ما لاحظه من تعثر المستويين السياسي والثقافي في مسيرة المغرب بعد عشر سنوات من الاستقلال، ولفهم هذه الظاهرة كان من المفروض القيام بوصف وتحليل الأوضاع السياسية والاجتماعية، ولا شيء يمنع من التمهيد لذلك بدراسة الوضع الثقافي، (4).
وظف المؤلف تجربة الشرق كمثال توضيحي، لتحليل تطور في غاية الخصوصية، (5)، إن معرفة الذات يبدأ بدراسة الجهاز الذهني أي آلية القياس الحاكمة لبنية الخطاب المحددة للهوية، فسؤال الهوية يطرح بأشكال متباينة، مسألة استيعاب الحداثة الغربية، ومن ثم يستحيل أن نصف مسيرة العرب نحو تعريف ذاتهم، من دون أن نعرف في الوقت نفسه تاريخ تعرفهم على الغرب، (6).
لقد ركز المؤلف في كتابه على نقد النظريات الإيديولوجية التي نهجها المفكرون العرب للإجابة على سؤال الهوية، وذلك بالكشف عن ما تضمره من مسبقات منهجية.
إن المجتمعات العربية تعيش اجتماعيا وثقافيا تحت تأثير خارجي تفكر بمفاهيمه وتعبر بأساليبه وأمثلة كلها من واقع غير واقعه، فلابد من أن نبدأ بتحليل دقيق وصارم لكل الأدوات الذهنية التي نستعملها،(7).
– 5 –
التحليل العلمي يستلزم أدوات مفاهيمية وقد تكون أصلية أو مستعارة من ثقافة أخرى. لقد وجدت النخبة العربية نفسها أمام أزمة مفاهيم، والمفاهيم تحتل مركزا هاما لدى الباحثين في الحقول المعرفية المختلفة لما لها من دور في الضبط وبناء المناهج والنماذج، وأهم ما يركز عليه في مختلف المجالات، هو التفرقة بين الكلمة والمفهوم المجرد والمفهوم المصطلح وتنوع استعمالات المفاهيم في الفلسفة العامة وفي الابتسمولوجيا العامة والخاصة وفي علم النفس المعرفي والذكاء الاصطناعي، ولكون المفاهيم هي لب اللغة وجوهرها والأداة التي عبرها يتم نقل الأفكار والمشاعر، ومن ثم لابد من تحديد أوجه التشابه والتباين بينها وتحديد الخصائص الجوهرية التي تشكل المفهوم، وذلك بالبحث في المسألة المصطلحية أي حقل المعرفة الذي يعالج تكوين المفاهيم وتسميتها، إن المفاهيم ليست مصطلحات منعزلة وانما على أساسها يقام التصنيف والترتيب والتشريح، والمصطلح هو عنوان المفهوم وأساس الرؤية التي تريك الأشياء كما هي بأحجامها وأشكالها وألوانها الطبيعية أو على غير ما هي مشوهة محدبة أو مقعرة، (8)
المفهوم يعبر عن فكر عصر من العصور، و قد شاع استعماله في التحليلات عند المفكرين الغربيين، ويشكل عدم وضوح المفاهيم خطراً على استقامة الفكر، وضمن هذا السياق وضع المؤلف قاعدة لاستعمال مفهوم الأدولوجة يربط المنظومات الفكرية في العالم العربي بالأوضاع الاجتماعية وبالظرف التاريخي، ويستعمل في بحث الإيديولوجية العربية المعاني التي بلورتها اجتماعيات الثقافة، وأعمال ما نهايم ولو كاش.
وخلص إلى تصنيف مفهوم الإدلوجة إلى أنموذج ذهني يشرح حالة انفصام الفكر عن الواقع وذلك طبقا للنماذج التالية:
1- صورة ذهنية مفارقة لأصلها الواقعي تنعكس في الذهن انعكاساً محرفا بتأثير من المفاهيم المستعملة.
2- نظام فكري يحجب الواقع لصعوبة أو استحالة تحليل ذلك الواقع.
3- بنية نظرية مأخوذة من مجتمع آخر توظف كنموذج يقود الممارسة، ويتحقق أثناءها، وهذا النموذج الأخير هو الأكثر استعمالاً في الكتاب،
تندرج سلفية محمد عبده تحت المعنى الأول لأن وسائله الذهنية، مفاهيم متفرعة عن الكلام والفقه الإسلامي، جعلته يرى مجتمعه في قالب المجتمع التقليدي، وتندرج الدعوة إلى الأصالة الإسلامية تحت المعنى الثاني لأنها بمثابة أسطورة لا تمت بأي صلة للواقع الاجتماعي ورغم ذلك تهيمن على الذهن العربي الذي يرفض الواقع رفضا باتا مع عجزه عن تغييره، وتندرج الليبرالية والاشتراكية الماركسية تحت المعنى الثالث كلتاهما تمثل حقبة من التاريخ الغربي في برنامج يهدف إلى بناء مجتمع يجسد القيم الليبرالية (ملكية خاصة، حرية شخصية فردانية)، والقيم الاشتراكية (ملكية عمومية حقوق اجتماعية، اقتصاد موجه،) (9)
لقد صيغت هذه النماذج لكي تكون مرآة عاكسة للوعي الزائف ووصفت بالادلوجة بالنظر إلى مضمونها وما تستوحيه من التجربة الغربية. لم يفت المؤلف التأكيد على جملة من التدقيقات بخصوص استعمال مفهوم الأدلوجة كأداة تحليلية، فذكر أولا بأن المفهوم مشكل يجب استعماله بحذر شديد، ثانيا المفهوم غير بريء يحمل في طياته اختيارات فكرية يجب الوعي بها لكي لا يتناقض صريح الكلام مع مدلوله الضمني. ثالثا: المفهوم قد يصلح أداة للتحليل السياسي والاجتماعي والتاريخي، لكن بعد عملية فرز وتجريد لكي يبقى كل باحث وفيا لمنهج المادة التي يبحث فيها، (10).
من فائدة التحليل المفهومي، إنه يوضح لنا مضامين كل مفهوم، ويحدد استدلالات استعمالها، إلا أن وضوح المفاهيم المستعملة قد لا يوصل بالضرورة إلى إدراك الواقع ولكنها على الأقل قد تخلص الباحث من الوقوع في براثين التساؤلات الزائفة، وما أكثر التساؤلات الزائفة في ميدان الذهنيات، (11).
– 6 –
استخلص المؤلف من منظومة المفاهيم الحديثة النماذج الثلاثة الأساسية التي على ضوئها ألف أطروحته في النقد الإيديولوجي للفكر العربي المتمثل في التيارات الأساسية التالية السلفية والليبرالية والتقنوقراطية، وبحث في أهمية العامل الإيديولوجي في إحداث الوعي وإخراج المجتمع من حالة التخلف إلى أوضاع حديثة، فالظاهرة الأساسية في النماذج الثلاثة تتعلق بتخلف الذهنيات وانعدام الوعي التاريخي مما ينتج عنه إخفاق السياسات الرامية إلى تحديث المجتمعات العربية.
اعتمد المؤلف في نقد النماذج أو التيارات الفكرية العربية على ربط المنظومة بجدلية الواقع والتاريخ، ولفهم أسباب الإخفاقات في السياسة يجب اكتشاف موضوعية السياسة وموضوعية المجتمع وموضوعية التاريخ، وهنا لابد أن نميز بين التاريخ كدراسة لوقائع وبين النظرة الشاملة التي يلقيها مجتمع ما على مجموع حوادث الماضي، وبعبارة أخرى بين التاريخ كفن، والتاريخ كوسيلة تقييم الحاضر وتحديد المستقبل عن طريق اختيارات سياسية، فالنظرة الجماعية غير واعية لأنها تعبر عن استمرار الماضي في الحاضر، (13) وإذا كان الحاضر يفسر علل الماضي، فإن الماضي لا ينفك بحكم الحاضر.
إن معرفة أحداث الماضي تحدد حتما اختيارات الحاضر، وأعمال الحاضر تعيد بنية أعمال الماضي، مما يعني أن التاريخ عملية متطورة مستمرة منذ القدم، وبتداخل التاريخ والسياسة ينصهر الوعي التاريخي بالوعي المدني (السياسي) في وعي موحد بموضوعية الأعمال الإنسانية، فالتاريخ ليس مجرد دراسة للأحداث فقط بل نظر إلى الأحداث أيضا، (14).
نحتاج إلى المنهج أولا لاكتساب الوعي التاريخي وثانيا نحتاج إلى المنهج للفهم، والتفسير والتأويل، والقدرة على التوقع، وعلى إعادة توليد الأفكار التي تلقيناها عبر التاريخ. المناهج الصالحة تقوم بدراسة استقرائية تصنيفية مبنية على المقارنة، وتحاول أن تكشف عن الواقع الذي نصل إليه بواسطة كل منهج، (15).
يذهب المؤلف إلى أن المنهج المفيد المطابق هو الذي يضع الدارس على مستوى الوعي النقدي المتحرر من ثقل الأعمال الموروثة، وذلك لتأسيس لثقافة جديدة في قلب المجتمع، فكل حكم على الوضع القائم إنما يكون باعتماد مؤشرات المستقبل الفاعل في الحاضر، ومن ثم فإن المنهج التجريبي لا يركز شهادته على هذا الأساس، كما أن المنهج الاثنوغرافي أو السوسيولوجي ينظر إلى الثقافة لا باعتبار المستقبل المرتسم في أفق المجتمع المدروس، بل بالنظر إلى حاضر مجتمع الدارس فيحكم عليها في ضوء عقائده ومسلماته.
ومن هذا المنطلق، يرى المؤلف أن الطريقتين غير ملائمتين لدراسة المجتمع العربي، ويبرر استبعاده للمنهجين بأنه أراد أن يرتفع بمستوى النظر التجريدي إلى وضع يسمح له بتناول أعمال المفكرين في نسق وفي نفس الوقت التشبع بروح كل مؤلف والدخول في منطقه الخاص، (16).
إن الغاية من اختيار المؤلف لهذه الطريقة التأويلية التي أطلق عليها نعت الادلوجة هو التحكم في العمليات الإجرائية للبحث بقدر يفوق ما استبعده من مناهج البحث.
تأسيسا على أن المناهج مفتاح التحكم في كل بحث، باعتبارها منظومة من الوسائط والأدوات التي يتوسل بها لتحقيق هدف من الأهداف ، أو مجموعة من الكيفيات المنظمة المبينة للوجه الذي ينبغي عليه فعل الاستدلال، أو باعتبارها كيفيات يتوسط بها للوصول إلى نتيجة من النتائج، وإنجاز امرا من الأمور، أو باعتبارها متوالية مرتبة من الأفعال المنتهية إلى التمكين من التنقيب على المطالب وتعقبها من جهة، وسبرها وتدقيق النظر فيها، للوقوف على ما تدل عليه، وتنبئ به ، أو باعتبارها الطريق المسلوك، بقصد اظهار حقيقة من الحقائق وبيانها،(17). فما هو إذن الفارق بين المنهج والأيديولوجيا؟
المنهج هو نوع من التفكير تبلور من الصراع بين الطبقة التجارية والاقطاعية في أوروبا، وقد بدأ كطريقة لدراسة الظواهر الطبيعية ثم طبق في السياسة والاقتصاد والتاريخ والآداب، وعلى المنهج تكونت فكرة “أيديولوجيا” أي مجموعة قيم ومبادئ تعبر عما وصل اليه النشاط الإنساني، في التربية والفن، وعن فكرة الحرية تبلورت أيديولوجية الليبرالية، أما كلمة أيديولوجيا فعند ماركس تحمل معاني عديدة،معنى النظرة العامة للكون والانسان ومعنى العقيدة ومجموع القيم ومعنى التأويل الخاطئ غير العلمي للظواهر الطبيعية والاجتماعية.
ضمن هذا المنطق العام صاغ المؤلف تحليلاته للوضع الثقافي العربي بقصد البرهنة على نتائج المتغيرات التاريخية والاجتماعية المشكلة لبنية الخطاب العربي السائد، كخلاصة استقصاء واستقراء، ورؤية نقدية لايديولوجيات الدعوات الإصلاحية، في تيارات الفكر العربي المعاصر.
يستند المؤلف في مقاربته على قواعد المنهج النقدي الاجتماعي الذي يستلهم اجتماعيات الثقافة لكي يصنف الادلوجيات المنتشرة في العالم العربي مع التركيز على إشكالياتها وذلك بابراز مظاهرها الأساسية( اللغة والسلوك والخيال والنظرة إلى الكون والإنسان وتصور المجتمع الأمثل،) هذه هي العوامل التي تمثل ملامح الادلوجة الشائعة بين تيارات الفكر العربي بمختلف مشاربها ( سلفية او ليبرالية او تقنوية). على ضوئها يتبلور منطق الخطاب باعتباره منظومة وسائل ذهنية للفصل في التوجهات وإصدار الاحكام والاختيار بين سلوكين أو رايين، مما يعني ان هناك علاقة وثيقة بين منطق الثقافة السائدة والجماعة القيمة عليها، ومن ثم فاإن منطق الثقافة العربية يتجلى في وسائل التعبير للبنية المشتركة لكل منظومة تعبيرية (لغة، خيال، مجتمع) وبما أن المنطق تعبير فإنه بالضرورة تأويل وبالتالي اختيار.
المنطق يشير إلى التحول والتطور، في حين أن التراث يشير إلى الثابت الجامد، هذه النظرة إلى التراث والثقافة والتقليد، تستعمل منظور التاريخ كعنصر معرفي أساسي لتكوين الموضوعية العلمية، والوعي بها شرط لتحقيق الانبعاث الذي لا يتحقق إلا بكسب مفهوم تاريخي نقدي للثقافة،(18).
إن الوضع الأيديولوجي العربي هو وليد العلاقات الاجتماعية واستخدام الأفكار التي تحقق مصالحها، وكل وضع فكري مطابق للحالة الاجتماعية التي نجم عنها، والقوى المتصارعة تستخدم الأفكار التي في متناولها والتي تتغير مع الممارسة.
كل الأفكار والايديولوجيات مهما اختلفت أصولها ونشأتها (اصيلة ام دخيلة، عصرية ام عتيقة.)، عندما تستخدمها الفئات المتصارعة تصبح قسما من الواقع الاجتماعي، وهذا ما يوضح دور المثقفين في التأثير باستعمال الأفكار والرموز والشعارات لا قناع الفئات الاجتماعية، وحضها على الدفاع عن مصالحها، و هكذا يصبح بمقدورهم ان يقربوا السياسة من الواقع باعتماد المنهج الوضعي الحديث. فإذا رجح المنطق الموضوعي على المنطق التقليدي، تغير فهم الأوضاع بحدوث ثورة ثقافية، تمهد لا مكانية التطور الدؤوب في المستقبل،(19).
إن الثورة الثقافية او الفكرية تمس المنهج، وترتكز على تضارب المصالح الاجتماعية ثم تنعكس في الذهن فإذا انحلت العقدة الذهنية يبقى التناقض الموضوعي قائما يتطلب عملا سياسيا ثوريا ،(20).
لقد خاضت المجتمعات العربية صراعا ضد الهيمنة الغربية، وتمخض عن هذا الصراع الطويل تقاليد سياسية وفكرية تتلخص في تلازم الموقف السياسي والمنهج المستعمل لتبريره، وتركزت في الذهنية العربية ثنائية تربط بين الأهداف والمنهج أو المنطق الذي يحدد اختيار الأهداف الأساسية، وزاد من رسوخ هذا الارتباط في الأذهان ما أولته البحوث الاجتماعية في الغرب من اهتمام بتحديث النخب وتقيدها بقيم الموضوعية العلمية والليبرالية السياسية باعتبارها أقرب وسيلة لانخراط المجتمع في النظام الراسمالي،(21).
ظهر التيار الليبرالي الذي يدعو إلى التحديث وذلك بالأخذ بطريق التطور البورجوازي الراسمالي، في السياسة والاقتصاد، ومعه ظهر فريق إصلاحي من رجال الفكر يدعون إلى اصلاح شامل يرفضون الهيمنة الغربية ويعللون أهداف التحرر بمبادئ المنطق التقليدي.
يميز المؤلف بين التيار المحافظ الذي يتشبث بالمحافظة على التراث والقيم التقليدية ولا يريد الصدام مع الغرب إلا إذا فرض عليه ذلك، أما التيار الثاني فيمثله المثقفون ثوريون في أهدافهم وتقليديون في تفكيرهم ومنطقهم، إنهم يهدفون إلى تحرير الاقتصاد والإصلاح الزراعي والتامين والتصنيع ويظنون ان مضمون هذه الإصلاحات هو الاشتراكية، ويعتقدون أنهم نهجوا نهجا ثالثا يختلف عن المنهج التقليدي السائد في العالم العربي وعن المنهج البورجوازي الراسمالي.
وقد اختلط في أذهانهم الاشتراكية التي هي مجموعة أهداف سياسية واجتماعية، والماركسية التي هي طريقة تحليل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية و التاريخية ،(22).
إن الوضع الأيديولوجي العربي بكل مظاهره واشكالياته هو وليد الصراع المرير مع الغرب، كما أن إخفاق تياراته الفكرية يعود بالأساس إلى تناقضاته الأيديولوجية. فالإخفاقات كلها ترجع إلى الظروف السابقة لها كما أن الهزائم تعود إلى النظام الذي تسبب فيها. ليس المنهج الحديث وحده طريق التعاون مع الغرب كما ان المنهج التقليدي وحده ليس الضامن لتحقيق التحرر من السطوة الغربية،لا بد اذن من تقويم أيديولوجي للخروج من حالة الجمود، ومن نافل القول ان تحديث الفكر او لايديولوجيا يتطلب جيلا او جيلين وربما حقبة تاريحية كاملة، (23).
_7_
الخلاصة:
حاولنا ان نعرض بعض الملابسات والاسئلة المحورية التي أنضجت فكرة الكتاب في ذهن المؤلف، وذلك بغية فهم مضامينه ومراد المؤلف من تأليفه، لا مراء أن البحث في هذا المستوى من القراءة سيضيء لنا جوانب من أطروحات المؤلف ويسمح لنا بسبر أغوار أفكاره والنفاذ إلى منهجه في البحث، وعود على بدء سنتطرق إلى بعض المسائل التي تبرز ملامح الكتاب الأساسية وأبعاده ودوافع تأليفه.
كيف نضجت فكرة الكتاب في ذهن المؤلف؟ يقول الأستاذ العروي بصدد ظروف تاليف كتاب الأيديولوجية العربية المعاصرة بأنه بعد أن أعاد قراءة مقالات حول السياسة والثقافة ومنهجية البحث التاريخي، بدأ يحس اأن المشكل الأساسي الذي يحوم حوله منذ سنين هو كيف يمكن للفكر العربي أن يستوعب مكتسبات الليبرالية قبل (وبدون) أن يعيش مرحلة الليبرالية،(24). ويضيف بانه في سنة 1961 قام بترجمة كتاب “شفاء السائل” لابن خلدون ولاحظ أنه ينطلق من نقطة رئيسية نجدها بعينها في المقدمة وهي التمييز بين ماهو معقول في الطبيعة يمكن التاثير فيه بعد معرفة نواميسه المطردة، وما هو غير معقول وغير جار على نسق واحد فيترك للقدرة الإلهية لأنه لا يعرف إلا عن طريق الكشف، والكشف له قوانينه وله منطقه ولا يمكن أن يقحم في التاريخ، وإلا انعدم الفارق بين الحلم واليقظة.
وعندما نقارن بين كلام الشفاء وكلام المقدمة يتضح لنا أن التمييز بين مجال النواميس الثابتة ومجال القدرة الإلهية، يقود حتما إلى السؤال حول الممكن والمستحيل في السياسة؟ وطرح السؤال الأخير هو الذي يحتم التمييز المذكور، وإلا أصبح عالم السياسة وعالم التاريخ ميدانا للصدفة والموافقات.
كيف توصل ابن خلدون إلى طرح اشكاليته الخاصة التي فتحت له باب فلسفة جديدة وباب منهجية تاريخية لم يسبق إليها في التأليف الإسلامي، الظاهر أن السبب يعود إلى تجربته الشخصية المليئة بالإخفاقات، ويستنتج من هذا إن الإخفاق في السياسة يأتي في الغالب من التجربة الذاتية، ولفهم أسباب الإخفاق يجب أن نكشف عن موضوعية السياسة والتاريخ.
ابن خلدون إذن هو الذي سيلهم العروي النظرة الموضوعية العلمية إلى المجتمع والسياسة والتاريخ، وذلك أثناء انشاغله في التفكير بتجربة المهدي بن بركة(1920/1965) اأحد رواد الحركة الوطنية المغربية وأبرز وجوه التيار التقدمي، يرى العروي أن المهدي أخفق في جميع محاولاته في إعطاء مضمون للاستقلال السياسي وتغيير مجرى انزلاق المغرب في طريق التبعية والركود، وإنه كان يستعمل نظريات وموضوعات ماركسية لتفسير وتبرير مواقفه السياسية، فكان لجوؤه إلى الماركسية من نوع خاص يقدم النتيجة جاهزة كانها من بديهيات “العلم” العصري التي يجب أن تقبل بدون مناقشة وعندما كان يلاحظ عليه هذا الأسلوب الناقص غير المكون في الواقع كان يتجنب الموضوع أو يقول بأن الوقت لم يحن بعد،(25).
يقول العروي بأن هذا ما دفعه إلى بحث الوعي الثوري ودور التكوين الأيديولوجي في رفع مستوى القيادة الثورية وجعله يركز على الظاهرة الأيديولوجية، وأهمية العامل الأيديولوجي، لأن الإخفاق في السياسة يعود أساسا إلى عدم التسلح بالايديولوجية الملائمة،(26). وقد تم إنجاز الأيديولوجية العربية، بأسلوب فلسفي تجريدي، طغى على الأهداف السياسية، وكان المنطلق الأول للكتاب فتح مواجهة مع التيار المحافظ السائد، وتوجيه النقد إلى الفكر التقليدي المسيطر على جميع الصعد وحتى داخل الأحزاب التقدمية،(27).
إن الهدف الأول من وضع الكتاب هو دفع السياسي الثوري الغارق في الممارسة إلى ضرورة استيعاب أيديولوجية معينة تكون نواة للمجتمع المرتقب، ولا بد في هذا الحال من منطق ومن منهجية ومن نظرية تجعل الجماعة ملتحمة، حية متكافئة، قادرة على الاستمرار والتجديد والإبداع الخلاق، ولا بد كذلك من اللجوء إلى نظام فكري متكامل والماركسية هي النظام المنشود الذي سيزودنا بمنطق العالم الحديث لأننا لم نعش أطواره ولم نستوعب بنيته الكامنة في (المنطق الديمقراطي والليبرالي،) الماركسية الموضوعية هي أحسن طريق لاستيعاب ذلك المنطق نظرا لطابعها الشمولي المبسط الذي جعل مهنا أيديولوجية جاهزة تطابق وتلائم ذهنيتنا ووضعيتنا، باعتماد منطلق المنفعة، وهو الأقرب إلى ذهن السلفي ورجل السياسة،(28).
اختار المؤلف الماركسية التاريخانية كمنهج للتحليل، وبيداغوجية توضيحية، تقرب الأفهام من تطور العالم الحديث منذ عصر النهضة الأوروبي و بداية النظام الراسمالي، وربط الحقيقة الفردية والحقيقة الاجتماعية بالتطور التاريخي.
فجميع تحليلات كتاب الأيديولوجية العربية المعاصرة هي من الأفكار المكونة للنزعة التاريخانية، تعبر عن هم منهاجي يتلخص في الإجابة على الأسئلة التالية:
1-هل القاعدة المادية هي المحدد الوحيد لثقافة مجتمع ما؟
2-هل المحدد الوحيد لادلوجة ما هو المجتمع الذي يوظفها والطبقة التي تستعملها؟
3-ما هو شكل الاتصال بين ثقافتين مختلفتين؟
إن هدف الرسالة أن تثير قضايا عامة دون التعمق فيها ودون الزعم الإتيان بأجوبة قاطعة، لأن دقة المشكلات المطروحة لا تسمح لأي مفكر جدي أن يتعرض لها في صفحات محدودة، كان القصد هو الإشارة في نقط محدودة إلى أي مدى يمكن اأن يذهب الاستدلال، تاركا للقارئ حرية الفهم والاستنتاج،(29).
إن الإشارات السابقة علامة دالة على أن التفكير النقدي الذي تبلور في الجمع بين التاريخ والفلسفة من خلال تناول جملة من المسائل والوقائع والأفكار التي تتلخص في التأخر التاريخي وسطوة التقليد، وما تولد عن علاقة الثقافة بالمجتمع والسياسة من وعي خاطئ نتيجة ارتباط أسلوب التفكير بالوضع السائد في المجتمع.
إن النقد الأيديولوجي هو الذي يخضع الواقع الاجتماعي والموروث الثقافي لمنطق الفكر التاريخي والنزعة التاريخانية بهدف تحرير الوعي من التقليد والتفكير الانتقائي، فمقومات الفكر التاريخاني تتحدد في اعتبار التاريخ خاضع لقوانين احتمالية وليس جزافيا ولا يخضع للصدف والايحاءات والإلهامات، والاعتقاد بوجود قوانين تفسر الأحداث الإنسانية بإرجاعها إلى نشأتها في التاريخ، ومن ثم فإن التاريخانية كمنهج بحثي يؤدي إلى الإقرار أن التاريخ وحده العامل المؤثر في أحوال البشر و فيه تنبثق الحقائق التي تمثل أطوار التجربة الإنسانية ووعي الإنسان بذاته، وعن الوعي نشأت النزعة التاريخانية كمنهج بحث ورؤية فلسفية، تدافع عن النسبي والعقلانية من أجل تمكين العرب من الانخراط في العصر وتملك ما هو متاح للبشرية جمعاء، ولن يتأتى ذلك إلا باستيعاب مكاسب التاريخانية على جميع الأصعدة والمستويات، باعتبارها النزعة التي ترفض أي تدخل خاريجي في الأحداث التاريخية، إنها بمثابة ثورة”كوبرنيكية” ستجعل العرب يتجاوزون وضعية التاخر التاريخي، والتوجه نحو الكوني.
أما السياسة فهي جهد انساني وتوافق بين ارادات وذهنيات ومصالح، وتعبير عن صراع مواقع في اطار الملابسات الاجتماعية المتصارعة ،لا تقف عند حدود المظاهر الاجتماعية المهيمنة بل تغوص في مستوياتها واشكالها ومضامنها المحتلفة،
بهذا نستطيع أن نفهم الأيديولوجيا باعتبارها رؤية فكرية للعالم قائمة على منظومة من المقولات المجردة تشير إلى فاعلية منهجية وابستيمولوجية لإدراك المعرفي للأشياء ببديهيات العقل ومسلماته وفرضياته،(30).
الخلاصة أن الكتاب يندرج ضمن الشهادات الفكرية ذات الطابع التجريدي الإصلاحي حول الهوية الذاتية العربية، ومحاولة لتقديم إجابات اقرب إلى العملية والعلمية لإشكاليات الحياة العربية في العصر الحديث، وهذا الاتجاه في الفكر العربي هو محصلة التغيير الهيكلي في المجتمعات العربية بتاثير العوامل العالمية.
لقد أفضى هذا التغيير إلى التسلح بمنهج العقلانية النقدية وبالوعي الموضوعي والقدرة على تجديد الواقع استجابة لمطالب العقل الكوني، والانخراط في مجمل الثورات الفكرية والسياسية التي تبلورت في الأزمنة الحديثة.
كانت دعوة العروي تندرج في الصراع السياسي و الثقافي، لمجابهة أسئلة الواقع ومعضلاته السياسة والتاريخ، وتروم الدعوة إلى تجاوز المشروع الإصلاحي السلفي والانتقائي، بالأخد بتوجه أكثر جذرية في معالجة إشكالات الواقع بالانطلاق في عمل يسمح بتجاوزه وهو الخطوة التي يترتب عنها الوعي المطابق الذي يضمن قدرة الذات الجماعية على تخطى عوامل التاخر التاريخي بإنجاز التصالح مع الغرب، باعتبار تجربته التاريخية نمودج في الفكر وفي الاجتماع ينبغي استلهامها واستيعاب منجزاتها،(31).
فإذا اصبح العقل العربي نقديا بالفعل وتوصل إلى عندئذ إلى نظرة إنسانية شمولية، فيمكن أن يتعرف العقلان الواحد على الآخر ويدشنان عهدا لحوار حقيقي (إنه حلم المؤلف بوضعية احسن يلتقي فيها الخصمان على أرضية واحدة؟). ويختم الأيديولوجية العربية بالقول: خلاصة متفائلة؟ نعم وخلاصة غامضة في نفس الوقت،(32).
خاتمة،” لأن يقول المرء ما يعتقد فيخطئ خير ألف مرة من أن يسكت راضيا بزاوية النسيان.”( م./ع . الجابري).
نستهل هذه الخاتمة باقتباس من خواطر الصباح(1982/1999) للأستاذ العروي كمقدمة لإبداء بعض الملاحظات وطرح أسئلة حول مأزق المشروع الذي صاغه العروي في كتابه المرجعي”الاديولوجيا العربية المعاصرة” الذي يدعو فيه إلى ثورة ثقافية تخرج العرب من التأخر التاريخي وذلك بتطبيق منهج النقد الأيديولوجي على تيارات الفكر العربي بقصد إظهار عوارها وقصورها لاستنادها إلى الانتقائية والتوفيقية دون أدنى اعتبار لمقتضيات الشروط التاريخية.
نبدأ بمسألة القطيعة مع التراث التي تعتبر ركيزة أساسية في التفكير النقدي التي نسج حولها العروي أطروحة الأيديولوجية العربية، انطلق منها لإصدار أحكامه الصارمة والقادحة على التراث جملة، فما مدى نجاعة هذه الدعوة؟ وما هي مواطن ضعفها واستحالة إنجازها؟ نبدأ بما ذكره العروي بهذا الصدد في خواطره.
يقول عندما كتبت الأيديولوجية العربية المعاصرة تصورت أنه بعد نقد الفكر الأيديولوجي سندخل ميدان الموضوعية فيعنى كل مفكر وكاتب بأدواته المعرفية ويستعملها بأمانة وصدق وتواضع ليصف ما يواجه من الطبيعة والمجتمع والانسان في حدود ما بجيزه له المكان والزمان والوضع الاجتماعي والنفسي، بحيث يمكن الانعتاق من بداهة التراث وهذا ما سماه بالقطيعة، ويضيف بأن القطيعة التي كان يدعو إلى الاعتراف بها والانطلاق منها ظلت على مستوى الفكر والوجدان ولم تكرس كخطة لتجديد المجتمع واستئناف التاريخ فعمت الازدواجية وتعمقت وعلى أثرها تقرر التردد والعجز تمهيدا لقيطة مضادة.
أما الجديد الذي وعدنا به مرارا، فإننا لا نزال ننتظره، كل ما حصل هو البحث عن أصل أعمق أي أبعد عنا وأعرق في الماضي، وهذا هو مشروع طه عبد الرحمن إذ معه نصل إلى إحياء آليات تكريس ذلك التراث،(ص224).
كيف يتصور أحد ان تنتج الاليات المذكورة اليوم ما لم تنتجه امس؟ قد يقال الانفتاح والإبداع والابتكار غير ممتنع إذ يهتم بالشكل فقط لا بالموضوع، ولكن طه عبد الرحمن نفسه يشير إلى علاقة المضمون باللآلية المنتجة عندما ينتقد علمية النقل،نراه يتحشا الكلام عن أي مشكل معاصر،(ص225).
يقول المستشرقون إنه لا إصلاح في الإسلام إلا بتجديد السنة بكل مكوناتها الفكرية والسلوكية والأخلاقية، وبما أن التجديد ممتنع فالإصلاح بمعناه الشمولي ممتنع،(ص226).
يتضح من كلام داعية التاريخنية أن مشروعه النظري يعاني صعوبات جمة بل واخفاقا حقيقيا حسب مذهبه في قراءة جدلية التاريخ والسياسة، التي توحي بسلطة التاريخانية(منهجا وفلسفة) في الفصل والحكم على ما يجري من أحداث وظواهر ونظم في التاريخ، حيث يتبنى الباحث الإشكالات المعرفية والفرضيات التي تتبلور في مجال النظرية والتنظير إلى سلطة معرفية قادرة أن تتحكم في توجيه أحداث التاريخ والاجتماع ورسم خطاطة ذهنية تلقي المطلقات والعقائد وتطمس التراث وتفصل بين الماضي والحاضر واستشراف المستقبل وتفتي بإمكانية الطفرة والانتقال إلى المرحلة الليبرالية وذلك باستيعاب منجزاتها التي تعتبر المتاح للإنسانية جمعاء، كطريق للخلاص.
أليست الليبرالية في تطورها درجة من انتقال الراسمالية إلى نظام اقتصادي اجتماعي، والاستعمار ليس أعلى درجات الرأسمالية، فكيف نتصور أن ربط ثقافتنا بالتبعية للغرب تبعية اقتصادية وسياسية ما مكننا من اجثاث الفكر السلفي من مجتمعاتنا.
إن محاولة تبرئة الليبرالية بابعاد المذهب الليبرالي عند نشأته في القرنين السابع عشر والثامن عشر عن عما آلت إليه الرأسمالية لا يستقيم، لأن الواقع يشهد بان المذهب تطور إلى رأسمالية والرأسمالية إلى استعمار.
ورغم أن الماركسية بنيت على نقد الليبرالية للتحرر من سطوتها وتكبيلها للارادات، إلا أن العروي يدعو النخب العربية إلى استيعاب منجزات الليبرالية عن طريق الماركسية التاريخية فالتاريخانية نزعة فكرية فلسفية تعطي التاريخ الدور الأول في تفسير أحداث التاريخ البشري، التاريخانية الماركسية فهي أساسا منهج في التفكير والتحليل تعتبر الأفكار إنتاجا للشروط التاريخية، وتربط بين الفرد والجماعة، وهكذا يصبح التاريخ علة نفسه له قوانين يمكن استنباطها من سلسلة الأحداث والروايات، هذا المنطق يجعل من المؤرخ هو الذي يملك الوعي بالتغيير، ويظهر التاريخ كأنه من عمل عقل المؤرخ اعتمادا على المنظور المثالي، كوسيلة لتقييم الحاضر والمستقبل، فنصبح سجناء لتصورات العقل التاريخي المجرد التي يستمد منها المؤرخ سلطته التي تحدد لنا اختياراتنا في السياسة والاجتماع، وهكذا يتضح أن الماركسية التي يدعو إليها العروي هي ماركسية تحليل وتفسير وتأويل.
ينعت الجابري ماركسية العروي بأنها ماركسية المثقف الذي الذي يتأمل من أعلى حركة التاريخ يستوحي منه جدلية الزمان المعاد لا الزمان الحاضر ولا الزمان المقبل الذي تصنعه الشعوب، إن تحليلات العروي وجميع أجزاء مشروعه الأيديولوجي مبنية على تصور غير سليم لواقع العالم العربي لأنه يسقط من حسابه عنصران أساسيان من العناصر المتحكمة في الواقع؛ “عنصرالاستعمار والإمبريالية وعنصر الهيمنة الاقتصادية والثقافية”.
اشتكى العروي في كتابه العرب والفكر التاريخي أن بعض النقاد اتهموه بميول مثالية ونخبوية وانتقائية، والواقع أن جميع النزعات التاريخية تبقى ذات مضمون مثالي، وأن في فكر العروي ما يبرر اتهامه بالانتقائية والنخبوية،(33).
ويرى محمود امين العالم بأن دراسة الأيديولوجية العربية ينبغي ان تجمع دراسة القسمات المشتركة والنوعية الخاصة على المستوى القومي العام، من حيث أنها تعبر عن جدلية الصراع الاجتماعي والتاريخي، وليست مجرد تأثيرات خارجية وأن تكشف مفاهيمها وتصوراتها الخاصة في ضوء خبرتها العينية، وأن لا تقف عند حدود الظواهر والتعبيرات المهيمنة.
بهذا نستطيع أن نفهم حقيقة الأيديولوجيا العربية وذلك بالتسلح بالوعي الموضوعي لتغيير الواقع وتجديده (34).
ومن ثم فإن الإجابات الأيديولوجية ذات الطابع التجريدي الإصلاحي حول الهوية الذاتية، لم تعد كافية فهناك إجابات أخرى تركز على قضايا الإمبريالية والاقتصاد الليبرالي والاقصاد الموجه وحول مسألة الأصالة والمعاصرة، ولا يمكن أن نفهم الأيديولوجية العربية بمعزل عن تفاعل وتداخل العوامل الحضارية والكونية.
السؤال المحوري الذي يفرض نفسه بعد نصف قرن على صدور الكتاب هو ماذا تبقى من أسئلة المؤلف الكبرى ومفاهيمه الرئيسية،( الأيديولوجيا/التاخر التاريخي/ الماركسية التاريخية/ استيعاب المنجزات الليبرالية/الاندماج في العقل الكوني الغربي،الخ).
يرى الأستاذ العروي أن التشبه والتماهي والمحاكاة غريزة حاكمة في تطور الإنسان وارتقائه عبر حقب التاريخ المتطاولة، وما يترتب عنه على جميع الصعد والمستويات، فالتاريخ كله أخذ ورد وبعد الأخذ والرد يأتي العطاء، ويضيف انتظر مني البعض أن أذيل كتابي بمؤلف آخر يعرض حالة الراهن أبين فيه أين أخطات، وأين أصبت، لو فعلت لوقعت في خطأين خطأ الغرور والاعتزاز بالنفس وخطأ الندم والتنكر للذات.
السؤال الوجيه ليس ما فعل الزمان بالكتاب بل ما فعل بمؤلف الكتاب وهذا السؤال أجبت عنه في كتابين ( السنة والإصلاح وبين التاريخ والفلسفة.) ولم يعد بالإمكان قراءة الأيديولوجية العربية المعاصرة بمعزل عن الكتابين.
كل شيء تغير في الآفاق والنفوس، ما لم يتغير هو واجب الفصل والحسم والاختيار بين الفصل والحسم، الاختيار بين الانبعاث والاندثار، الانحصار والانفتاح، الترحيب بالجديد والاحتماء بالعتيق، تحقيق الموعود والتمسك بالموجود،(35).
مجمل القول أنه: “في مراحل التحولات الكبرى يجب تربية التفكير الشامل الذي يعانق كل الموضوعات التي تتوقف عليها نهضة الأمة، وإذا كنا نعتقد أننا على أبواب مرحلة جديدة يجب أن نتناولها بالدرس والتفكير والنظر ونفتح للنخبة طريق الفكر فيها والتداول،” علال الفاسي( النقد الذاتي/ص11/12).
____________
الهوامش:
- Abdellah Laroui L ideologie arabe contemporaine ed 1977
- المرجع السابق ص215 يمكن أيضا الرجوع إلى الترجمة العربية الصادرة عن دار الحقيقة سنة 1970.
- عبد الاله بلقزيز اثر الأيديولوجية لعربية في الفكر العربي مقال في كتاب الأيديولوجية العربية المعاصرة مكانة الكتاب واثره في الفكر العربي /منتدى المعارف ط1/2022/ص146
- عبد الله العروي الأيديولوجية العربية المعاصرة المركز الثقافي العربي ط1/1995ص23
- عبد الله العروي خواطر الصباح(1967/1973). المركز الثقافي العربي ط1/1995ص141
- الأيديولوجية العربية ص24
- 7) نفس المصدر ص26
- احمد بابانا العلوي فصول في الفكر والسياسة والاجتماع دار ابي رقراق ط1/2008 ص96/97
- عبد الله العروي مفهوم الأيديولوجية –الادلوجة المركز الثقافي ط1/1980ص123
- نفس المصدر ص127
- نفس المصدر ص129
- عبد الله العروي العرب والفكر التاريخي المركز الثقافي العربي ط/2/ص54
- المصدر السابق ص73/79
- نفس المصدرص91/93
- عبد الله العروي المنهجية بين الابداع والاتباع في كتاب المنهجية في الادب والعلوم الإنسانية دار توبقال ط/1/1986 ص9
- الأيديولوجية العربية المعاصرة ص27
- حمو النقاري روح المنهج المؤسسة العربية للفكر والابداع ط/1/2018ص15/17
- مقابلة مع عبد الله العروي مجلة الفكر العربي عدد12/1981ص19/20
- العرب والفكر التاريخي ص14
- المصدر السابق ص17
- نفس المصدر ص7
- نفس المصدرص8
- نفس المصدرص15
- نفس المصدرص45
- نفس المصدرص54/55 الملاحظ ان النص الفرنسي لشفاء السائل صدر عن عن المركز الثقافي للكتاب سنة 2020 بالعنوان التالي( Raison et déraison ou une réponse satisfaisante a des questions embarrassantes).
- العرب والفكر العربي ص56/57
- نفس المصدرص62
- نفس المصدرص63
- الأيديولوجية العربية المعاصرة ص32
- عبد الاله بلقزيز من الإصلاح إلى النهضة مركز دراسات الوحدة العربية ط/2/2014 ص96
- كمال عبد اللطيف درس العروي في الدفاع عن الحداثة والتاريخ منشورات كلية الاداب/الرباط /ط1/2014ص40
- الأيديولوجية العربية المعاصرة ص256
- محمد عابد الجابر نقد كتاب الأيديولوجيا العربية المعاصرة( مساهمة في النقد الأيديولوجي.) في كتاب محاورة فكر عبد الله العروي المركز الثقافي العربي ط/1/2000ص93/133
- محمود امين العالم الوعي والوعي الزائف نشر عيون1988ص48
- الأيديولوجية العربية المعاصرة مكانة الكتاب واثره في الفكر العربي منتدى المعارف ( انظر كلمة الأستاذ العروي في الكتاب ص19/20.
-______________
*أحمد بابانا العلوي.
*المصدر: التنويري.