المقالاتفكر وفلسفة

ابن طفيل.. مدرسة العقل باعتبارها الطريق الوحيد إلى الخالق

يعتبر ابن طفيل صاحب أسرار الحكمة الإشراقية أو قصة حي بن يقظان، القصة الفلسفية التي تحدث فيها هذا الفيلسوف والطبيب الكبير بلغة تنويرية سبقت زمانه بمراحل كثيرة، فهي تعتمد في الأساس مبدأ التفكير والابتكار والإبداع، وجاءت لتواجه المعتقدات الخرافية التي كانت كثيرة في عصره، وكان يبتغي من وراء هذه الحكاية أن يوصل للناس فكرة مفادها أن لا أحد من البشر يمكنه أن يسيطر على الناس، وإن الإنسان هو سيد نفسه ومقرر مصيره، وكانت أهم النتائج المستقاة من قصة حي بن يقظان تكمن في الجانب العملي والأفكار التطبيقية في الواقع، وهي أفكار يلتقي فيها ابن طفيل مع الفيلسوف أفلاطون، وقد قيل أنه النسخة الإسلامية من أفلاطون.

ركز ابن طفيل على العقل، وأعطى له حيزاً كبيراً في قصته الشهيرة، مما يظهر أهمية العقل لديه، حيث جعله الطريق الوحيد إلى الله تعالى، وهو الذي دعا دائماً إلى حسن استخدام هذا العقل في البحث عن الله، وفي السمو إليه، مما جعل نفسه الفلسفي نفساً تنويرياً صوفياً تلتقي فيه العقلانية في أبهى صورها، مع قراءة صوفية مفعمة بالمحبة والصفاء والنقاء.

تأثير التنويري الكبير ابن طفيل لم يقف في المجال الإسلامي، بل انتقل إلى المجال الغربي والأوروبي على وجه الخصوص. الفيلسوف البريطاني صاحب النظرية الحسية جون لوك، كان أحد المتأثرين بأفكار ابن طفيل، وبعد ترجمة قصة “حي بن يقظان” سعى، إلى جانب مجموعة من الباحثين، إلى دراسة القصة بتمعن.

بالمقابل ذهبت الأستاذة في جامعة سيدني الدكتورة سمر العطار في كتابها “الجذور الحيويَّة لعصر التنوير في أوروبا: تأثير ابن طفيل على الفكر الغربي الحديث” إلى أن ابن طفيل كان له التأثير الكبير في بناء فكر التنوير في أوروبا والتنبؤ بالثورة الصناعية، فقد تحرت الدكتورة العطار في كتابها عن الجذور الحيوية لعصر التنوير في أوروبا والتي كان ابن طفيل أحدهما، بما يهمّ المختصين في الفلسفة القديمة والحديثة، والأدب المقارن في القرن الثامن عشر، خاصة الأدبين الإنكليزي والفرنسي، الدين، والعلوم السياسية، التربية، تاريخ الفكر، ودراسات الشرق الأوسط، مثلما أكد الأديب العراقي الحلي في مقال طويل له عن تأثير ابن طفيل على الفكر الغربي الحديث.

كان العالم الكبير والفيلسوف التنويري العظيم ابن طفيل أحد مؤسسي العقلانية الإنسانية التي ما زالت لغاية الآن يجني الناس ثمارها الحلوة، ثمار غيرت وتغير على نحو مستمر وجه العالم، من عالم موغل في التوحش والقتل والسفك، نحو عالمٍ إنساني بروح عميقة من التسامح وقبول الآخر والإبداع بلا انقطاع. 

ابن طفيل باختصار مفكر عظيم، ويعتبر بشهادة الغربيين قبل المسلمين أحد رواد الفكر التنويري الإنساني الذي لا يمكن الحديث عنه دون استحضار تلك الشمعة المتوهجة دائماً بالعقلانية. 


بطاقة: 


هو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي، من قبيلة قيس المعروفة. وكان يسمّى كذلك بالأندلسي القرطبي أو الإشبيلي. أطلق عليه علماء الغرب في القرون الوسطى تسمية:” أبو باسرAbuuacer”  وهو تحريف لأبي بكر. ومن المحتمل أن يكون ابن طفيل قد ولد في العقد الأول من القرن الثاني عشر الميلادي في وادي آش على بعد أربعين ميلاً في الشمال الغربي لغرناطة. وزاول في أول أمره الطب في غرناطة، ثم أصبح كاتب سر والي الإقليم.
وفي عام (549ه/ 1154 م) أصبح طبيب السلطان الموحدي أبي يعقوب يوسف. ويقال إنه وزر لهذا السلطان كذلك. كان دائماً ذا تأثير كبير على هذا السلطان. وقد استغل هذا التأثير في اجتذاب العلماء إلى البلاط، حيث قدم الشاب ابن رشد إلى السلطان. وابن طفيل هو مؤلف القصة الفلسفية المعروفة “حي بن يقظان” التي تعد من أهم كتب العصور الوسطى وكتب رسالتين في الطب، وجرت بينه وبين ابن رشد مراسلات حول كتاب الأخير “الكليات”. 

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات