اجتماعالمقالات

ابن خلدون.. ابتكار علم الاجتماع

علم الاجتماع

يعتبر ابن خلدون أحد أهم العلماء الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية، باعتباره المؤسّس لعلم الاجتماع ومبادئه الحديثة، وقد توصّل إلى نظريّات باهرة في هذا العلم تتمحور حول قوانين العمران ونظريته العصبيَّة وبناء الدولة وأطوار عمارها وسقوطها. وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه لاحقاً بعدة قرون عدد من مشاهير العلماء، حيث أكّد أرنولد توينبي أنَّ “ابن خلدون أول من صاغ فلسفة للتاريخ هي من دون شك أعظم ما توصل إليه الفكر البشري في مختلف العصور والأمم”.

أما جورج مارسيز فقد قال إن “مؤلّف ابن خلدون هو أحد اهم المؤلفات التي أنجزها الفكر الإنساني”. وفي رسالةٍ بعث بها مكسيم غوركي إلى المفكّر الروسي أنوتشين عام 1912 قال فيها: ” إنك تنبئنا بأنّ ابن خلدون في القرون الرابع عشر كان أول من اكتشف دور العوامل الاقتصاديّة وعلاقات الإنتاج. إنّ هذا النبأ قد أحدث وقعاً مثيراً وقد اهتمّ به صديق الطرفين (المقصود به لينين) اهتماماً خاصّاً”. 

تطرق ابن خلدون إلى الخلفية الذهنية والنفسية للعقل العربي في كتابه “المقدّمة” عندما تحدّث عن الطبيعة الوحشيّة للعرب القائمة على الغنيمة والخراب، التي أصبحت جزءاً من طبيعتهم، مستخدماً كلمة العرب في إشارة إلى القبائل المترحلة (البدو). 

ويصف فلسفة التاريخ التي يتبناها التي تعتبر مدخلاً أساسيّاً في بناء عقل متقّد ومتطور، في أسطر قليلة رائعة قائلاً: ” اعلم أنّ فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضي من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا”. 

تأتي مقدمة ابن خلدون كونها شهادة ثمينة تبرز العوامل الفاعلة في التجربة الحضارية في الإسلام، والتي تتمثّل من وجهة نظره في ثلاثة عوامل: عامل إيديولوجي يرى أن الدين كان شرطاً كافياً، إذ أن فاعليته مشروطة بعوامل أخرى وعلى رأسها العصبيّة. العامل الاجتماعي (دور القبيلة وما تتبعه من عصبيَّة) ثمّ العامل الاقتصادي (اقتصاد الغزو).

وأثبت ابن خلدون من جهة أنه كان عالم اجتماع حاذق المشاهدة والمعاينة للواقع، وهو من جهة ثانية كان لاهوتياً منغلقاً من الناحية الدينيّة كبقيّة الفقهاء في عصره، ومن هذه الناحية، كان أقل انفتاحاً بكثير من الفارابي أو ابن رشد على الثقافات الأجنبيَّة، فقد كان أصوليّاً من الناحية العقائديَّة.

اعتزل ابن خلدون الحياة بعد تجارب مليئة بالصراعات والحزن على وفاة والديه والكثير من شيوخه إثر وباء الطاعون الذي انتشر سنة 749 هجرية (1323م)، وتفرّغ لأربع سنوات في البحث والتنقيب في العلوم الإنسانيَّة معتزلاً الناس في سنوات عمره الأخيرة، ليكتب سفره المجيد أو ما عرف “بمقدّمة ابن خلدون” ومؤسّساً لعلم الاجتماع بناء على الاستنتاج والتحليل. 

تعريف: 


هو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي. ولد ونشأ في تونس سنة 1332، ودرس الأدب على أبيه. شغل أجداده في الأندلس وتونس مناصب سياسيَّة ودينيَّة مهمّة وكانوا أهل جاه ونفوذ.

نزحت عائلته من الأندلس في منتصف القرن السابع الهجري واستقرّت في تونس خلال حكم دولة الحفصيّين. رحل إلى فاس وغرناطة وتلمسان. وتولّى أعمالاً، واعترضته دسائس ووشايات، وعاد إلى تونس. ثمّ توجّه إلى مصر فأكرمه سلطانها الظاهر برقوق. وولي فيها قضاء المالكيّ وتوفي فيها، أمّا آثاره، فقد ذكر له لسان الدين بن الخطيب عدداً من الكتب ولكن لم يصل إلينا سوى تاريخه الكبير وكتاب العبر. وديوان المبتدأ والخبر، في أيّام العرب والعجم والبربر، إضافة إلى مقدّمته. 

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات