أولويَّة الشكل على المحتوى
الشكل هو السطح.. ذرات رمال فوق صحراء البداوة، بينما يمثل المحتوى عمق الأمور.
مشكلتنا اليوم تكمن بين جوهر حضرية القرآن ومحتواه السامي وبداوة الشكل، كما في ممارسات المؤسسات الدينية الكلاسيكية والإسلام السياسي عموماً والسلفي خصوصاً.
لا يوجد لدينا أية اقتراحات لتعابير حضارية تترجم محتوى وروح الدين المقدس كمنظومة اجتماعية وأخلاقية سامية. وإذا وجهنا للسلفيين السؤال الآتي: ما هو محتوى نظرتكم للأعمار، فجوابهم السريع والساطع: لن نبالي بهذه الدنيا إلا هدمها لأن عمران الآخرة لا يقوم إلا على ذلك.. ولنا في طالبان أفغانستان وباكستان أسوة حسنة.
وإذا وجهنا سؤالاً آخر: ما قيمة الإنسان عندكم الذي كرمه الله على المخلوقات؟ كان جوابهم هو: لا يكون الإنسان إلا أداة لسفك الدماء والقتل والانتحار للوصول إلى الهدف النهائي هو هدم الحياة وناسها.. حتى نعجّل بهم إلى الجنة إن كانوا مؤمنين، وإلى النار إن كانوا كافرين، وممارسات القاعدة والانتحاريين في كل مكان شاهد على ذلك.
وإذا تحدثنا عن محتوى الإبداع الفني والثقافي في الأعمال التي نقوم بها؟ فجوابهم: “كل بدعة ضلالة” لهذا فإن شكل أو صورة النص البشري القروسطي لديهم هي الأساس.. وقطع رأس تمثال الشاعر المعري أو نسف تماثيل بوذا، ونبش قبور الصحابة.. خير براهين.
وإذا قلنا لماذا لا نهتم بطرح السؤال والجديد منه خصوصاً، فالسؤال هو المحتوى، السؤال هو الحياة، السؤال هو المستقبل.. فيقولون النقل، هو الشكل لأن العقل يمثل الزندقة والشكل هو الموت لهذه الدنيا الفانية.
ويعتقد الإسلام السياسي في نجاح التجارب الإسلامية في الحكم تتمثل بمعايير قائمة على زيادة عدد المساجد وشيوع اللحى والمتدينين، وبهذا مرة أخرى استباق الشكل للمحتوى، لكننا نلاحظ مع كثرة المساجد وزيادة عدد المتدينين، اتساع الغش والنفاق والعنف والقتل والفساد المالي والإداري في معظم بلاد العرب والمسلمين.. خراب العباد قبل البلاد.
وماذا عن دور المرأة؟
جوابهم الشكلي يتمثل بحماية الشباب من شرور المرأة لأنها عنصر الغواية والشهوة، لذا يتطلب إخفاء وجودها والحدّ من حضورها الحياتي. أين نحن من المحتوى الأصيل للحديث المأثور “الجنة تحت أقدام الأمهات” أو دور المرأة في مبايعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أوائل رسالته؟
مفتي أستراليا يصف المرأة بكومة من لحم، أما السلفيون فيصفونها بالعورة، ناهيك عن اغتصاب الناشطات سياسياً في مصر.
وما هو موقفهم من الديمقراطية؟ الجواب الأساس هو الشكل-أي- صناديق الانتخابات، أما المحتوى كحقوق الأقليات ودور الأمة ومكوناتها في صيانة الدستور فلا وجود لها.
الترويكا شكلاً في تونس، وتهريب الدستور والاستفتاء عليه في مصر يثبّت الشكل على المضمون.
وماذا عن حاجات الحياة والتفاصيل المهمة فيها؟ جوابهم: لماذا التفاصيل، ففي التفاصيل يكمن الشيطان. وكل شيء حسم من قبل السلف الصالح، وشعار الإسلام هو الحل يكون الجواب الناجع.
طالما ندور حول الشكل أو الصورة ونترك المحتوى وجوهر الأمور فسيكون حالنا في الدوران حول أنفسنا في حلقةٍ مفرغة أو الحركة في حدود الفراغ، وسنبقى في هذا الدوران حتى السقوط.
*المصدر: التنويري.