أردنيُّون في سجونٍ عربيَّة بدون تُهَم
راديو النجاح – سارة المومني
لم يكن عمير الغرايبة يعلم بأنَّ زيارة قصيرة لدمشق في السابع من شباط الماضي ستكلِّفهُ سجنًا في أكثر بلدان العالم اضطرابا.
كان عمير وصديقان له، قرروا التوجُّه إلى سوريا في ذلك التاريخ بقصد السياحة وهي التي فتحت حدودها رسميًّا مع الأردن باتِّفاق بين البلدين في تشرين الثاني عام 2018 بعدما فرض الجيش السوري سيطرته على معبر نصيب الحدودي في تموز عام 2018 فيما كانت الحدود الأردنيَّة السوريَّة مغلقة منذ عام 2015؛ بسبب المعارك الدائرة آنذاك بين قوَّات النظام السوري وفصائل المعارضة.
في العاشر من شباط، أي بعد ثلاثة أيام من اعتقال عمير وحده، تردَّدت أخبار لدى عائلته بأنَّ السلطات السوريَّة اعتقلتهُ دون أي تهمة، لكن المؤكَّد بالنسبة لهم، بأنَّه كان يصطحب معه كاميرته فقط؛ وهي على ما يبدو، بحدِّ ذاتها تهمة داخل الأراضي السوريَّة.
عائلة عمير الغرايبة، والذي يبلغ 31 عامًا، تعيش حالةً من الذعر على مصيره الغامض، منذ اعتقاله في ذلك التاريخ، وهو الذي اعتُقِلَ خلال طريق عودته إلى الأردن عند حاجز “منكت الحطب” التابع إداريًّا لريف دمشق ونقله إلى سجن فرع فلسطين؛ بحسب شقيقه محمد الغرايبة.
حتى كتابة هذه السطور، ومصير عمير الغرايبة ليس معلومًا من حيث مكان سجنه وظروف اعتقاله والتهمة المسندة إليه، لكن أهله تلقُّوا اتِّصالين منه لدقائق معدودة للاطمئنان .. ولا شيء آخر. فيما يسودُ صمتٌ من جانب الطرف الرسمي الأردني حيال توقيفه وغيره من الأردنيِّين في سوريا.
أصدقاء عمير كانوا قد قدَّموا شكوى رسميَّة إلى وزارة الخارجيَّة فور وصولهم الأردن، بعد أن بلَّغوا عمَّا تعرَّض لهُ صديقهم عمير على الحدود السوريَّة الأردنيَّة، فيما وثَّقت وزارة الخارجيَّة الأردنيَّة، الشكوى لديها، ووعدتهم بالمتابعة.
مصير مجهول
لم يكن عمير معتقلا في السجون السوريَّة، وحده، فهناك العشرات من المواطنين المسجونين دون تُهَم في سجون النظام السوري، ومصيرهم لا يزال غامضًا.
كانت وكالة الأنباء الرسمية “بترا” نشرت بتاريخ 5/4/2019 خبرًا صادرًا عن الخارجيَّة الأردنيَّة، يفيد بوجود 30 أردنيًّا معتقلا في السجون السوريَّة، منذ فتح المعبر الحدودي بين البلدين بتاريخ 15/10/2018، تمَّ الإفراج عن 8 منهم فقط، ولم تستطع مُعدَّة هذا التقرير، التوثُّق عن المفرج عنهم بعد.
حال الصحافي رأفت النبهان (40 عاما) ليس ببعيد عن عمير؛ حيثُ كان يعمل إعلاميًّا لدى فضائيَّة القدس ومقرّها العاصمة اللبنانيَّة بيروت. لكنّه قرَّر العودة إلى الأردن برًّا عن طريق الحدود السوريَّة، نتيجة الإعلان عن إغلاق القناة، قبل أن يتمّ اعتقاله دون توجيه تهمة محدّدة.
اعتقالات مُتكرِّرة
الصحافي عبد الرحمن فرحانة والذي يبلغ من العمر ستين عام، لا يزال مُعتقلًا دون تهمة واضحة في سجن غير معلوم داخل الأراضي السعودية، بعد أن تمَّ إيهامُه بأنَّ لوحة سيارته مسروقة، قبل اقتياده إلى منزله، ومن ثمّ اعتقاله في الثاني من شباط الماضي بظروف غامضة، وصفتها المنظَّمة الدوليَّة (مراسلون بلا حدود) بـ”المفقود”.
قتيبة فرحانة نجل الصحافي عبدالرحمن فرحانة، يتحدَّث عن تفاصيل اعتقال والده – المقيم في السعودية منذ ما يزيد عن ثلاثين عامًا- في ظروف غامضة: “تطويق أمني بوليسي غير مفهوم لسيارة والدي من قبل أكثر من 45 عنصراً أمنيّا أحاطوا بالمنزل. وبعد تفتيش المنزل والأغراض الشخصيّة، تم اعتقال أبي وسلب كُل مُتعلقاتِه الشخصية، حيثُ ساقوه إلى مكان مجهول ومصيرٍ مجهول”.
تواصلت عائلة فرحانة مع وزارة الخارجيَّة الأردنيَّة وشؤون المُغتربين الأردنيّين في السعوديَّة لمعرفة أسباب الاعتقال أو مكان احتجازه، على الأقل، لكنهم لم يحصلوا على أي جواب.
ولم يُعرف، حتى اليوم، أي معلومات عنه، رغم تواصل عائلته مع مركز المخابرات في الرياض ومباحث الدولة ومصالح السجون أيضا.
من ناحيتها، لم تتجاوب السُلطات السعودية مع عدَّة اتِّصالات في محاولة لمعرفة سبب أو مكان اعتقال الصحافي عبدالرحمن فرحانة الذي كان كاتبًا غير متفرِّغ لجريدة السبيل اليوميَّة وموقع الجزيرة نت.
“يعاني والدي من عدَّة أمراض، منها الضغط والسكري وضعف تروية الدماغ، ولم يُسمح له لحظة اعتقاله بأخذ أدويته معه”؛ كما يقول ابنه قتيبة.
بين الخارجية والنواب
وفدٌ نيابي كان قد زار سوريا في زيارةٍ وُصِفَت بــ “غير الرسميَّة” في الثاني والعشرين من تشرين الثاني2018 بغية “كسر الحواجز ما بين العلاقات السوريَّة الأردنيَّة”؛ كما يقول النائب نضال الطعاني، فيما يعتقد أن مثل هذه الزيارات سوف تصبُّ في صالح العلاقات الثنائيَّة، وبالتالي “حلحلة” بعض القضايا ومن بينها ملف المعتقلين.
غير أن النائب طارق خوري، عدَّ في حديثه مع معدَّة التقرير، بأنَّ هذه الخطوات تتجاوز النواب وتتَّسق مباشرة بمهام وزارة الخارجيَّة.
فيما تعمل وزارة الخارجية على التحقُّق من قبل ذوي المواطنين، يقول الناطق باسم وزارة الخارجية سفيان القضاة: “قامت الخارجيَّة بمتابعة هذه القضايا مع الجانب السوري من خلال سفارتنا في دمشق، ومن خلال السفارة السوريَّة في عمان”.
(تمّ توجيه عدَّة مذكرات ومخاطبات رسميَّة بهذا الخصوص عبر القنوات الدبلوماسيَّة المتّبعة والمتعارف عليها بين الدول في مثل هذه الحالات، إلا أنَّ الجانب السوري، وبكل أسف، لم يجب بشكلٍ واضح عن هذه المخاطبات، كما لم يبدِ أي نوع من التعاون لتوضيح أسباب اعتقال المواطنين الأردنيين وظروف اعتقالهم، حيث لم تتمكَّن سفارتنا في دمشق حتى تاريخه، من مقابلة أي معتقل في السجون السوريَّة، ولا تعلم أي شيء عن ظروف الاعتقال)؛ وفقاً لسفيان القضاة.
وقد وصل عدد الأردنيّين المعتقلين في سوريا منذ فتح الحدود البريَّة بين البلدين في 15 أكتوبر 2018؛ وفقاً لتصريحات وزارة الخارجيَّة، حوالي 30 شخصا، أُفرِجَ عن 8 منهم فقط. كذلك، فإنَّ عدد الأردنيِّين الموجودين بالسجون السوريَّة قبل فتح الحدود البريَّة بتهمة مخالفة قانون الإقامة أكثر من 15 مواطنا أردنيًّا. كما بلغ عدد الأردنيّين الموجودين بالسجون السورية قبل فتح الحدود بتهمٍ مختلفة أكثر من 50 أردني.
(موقف الأردن الثابت حيال تكاتف كل الجهود لحلِّ الأزمة السوريَّة وإنهاء معاناة الأشقّاء عبر حلٍّ سياسي يحفظ وحدة سوريا واستقرارها) هذا كان تأكيد وزارة الخارجيَّة، إلا أنَّ الإفراج عن المُعتقلين من أولويّات حلِّ هذه الأزمة، أيضا.
(سوريا بلد خرج للتو من حرب كونيَّة طاحنة وعلى عدَّة مستويات أمنية خطيرة من داعش وسواها؛ لذلك من الطبيعي أن يكون تعاطيها الأمني مختلفا، وإن كنا نرى أحياناً مبالغات وتجاوزات ممكن ان تحصل في أي بلد)، وفق عضو لجنة الحرّيات النقابيَّة أمية العبادي.
لكن العبادي يرى، أنَّه يتوجَّب على الحكومة السورية إعادة أي أردني يعاني مشكلة لديها عند الحدود، وقبل دخوله إليها؛ لتفادي أي اعتقالات متوقَّعة.
انتهاكات جَسيمة لحقوق الإنسان
في القانون الدولي يعّرف الاختفاء القسري عندما يتمّ اعتقال شخص أو خطفه من قبل دولة أو منظَّمة سياسيَّة أو من قبل طرف ثالث بتفويض أو دعم أو موافقة من دولة أو منظّمة سياسيَّة، يليه رفض الاعتراف بمصير الشخص ومكان وجوده، بقصد وضع الضحية خارج نطاق حماية القانون.
وتنصُّ المادة رقم 5 من الاتِّفاقيَّة الدوليَّة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري على أنَّ ممارسة الاختفاء القسري العامَّة أو المنهجيَّة تشكِّل جريمة ضدّ الإنسانيَّة كما تمَّ تعريفها في القانون الدولي المطبَّق، وتستتبع العواقب المنصوص عليها في ذلك القانون، في حين أن نصَّ الفقرة الأولى من المادة 17 “لا يجوز حبس أحد في مكانٍ مجهول”.
الناشط الحقوقي المحامي رياض صبح، يقول إنَّ الاعتقالات التي طالت هذا العدد، وإن كان هناك قضايا جنائيَّة منها، فالأصل أن تتمَّ بناءً على أحكامٍ مضبوطة بقوانين وطنيَّة لدولتهم.
الاعتقال، أو الاختفاء الذي تمارسه الجمهوريَّة السوريَّة مع المُعتقلين هو اختفاء قسري، وفقاً للمعايير والقوانين الدوليَّة، وأنَّ الوضع القائم هو حالة نزاع قائم على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؛ وفقا لرياض صبح.
حول ظروف الاعتقال، يقول صبح: (إنَّ هذا الاختفاء اختفاءٌ قسريٌّ؛ كوننا لا نعرف ظروف أو مكان توقيفهم وقد يتعرَّض بعضهم للتعذيب. وهذا يؤكِّد على عدم وجود ضمانات على سلامتهم أو صحتهم).
(يستوجب أخذ موقف إجراء ومتابعة من قِبَل الحكومة الأردنيَّة إزاء تلك الاعتقالات والانتهاكات الجسيمة والخطيرة على حياة الإنسان)؛ يقول صبح.
*بالتعاون من منظَّمة صحفيُّون من أجل حقوق الإنسان.