اجتماعالمقالات

وجوه الجهاد الإسلامي المعاصر؛ مغامرة طالبان أنموذجًا

أفغانستان


إن “بلادنا تحررت والمجاهدون انتصروا في أفغانستان”. هذا ما أعلنه أحد متمردي حركة طالبان الأفغانية عقب قنصهم للعاصمة كابول واحتلال القصر الرئاسي وسط الهروب الاضطراري للرئيس الأفغاني ورجال حكومته بعيد عن البلاد والعباد، وللقصة تفاصيل أخرى تبدأ من القاهرة  بإحدى أروقة المحاكم المصرية، وتنتهي عند حدود مكتب رئيس أفغانستان الذي يجلس عليه اليوم حفنة من المهووسين بالجهاد المزعوم الذي لم يتجه صوب أعداد الإسلام الحقيقيين بل توجه طواعية بغير تفكير أو روية إلى صدور معتنقي الإسلام أنفسهم، وما يلبث أن يستقر الجهاد قليلا حتى يبدأ معركة جديدة ضد التعليم والمرأة معا بوصفهما عدوا لا يقل أهمية عن محاربة الكفار والمرتدين والمشركين في زعم وظن هؤلاء.. وإليكم التفاصيل.

ـ قريبا من القاهرة:

يبدو مشهد مثول الداعية المصري محمد حسان أمام المحكمة أمرا غير مثير أو يدعو إلى تحقيق الدهشة وتمكينها من العقل العربي المعاصر الذي بات اليوم أكثر وعيا وإدراكا لإحداثيات الحالة السياسية المرتبطة بالصبغة الدينية سواء داخل مصر أو خارجها؛ لأن معظم دعاة مصر المعاصرين الذين بدأ بزوغ نجمهم الإعلامي في عهد مبارك كنوع من إحداث التوازن السياسي داخل المجتمع من ناحية، وكاستخدام ظهورهم فزاعة افتراضية وقنبلة موقوتة مؤجلة بوجه الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما في الأوقات التي كانت تندد بعض منظمات المجتمع المدني الممولة خارجيا بقضية الأقليات الدينية في مصر والعزف على أوتار الطائفية الدينية وقتئذ. وقلة جدوى الإثارة في شهادة الداعية محمد حسان مفادها أن التضليل سمة رئيسة لدى كل من ينتمي للتيارات الإسلام السياسي، مثلما كانت شهادة الداعية المعاصر محمد حسين يعقوب والتي يمكن دمج الشهادتين معا في عدم معرفتهما بكافة مشاهد الوطن العربي، أو بالأحرى أنهما يكتفيان بالدعوة إلى الله طاعة ومحبة أو بتبصير العوام بصحيح الدين.

لكن في كنه الأمر وحقيقته أن دعاة العصر الحديث الذين بالقطعية لا يفطنون لتجديد الإمام محمد عبده لأنه صعب المنال في التلقي والتفسير والتأويل لقوة مضامين فكره ولغته الرصينة الفصيحة، ولم يدركوا أن الدين هو أساس إصلاح العباد والبلاد وليس لتأجيج العوام والبسطاء حظا من العلم والمعرفة، ورغم انتماء الكثير من دعاة العصر الراهن للطوائف والجماعات الدينية كالإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الجهادية والتكفير والهجرة والقطبيين نسبة لسيد قطب وأخيرا ولاية سيناء، إلا أنهم بالضرورة سينكرون كافة ممارسات تلك الطوائف وسينددون بما قامت به من أعمال قتل واغتيال لجنودنا البواسل من الشرطة والجيش، رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي وما تقدمه شبكة يوتيوب كفيلة بأن تعضد لدينا يقين موافقتهم على ما تم من ممارسات بدليل دروسهم الدعوية ومحاضراتهم الكثيفة في الزمن والدلالة واشتراكهم بالنية لا بالفعل فيما نسب إلى هذه التيارات والجماعات.

المشكلة التي تظل عالقة بفكر هؤلاء وأتباعهم أن مصر وغيرها من البلدان العربية والإسلامية تعيش في جاهلية محكمة، وأن الشعوب العربية وحكامها أيضا في ضلال وفجور ومن ثم وجب الخروج عليهم وقتالهم حتى النفس الأخير. ودون تفتيت هذا الزعم الذهني لدى هؤلاء لأن قضيتهم بحق لا تستحق الاهتمام بقدر اهتمامنا بالدور الذي يقومون به من تقويض للأمن والأمان المجتمعي.

وبعيدا عن مشهد الداعيتين محمد حسان ومحمد حسين يعقوب الذي لا يرهق العقل بتأويله، لكن كلما صعد التيار الديني السياسي ذو الأطماع السلطوية تحت عباءات الدين كلما اجتر الحديث مجددا عن بعض الدعاة، نعم بعض وليس كل لأننا أمرنا بأن نتجنب الظن باعتباره إثما كما يرشدنا ويأمرنا القرآن الحكيم، بعض هؤلاء نجده يسخر شيخوخته لتزويج الفتيات السوريات اللاجئات في مصر بحجة ستر النساء، ومنهم من وهب حياته للتغرير بطالباته بالجامعات تحت دعوى أنه صاحب الولاية الدينية وهو أجهل الرعية بدينه، ومنهم من يخطط ويدبر في الخفاء غير هارب إلى تركيا أو قطر أو ماليزيا كما فعل قيادات الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين. لكن هم يدبرون هنا في الداخل فالرؤية أوضح وأبصر لهم.

وثمة عداء ملحوظ لدى دعاة العصر الحديث  من المنتمين للتيارات الإسلامية المتشددة في مصر وبعض البلدان العربية للصحافة بوجه خاص، وللثقافة بوجه عام، هؤلاء المهووسين بتسجيلاتهم المسموعة، التفتوا منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة إلى اللهاث وراء فتنة الفضائيات باعتبارها الأكثر انتشارها والأقوى تأثيرها في جموع العوام والبسطاء عبر رفع الصوت وتعبيرات الوجه وإطلاق الغضب أو الابتسامة لحدود سطح القمر  / ولا يستطيع أن ينكر جاحد حقيقة مفادها أن هؤلاء المحسوبين بغير تخصص على الدعوة الدينية والعلم الفقهي بحكم أنهم غير متخصصين لا بإجازة رسمية من الأزهر الشريف أو لفقر درجاتهم العلمية  في صناعة عدو في الداخل اسمه صحافة النخبة والتي يشيرون إليها بأنها صوت الحاكم وبوق الدولة والتي في نظر هؤلاء يحاربون الإسلام والمسلمين، ومنهم من كفر الحاكم وأطلق أحكام الجاهلية على الشعب تماما مستشهدين بفيلسوفهم سيد قطب الذي كان يحلم بامتطاء جواد السلطة عن طريق التقرب إلى الحاكم آنذاك الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وحينما افتضحت نواياه وظهرت أنيابه التخريبية أعلن حاكميته التي لا تتصل بما جاء في القرآن الكريم من تفاصيل الحكم لله.

واستطاعت هذه الفئة بصورة مقصودة أن تلصق بالإعلام الوطني لاسيما الصحافة وأحيانا كثيرة البرامج السياسية التي تبث عبر القنوات الفضائية العديد من التهم التي لا تخرج عادة عن الليبرالية المتوحشة والبعد عن شريعة الله وإغراق المجتمعات الإسلامية بالقيم المغلوطة والعادات الفاسدة، بل تجاوز حفنة الدعاة المعاصرين حد توجيه التهم سابقة التجهيز إلى القول بأن الصحافة القومية والفضائيات الرسمية جزء رئيسي من مخطط خارجي لضرب استقرار المعتقدات الثابتة للمجتمعات الإسلامية.

ـ صوب كابول:

وانطلاقا من لجوء دعاة العصر الحديث إلى كافة الوسائط الجماهيرية التقنية التي تيسر مهمتهم الدعوية، فإن طالبان الحركة معروفة التكوين تاريخيا والضاربة في جهادها المسلح طوال عقود سواء ضد التيارات الشيوعية أو الإمبريالية الدولية، واستطاعت هذه الحركة بامتهار وكفاءة شديدة في استغلال كافة وسائط الإخبار والإعلان عن طبيعتها مستخدمة في ذلك دعما أمريكيا معروفا في المنطقة ليس من قبيل الأخذ بنظرية المؤامرة وإن كنا مضطرين طوعا وكرها وعن إرادة مباشرة في القبول والتسليم بفكرة دعم الولايات المتحدة الأمريكية أو الحركة الصهيوأمريكية لكافة التيارات والطوائف والحركات التي من شأنها تجعل منطقة الشرق الأوسط أكثر اشتعالا، ومن مصلحتها التوسعية ليس في احتال مكاني بل التوسع من خلال بقائها على قيد الحياة في منطقة محتدمة بالصراعات والأزمات عبر خلق وتدشين ممارسات تقويضية للأنظمة الحاكمة السائدة.

وأيضا جهادها ضد الأفغان أنفسهم وبعضنا يعرف قصة ملالا زاي يوسف التي تعرضت لوحشية حركة طالبان، ومن اليسير سرد بعض من تفاصيل قصتها لإعادة المشهد إلى أذهان القارئ وصولا إلى مشهد السيطرة على كابول وقنصها وسط استسلام عجيب.

“اللَّهُ بَارَكَنِي بِحَيَاةٍ جَدِيْدَة”  بهذه العبارة افتتحت فتاة صغيرة السن ذات الأعوام السبعة عشر بالبراءة والطيبة والملامح الطفولية حديثها عقب إفاقتها من الغيبوبة التي دخلت فيها كرها بعد الاعتداء الوحشي على أيدي رجال حركة طالبان المسكينة، والعبارة مقصودة و جد بليغة لأنها ذكرت أولئك الذين يتشدقون بالدين وهم بعيدون تمام البعد عن إسلامنا الحنيف بالقيم التي ينبغي أن يلتزموا بها.  و (مالالا ) قصة إنسانية ضد خفافيش الظلام والظلامية وأعداء التنوير، فهي فتاة نشأت وترعرعت في ظل ثقافة حركة طالبان التي تدعي أنها حركة دينية أصولية وهي في الأصل لا علاقة لها بالإسلام ولا بأهله مطلقا، وهؤلاء يرفضون حتى لحظة الكتابة تعليم المرأة بوجه عام لاعتبارات ثقافية ترتبط برهاناتهم الفكرية والأيديولوجية وتعليمات أمرائهم وشيوخهم بأن في تعليم المرأة انهياراً للمجتمع الإسلامي.

بل إن المستقرئ لآخر تصريحات قيادات وأمراء حركة طالبان منذ يومين يرصد ثمة أوامر ونواهي تتعلق بالمشهد السياسي الحاكم في أفغانستان، لكن بقية الأوامر والتعليمات نسائية وكأن الحركة نسوية تعتم بقضايا المرأة وأمورها وشأنها المجتمعي، فهذه الفتاة التي ولدت وعاشت في سويسرا باكستان أعني وادي سوات وهي منطقة سياحية هادئة رفضت أن تكون ضحية بائسة لأفكار الظلاميين الذين يرفضون تعليم الفتاة خشية الخروج على نظام قمعي وتطرف راديكالي معلن، وتبدأ قصة مالالا حينما اقتحم رجال من حركة طالبان باكستان حافلة مدرسية لدى خروج التلاميذ من مدرسة مينغورا في وادي سوات (شمال غرب باكستان) وسأل أحدهم “من هي ملالا؟” ثم أطلق عليها رصاصة في الرأس. اخترقت الرصاصة الجانب الأيسر من دماغها وخرجت من عنقها، ونقلت الفتاة، التي كانت تبلغ 14 عاما في ذلك الوقت، بين الحياة والموت إلى مستشفى برمنغهام في بريطانيا على متن طائرة طبية. وبعد شفائها فاستقرت في بريطانيا وساهمت في تأسيس صندوق ملالا الذي يقدم العون للجماعات المحلية المنادية بالحق في التعليم خاصة في باكستان ونيجيريا والأردن وسوريا وكينيا. وهي آخر من حصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الهندي إيلاش ساتيارثي وذلك حسب وصف الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة عن ” كفاحهما ضد قمع الأطفال والشبان ومن أجل حقوق جميع الأطفال في التعليم”.

وحكاية مالالا تشبه آلاف الحكايا والقصص التي ترتبط بواقع الفتاة في مجتمعاتنا العربية الذي يصر ألا يرى في الأنثى عقلاً أو رأيا أو ذهنا وربما لا يدرك أنها بحق إنسان في ظل ثقافة ذكورية مريضة، فالقصة الاجتماعية ترى المرأة فتنة وغواية ومصدرا للشرور ذلك لأن تفكير النصف الأسفل من الجسد هو المسيطر على هؤلاء المرضى المتهوكين فكراً وعقلاً.

الذي يعنينا الآن هو سيطرة حركة طالبان على كابول ودخول أعضائها القصر الرئاسي وسط أنباء وأخبار عن هروب رئيس البلاد وأعضاء الحكومة فارين خارج حدود أفغانستان التي باتت منكوبة بفعل تدمير العقول والأبنية أيضا. وهذا ما ذكرته صحيفة ( ميدل إيست ) Middle East   يوم الأحد الماضي، حيث أشارت إلى أن مقاتلي حركة طالبان دخلوا مساء الأحد 15 أغسطس إلى العاصمة كابول بعد أن كانوا على مشارفها في وقت سابق، وسط انهيار سريع ومفاجئ لقوات الأمن والجيش، وتشير الصحيفة Middle East أيضا أن مصدرا أفغانيا  أوضح بأن الرئيس أشرف غني غادر البلاد إلى طاجاكستان المجاورة، فيما توالت ردود الفعل الدولية بين محذر من فوضى عارمة وعودة للإرهاب وبين من دعا إلى انتقال سلسل للسلطة، في حين عبرت روسيا عن استعدادها للتعامل مع الحكومة الأفغانية الانتقالية، إلا أن الحركة المتشددة التي أعلنت سيطرتها على عدة مراكز ومؤسسات في العاصمة أكدت أنه لن توجد حكومة انتقالية. وأعلن غني أنّه فرّ من بلاده لتفادي “إراقة الدماء”، مع إقراره بأنّ “طالبان انتصرت.

وما يدعو للدهشة أن معظم قيادات الجيش الرسمي الحكومي الآن تطالب وساطة محلية داخلية وأخرى خارجية من بعض المنظمات الدولية وإن كانت سيادتها وهمية ضد معظم ممارسات إسرائيل بالمنطقة أو تجاوزاته التدخل لدى قيادات إيران بحق جيرانها من دول بلاد العرب، طالبوا جميعهم سرعة تحقيق الخروج الآمن لهم تأكيدا على يقينهم بالانتقام المستدام لحركة طالبان الذي تم عبر عقود طويلة.

وهذه السيطرة التقليدية التي تتم تحت عباءات دينية لرجال أزعم أو قد أزعم كثيرا بأنهم لا يعرفون كثيرا عن اللغة العربية وقواعدها التي هي محك فهم النص الديني، وهذا الانتصار السياسي المسلح الذي بالضرورة لا يستند على قواعد صحيحة للإسلام سرعان ما سيتجه صوب الداخل والخارج  بأفغانستان، ولن نجد عجبا في رؤية بعض المشاهد المتلاحقة التي ستتزامن مع حالة سيطرة طالبان على أفغانستان بالكامل؛ ليست منها طبع وتوزيع المصاحف أو كتب الأحاديث النبوية الشريفة، بل أولا إعلان انتصار الجهاد الإسلامي في أفغانستان المسلمة أيضا، ثم التنديد بالقتل والتعذيب والتنكيل بكل من يحاول الخروج عن تعاليم الإسلام، ليست التعاليم الثابتة الصحيحة المستقاة من ركائز الشريعة الإسلامية بل تعاليمهم المغلوطة التي لم تفكر للحظة واحدة أن تحارب أعداء الإسلام الحقيقيين والمهتمين بتدمير كل ما هو يتصل بالدين الإسلامي خارج حدود أفغانستان، بل الشقاء كل الشقاء لكل أفغاني يخرج من خلف ستار الأبنية العقائدية الطالبانية.

ومن مشاهد استشراف المستقبل بحكم ضيق الفكر لدى كافة التيارات السياسية ذات المرجعيات الدينية ما يتعلق بالتعليم والمرأة معا، فالتعليم عدو كبير يمثل وحشا يقف حجر عثرة ضد معظم إن لم يكن كل التيارات الجهادية المسلحة ذات المرجعية الدينية ليس فقط في بلاد الإسلام بل في الديانات الأخرى أيضا والقرون الوسطى في أوروبا تكشف تاريخها عن بعض الممارسات التي ارتكبتها الطوائف الدينية بإزاء التعليم والعلم وأهله، فالتعليم ومؤسساته لابد وأن يخضع لفكر طالبان وهو تعليم مقصود يخدم أطماعها في النفوذ والسيطرة والتحكم داخل أفغانستان ولا ريب في تهريب هذه الأفكار وتحليقها في بعض الدول العربية الإسلامية عبر جماعات متطرفة كالإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة وولاية سيناء وغير ذلك من جماعات التطرف الديني والفكري معا.

إن طالبان ستعامل المؤسسات التعليمية عقب سيطرتها بمزيد من القسوة فارضة عليها كل مظاهر وملامح الاستلاب والاستقطاب وإحكام القبضة الحديدية سواء من حيث طبيعة المعارف والمعلومات التي ستقدم للطلاب ومحو كل ما سلف وسبق من معلومات ومعارف وحقائق تاريخية تتصل بما أسماه أمراء طالبان بالدولة الفاسدة المارقة، كذلك سيحدثون تغييرا طارئا سريعا في أنظمة التعليم وإدارته ومن ثم نمط السلوك التعليمي داخل المدارس والجامعات وهو الأمر الذي يحدث إرباكا مستداما أشبه بالعقدة النفسية المرضية لكل تيارات الجهاد الإسلامي، وليس بغريب أن نجد الطبيب الذي يترك عيادته متجها للدعوة والخطابة، ومهندسا مدنيا هاجرا حياته الميدانية متجها صوب بوصلة الجهاد بالقول والجسد وأحيانا كثيرة جدا جدا بغير مبالغة نجد أناسا كانوا متخصصين بالترجمة والدراسات السياحية وأعمال التجارة لاسيما العائدون من أفغانستان منذ أواسط ثمانينيات القرن العشرين يتركون أعمالهم ووظائفهم ويطوفون بالشوارع والطرقات مطرقين أبوابها لدعوة رجل مسلم للإسلام لا أفطن كيف ؟ ونصيحة أخت مسلمة مطلقة أو أرملة أم لم تتزوج حتى الآن بالزواج تحت باب عفة النساء، لكن أن يقدموا شيئا واحدا للمعرفة في بلدانهم العربية لا أقل ولا أكثر بل صارت علومهم ووظائفهم في وقت واحد عدمًا !.

ثم تأتي مرحلة المرأة في حياة طالبان السياسية والدينية، وهي في حقيقة الأمر ليست مرحلة بل إن النساء لا تشكل فترة زمنية في حياة المجاهدين المعاصرين الذي استغلوا الدين لتحقيق الأطماع والمصالح السياسية، بل إنها هي جوهر تفكيرهم ومجمل هدفهم وربما جاءت الفرصة سانحة لعلماء النفس والباحثين الجادين في مجال الصحة النفسية لإجراء دراسات نفسية علمية عميقة وواسعة لتبرير هذا الهوس بالنساء وفقه المرأة وحياتها وكافة شئونها لدى كل التيارات والجماعات الدينية في الشرق الأوسط. وقديما كانت فلاسفة أوروبا تعيب وتستهجن بعض الممارسات التي كان يفعلها رجال الدين المسيحي في القرون والعصور الوسطى هنا وكراسي الاعتراف التاريخية وطلبات التوبة وصكوك الغفران التي كانت موجودة آنذاك ولا أعلم إن كانت باقية حتى الآن لقلة معلوماتي بهذا الشأن.

لكن الهوس بالنسوية سواء من حيث تقييد حرية المرأة وحرمانها من التعليم أو من المعرفة عموما سواء إلزامية أم غير رسمية، وكذلك جعلها غنيمة كبرى للمجاهدين وجائزة عظمى للجهاد وهذا ما رأيناه كثيرا لا من خلال داعش وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، بل قرأنا وسمعنا ورأينا جهاد الحب وجهاد النكاح وولع رموز وقيادات الجماعات الجهادية كالتكفير والهجرة والجماعات الإسلامية ولا أعرف إن كان قصدهم بالسلفية سلف الإسلام الصالح صحابة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والتابعين وتابعي التابعين أم هي سلفية أمرائهم وقياداتهم من أهل العقد والحل أصحاب فتاوى القتل والاغتيال والترويع بحقوق المدنيين الأبرياء ورجال الشرطة والجيش.

لذا فالبوصلة الجهادية عقب احتلال كابول تتجه نحو شرق وغرب وشمال وجنوب دولة النساء، الزي الإجباري عليهم، نوعية الحياة وفرض الحبس قيد المنزل وتحريم خروجهن مطلقا، وتحريم تعليمهن، فهن مجرد كائنات بشرية تستحق التنفس وتناول الطعام والشراب ومتعة الرجال وربما استغلال بعضهن كدروع بشرية وقت التال فحسب، لكن حقهن في الحياة أمر لا يتطلب مجرد المناقشة أو التنويه عنه.

استقرت حركة طالبان بكابول، وأعلن متمردو أفغانستان سيطرتهم الكاملة على مفاصل البلاد والعباد بغير شريك في الحكم، والمشكلة أو الأزمة لم تنتهي عند حدود سياسية ضيقة قد تنجلي بمواجهة مسلحة، إنما الأخطر هو القاعدة التاريخية للتيارات الدينية المتطرفة التي تحولت لحمل السلاح وقتل المواطنين بحجة إعلاء كلمة الإسلام وإعلان الحاكمية لله ومن ثم سفر أفكارهم لدول أخرى وإعداد جبهات مماثلة بالدول الإسلامية تحت دعاوى خلافة راشدة في معتقدهم، هذا ما ينبغي أن نقرأه جيدا ونعد له بمزيد من الوعي والتأهيل والتربية الدينية الإنسانية الصحيحة، ولنا في كابول تفاصيل أخرى.

_____
*الدكتور بليغ حمدي إسماعيل

ـ أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية ( م )

ـ كلية التربية ـ جامعة المنيا.
__________
**يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة عن رأي التنويري.

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات