هل تجاوزت أحزاب الإسلام السياسي مأزق العبور إلى الدولة؟
علاء الدين الراضي
لم تتجاوز أحزاب الإسلام السياسي، كجزء من ثقافة الأمَّة، المأزق في تأسيس الدولة. فالمأزق الذي صاحب فترة ما بعد التحرّر من الاستعمار ثبَّت أفكار ما يسمَّى بعصر النهضة التي قامت على استنساخ الإجراءات التقنيّة المقبولة “شرعاً” من الغرب ومنعت بالمقابل استيعاب المكوّنات الذهنيَّة المصاحبة لها.
ورسّخت تلك المفاهيم قراءة التراث السياسي العربي ليس على ضوء تطوّرات تاريخ الإنسان وتجاربه الفعليَّة، بل التقنين التقني الفقهي، وبالتالي الانفصال عن الواقع وعدم ارتباطه بالتاريخ.
ولعلّ الأكثر أهمّيَّة ربما يكمن في عدم القدرة على تطوير مفاهيم التنمية الاجتماعيَّة والذاتيَّة لواقعنا وحياتنا ونموّها العضوي في المجتمعات العربيّة واستبدالها بنمط تنمية ذاتيَّة قائمة على محاكاة الغرب أو تطبيق خطط غير ناضجة أو بسبب رؤى حاكم ما أو بناء البلاد بدلاً عن بناء العباد، ما جعلها في النهاية عمليّات غير متكاملة ومشوّهة وناقصة.
ونعني تفصيلاً أنَّ الغرب طوّر تنميته الاجتماعيَّة بعد حروبه، متناغماً مع أفكاره وثقافته ومجتمعه .. كذلك الحال في اليابان قبل حوالي ثلاثة أو أربعة عقود، والصين والهند اليوم.. التي عاشت نهضاتها بعد سلسلة متعاقبة من نضوج اجتماعي ونموّ ذاتي، بينما ما زلنا لا نعي توقّفنا الحضاري لقرون خلت (منذ سقوط بغداد على يد التتار عام 1258) ودورها اليوم في الردّة الاجتماعيَّة الممهّدة لانهيارات النسيج الاجتماعي لصالح العشيرة أو الطائفة أو الحزب، كما في العراق ولبنان ومصر.
والأخطر من كل ذلك ترفض مجتمعاتنا حركة الزمن، معتقدة أن خصوصيّتها الحضاريَّة تكمن في توقّف التاريخ، ما يتطلّب سجن الوقت داخل رؤى إحداثيّات صيغ الاجتماع-الثقافة السالفة.
فالأشكال المختلفة والصغيرة للهويّات الاجتماعيَّة، كالعشيرة والطائفة، في البلدان العربيَّة كلها تلتقي في هدفٍ واحد، رفض الدولة ومكوّناتها الحديثة، وهو رفض مستمرّ للحداثة بكل صيغها وبدائلها، ما يفاقم تحدّيات التنمية الذاتيَّة التي هي أهمّ بكثير من تحدّيات العامل الخارجي.
وزاد في الطين بلّة تقصير المفكّرين العرب، لعدم قدرتهم على تشكيل حالة نهضويَّة نافذة وضاغطة باتّجاه الانتفاضات العربيَّة الراهنة.. ما يعقّد وضع اليوم في عدم استيعاب مقدّمات مأزق الربيع العربي، أو تشخيص أمراضه وما نتج عنه واقعاً بائساً يشدّ إلى الإحباط نتيجة ما آلت إليه الأمور تاليا.
ويأتي دور النخبة ضمن هذا السياق مهمّاً في بلورة منعطف فكري واجتماعي في مسار التغيير نتيجة تأثيرها الشاخص في بلورة مواقف وسياقات تساهم في تعزيز نهضة مجتمعيَّة ترتبط بالماضي والابتداء بالمستقبل لتغيير الحاضر، الأمر الذي يساهم في انتشال ما تبقّى للغالبيَّة من حلم وترجمته على أرض الواقع.
إذن فالحاجة ماسة لقراءة جذريَّة جديدة تأخذ أعلاه وغيره في الاعتبار في محاولة جدّيَّة لتجاوز الكثير من العقبات التي ما زالت تعترض طريق التطوّر العقلاني والتنمية المستدامة التي تضع الإنسان أساساً أوّليّاً باعتباره وريث الخالق على الأرض.