دراسة تحليليَّة – نقديَّة في نظريَّة الصراع الاجتماعي
(تمهيد: ” التاريخ هو مقبرة من الطبقات الأرستقراطية “ (باريتو).
يعتبر الصراع من أخطر العمليات الاجتماعية نظراً لنتائجه السلبية الناجمة عنه لكونه تصادماً بين القوى الاجتماعية حينما تتحول المنافسة من إنسانية إيجابية إلى شكل هدام، ومن هنا يحاول المنافسون القضاء على الخصم ومن ثم الانقياد للأهواء الجامحة التي تسيطر عليهم، بل ويحكمهم مبدأ البقاء للأقوى، ويستغل كل طرف جميع الوسائل والطرق المشروعة والمحرمة للقضاء على الطرف الآخر المتصارع معه، بما في ذلك القتل، والاغتيال، الدسائس، والمؤامرات، والخيانة، والتنصت، الفتن، … إلخ.
ويعرف الصراع بأنه ” العملية التي من خلالها يرغب كل فرد أو جماعة لتحقيق أهدافه الخاصة عن طريق إبعاد الخصم أو تحطيمه والقضاء عليه والذي يرغب في تحقيق الأهداف نفسها “.
يسعى باريتو من خلال نظريته الصراعية إلى تفسير القوى الحقيقية التي تحدد حالة التوازن داخل النسق الاجتماعي، أي تفسير العناصر التي تعمل داخل النسق وتؤثر عليه بالتالي تتفاعل معه. ويتضمن هذا الهدف التركيز على الديناميكية الاجتماعية للصراع والتغير بدلاً من دراسة النظم الاجتماعية الثابتة.
ويرى باريتو أن العناصر الأساسية التي تكمن وراء تلك العمليات هي عناصر فردية تتكون على مستوى الوحدة الصغيرة وتتكون من حالات نفسية (سيكولوجية) ومبادئ عقلانية من إنتاج المجتمع تحدد بدورها السلوك الاجتماعي والعمليات الاجتماعية. وتستند رؤية باريتو على أساس طبيعي مؤداه النظر إلى الرواسب باعتبارها عناصر أساسية لفهم المجتمع.
بذلك طور باريتو نظريته عن الصراع والتغيير الاجتماعي التي تتناقض تناقضاً صارخاً مع النظرية الماركسية في حين ركزت نظرية ماركس على دور الجماهير، قدم باريتو نظرية نخبوية بشأن التغيير الاجتماعي، التي رأت أن المجتمع تهيمن عليه بصورة حتمية نخبة صغيرة تعمل على أساس المصلحة الذاتية المستنيرة هذه النخبة تحكم الجماهير الذين تهيمن عليهم الأفكار غير العقلانية وفقاً لنظام باريتو، فإنه لافتقار الجماهير إلى العقلانية، فمن غير المرجح أن تكون هذه الجماهير قوة ثورية. يحدث التغيير الاجتماعي عندما تبدأ النخبة الانحطاط ويتم الاستعاضة عنها بنخبة جديدة مشتقة من النخبة غير الحاكمة أو العناصر العليا من الجماهير، وبمجرد وصول النخبة الجديدة إلى السلطة، تبدأ العملية من جديد.
– نظرية باريتو عن الصراع الاجتماعي: يعد فلفريدو باريتو الإيطالي (1848 -1923) من أبرز علماء الاجتماع الصراعين في إيطاليا والعالم. ظهرت نظريته الصراعية في كتابه الموسوم ” مقدمة في علم الاجتماع – Introduction to sociology ” عام 1916 وهو مؤلف ضخم يقع في جزئين وتُرجم الإنكليزية عام 1935 حيث صدر بعنوان: ” العقل والمجتمع – Mind and Society ” أما قبل ذلك فقد نشر مجموعة من المقالات في السياسة والاقتصاد. ونشر أيضاً كتاباً بعنوان ” النظم الاشتراكية – Socialist systems ” عام 1902 وكان عبارة عن تحليل نقدي للفكر الاشتراكي ولتدخل الحكومة في الاقتصاد.
يعتقد باريتو في نظريته الصراعية بأن الصراع يكون بين النخبة والعوام. ذلك أنه يعتقد بأن المجتمع ينقسم إلى طبقتين اجتماعيتين متخاصمتين هما: طبقة النخبة وطبقة العوام. وفي هذا السياق سنحاول توضيح الإطار المفاهيمي لنظرية باريتو تمهيداً لفهم نظريته عن الصراع الاجتماعي من خلال مناقشة أفكاره عن دورة النخبة وتداول السلطة بين الثعالب والأسود.
أولاً- عناصر الإطار المفاهيمي والتحليلي في نظرية باريتو: في هذا العنصر التأسيسي سيتم شرح وتوضيح أهم المفاهيم التي بنى عليها باريتو نظريته عن الصراع الاجتماعي، وهي كالآتي:
1- طبقة النخبة: جماعة من الأفراد يمتلكون خصائص مميزة تجعلهم أكثر قدرة على التميز في أداء أدوار شديدة الأهمية في حياة مجتمعاتهم ولا سيما مجال توجيه المجتمع واتخاذ القرارات السيادية المهمة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.
ويرى كثير من الباحثين أن استخدام كلمة النخبة Elite حديث نسبياً في اللغتين الفرنسية والإنكليزية، حيث استخدمت هذه الكلمة لأول مرة في القرن السابع عشر- كما يورد توم بوتومور في كتابه ” الصفوة والمجتمع “. ومن ثم استخدم هذا المفهوم في عام 1823 لوصف النخب الاجتماعية وأوضاع الحياة الطبقية في أوروبا بصورة عامة، ومن ثم شاع استخدام هذه الكلمة بين صفوف المفكرين والباحثين في نهاية القرن التاسع عشر ليعبّر عن الفئات الاجتماعية الأكثر تميزاً في المجتمع تلك التي تحتل مكاناً مميزاً في الهرم الاجتماعي ولا سيما في المجالات السياسية والعسكرية والثقافية. كما أن النخبة ” Elite“ تعبّر عن طبقة معينة أو شريحة منتقاة من أي نوع عام. وهي تعني أيضاً الأقلية المنتخبة أو المنتقاة من مجموعة اجتماعية، تمارس نفوذاً غالباً في تلك المجموعة، بفضل مواهبها الفعلية، أو الخاصة المفترضة.
بناءً على ما سبق صنف باريتو النخبة إلى صنفين هما: النخبة الحاكمة والنخبة غير الحاكمة. فالنخبة الحاكمة: هي التي تتكون من أفراد يحتلون مواقع الحكم والمسؤولية كالوزراء والمدراء العامين وقادة الجيش ورؤساء الجامعات والمؤسسات الكبيرة والمصانع والمزارع والمصارف. وهؤلاء الأفراد يؤثرون بطريقة أو أخرى على عملية سير الحكم ومسيرة الدولة من خلال مواقعهم السياسية ومن خلال القرارات الإدارية ذات المضمون السياسي التي يتخذونها في دوائرهم. أما النخبة غير الحاكمة: فتتكون من أفراد لا يحتلون مواقع وأعمال حساسة وبارزة ومهمة لا يستطيع المجتمع الاستغناء عن خدمات أعضائها مهما تكن الظروف. ومن أمثلة النخبة غير الحاكمة الطبيب والأستاذ الكبير والفنان الكبير والمهندس الكبير والمحامي الكبير والممثل أو المغني أو العازف الكبير.
2- طبقة العوام: تتكون من عامة الناس الذين لا يحتلون مواقع اتخاذ القرار والمسؤولية، أي إن أعمالهم لا تؤثر في أعمال ومصير ومستقبل الآخرين كأعمال النخبة الحاكمة وغير الحاكمة. أن أفراد طبقة العوام يشغلون الأعمال الكتابية والروتينية واليدوية والأعمال الحرة التي لا تحتاج إلى خبرة أو موهبة أو دراسة طويلة. وهذه الطبقة ليست موضوع اهتمام باريتو لأن تأثيرهم السياسي في المجتمع يكون منعدماً تماماً لأنها لا تمتلك الرواسب التي تؤهلها للحكم ولا بد أن يظلوا محكومين وخاضعين للنخبة (الصفوة).
3- الرواسب وطبيعتها: يمكن تحديد الرواسب باعتبارها تتشكل من المبادئ الأساسية الكامنة وراء الوجود المنظم للمجتمع. يذهب البعض إلى أن الرواسب تعتبر تجليات للعواطف أو على الأقل لها ارتباط بالعواطف. وعلى هذا النحو فإننا نجد أن الرواسب ليست عواطف أو غرائز ولكنها مجموعة من الدوافع الدائمة نسبياً ذات علاقة بغرائز الإنسان ودوافعه، ومن ثم لها أبعاد بيولوجية ونفسية، وهي توجد في بنية شخصية المجتمع. غير أننا نجد أن الرواسب تستند في التحليل النهائي إلى الغرائز، وإن كانت الرواسب تختلف عن الغرائز بكونها ليست صارمة، وتتجلى عادة من خلال أشكال متنوعة تصل إلى حد التناقض. مثال ذلك الغريزة الجنسية تتجلى من خلال أفعال الجماع الجنسي وهو الشكل الأساسي للإشباع. على خلاف الرواسب الجنسية التي تتجلى عادة من خلال أشكال متنوعة كالتثقيف الجنسي والإدانة المتقشفة للشهوة الجنسية.
تلعب الرواسب دوراً محورياً في تحديد طبيعة التوازن الاجتماعي وعليه يمكن القول إن الرواسب ” عبارة عن مجموعة من المبادئ العامة ذات الأساس البيولوجي والنفسي الكامن داخل الذات الإنسانية. وهذه الرواسب تتجلى على شكل سلوكيات اجتماعية محددة تشكل في مجموعها الوجود النفسي والاجتماعي برمته “. بناءً على ما سبق يمكن تعريف الرواسب بأنها ” الدوافع الحقيقية للسلوك الإنساني سواء كان هذا السلوك اقتصادي أو اجتماعي، ولكن باريتو يعتقد إن الرواسب غالباً ما تتعلق بالمشتقات “. أو هي ” عبارة عن اتجاهات نفسية ثابتة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعواطف والغرائز وتقع في مركز وسط بين العواطف والفعل الإنساني وأسماها بالرواسب لأنها ثابتة وغير متغيرة “.
أكد باريتو على الدور الفاعل الذي تلعبه الرواسب في السلوك الاجتماعي والعلاقات الإنسانية ويجب توضيح أهمية الرواسب في النظرية الاجتماعية والاقتصادية عند باريتو، لكننا إذا تأملنا جملة الرواسب التي قدمها باريتو سوف نجد أنها ستة رواسب بالأساس، وأن جميعها غير موزعة بالتساوي بين أفراد المجتمع. لذا سعى باريتو إلى تقسيم الرواسب إلى قسمين أساسيين هما:
– رواسب دورات النخبة: نلاحظ أن من بين هذه الرواسب الستة راسبين أساسيين تكمن فاعليتهما الأقوى بين أفراد الصفوة (النخبة) بالأساس، وهما راسبي الميل الغريزي إلى تأسيس الترابطات حيث يكون هذا الراسب قوياً بين نخبة الثعالب الذين يوجدون في مختلف المجالات. وراسب الحفاظ على استمرار التجمع أو المجتمع، الذي يوجد بقوة بين نخبة الأسود وأن الحالة التي يتدخل فيها نوعي الرواسب في بناء النخبة، هي الفترة التي تكون فيها هذه النخبة في أضعف حالاتها.
أ- رواسب إقامة الترابطات والتجمعات البشرية: ويعني هذا الراسب امتلاك القدرة على التفكير والإبداع والخيال، كذلك يتميز حاملي هذا الراسب بالبيروقراطية لدفع البشر إلى بذل الجهود لتمكين التقدم الإنساني، سواء على المستوى الفرد أو المجتمع. يعمل البشر أو أفراد النخبة الذين لديهم هذا الراسب قوياً على تحقيق أو بناء الغايات أو الأهداف، وكذلك الدهاء والاحتيال بدلاً من المواجهة والعناد.
ب- رواسب استمرارية التجمعات والترابطات: حيث يؤدي إلى استمرار التجمعات، حيث تلعب تلك الرواسب دورها الهام في الحفاظ على بقاء أو استمرار هذه الترابطات بمجرد تأسيسها، إضافةً إلى التمسك بها والدفاع عنها بطبيعة الحال. ويشير وجود راسب استمرار التجمعات وبقاءها في إطار جماعة أو مجتمع معين إلى علاقة هذا الراسب بالتوازن الاجتماعي أو دورة النخبة.
ويشير باريتو أن الراسبين الأول والثاني ينحصران بطبقة النخبة الأسود والثعالب. فإذا كانت النخبة التي تسيطر على المجتمع تشغل سلوكياتها عناصر راسب الحفاظ على استمرار التجمع فإنها تتسق في سلوكها مع سلوك الجماهير وطموحاتها، أما إذا ضعفت رواسب هذه النخبة، وأفسحت الطريق لنخبة أخرى ذات رواسب قوية، هي رواسب تأسيس الترابطات، فإن التوازن الاجتماعي يهتز إلى أن تنجح الصفوة الجديدة في مخاطبة الجماهير، خاصة تلك التي تعكس رواسبها، ومن ثم يستعاد الاستقرار والتوازن الاجتماعي من جديد.
– الرواسب المؤسسة لوجود المجتمع: وفي هذا الإطار قدم باريتو أربعة رواسب تعمل بالإضافة إلى الراسبين السابقين لتوجيه سلوكيات الأفراد لتأسيس المجالات التي يتفاعل في إطارها البشر، والتي تشكل في مجملها وجود المجتمع. بمعنى أدق هي الرواسب التي تحدد السلوكيات العامة للجماهير بما فيها النخب. وتضم هذه المجموعة الرواسب التالية:
ج- رواسب التعبير عن العواطف بواسطة بأفعال خارجية: توجد هذه الرواسب عند عامة البشر وتتمثل الوظيفة الأساسية لهذا الراسب في ربط الإنسان الفرد من داخله بالوجود الاجتماعي الخارجي.
د- رواسب تكوين المجتمعات والانتماء إليها (الألفة الاجتماعية): تشير مجموعة الرواسب هذه إلى الحاجة إلى التوافق مع الآخرين والاتحاد معهم في إطار حالة الاجتماع والمجتمع. ويؤكد باريتو أن هذه لرواسب ترتبط بالحياة بالمجتمع بكل المعاني المتضمنة ذلك، تأكيداً لذلك نلاحظ حاجة البشر في المجتمع إلى تأليف الجماعات أو اتحادات معينة تضمهم.
ه- رواسب تكامل الشخصية: تؤكد هذه الفئة من الرواسب على وجود نوع من التكامل بين الفرد أتباعه أو ممتلكاته. وتتكامل رواسب هذه الفئة مع رواسب المجموعة السابقة، وتشير العواطف الفطرية أو المكتسبة، التي تدفع الإنسان إلى الدفاع عن ممتلكاته، بل العمل الجاد على زيادتها، ويرى باريتو أن هناك علاقة بين هذه الرواسب والتوازن الاجتماعي في المجتمع.
و- رواسب الغريزة الجنسية: يرى باريتو أن رواسب الجنس تشكل منطقة غريزية في بناء الإنسان، ولذلك فإن هذا الراسب يتميز بالطبيعة البيولوجية التي دفعت تطوير بعض الجوانب الثقافية المرتبطة بهذه الرواسب، ونظراً لمحورية هذه الرواسب فإننا نجدها تتجلى من خلال مشتقات عديدة ومتنوعة، مثل سلوكيات التقشف والتمسك، حيث يتجه بعض البشر إلى الحديث المتزايد عن الفضيلة أو التبشير بها، كوسيلة للتسامي بأفكارهم المرتبطة بهذه الرواسب ومحاولة لفرضها داخل الذات وعند الآخرين.
إن عملية تصنيف باريتو للرواسب – حسب وجهة نظري- تمكننا من تطبيقها في الواقع وذلك لأنها تتفق مع طبيعة البشرية من حيث إن عدد من أفراد المجتمع يولدون بإمكانيات فطرية تؤهلهم لأن يحتلوا أدواراً ومكانات مناسبة لهم في المجتمع مما يؤدي إلى إحراز عملية التقدم والإبداع والتطوير فضلاً لما يمكن أن يساهم في استقرار وتوازن البناء الاجتماعي، وذلك من خلال وجود راسب الربط والتوليف من حيث وجود عدد من الأفراد يمكنهم القيام بالاختراعات والابتكارات والذي من شأنه يسهم في تقدم المجتمع وتشكيل الحضارات واللحاق بركب التطور بالمجتمعات المتقدمة، وأيضاً وجود راسب المحافظة على التجمعات والارتباطات وذلك عندما يمتلكه الأفراد فإنه يؤدي إلى الحفاظ على المجتمعات من الزوال والاندثار، وأيضاً راسب الحاجة عن التعبير عن المشاعر والتي تتمثل في قيام الافراد في أداء العبادة والشعائر الدينية والذي من شأنه يشعر الأفراد بأنهم وحدة واحدة نتيجة لاشتراكهم في كثير من المظاهر الدينية والروحية والذي يعزز من تماسكهم وأيضاً لما يمثله من مظاهر الثقافة المشتركة، وأيضاً من خلال رواسب التكامل الذاتي والشخصي والتي تؤدي بالفرد إلى ضبط انفعالاته وسلوكياته نظراً لأنها تتعلق بمكانه الفرد وسمعته والتي من شأنها توطد علاقة الفرد مع الآخرين مما يسهم في تماسك البناء الاجتماعي، وأخيراً ما يتصل برواسب الجنس والتي تهذب من سلوكيات الأفراد في عملية التعامل مع العلاقة الجنسية استناداً على معايير والقيم الثقافية للمجتمع والتي تتخلف عن القيم الثقافية للمجتمعات الغربية والتي تبيح العلاقة الجنسية خارج الزواج من منطلق حرية الأفراد الخاصة والتي تختلف عن معايير المجتمعات العربية المحافظة التي تُشرّع ممارسة هذه العلاقة الفطرية بين الزوجين فقط وهذه المعايير المتفق عليها بين أبناء الشعب الواحد تساهم في تماسك أبناء المجتمع الواحد الذي يعزز تماسك البناء الاجتماعي.
خلاصة القول، إذا كان ” ماركس ” يرى أن الفروق في القدرات والإمكانيات ناتجة عن الاختلافات القائمة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بين الناس، فإن “ باريتو ” ينظر للمسألة نظرة عكسية تماماً، حيث إنه ينظر إلى هذه الفروق على أنها السبب وراء الاختلاف في المستوى الاجتماعي، ويرى أنها هي المحدد الأساسي للتركيب الطبقي في المجتمع، ولذلك فإنه من السهل أن نقول بأن ” باريتو ” يعد من رواد التفسير السيكولوجي للطبقات الاجتماعية. ومعنى ذلك أن النخبة لدى باريتو ليست نتاجاً لفعالية تاريخية اقتصادية كما يرى ماركس، ولا تستند في قوتها إلى قدراتها التنظيمية على نحو ما ذهب موسكا وميتشل، بل هي نتاج لما يسميه باريتو بالرواسب Residues وهي نوع من الخصائص السيكولوجية التي يتمايز من خلالها أفراد المجتمع، وقد دأب باريتو على استخدام مفهومه السيكولوجي عن الرواسب لوصف الميول السيكولوجية الفطرية القيادية في الإنسان.
4- المشتقات وطبيعتها: هي التبريرات العقلانية والمسوغات الفكرية للسلوك الاجتماعي أو الاقتصادي، تستند المشتقات على الرواسب، فالرواسب هي قاعدة السلوك ومنطلقه الحقيقي. بينما المشتقات هي الوسيلة التي تبرر السلوك الإنساني وتدعم شرعيته بحيث يكون مقبولاً ومتوافقاً مع حقيقة العالم الخارجي.
بذلك ينظر باريتو إلى ثنائية الرواسب والمشتقات باعتبارها انعكاساً لثنائية الفرد والمجتمع، وعلى هذا النحو فنحن نصنف بامتياز باريتو باعتباره من رواد المدخل الفردي، الذي يرى في وجود المجتمع نتيجة مباشرة لوجود الأفراد. حيث يرى باريتو أن ذات الفرد تحتوي على مجموعة فئات الرواسب التي تشكل في مجموعها المجتمع الخارج عن الفرد بمجالاته المختلفة. وإذا كان المجتمع يحتوي على ما هو اجتماعي وما هو ثقافي فإن كلا البعدين هو انعكاس لمستويين من الآثار والنتائج الناتجة عن فاعلية الرواسب. وإذا كان باريتو قد رأى أن الرواسب من الممكن أن تدفع البشر إلى إنجاز أفعال معينة، فإن هذه الأفعال، حينما تلتقي بأفعال الآخرين تشكل ما يمكن أن يسمى بالتفاعل الاجتماعي، ثم العمليات الاجتماعية ثم النظم أو المجالات الاجتماعية للمجتمع. وحينما تنظر إلى التبريرات اللفظية التي يقدمها البشر لأفعالهم، فإن هذه التبريرات تشكل مكونات أساسية في البناء المعنوي والثقافي للمجتمع. لذلك نجد أن المجتمع يتشكل من جملة المشتقات التي لها وجودها الخارجي عن الفرد والتي تعد انعكاساً لرواسبه الكامنة في داخل.
بناءً على ما يذهب إليه باريتو، تشير المشتقات إلى التعبير أو التجلي الخارجي للرواسب، ويتجه باريتو إلى تحديد المشتقات باعتبارها الأفعال والتبريرات التي يسعى في إطاره البشر أن يجعلوا سلوكهم غير المنطقي يبدو وكأنه منطقياً. في هذا الإطار نجدهم يقدمون في العادة تفسيرات منطقية زائفة لأفعالهم، ثم يعتقدون – خطأ – أن هذه التفسيرات سبباً لسلوكياتهم. وعلى هذا النحو لا تشتق المشتقات الأفعال أو التبريرات اللفظية قوتها من الاعتبارات المنطقية أو التجريبية، ولكن من الرواسب والعواطف المرتبطة بها أساساً. وإذا كانت المشتقات مشتقة من الرواسب الفردية، فإن انتشارها يستند بالأساس إلى سلطة المأثورات والمعاني السائدة في المجتمع، أو إلى سلطة الأفراد المسيطرين في المجتمع، أو إلى سلطة قوى ما رواء الطبيعة. غير أن هذه المشتقات تعتبر في التحليل النهائي مجرد لغو كلامي ليس له طبيعة جوهرية، إذ يكمن جوهرها في مختلف فئات الرواسب والعواطف المرتبطة بها.
وارتباطاً بذلك يرى باريتو أنه حينما يتجه الباحث إلى دراسة السلوك البشري، فإنه يدرس في الحقيقة الظواهر الاجتماعية باعتبارها تجليات أو إظهارات للنشاط البشري، التي تعتبر نواتج للرواسب الكامنة في عمق الذات الإنسانية. وفي هذا الإطار فإنه برغم تنوع المشتقات، فإن الرواسب التي تدفع إلى ظهورها تعتبر الجوهر الحقيقي في كل الثقافات. مثال على ذلك أننا نجد أن كل الثقافات تدين السرقة، باعتبارها تهز توازن رواسب تكامل الفرد مع توابعه غير أن كل ثقافة تقدم تبريراً مختلفاً لإدانتها لهذا السلوك السرقة، وبعبارة أخرى فإن القضية الجوهرية تتمثل في وجود عدد من المشتقات التي ترتبط بفئة واحدة من الرواسب التي لها فاعليتها الواضحة في وجود هذه المشتقات كتجليات لها، وبرغم تنوع هذه المشتقات فإنها تشترك في جذر واحد يتمثل في فئة الرواسب المحددة.
ويستنتج باريتو من تأمله لتنوع المشتقات إلى أن السبب الحقيقي لها ينبغي البحث عنه في فئة الرواسب الكامنة في عمق الذات الفردية. مثال ذلك أن البشر في كل مكان يعتقدون في مجموعة من الحقائق الموضوعية المتعلقة الإله والروح والتقدم والحرية والعدل، وأن هذه الحقائق قد تتفق أو تختلف بالنظر إلى بعضها البعض أو بالنظر إلى السياقات الاجتماعية والثقافية المختلفة، مثل اختلاف النظرية الدينية والفلسفية والأخلاقية التي تسعى لتفسير هذه الحقائق أو الموضوعات، غير أن تكتشف دائماً وجود حقيقة أو التقاء مشترك يؤكد على وجود جذور كل هذه التكوينات المتباينة في عنصر واحد، ثابت ودائم لا يتغير، يتمثل في هذه الحالة في فئة الرواسب الثانية، التي تؤكد على الميل إلى المحافظة على استمرار الجماعة وتحقيق التكامل الاجتماعي. واستناداً إلى ذلك يذهب باريتو إلى أنه من غير المفيد، أو من قبيل ضياع الوقت أن نناقش مدى مصداقية مذهب أو عقيدة معينة على معتنقيها باعتبارها منطقية أو حقيقية. أعنى المناقشة المتعلقة بالوجود التاريخي لرموز هذه المعاني أم لا. بل إنه على الإستراتيجية العلمية التي تسعى لتقديم فهم أو تفسير للحقائق، أن تتجه إلى تحليل إنسان المعتقدات المختلفة بهدف التعرف على مصادرها المشتركة المتمثلة في الرواسب الأساسية التي تشكل طاقتها الدافعة. حيث يصبح هذا الجهد هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن أن يساعد في تقدم العلم، وإيضاح تحقيق درجة من التنوير.
خلاصة القول، يصنف باريتو المشتقات (أي الأساليب التي يلجأ إليها الناس ليخفوا بها حقيقة أفعالهم ويبرروها) إلى عدة فئات هي: (1) مجرد التأكيد Simple affirmation أي ذكر حقائق واقعية أو متخيلة. (2) اللجوء للسلطة Authorityأي للتفسير الكاذب للأحداث عن طريق الاستعانة بقوة وسحر الماضي والتقاليد والعادات. (3) الاتفاق مع العواطف أو المبادئ accord with sentiments or principles وهي المشتقات التي تحاول تبرير الأفعال غير المنطقية على أساس الحقيقة المفترضة بأنها من أجل صالح الآخرين. (4) البراهين اللفظية Verbal proofs والتي تعني استخدام ألفاظ لا تتفق مع الحقائق واستخدام التشبيه والبلاغة.
وقد رأى باريتو أن هذه المشتقات ليست سوى أسباب كاذبة يقيمها الناس لسلوكهم. فالحقيقة في رأيه أن الناس لا يقومون في البداية بصياغة أفكار ونظريات ثم يتصرفون تبعاً لما تمليه عليهم أفكارهم ونظرياتهم ولكن العكس هو الصحيح فالناس يتصرفون أولاً ثم يبحثون عن أفكار ونظريات تبرر تصرفاتهم وليست هناك علاقة سببية بين الفكر التبريري (المشتقات) والفعل action فكلاهما نتاج الغرائز أو عواطف أساسية ثابتة هي الرواسب residues ويرمز باريتو للعاطفة الإنسانية، وهي المصدر الأساسي للفعل غير المنطقي بالرمز (أ) وللنظريات التي يفسر الناس بها سلوكهم (المشتقات) بالرمز (ب) والفعل بالرمز (جـ).
ويقصد باريتو القول بأنه على الرغم من أن هناك علاقة اعتمادية مبادلة بين (أ، ب، جـ) أي بين العواطف أو الرواسب والفعل والمشتقات) إلا أن (أ) تؤثر بشكل مستقل على كل من (ب، جـ) أي إن العواطف هي السبب المباشر لكل من الفعل والمشتقات أكثر من تأثير ب (أي المشتقات) على جـ (أي الفعل).
وقد أفرد باريتو جزءاً كبيراً من مجلده (مقدمة في علم الاجتماع) لتحليل ما أسماه الفلسفة العملية أي فلسفة عصر التنوير وخاصة النظريات الاشتراكية بوصفها أساطير لتبرير أفعال غير منطقية أي بوصفها مشتقات.
5- الأفعال: هي تلك التصرفات الظاهرة والملموسة concrete التي يمكننا ملاحظتها. وهذه الأفعال أما منطقية Logicalأو غير منطقية Non logical وقد سلّم باريتو منذ البداية أن غالبية أفعال الإنسان غير منطقية. وقد عرف باريتو الأفعال المنطقية بأنها ” تلك التي تستخدم أساليب مناسبة لأهدافها والتي تربط بين الأساليب والأهداف ربطاً منطقياً “. وهذا النوع من الأفعال لا يتوفر إلا في المجال العلمي والاقتصادي، أما ما عدا ذلك من المجالات فالغلبة للأفعال غير المنطقية، فالإنسان بطبعه لا عقلاني وتحركه قوى غير منطقية والأفعال غير المنطقية تنجم أساساً عن حالات سيكولوجية وعواطف ومشاعر لا شعورية، ووظيفة علم النفس هي بحث هذه الحالات ووظيفة علم الاجتماع هي وصف الأفعال غير المنطقية وتصنيفها وربطها بالعواطف أو بالرواسب الثابتة المؤدية إليها وبالتبريرات الفكرية التي يقدمها الإنسان لأفعاله غير المنطقية هذه وليس من وظيفة علم الاجتماع دراسة الأفعال المنطقية. وعلى ذلك فحين يقرر باريتو أن هدف علم الاجتماع هو دراسة المجتمع الإنساني بوجه عام وتقديم نظرية عامة عن المجتمع فإنه يعنى دراسة السلوك أو الفعل غير المنطقي ودوافعه وتبريراته وما يترتب على ذلك من تنظيمات اجتماعية.
هذه هي عناصر التحليل الأساسية في نظرية باريتو: الرواسب والمشتقات والفعل وقد استخدام باريتو هذه العناصر في تحليل المجتمع الإنساني ونظمه المختلفة. ويتضح من خلال عرضنا لهذه العناصر أن باريتو قد استند إلى المسلمات التالية:
(أ) إن أساس الواقع الاجتماعي سيكولوجي وفطري وبيولوجي (الغرائز، والعواطف، والرواسب).
(ب) إن هذا الأساس السيكولوجي ثابت وأبدي وأن هناك فروقاً ثابتة بين الناس وبعضهم البعض سواء بوصفهم أفراداً في مجتمع واحد أو بوصفهم مجتمعات مختلفة. فكل من الناس يولد مزوداً بدرجة معينة من كل الرواسب الست التي تحدث عنها وحظه من هذه الرواسب هو الذي يحدد مصيره.
(جـ) إن الإنسان غير عقلاني وغير منطقي بطبعه.
(د) إن الفكر في المجتمع نتائج للغرائز وليس سوى تبرير لها.
وهذه المسلمات التي يقيم عليها باريتو نظريته لا تنهض عليها أي أدلة إمبيريقية، بل إن الأدلة تنفيها في الحقيقة. وما حاول باريتو أن يقدمه كأدلة على صدقها ليس سوى على حد تعبير زايتلين، أمثلة انتقاها بطريقة عمدية من التاريخ ولا تزيد عن محاولة من جانبه لإيضاح فكرته وهذه المسلمات ذات طبيعة ميتافيزيقية وتتنافى تماماً مع ما إدعاه باريتو من صفة العلمية. كما يؤكد كوزر أن هذه المسلمات التي استند عليها باريتو قد ساعدته في تبرير إيديولوجيته وموقفه السياسي الذي طغى على جميع كتاباته. وقد استخدم باريتو هذه المسلمات في تفسير الحركات الاجتماعية التي يعارضها وفي تفسير التغير الاجتماعي وديناميات التاريخ.
ثانياً- دورة النخبة، وتداول السلطة بين الثعالب والأسود: يذهب التراث السوسيولوجي إلى أنه إذا كان كارل ماركس يعتبر المفكر الذي نظر للبروليتاريا، فإنه يمكن اعتبار باريتو، بنفس القدر، هو المفكر الذي نظر للبرجوازية (النخبة)، وإذا كان كارل ماركس قد شخص أصول حول البروليتاريا ورسم لها الطريق إلى السلطة لبناء المجتمع الاشتراكي فالشيوعي من خلال تحويل البرجوازية إلى بروليتاريا، وتحرير الدولة، فإننا نجد أن باريتو قد ناضل الرسم إستراتيجية تستطيع بها النخب البرجوازية تبادل السلطة وإمكانات القوة عازلة الجماهير عن الحركة التاريخية المتفاعلة، فالتاريخ تصفه النخب بعيداً عن تدخل الجماهير. في هذا الإطار يتطلب فهم نظرية الصفوة عند باريتو ضرورة التعرف على عدة قضايا أساسية، أولها، ما هي طبيعة النخبة، وأبعاد التحديد العلمي لها. ثم ما هي الاعتبارات الأساسية التي يمكن بالنظر إليها تناول قضية النخبة، إضافة إلى تناول خصائص النخب، ثم طبيعة دورة النخب في النموذج النظري لباريتو وسوف نحاول فيما يلي تناول مختلف هذه القضايا.
صنف باريتو الرواسب فيما يتعلق بدورة النخبة إلى مجموعتين: تتمثل المجموعة الأولى في رواسب التأمل والتفكير لتأسيس الترابطات (الثعالب)، وتتمثل الثانية برواسب البقاء والنظام والاستقرار (الأسود). ويوضح باريتو في هذا السياق أن هذه الرواسب تؤهل بعض أفراد المجتمع للوصول إلى مرتبة النخبة وممارسة السلطة بينما يفتقد إلى ذلك الأكثرية الكبيرة من أفراد المجتمع، ويتوسع باريتو في رؤيته هذه إذ يرى أن نمط الحكم وصورته يتحددان على أساس نوعية هذه الرواسب التي يتمثل أفضلها في النخب. فرواسب التأمل والتفكير تمكن النخبة من الحكم عن طريق الاقناع والترغيب، وترتكز على بناء التصورات والإيديولوجيات للسيطرة على الجماهير واستلابها، ولكن عندما تهيمن رواسب البقاء والنظام فإن النُّخبة تحكم بالقوة والهيمنة وتعمل استخدام أساليب القمع والتسلط والترهيب.
بمعنى آخر. إن رواسب دورات النخب تؤدي إلى أن تتشكل نخبتين: نخبة ” الثعالب ” ونخبة ” الأسود “. وفي الحالة الأولى يكون الراسب قوياً فيحدد طبيعة النخبة الحاكمة في مختلف المجالات. وفي الحالة الثانية تبدأ الرواسب في الضعف، وهو الأمر الذي ينعكس على ضعف النخبة، وإذا أدركت النخبة ذلك، فإنها تدعم ذاتها بعناصر لديها ذات رواسبها من بين الجماهير، وتستمر في جذب هذه العناصر حتى تستعيد النخبة قوتها، وتحافظ عليها قوية بصورة مستمرة. وفي الحالة الثالثة تضعف رواسب النخبة بدون أن يتم دعمها بعناصر من بين الجماهير لديها ذات الرواسب، وبذلك فهي تندفع إلى طريق الانهيار، لتقفز عليها النخبة المقابلة، وتستولي على الحكم بمعاونة الجماهير التي لديها ذات الرواسب المقابلة وبذلك يتحقق التغير الاجتماعي.
يعني ذلك أن باريتو يؤكد على وجود نخبتين وجماهير خاضعة لها، نخبة تحكم مزودة برواسب تأسيس الترابطات، قادرة على التجديد وتمتلك مهارة الحكم وأساليب الخداع التي بواسطتها تحافظ على السلطة تحت سيطرتها. غير أن هذه النخبة قد تضعف رواسبها بمرور الأجيال خاصة إذا ضمت لبنيتها عناصر لديها ذات الرواسب من بين الجماهير. ومن ثم يصبح مقدراً عليها أن تخلي الطريق النخبة جديدة تمتلك رواسب قوية تؤهلها للإمساك بالسلطة والسيطرة على الحكم. كل ذلك يحدث على مستوى الصفوات (النخب) بينما الجماهير بعيدة عن هذا التداول السياسي بين النخب، تحكمها جملة الرواسب التي تؤكد على ما هو قائم. ذلك يعني أن باريتو يطرح فئتين من الرواسب، أحدهما تؤكد على التغيير وفرض انهيار المجتمع القائم في مواجهة أخرى تؤكد على ما هو قائم وتحافظ عليه وتتمسك به، وأن فئات الرواسب هذه تؤدي فاعليتها على مستوى النخب، بينما الجماهير بعيدة تحكمها رواسب استمرار المجتمع والحفاظ على بنائه.
ويرى باريتو أن من خصائص نخبة الأسود الذين يقوى لديهم راسب الحفاظ على بقاء واستمرار التجمع ميلهم إلى السلوك المباشر، والرغبة في الصراع الصريح والقبول به إضافة إلى الميل إلى المواجهة لتجاوز العقبات دون الالتفاف أو الدوران حولها إلى جانب الميل إلى استخدام القوة، كما يميلون إلى النزعة التقليدية حفاظاً على ما هو قائم بدلاً من الميل إلى التجديد. كما يغيب الدهاء والمكر والحيل عن ممارسات هذه الفئة. إلى جانب ذلك يعني راسب الممارسات والمعتقدات الأخرى التي تستمر عبر فترات طويلة من الزمن بمعنى أدق تعتبر هذه النخبة تمثل القوى المحافظة اجتماعياً والأشخاص الذين ينتمون إليه لديهم مشاعر قوية بالولاء للأسرة والقبلية والمدينة والأمة وتظهر لديهم النزعات الوطنية والدينية ولا يهاجمون ويلجؤون إلى استخدام القوة والعنف عندما يجدون ضرورة لذلك.
ويشير وجود راسب استمرار التجمعات وبقاءها في إطار جماعة أو مجتمع معين إلى علاقة هذا الراسب بالتوازن الاجتماعي أو دورة النخبة. وذلك يرجع إلى أن الجماهير يقوى لديها راسب استمرار التجمع والحفاظ على بقائه، بحيث يؤدي تأكيدها على الراسب إكسابها طابعها القومي. فإذا كانت النخبة التي تسيطر على المجتمع تشغل سلوكياتها عناصر راسب الحفاظ على استمرار التجمع فإنها تتسق في سلوكها مع سلوك الجماهير وطموحاتها، أما إذا ضعفت رواسب هذه النخبة، وأفسحت الطريق لنخبة أخرى ذات رواسب قوية، هي رواسب تأسيس الترابطات، فإن التوازن الاجتماعي يهتز إلى أن تنجح الصفوة الجديدة في مخاطبة الجماهير، خاصة تلك التي تعكس رواسبها، ومن ثم يستعاد الاستقرار والتوازن الاجتماعي من جديد.
أما نخبة الثعالب الذين لديهم راسب تأسيس الترابطات والذين يوجدون في مختلف المجالات، فعند ضعف وانهيار نخبة الأسود وحدوث الاضطرابات السياسية والاجتماعية يبدأ عناصر من نخبة الثعالب بالتسلل إلى بناء النخبة ليصبح راسب تأسيس الترابطات هو الأقوى بين الجماهير، بحيث تصبح النخبة مختلطة أو انتشار الرواسب المتباينة بين الجماهير القائمة، بحيث تؤدي هذه الأوضاع إلى حالة اهتزاز التوازن الاجتماعي، سواء على مستوى النخبة أو الجماهير، ولتجاوز هذا الوضع القلق قد تقع الثورات، أو يؤدي تسلل بعض العناصر التي لديها هذا الراسب قوياً إلى بناء النخبة، فتقد طبيعتها التي تتسق عادة مع ما هو سائد بين الجماهير، ونفس الأمر تقوم نخبة مضادة حينما تبدأ النخبة الحاكمة في الضعف والوهن، بسبب الضعف الذي أصاب رواسبها.
أي إن نمط (الثعالب) لديه استعداد فطري للحركة على المستوى الاقتصادي، فهو يستطيع الدخول في مشروعات مالية كبيرة وأن ينشئ ويدمج الشركات ويعيد الدمج بينها، وكذلك على المستوى السياسي حيث يستطيع أن يعقد الاتفاقيات السياسية وأن يكون قوى سياسية ويمزج بينهما وأن يشيد إمبراطوريات سياسية والأشخاص الذين ينتمون إلى هذا النمط قادرون على الابتكار وعلى تجربة الجديد وعلى الخروج على المألوف ولكنهم لا يدينون بالولاء لأي مبادئ أو فضائل.
ويجب أن نشير إلى أن الانتقال من النخب الأولى إلى الثانية يكون سببه ضعف رواسب النخب الأولى، ولذلك فإذا عجزت عن جذب أعضاء من الطبقة الدنيا لديهم نفس رواسبها القوية، فإن تضطر إلى أن تعمل وفق سلوكيات تستند على رواسب غير رواسبها، ومن ثم تجد نخبة الأسود نفسها قد تحولت إلى ممارسة السلطة والحكم والإدارة بأساليب وممارسات تنتمي إلى رواسب الثعالب وبذلك تصبح فريسة سهلة لنخبة لديها رواسب الأسود القوية، تقفز عليها وتنزع السلكة والحكم فيها.
بالمقابل يخبرنا باريتو بأن الصراع الاجتماعي على المستوى الماكروسوسيولوجي أي المجتمع بأسره سيكون بين النخبة والعوام ويرجع الصراع إلى رغبة النخبة باحتلال مواقعها القيادية والحفاظ عليها لأطول فترة زمنية ممكنة وعدم اتاحتها المجال للعوام بمشاركتها في القوة والمسؤولية باستخدامها لرواسب البقاء وتأسيس الترابطات. بينما تريد طبقة العوام الوثوب الى مراكز النخبة واحتلالها للسيطرة على زمام القوة والحكم في المجتمع إذاً المنافسة الشديدة بين النخبة والعوام ترجع إلى رغبة كلا الطبقتين باحتلال مراكز القوة والمسؤولية، فالنخبة تريد الاستمرار بالمحافظة على مراكزها القيادية، بينما العوام تريد انتزاع مراكز القوة والمسؤولية من النخبة. وهكذا نستطيع القول بأن سبب الصراع بين النخبة والعوام يرجع الى الرغبة في الاستئثار بالحكم واحتلال المواقع الحساسة في المجتمع.
لذا تدخل النخبة في صراع مع العوام لأنها تريد الحفاظ على مراكزها القيادية والحساسة، بينما العوام يدخلون في صراع مع النخبة لأن الأخيرة تمنع العوام من الوصول الى مواقع النخبة، وأن العوام معرضون إلى احتكار واستغلال النخبة لهم ومنعهم من تحسين أوضاعهم العامة والخاصة. غير أن عمليه الصراع بين النخبة والعوام تتمخض عن نجاح بعض العوام من الوصول إلى مواقع النخبة وسقوط بعض النخب إلى طبقة العوام. وهذه الظاهرة يطلق عليها باريتو بظاهرة دورة النخبة التي يعبر عنها بنظريته المعروفة بنظرية دورة النخبة، وهي النظرية التي توضح سقوط النخب إلى طبقة العوام وارتفاع بعض العوام إلى طبقة النخبة.
يعتقد باريتو بأن النخبة على العموم لا تستطيع الحفاظ على مراكزها بصورة دائمة بل تتعرض للسقوط والنزول إلى العوام وذلك للأسباب الآتية:
1. تعرض النخبة للكبر والهرم والعجز وعدم القدرة على الاستمرار باحتلال مراكز القوة والتأثير.
2. عدم كفاءة النخبة بأداء المهام المطلوبة منها بسبب عوامل الكسل والحذر والترهل. فعندما تتعود النخبة على احتلال المراكز القيادية لمدة طويلة تتعرض إلى أمراض السأم والرتابة والروتين والملل. وهذه الأمراض تشل حركتها وتعطل نشاطها.
3. إحالة النخبة الى التقاعد بسبب المنافسة الشديدة بين أفرادها.
4. تعرض النخبة إلى حالات فضائح مالية أو سياسية أو أخلاقية مما عن ذلك سقوطها واختفائها.
5. تعرض النخبة إلى التآمر من قبل العوام إذ أن باريتو يسمي النخبة بطبقة الأسود ويسمي العوام بطبقة الثعالب فالثعالب يحفرون من تحت أرجل الأسود للإيقاع بهم واحتلال أماكنهم.
وهنا يقول باريتو بأن الارستقراطية هي مقبرة التاريخ، أي إن التاريخ يشهد سقوط وفناء الارستقراطية، والدليل على ذلك هو الذهاب الى المقابر التي نشاهد فيها رموز النخبة والارستقراطية من ملوك وأمراء وضباط كبار ورؤساء ووزراء…. إلخ
بناءً على ما تقدم نستنتج بأن سبب الصراع بين النخبة والعوام يكمن في الرغبة في الحصول على مراكز القوة والحكم، وأن أطراف الصراع هي النخبة والعوام وأن الصراع يقود إلى تحول المجتمع من مجتمع أقل ديموقراطية وإنسانية وحرية إلى مجتمع أكثر ديموقراطية وإنسانية وحرية.
ثالثاً- نظرية باريتو رؤية نقدية: رغم الانجاز النظري الكبير الذي قدمه باريتو، فإن المرحلة التاريخية السابقة للتنظير الاجتماعي قد شهدت تجاهلاً واضحاً لأفكاره وكان المنظرين في علم الاجتماع يردون له الصاع صاعين. فمثلما تجاهل باريتو فكر معاصريه تجاهله أحفادهم من ورثة التنظير الاجتماعي. لذلك لم تنتشر أفكار باريتو بدرجة كافية حتى تشكل أحد قنوات التطور والتراكم في تنظير علم الاجتماع، فلم يحدث تطوير المقولات باريتو بخاصة أنها شكلت طبيعة مختلفة عن طبيعة التنظير الكلاسيكي لعصر التنوير. وبرغم ذلك فإننا نجد أن باريتو قدم أفكار وتنظيراً ما زالت له وجاهته في إطار النظرية الاجتماعية المعاصرة. هذا إلى جانب أن كثيراً من أفكاره وقضاياه شكلت أساساً لنظريات اجتماعية عديدة كانت عبارةعن إنجازات عظيمة حققها التنظير الاجتماعي.
ويتجلى عمق وشموخ أفكاره من خلال تحليل السلوك الإنساني، ودور الرواسب والمشتقات في علاقتها بهذا السلوك، إضافة إلى تمييز بين الأفعال المنطقية وغير المنطقية، وعلاقة كل ذلك بفئات الرواسب الدافعة للسلوك الإنساني. بالإضافة إلى ذلك فإننا نجد أن نقده الحاد والصارم للطبيعة غير العلمية ككثير من النظريات الاجتماعية التي انتشرت في عصره، والتي مازالت لها وجاهتها حتى الآن، حيث نجده قد أكد أن هذه النظريات أسست برهنتها لفهم الواقع الاجتماعي تدخل في باب المشتقات، أي نمط من المتغيرات الوسيطة، التي برزت مستندة إلى الرواسب باعتبارها المتغيرات المستقلة المؤسسة للوجود الاجتماعي. وهو ما يعني أن باريتو قد وجه نظرنا – نحن الباحثين في علم الاجتماع – إلى العناصر أو المتغيرات ذات الدوام النسبي في بناء شخصيات البشر الأفراد، وهي المسؤولة في ذات الوقت عن تطوير بناء المجتمع، وهي ذات المتغيرات التي تشكل أساساً لتباين البشر، وتباين النخب، كما هي التي تساعدنا على فهم التدرج الاجتماعي ودورة النخب المسيطرة على السلطة والتي تتولى حكم وإدارة المجتمع، إضافة إلى نقده لإيديولوجيات التقدم ومفاهيم الديموقراطية والتضامن، بحيث شكلت أفكاره على كافة هذه الساحات أساساً لكثير من الأبنية النظرية التي طورها منظرون تحت تأثير أفكاره.
إلى جانب ذلك فقد قدم باريتو تصوراً للمجتمع باعتباره نسق اجتماعي يحقق بصورة دائمة توازناً دينامياً، أي متحركاً، وفي هذا السياق نجد أن باريتو يطور تصورا تميل فيه المجتمعات أو الأنساق الاجتماعية إلى اهتزاز توازن بسبب متغيرات طارئة عليها، ثم سعيها لاستعادة توازنها إذا طرأ على المجتمع أي اختلال لتوازنه، وهو هنا يقدم تصورا للتغير الدوري مرتبطاً بنمط التوازن الدوري، فتارة يستعيد المجتمع توازنه بعد تغيره استناداً إلى فاعلية رواسب تأسيس الارتباطات، فهي رواسب نخبة ” الثعالب “، وفي تارة أخرى يحقق التغير واستعادة التوازن على أساس فئة رواسب استمرار التجمع والحفاظ عليه، وهي رواسب ” الأسود ” وفي نطاق فهمه للتغير الاجتماعي نجد أنه لم يدركه بصيغة واحده أو على وتيرة واحدة، ولكنه ميز بين فترات يكون التغير فيها بطيئا، تتبعها فترات قد تشهد تغيرات سريعة وراديكالية، وجميعها صياغات نظرية تتفق إلى حد كبير مع الظروف والتفاعلات الواقعية.
وبرغم ذلك فإننا نجد أن باريتو قد وقع في مجموعة من المسائل التي تحتاج إلى توضيح كمفهومه عن الرواسب لم يكن محدداً بصورة واضحة، إلى جانب أن تحديد الرواسب تحديداً ذاتياً في جوهره بالإضافة إلى أن تحديد باريتو لها كان متأرجحاً، فتارة نجده يربط الرواسب بالتكوينات البيولوجية داخل الإنسان، وتارة أخرى يربطها بالدوافع، وتارة ثالثة يربطها بالعواطف، وتارة رابعة يؤكد أن الرواسب تشير إلى كل هذه العناصر، وهو الأمر الذي يجعل من الصعب تحديدها بدقة، خاصة وأن باريتو اسند إليها مهمة خطيرة، وهي تأسيس الوجود الاجتماعي من داخل الفرد، بل إننا نجده قد استنبط فيها بنية نظرية عن النخبة بكاملها، وإلى جانب عدم التحديد الدقيق لهذه الرواسب، وبرغم توضيحه لفئاتها، فإننا نجد أن الذات السوسيولوجية لم يهتم بتطويرها، وظلت الرواسب كما هي وكما طرحها باريتو، دون أن تلعب دوراً في تطوير تنظير سوسيولوجي أكثر دقة يتعلق بها.
فمن الطبيعي أن تثير نظرية باريتو موجة كبيرة من النقد لأنه لا يمكن اليوم تجاهل العوامل التاريخية والاجتماعية في تشكيل النخب وفي دورة بناء السلطة. فلا يستطيع أحد أن ينكر اليوم بأن القوى الاقتصادية تلعب دوراً تاريخياً في توجيه الحياة الاجتماعية. وعلى الرغم من أهمية نظرية باريتو ولكن لا يمكن الوثوق اليوم بقدرة السيكولوجيا وحدها على تفسير التاريخ والأحداث التاريخية. فالسيكولوجيا في النهاية نتاج لسلسلة من الفعاليات التاريخية (وسط اجتماعي). إذ كيف نستطيع اليوم أن نفسر وجود هذه النخب التي تقوم على معطيات الولاء للعائلة، والحاكم العسكري، والعرق والمحاصصة. وكيف نفسر وصول بعض الأفراد إلى الحكم وهم لا يملكون أي خبرة سياسية أو فكرية ولكن الظروف الاجتماعية والتكوينات التقليدية للمجتمع هي التي قادتهم إلى هذه المراكز العليا في الدولة والمجتمع. وهنا علينا أن نأخذ برأي عبد الرحمن الكواكبي الذي يصف هذه النخب في المجتمعات الاستبدادية حيث يقول: ” يكون أسفلهم طباعاً أعلاهم وظيفة وقرباً “. فالنخب في البلدان العربية التقليدية لا يمكن أن تعتمد على سماتها السيكولوجية، بل على معايير القرب من الحاكم، وعلى نسق علاقات الدم والقبيلة والطائفة، وعلى قيم الانتهازية والوصولية. أما الأذكياء والقادة الحقيقيين فهم في غمرة من التلاشي والعدمية في هذه المجتمعات حيث لا تنفع مواهبهم ولا قدراتهم السيكولوجية في الوصول إلى أي نقطة من نقاط التمركز النخبوي في المجتمع.
_______
– المراجع الأولية للدراسة:
– إبراهيم عيسى عثمان: النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2008.
– إحسان محمد الحسن: النظريات الاجتماعية المتقدمة – دراسة تحليلية في النظرية الاجتماعية المعاصرة، دار وائل للنشر، عمان، ط3، 2015.
– إرفنج زايتلن: النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، ترجمة: محمود عودة وإبراهيم عثمان، منشورات ذات السلاسل، الكويت، ط1، 1989.
– جورج ريتزر، جيفري ستيبنسكي: النظريات الحديثة في علم الاجتماع، دققه وراجعه علمياً: ذيب محمد الدوسري وآخرون، مكتبة جرير والجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية، الرياض، ط1، 2021.
– جوناثان ه. تيرنر: علم الاجتماع النظري – مقدمة موجزة لاثنتي عشرة نظرية اجتماعية، ترجمة: موضي مطني الشمري، دار جامعة الملك سعود، ط1، 2019.
– حسام الدين فياض: المدخل إلى علم الاجتماع (من مرحلة التأصيل إلى مرحلة التأسيس)، مكتبة الأسرة العربية، إسطنبول، ط1، 2021.
– سمير نعيم: النظرية في علم الاجتماع (دراسة نقدية)، دار المعارف، القاهرة، ط5، 1985.
– رث والاس، ألسون وولف: النظرية المعاصرة في علم الاجتماع – تمدد آفاق النظرية الكلاسيكية، ترجمة: محمد عبد الكريم الحوراني، دار مجدلاوي، عمان، ط1 (العربية)، 2011-2012.
– طلعت إبراهيم لطفي، وكمال عبد الحميد الزيات: النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، دار غريب، القاهرة، ط1، 1999.
– عبد العزيز الغريب: نظريات علم الاجتماع – تصنيفاتها، اتجاهاتها، وبعض نماذجها التطبيقية من النظرية الوضعية إلى ما بعد الحداثة، دار الزهراء، الرياض، ط1، 2012.
– عبد الله محمد عبد الرحمن: النظرية في علم الاجتماع (النظرية الكلاسيكية)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ط1، 2006.
– عباس محمود العقاد: فلاسفة الحكم في العصر الحديث، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط2، 2014
– علي بن محمد الكاشف: النظريات الاجتماعية – الاتجاهات والمذاهب الكلاسيكية، بدون دار نشر، ب. ت.
– علي ليلة: النظرية الاجتماعية الحديثة (الأنساق الكلاسيكية)، الكتاب: الثالث، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط1، 2014.
– محمد عاطف غيث: دراسات في تاريخ التفكير واتجاهات النظرية في علم الاجتماع، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1975.
– محمد عبد السميع عثمان: أسس علم الاجتماع – المفاهيم والقضايا، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة، ط1، ب.ت.
– نيقولا تيماشيف: نظرية علم الاجتماع (طبيعتها وتطورها)، ترجمة: محمود عودة وآخرون، مراجعة: محمد عاطف غيث، دار المعارف، القاهرة، ط5، 1978.
_____
*د. حسام الدين فياض/الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة/ قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً.
*المصدر: التنويري.