اجتماعالمقالات

معرفة متنازع عليها: النظرية الاجتماعية في أيامنا

عصر التنوير

صدر عن سلسلة “ترجمان” في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب معرفة متنازع عليها: النظرية الاجتماعية في أيامنا، وهو ترجمة مرسي الطحاوي العربية لكتاب ستيفن سيدمان بالإنكليزية Contested Knowledge: Social Theory Today. يقدّم هذا الكتاب أحدث الموضوعات في النظرية الاجتماعية، منذ التنوير وصولًا إلى ما بعد الحداثة وسياسة الهوية. ويتناول القضايا والسجالات الراهنة والحركات الاجتماعية الجديدة، ويستعرض النظرية الاجتماعية من منظور معاصر. ويكشف كيف حلّت شبكاتٌ من مجموعات المناقشة المركّزة “المستقلّة” نسبيًا، والمتعدّدة التخصّصات، محلَّ المُنَظّر العالمي الشمولي، ومحل عصر مدارس الفكر المتنافسة. كما يبرز الكتاب تحديثات وسجالات معمّقة لأحدث مجموعات المناقشة العنقودية عن النظرية الاجتماعية – العلاقة الحميمة، وقومية ما بعد الكولونيالية، ومفهوم “الآخر”. كما يتحدى علماءَ الاجتماع ليُجدّدوا التزامهم الدور الأخلاقي والسياسي الذي تضطلع به المعرفة الاجتماعية في الحياة العامة.

نشأة التقليد الكلاسيكي

يتألف الكتاب (592 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا)، من 23 فصلًا موزعة في ستة أقسام. في القسم الأول، “نشأة التقليد الكلاسيكي”، أربعة فصول. في الفصل الأول، “فكرة علم المجتمع: عصر التنوير وأوغست كونت”، يتناول المؤلف سيرة أوغست كونت ونظريته، ويقول إن سوسيولوجيي القرن العشرين الذين يستلهمون الرؤية العلمية شعروا بالحرج، نتيجة رغبة كونت في تحويل العلم إلى ديانة؛ “فهُم حاولوا أن ينبذوا اندفاعه النبوئي الديني هذا باعتباره إمّا انعكاسًا لتدهوره الفكري التدريجي وإمّا باعتباره، على الأقل، قابلًا لأن يُفصل عن انجازاته العلمية. لكن كونت كان في صميمه عالم الاجتماع رؤيويًا بُنيت رؤيته الأخلاقية في صميم سوسيولوجياه”.

ويقول سيدمان في الفصل الثاني، “نظرية كارل ماركس الثورية”، إن راديكالية ماركس السياسية سارت مع تحوله إلى النظرية الاجتماعية، وأصر ماركس على أن لا بد لأي برنامج للتغيير الاجتماعي من أن يستند إلى منظور نظري يسلط الضوء على المصادر الاجتماعية للصراع السياسي، وعلى الجماعات التي يحتمل أن تُحْدث التغيير. وبالاعتماد على كتابات علماء الاقتصاد السياسي والمؤرخين البريطانيين والفرنسيين، خلص ماركس إلى أن الفلسفة المثالية يلزمها أن تتنحى جانبًا، مفسحة الطريق لنظرية اجتماعية مادية، أي لنظرية تحلّل الاقتصاد السياسي للمجتمع.

سوسيولوجيا وتناقضية

ويرى المؤلف في الفصل الثالث، “وعود السوسيولوجيا: إميل دوركهايم”، أن رؤية دوركهايم الاجتماعية اندفعت إلى مركز الصدارة في مؤلَفه الأخير الأشكال الأولية للحياة الدينية الذي سعى فيه إلى شرح أصل الدين وطبيعته. وتمثلت فرضيته في أن المعتقدات الدينية هي في الواقع طرق رمزية لفهم قدرة المجتمع على تشكيل الفرد؛ إذ تُفسَر الطقوس الدينية بوصفها ممارسات دمج اجتماعي. فقبل ظهور حركة التنوير، كان الجنس البشري يفتقر إلى قوة العقل، لإدراك أن القوى فوق الطبيعية والروحية التي كانوا يفترضون أنها تتحكم في شؤون البشر كانت في الواقع قوى اجتماعية، مثل تقسيم العمل، والمعتقدات الثقافية، والقانون.

أما في الفصل الرابع، “نظرية ماكس فيبر الاجتماعية التناقضية”، فينقل سيدمان عن ماكس فيبر قوله إن المصالح والقيم الاجتماعية هي التي تعمل على هيكلة العلم وتتحكم في انتقاء مشكلاته ومقارباته المفاهيمية وتحولاته. إن هذا الفهم للهيكلة الاجتماعية للعلم هو الذي فرض على فيبر، على الرغم من إعلانه المبدئي الفصلَ بين العلم والأخلاقيات، أن يخلص إلى أنه ليس سوى “خط كحد الشعرة الذي يفصل العلم عن الإيمان”. هكذا، لا يزال فيبر يتفادى الفصل في هذه المسألة؛ فقد كان مقتنعًا بأن العلم يستهدي بالقيم، في انتقاء مشكلاته، وصوغ مفاهيميه ومعاييره المنهجية، وفي وظيفته التفسيرية.

إعادة النظر في التقاليد الكلاسيكية

في القسم الثاني، “إعادة النظر في التقاليد الكلاسيكية: السوسيولوجيا الأميركية”، ثلاثة فصول. في الفصل الخامس، “النظرية الكبرى لتالكوت بارسونز وبيتر بيرغر وتوماس لوكمان”، يرى سيدمان أن ثمة دافعًا ورؤية أخلاقيين يكمنان في صميم الجهد النظري الذي بذله بيرغر ولوكمان لا يقلان عما لدى بارسونز؛ إذ إن بيرغر ولوكمان وضعا عملهما في إطار اللغة العلمية، وخلصاه من الأحكام الأخلاقية الصريحة. مع ذلك، صاغا رؤية أخلاقية ليبرالية مناهضة بقوة للطوباوية، ومصوغة ضد تاريخ ألمانيا النازية الأسود. وتمثلت ليبرالية النظرية في الالتزام بقيمة الفرد بوصفه قوة نشطة خلاقّة، وبالمؤسسات التي تحمي حرية الفرد. إنها ليبرالية حذرة ومحتاطة.

ويقول المؤلف، في الفصل السادس، “النظرية العلمية لراندال كولينز وبيتر بلاو”، إن جهد كولينز لتمييز السوسيولوجيا، بصفتها علمًا، من السوسيولوجيا، من حيث هي شكل للأدب أو الفلسفة أو الأيديولوجيا السياسية، لم يكن مقنعًا. ولا حاجة إلى إنكار أن نظرية النزاع تقدم استراتيجيات إمبيريقية أو مفاهيمية مفيدة في ما يُزعم أيضًا أن السوسيولوجيا هذه تعرض رؤية أخلاقية للمجتمع. ويضيف أن ثمة تعبيرًا ساخرًا عن علموية بلاو، وهو أن قيمه الليبرالية الإنسانوية يعترضها ما أنتجه من سوسيولوجيا بنيوية علمية. ففي تفسيراته البنيوية وإقصائها للنيات الذاتية والتاريخ، تعرض السوسيولوجيا البنيوية صورة لمجتمع محكوم لقوى لاشخصية وغير عقلانية، وهي وجهة نظر اجتماعية تبرر من حيث المبدأ ذلك النوع من السياسة التسلطية التي يمقتها بلاو.

أما في الفصل السابع، “السوسيولوجيا الأخلاقية لتشارلز رايت ميلز وروبرت بيلّا”، فيعرض المؤلف نظرية تشارلز رايت ميلز، وينتهي بنظرية روبرت بيلا ويقول إن هناك شعورًا بالدراما العميقة في سوسيولوجياه؛ “فأميركا الحديثة تشهد أزمة ثقافية، حيث إن الثقافة الفردانية أضعفت لغةَ الالتزام الاجتماعي والفضيلة والجماعة والاعتماد المتبادل الاجتماعي. ولأزمة أميركا الثقافية صدى في السوسيولوجيا التي تهيمن عليها روح حل المشكلات والفردانية والنفعية”.

النظرية الأوروبية

في القسم الثالث، “إعادة النظر في التقاليد الكلاسيكية: النظرية الأوروبية”، ثلاثة فصول. في الفصل الثامن، “نظرية يورغن هبرماس النقدية”، ويجد المؤلف أن هبرماس لم يكن متشائمًا كليًا، “بل علق آماله على الحركات الاجتماعية الجديدة. وفي حين رأى ماركس في الطبقة العاملة آمالًا للبشرية، تطلّع هبرماس إلى الحركات الاجتماعية الجديدة لتقاوم استعمار عالم الحياة”.

ويقول المؤلف، في الفصل التاسع، “ستيوارت هول والدراسات الثقافية البريطانية”، إن على غرار هبرماس ومدرسة فرانكفورت، “سعى هول ومدرسة برمنغهام إلى إعادة النظر في الماركسية. إلا أنهم في النهاية صاغوا وجهة نظر اجتماعية انحرفت عن فكر ماركس في نواح مهمة؛ فبانتقال التحليل الثقافي إلى صلب التحليل الاجتماعي، وبحلول الحركات المتمحورة حول الهوية محل العمل – أو تكميلها له – بوصفها قوى التغيير الرئيسة احتفظت عمليات إعادة البناء المفهومي هذه بروح النقد الماركسية أكثر من احتفاظها بما في الماركسية من تحليل سياسي اقتصادي قائم على أساس طبقي”.

أما في الفصل العاشر، “السوسيولوجيا النقدية لأنتوني غيدنز وبيار بورديو”، فيقول سيدمان إن غيدنز يجادل قائلًا إن الحداثة لا تتميز بالعمليات القائمة على التفكر على المستوى المؤسسي وعلى مستوى العلاقات الشخصية فحسب، بل تتميز كذلك باستمرار التفاعل أو التغذية المتبادلة بين هذين المستويين. إن المعارف المتخصصة التي تنتجها المؤسسات لا تُدمج في الممارسات المؤسسية فحسب، بل وفي السلوك الفردي أيضًا. ويعتقد بورديو أن من الممكن أن نتجنب الخطأ المتمثل في تفسير الممارسات الاجتماعية العادية من خلال مصطلحات الهابيتوس الأكاديمي.

تحوّل ما بعد الحداثة

في القسم الرابع، “تصحيحات وتمردات: تحوّل ما بعد الحداثة”، ثلاثة فصول. في الفصل الحادي عشر، “العالم ما بعد الحداثي لدى جاك دريدا وجان فرانسوا ليوتار وجان بودريار”، وبحسب سيدمان، تُنشّط ما بعد بنيوية دريدا رؤيةٌ للمجتمع تحتفي بانتشار الأشكال المختلفة للحياة الفردية والاجتماعية. ويبدو الأمر كما لو أن ما بعد البنيوية ترغب في أن تكون نوعًا من التعبير العام عن جميع الاختلافات المضطهَدة (مثل النساء والأقليات الإثنية والمثليين). وبحسب المؤلف أيضًا، يطبّق ليوتار الهجوم التفكيكي ضد سلطة النص على مجال المعرفة والمجتمع. وجرى التخلي عن التنقيب عن الأسس الفكرية وعن الموضوعية واليقين والحقائق الشاملة. وبدلًا من النظريات العظيمة، وصف ليوتار الحالة ما بعد الحداثية ودعا إليها، وهي الحالة التي تُبرز انتشار خطابات متعارضة ومتعددة. وفي حين كشف ليوتار عن تحول من أشكال الخطاب الحديث إلى أشكال الخطاب ما بعد الحداثي، وصف بودريار تطورًا مماثلًا، لكن على صعيد اجتماعي وتاريخي أكثر عالمية.

في الفصل الثاني عشر، “المجتمع المنضبط لدى ميشيل فوكو”، يكتب سيدمان: “يكاد فوكو لا يذكر شيئًا عن الآمال الاجتماعية في المقاومة السياسية أكثر من الإبانة عن معارضته عهد النظام الانضباطي. إلا أنه كان واضحًا في أن دور المثقفين في سياسات النظام الانضباطي يتحول من مجابهة الواقع بالحقائق الشاملة إلى إنتاج تحليلات مفصلة للتشكل الاجتماعي لمجالات اجتماعية محددة، مثل الجنسانية والسجون والطب النفسي. هذا واعتبر فوكو أن الجينيالوجيا هي أحد الأشكال الممكنة التي يمكن أن تفترض الدراسات الإنسانية أنها جزء من السياسات المناهضة للانضباط”.

أما في الفصل الثالث عشر، “سوسيولوجيا ما بعد الحداثة لدى زيغمونت باومان”، فيقول المؤلف إن باومان رسم مخططًا لسردية شاملة عن التاريخ الغربي. وبانطلاق باومان من القصص التنويرية عن تقدم العقل والحرية، روى حكاية عن الضبط الاجتماعي وتقدم العقل بوصفهما فعل سيطرة. وفي حين أكد المنظّرون السوسيولوجيون الكلاسيكيون والمعاصرون أن الفصل بين الرأسمالية والاشتراكية هو المحل الأساسي للنزاع الاجتماعي والأمل الاجتماعي، استعاض باومان عن ذلك بالفصل بين الحداثة وما بعد الحداثة؛ فمن منظوره، تمثل الرأسمالية والاشتراكية تباينات اجتماعية في ديناميات الحداثة.

سياسات الهوية ونظريتها

في القسم الخامس، “تصحيحات وتمردات: سياسات الهوية ونظريتها”، أربعة فصول. في الفصل الرابع عشر، “النظرية النسوية/ دراسات الذكورة”، يرى سيدمان أنه لئن كانت الحركة النسائية هي الأداة السياسية لسعي النساء من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، فإن النسوية كانت أيديولوجية هذه الحركة؛ إذ تفسر النسويةُ مشكلات المرأة الشخصية، بأنها مشكلات ذات أصل اجتماعي وسياسي. يضيف: “يعمد الباحثون الجدد في مجال الذكورةِ إلى التنظير بشأن الجندر، سواء الأنثوية أو الذكورية، باعتبارها ممارسة اجتماعية؛ فبدلًا من مقاربة الجندر باعتباره مكانة أو حالة ثابتة، أو باعتباره ما يكون عليه المرء (على سبيل المثال، هوية يستبطنها المرء في أثناء نموه)، فإنه يُنظر إليه بمنظور أكثر أدائية وإجرائية باعتباره شيئًا يفعله المرء”.

ويقول المؤلف، في الفصل الخامس عشر، “نظرية العرق النقدية/ دراسات البيض”، إن الفرضية المؤسِّسَة للدراسات عن البيض تتمثل في أن البياض ليس أمرًا طبيعيًا، إنما هو جزء من منظومة عرقية مُشَكّلة اجتماعيًا. ويقال إن البياض هو الذي ينظم حياة كلٍّ من البيض وغير البيض.

خطاب استعماري

في الفصل السادس عشر، “نظريات المِثلية لدى الذكور والإناث وأحرار الهوية”، يخلص سيدمان إلى أن النظرية الجنسية والجندرية النقدية الحالية تقدم وجهة نظر اجتماعية جديدة لا في ما يتعلق بالمثلية فحسب، بل في ما يتعلق بالغيرية أيضًا. إن التحول من السلوك الجنسي إلى الهوية يتطلب تفسيرًا اجتماعيًا وتاريخيًا. وبالمثل، ربما تتطلب الطبيعة سلوكًا غيريًا ولكنها لا تتطلب أن تكون الجنسانية الغيرية هي المعيار الاجتماعي، وليس من المحتوم أن تصبح الغيرية مؤسسة أو منظومة سلطة؛ فهذه التطورات اجتماعية في أصلها.

ويرى المؤلف، في الفصل السابع عشر، “دراسات الخطاب الاستعماري”، أن الاستشراق كان من المقتضيات المركزية للإمبريالية الغربية، فكانت الأيديولوجيا الاستشراقية تحفز الاستعمار، حيث كان يُتخيل أن الغرب يحمل التقدم الاجتماعي والحرية إلى المشرق. ولو تُركت مجتمعات كالهند أو الصين أو السعودية أو مصر لنفسها، لانجرفت إلى الركود والصراعات الأهلية التي لا تنتهي، وإلى الاستبداد.

نظريات النظام العالمي

في القسم السادس، “تصحيحات وتمردات: نظريات النظام العالمي”، ثلاثة فصول. في الفصل الثامن عشر، “من الأمة إلى العالم: ديفيد هيلد وماري كالدور”، ينقل سيدمان عن ديفيد هيلد اعترافه بأنه سيكون من الصعب إرساء الممارسات الديمقراطية على المستوى العالمي، وسيُواجَه ذلك بمقاومة شديدة. ومع ذلك، فإن في ظل الديناميات الاجتماعية والسياسية الدافعة نحو العولمة والتي تقيد السيادة الوطنية، يكون الخيار إمّا حكم الدولة وإمّا كتلة من الدول الأشد قوة مع الفوضى والحروب، وإمّا إنشاء هيئات وممارسات ديمقراطية تتيح إمكانية وجود شكل مدني للنظام العالمي. من جهة أخرى، لدى ماري كالدور رأي مشوش في ما يخص التأثير الدولي للحركات الاجتماعية الحاثة على الديمقراطية؛ فمن ناحية، كانت هذه الحركات قد تمأسست في الشبكات المدنية العابرة للحدود، والتي تحافظ على اتصالات على مستوى القواعد الشعبية، بينما تواصل العمل من أجل العدالة والتغيير الاجتماعي. ومن ناحية أخرى، يجري تبديل هذه المنظمات بمنظمات غير حكومية، أو منظمات دولية غير حكومية.

يرى المؤلف، في الفصل التاسع عشر، “الرأسمالية العالمية: إيمانويل فالرشتاين ومانويل كاستلز”، أنه على الرغم من اعتراف فالرشتاين بصعود الحركات المعارضة للاقتصاد العالمي الرأسمالي، فإنه لا يتوقع أن يكون انهيار هذا الاقتصاد وشيكًا؛ فاحتمالات الثورة في الدول المركزية ضئيلة، ومن غير المرجح أن تمارس حركاتُ الطبقة العاملة في الدول الغربية الراديكاليةَ السياسية. ويتفق كاستلز مع فالرشتاين في أن أفضل فهم للنظام العالمي الحالي هو باعتباره نظامًا رأسماليًا عالميًا. ومع ذلك، يجادل كاستلز مؤكدًا أن هناك تحولًا في طبيعة الرأسمالية من كونها اقتصادًا موجهًا بالدرجة الأولى وجهة تصنيعية وخَدمية إلى رأسمالية من نوع جديد يسميها “الرأسمالية المعلوماتية”.

أما في الفصل العشرين، “عودة الإمبراطورية؟ مايكل هارت وأنطونيو نيغري وديفيد هارفي ومايكل مان”، فيرى المؤلف أن هارت ونيغري يتفقان مع الليبرالية الجديدة في شيء واحد مهم، وهو أن العصر الحالي عصر جديد؛ إذ إن النظام العالمي المحدَد بدول متنافسة تسعى للسيطرة الإمبريالية ليس نظامًا محددًا للوقت الحاضر. ويجادل هارفي بأن النزعة المحافظة الجديدة وسياستها الخارجية العدوانية والعسكرية ربما تكون ضارة بالتطور الرأسمالي؛ فالحروب تستنزف الاقتصاد وتعترض تنمية رأس المال. ولا ينكر مان طموحات الولايات المتحدة الأميركية الإمبريالية ولا ينتقص منها. ومع ذلك، فإنه يهدف إلى إظهار حدود القدرة الأميركية وفشلها في أن تصبح إمبراطورية متماسكة.

النظرية ما بعد التخصصية

في القسم السابع، “صعود النظرية ما بعد التخصصية”، ثلاثة فصول. في الفصل الحادي والعشرين، “نظريات ’الآخر‘”، يقول سيدمان إن صنع الآخر هو العملية التي يُستبعد من خلالها أشخاص معينون ومعهم الفضاءات التي يشغلونها، ما يُعتبر أنه الحياة العائلية – المدنية المشروعة للجماعة. إضافة إلى ذلك، تُحاط شخوص الآخرين بهالة من الخطر، وربما يصبحون محلًا للذعر الأخلاقي وسياسات التطهير. إن سكنى ذلك الفضاء الملوث أخلاقيًا يعني الحرمان من مجموعة من الحقوق المرتبطة بالوضع الشخصي والكرامة واستقلالية اتخاذ القرار.

ويقول المؤلف، في الفصل الثاني والعشرين، “الحياة الحميمية في الغرب”، إن اقتران الحب الرومانسي بالأنوثة أو بالنساء ظل مستمرًا حتى عندما تأكّل الانقسام بين الخاص والعام خلال القرن العشرين، كما هو ظاهر، مثلًا في عمل المرأة ومشاركتها الكاملة في السياسة والحياة الاجتماعية. لماذا؟ لأن في الوقت الذي ضعُف هذا الانقسام الجامد، استمرت النظرة إلى المرأة على أنها المسؤولة أساسًا عن الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال. وإلى ذلك الحد، كان لا يزال يُنظر إلى المرأة باعتبارها مصمَمة في الأساس لتترعرع في عالم الحميمية العلائقية.

أما في الفصل الثالث والعشرين، “القومية وأزمة أمم ما بعد الاستعمار”، فيرى المؤلف أن الاستعمارُ الأوروبي غيّر وجه الكرة الأرضية؛ “إذ يقدِّر بعض الباحثين أن بحلول الحرب العالمية الأولى، كان نحو 80 في المئة من العالم المتحضر يرزح تحت الهيمنة السياسية لحفنة من الدول الإمبريالية الأوروبية. ومن نواح كثيرة، انتهى ذلك العالم بقيام الحرب العالمية الأولى. هل يعني هذا أن الاستعمار انتهى؟ لا، لكن دينامية الاستعمار والقومية أصبحت مختلفة تمامًا في القرن العشرين”.

ستيفن سيدمان

أستاذ علم الاجتماع في جامعة ولاية نيويورك في مدينة ألباني. يعمل في مجالات النظرية الاجتماعية، والثقافة، والجنسانية، وعلم الاجتماع المقارن، ونظرية الديمقراطية والقومية والعولمة. تُرجمت مؤلفاته إلى اللغات الفرنسية والصينية والكورية والرومانية والفارسية والتركية والإسبانية. من أعماله: الليبرالية وأصول النظرية الاجتماعية الأوروبية (1983) Liberalism and the Origins of European Social Theory، وما بعد الحداثة والنظرية الاجتماعية (1992)Postmodernism and Social Theory ، والبناء الاجتماعي للجنسانية (2003) .The Social Construction of Sexuality

ترجمة: مرسي الطحاوي

عالم فيزياء نووية مصري ومترجم. عمل مدرّسًا وباحثًا في مؤسسة الطاقة الذرية في أنشاص، مصر. له أكثر من 85 بحثًا علميًا تم نشرها في مجلات دولية متخصّصة بمجالات الفيزياء النووية وغيرها من علوم الطاقة. أستاذ متفرّغ في هيئة الرقابة النووية والإشعاعية، وخبير استشاري في الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسكرتير العلمي لمجلة الفيزياء النووية والإشعاعية. من أعماله المنشورة كتاب الطاقة النووية السلمية في مصر والبلاد العربية (2013). ترجم عددًا من الكتب والوثائق والمنشورات العلمية. من ترجماته روايتان في كتاب واحد الفلاحون، والعنبر رقم 6 لأنطون تشيخوف (2016).
____
*المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. 

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات