رمضان شهر تتجلى فيه الرحمة والإحسان، وموسم للطاعة والعبادة، ورمضان شهر ينزل الله على عباده الرحمات، ويفيض عليهم من النفحات، ويوسع عليهم من الأرزاق والخيرات ويتجلى الإحسان والرحمة في قلوب الصائمين لأن المسلم يتذوق آلام الجوع والعطش فيشعر بما يقاصيه الفقراء والمحتاحين فيمد إليهم يد العون ويسعى جاهدا في تحقيق التقوى، قال عز وجل:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”،(سورة البقرة:183)،ويطمح إلى محبة الله تعالى، قال عز وجل :”وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (سورة البقرة:195) .
ويمكن تعريف الإحسان بأنه اسم جامع وعام لكلِّ ما يمكن أن يُحسن فيه المسلم، وله صور وتجليات كثيرة، كالإحسان إلى النفس والغير والبيئة لهذا جاء في الحديث “إن الله كتب الإحسان على كل شيء”[1]،وهو صفة من صفات الله عز وجل، وحري بنا أن نتمثل هذه الخصلة الحميدة لأنه سبحانه دعانا إلى الإحسان لأنه أحسن إلينا، فقال سبحانه: “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ” (القصص: 77).
وبين الصيام وإطعام الطعام تناسب كبير فرمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، فمن جاد على العباد جاد الله عليه وأحسن إليه، ومن صوره الإنفاق من المال الحلال وذلک إمتثالاً لقوله تعالى: “یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَیِّبَاتِ مَا کَسَبْتُمْ” (البقرة 267)، ومن حصد فضله، وحُسن عائده على المسلم لكسب الأجر والثواب إفطار الصائمين قال صلى الله عليه وسلم: “من فطّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً”[2]، كما ينبغي للمسم مراعاة مشاعر الآخرين، عند الإنفاق وأن يحفظ كرامتهم ويراعي الفاقة والحاجة التي تحيط بهم، إذ تؤکد الشریعه الإسلامیه على الإنفاق فی السر لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء وأقل إحراجا للفقراء كما جاء فی الحدیث الشریف “صَدَقَهُ الِّسرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ”[3]، وإن ما نشاهده اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي من توزيع القفف الغذائية للمحتاجين، والوصول إلى الأماكن النائية والأرياف العميقة لشيء يبهج النفس ويدخل السرور عليها، لكن ينبغي للمحسنين وجمعيات المجتمع المدني مراعاة كرامة هؤلاء الفقراء وعدم المساهمة في نشر معاناتهم وآلامهم.
ومن صوره كذلك، الإحسان إلى الناس بما ينفعهم من القول الحسن والكلمة الطيبة، قال تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” (سورة البقرة:83)، والفعل الحسن، وصدق التعامل، وبذل النصيحة، وتفريج الكربة، وإعانة الضعيف، وإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، والتصدق على المحتاج، وإرشاد التائه، وتعليم الجاهل، والتيسير على المعسر، والإصلاح بين الناس..، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟! فقال “إدخالك السرور على مؤمن: أشبعت جوعته، أو كسوت عورته، أو قضيت له حاجة”[4].
وكذلك من أجلّ صوره الإحسان إلى الأقارب، والأصحاب، وإلى الجار والمحتاج، قال سبحانه: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ” (النساء: 36، 37).
قال الإمام الشافعي رحمه الله: “أحبّ للرجل الزيادة في الجود في شهر رمضان، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم .
ومن صوره الإحسان إلى النفس والمصالحة مع الذات وتعزيز الصحة النفسية والروحية، وإلجام النفس وردعها عن السوء وحثها على ترك التكاسل والاجتهاد في أداء العبادات على أحسن وجه، فالمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه[5]، كما قال المصطفى عليه السلام.
ومن أبرز صور الإحسان في رمضان التكافل والتعاون وتقديم الإفطار للصائمين،إذ يمكن لكل واحد منا أن يبادر في مساعدة الآخرين بما يملكه وما يتوفر لديه، كبذل وقته في مساعدة الجمعيات الخيرية، والتصدق بالملابس المستعملة التي زهد فيها، ولعب الأطفال وملابسهم إلى اليتامى والأرامل والفقراء والتبرع لمؤسسات البر والإحسان والإغاثة وغير ذلك..، وقد يرى أن هذه الأشياء يزهد فيها في حين أن مجموعة من الفقراء والمحتاجين في حاجة ماسة إليها، فالأشياء البسيطة تولّد المحبة والرحمة في قلوب الناس، فإن هذا من أهم صور الإحسان الذي أمر به المسلم، والذي وعد الله تعالى عليه أجراً عظيماً، فقد آذن الله المحسنين بمحبته في آيات كثيرة، ووعدهم الجزاء والزيادة، والقرب منه سبحانه أي: من رحمته وفضله، وعدم ضياع أعمالهم وأجرهم كما قال سبحانه: “إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ” (سورة الأعراف:56).
فجودوا أيها الصائمون يبارك لكم، وأنفقوا ينفق عليكم، وقدموا لأنفسكم تجدوه عند ربكم، كان أبوذر رضي الله عنه يقول: “يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير، يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق”[6]
[1] أخرجه مسلم
[2] أخرجه الترمذي في أبواب الصوم
[3] أخرجه الطبراني
[4] رواه الطبراني في “الأوسط” وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب برقم/954
[5] النسائي السنن الكبرى ” 11794
[6] رواه أحمد في الزهد.
*المصدر: التنويري.