“سجّل يا نقب”.. معاناة الفلسطيني في صور
في النقب المنكوب، جنوب فلسطين المحتلة، حكايات لا تنتهي عن معاناة كبيرة في القرى غير المعترف بها إسرائيلياً، أو تلك التي يعترف بها الاحتلال على الورق فقط.
انتهاكات مستمرة لحياة ليست كالحياة، جعلت عددا من فتيان وفتيات النقب يختارون توثيق بعض الوجع في صور، صور عن التوق إلى الماء والكهرباء، ومدارس أسطحها من صفيح أو مفقودة كلياً، وعن الحاجة إلى بيوت تصلح لإيواء إنسان أو لا تهدمها الجرافات الإسرائيلية ليل نهار، وعن الكثير من الحاجيات الأساسية لأي إنسان، صور عن شجرهم الذي تقتلعه إسرائيل، وتزرع مكانه شجرا غريبا عنهم، وتصادر أراضيهم.
صور هذا الوجع القادم من جنوب فلسطين، وجدت لها مكانا على جدران جمعية الثقافة العربية في الناصرة، في معرض “سجل يا نقب”، مساء السبت، وهو نتاج عمل شباب من أربع قرى غير معترف بها، تم تأهيلهم على مدار عام، ضمن مشروع يحمل نفس اسم المعرض، بادرت إليه “جمعية الشباب العرب- بلدنا”، ومقرها حيفا.
الرسائل المصوّرة التي بعثها طلاب قرى: وادي النعم، الضحية، عوجان وأم بطين، تتجاوز قراهم، لتحمل همّ النقب كله.
حول مدرسة في وادي النعم، كتب المشاركون بجانب الصور: “ما تعنيه المدرسة ليس فقط أن يكتب شعار “العلم نور” على قميصها، إنما إبقاؤها على أرض أجدادنا. رغم كل الحرمان والصعوبات هو فعل من أفعال المقاومة”.
المعرض عبارة عن غرف صغيرة بأسقف من صفيح، وصوت مولد كهرباء يطغى على ضجة الأولاد حين يخرجون لاستراحة قصيرة، أو حين ينشدون أغانيهم الصباحية.
عن مدرسة تشكل نافذة الأمل الوحيدة، وتحاول السلطات إغلاقها ونقل طلابها إلى مدرسة شقيب السلام، بسبب ذرائع عديدة.
وتحدثت مركزة المشروع، نداء نصار، لـ”العربي الجديد”، مؤكدة أن “هدف المعرض التعريف بانتهاكات الحقوق في النقب، في سياق وطني وسياسي، بحيث يتمكن هؤلاء الشبان والشابات من التواصل مع ما يحدث، فهم أبناء المنطقة والبيئة، لكن ليس بالضرورة أن كل من هناك واع لقضاياه، نتيجة للسياسات الإسرائيلية التي تحاول أن تفصلنا عن واقعنا”.
وأضافت نصار أن كل بلد اختار قضية معينة، لكن القضايا في نهاية الأمر متشابكة، كانتهاك الحق في التعليم في قرية وادي النعم مثلا، والحق في السكن في عوجان. وفي المجمل يتناول معرض الصور السياسات التي يواجهها النقب.
“تم نقل المعرض إلى الناصرة، للتأكيد على أن قضية النقب قضية جميع الشعب الفلسطيني، ويفترض أن يُتعامل معها على هذا الأساس، لا على أنها قضية محلية”، بحسب نداء نصار.
من جانبها، تقول جميلة أبوكف، مرشدة إحدى المجموعات لـ”العربي الجديد”، إن “المشروع نجح في تعليم أساسيات التصوير للمشاركين، وإعطائهم الأدوات لاستخدام الصورة كسلاح، ليحكوا عن المشاكل والانتهاكات في قراهم، وتوصيل صوتهم للناس. إلى حد كبير نجحنا في هذا، وتمكن الطلاب من التقاط صور هادفة توصل رسائل مهمة. في السنوات الأخيرة هناك وعي أكبر بقضايا النقب والتفاعل معها. وهذا المعرض يلعب دورا إضافيا في هذا الوعي”.
أما الشاب يحيى ربيدي، أحد المشاركين في المشروع، فقال لـ”العربي الجديد”، إنه اختار المشاركة في المشروع “لأنه يعلم كيفية التمسك بالأرض والدفاع عن القضايا، وإيصال رسالتنا للآخرين والتأثير في الرأي العام. قبل هذا المشروع كنا نعبّر عن أنفسنا وقضايانا بالمظاهرات ونشاطات مختلفة، لكن التصوير له وقع خاص. هذه الصور تعبّر عن صعوبة حياتنا والانتهاكات بحقنا، وتوثّقها بطريقة لم نتبّعها من قبل. وجع النقب وصل من خلال صور في الصميم”.
وقال أمير أبوقويدر، الناشط في الحراك الشبابي لـ”العربي الجديد”، إن “هذا المعرض استمرار لعملية رفع الوعي، وتسليط الضوء على قضية النقب كعمق استراتيجي، وجزء من كل القضية الفلسطينية. التوثيق أبرز الوسائل التي استخدمناها، ورفع الوعي في القرى نفسها أمر غاية في الأهمية، والمشروع برمته تجربة فريدة ومميزة”.