
تمر المنطقة العربية بمرحلة دقيقة مليئة بالتحديات غير المسبوقة، التي أدت إلى ظهور مخططات دولية لإعادة رسم ملامح الشرق الأوسط. وقد كان لأحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من عدوان إسرائيلي همجي على قطاع غزة، أثر بالغ على الإقليم، محدثة سلسلة من التغيرات السريعة، بدءًا من سقوط نظام الأسد، وتراجع النفوذ الإيراني في الدول العربية، وتفاقم الأوضاع مع فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية وتصريحاته بشأن ترحيل سكان غزة إلى كل من الأردن ومصر.
ولأن الأردن يتمتع بموقع جغرافي قريب، وارتباط تاريخي بالقضية الفلسطينية، ويؤمن بأهمية التضامن العربي، فإنه يتعامل مع هذه المستجدات بحذر ومسؤولية. وقد سعت وسائل الإعلام الأردنية إلى شرح الموقف الأردني تجاه تلك القضايا، إلا أن الملاحَظ أن القنوات الفضائية، سواء الرسمية أو الخاصة، ما تزال تركّز في استضافاتها على عدد محدود من المسؤولين والخبراء الذين باتوا وجوهًا مألوفة للمشاهد الأردني، بينما يتم تهميش نخبة من أبرز الأكاديميين والشخصيات الوطنية المؤثرة في المجتمع. يضاف إلى ذلك، انتشار ظاهرة “الضيف الموسوعي” في تلك القنوات، دون مراعاة كافية للتخصص أو الخبرة الحقيقية.
في هذا المقال، نسلط الضوء على عدد من الشخصيات الأردنية البارزة، التي غابت عن شاشات الفضائيات المحلية رغم ما تملكه من علم وخبرة وقدرة تحليلية:
1. وليد عبد الحي
يُعتبر الدكتور وليد عبد الحي من أبرز المتخصصين في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الأردن. تحظى منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي بتفاعل واسع، وقد شغل سابقًا منصب رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك، كما عمل في جامعات عربية مختلفة. ألّف أكثر من عشرين كتابًا، من أبرزها: الدراسات المستقبلية في العلوم السياسية، المكانة المستقبلية للصين 1978-2010، إيران: مستقبل المكانة الإقليمية 2020، ومستقبل الفكر الصهيوني.
نال إشادة من رئيس الوزراء الجزائري الأسبق عبد العزيز جراد، الذي وصفه بأنه باحث يتمتع بوعي وطني وبعد علمي، كما حصل على الجائزة التقديرية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الحكومة الجزائرية. وجود عبد الحي في البرامج التحليلية السياسية من شأنه أن يثري المشهد الإعلامي برؤية عميقة قائمة على الخبرة والمعرفة.
2. فاطمة الصمادي
الدكتورة فاطمة الصمادي من الأسماء النسائية الأردنية البارزة في العالم العربي. درست الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك، ثم نالت درجة الماجستير في دراسات المرأة من الجامعة الأردنية، قبل أن تنتقل إلى إيران حيث أتقنت اللغة الفارسية، وأجرت بحوثًا معمقة عن المجتمع الإيراني من الداخل. حصلت على الدكتوراه في الاتصال الجماهيري من جامعة العلامة الطباطبائي، وعملت مراسلةً للجزيرة نت خلال إقامتها في إيران.
أصدرت عددًا من الكتب المهمة، منها: إيران في ميزان النخبة العربية، التيارات السياسية في إيران، والعرب وإيران: مراجعة في التاريخ والسياسة.
تعمل حاليًا في مركز الجزيرة للدراسات وتشرف على ملفات إيران وتركيا وآسيا الوسطى. تمتلك علاقات وثيقة مع عدد من المسؤولين الإيرانيين، مما يجعل تحليلاتها دقيقة وفريدة. على الرغم من ظهورها في قنوات عربية مرموقة، إلا أنها مغيّبة تمامًا عن الفضائيات الأردنية، التي تفضّل استضافة من لم يزر إيران يومًا، ولا يملك معرفة حقيقية بتاريخها.
الجدير بالذكر أن المفكر المصري عبد الوهاب المسيري كان من أبرز الداعمين لها وشجعها خلال دراستها في إيران، وظل يتواصل معها حتى وفاته عام 2008.
3. رحيل غرايبة
يُعد الدكتور رحيل غرايبة من أبرز الوجوه الفكرية في مسار الإسلام السياسي الأردني. درس في الجامعة الأردنية، حيث نال البكالوريوس، ثم تخصص في السياسة الشرعية ليحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الحقوق والحريات السياسية ضمن الشريعة الإسلامية.
في عام 2019، صدر قرار ملكي بتعيينه رئيسًا للمركز الوطني لحقوق الإنسان.
نشط في صفوف الحركة الإسلامية، وكان أحد قياداتها المعروفة، قبل أن ينفصل عنها بسبب تباين المواقف تجاه الربيع العربي، ليؤسس مبادرة زمزم، والتي تحولت لاحقًا إلى حزب المؤتمر الوطني “زمزم”، الذي تولى غرايبة أمانته العامة لثلاث دورات. قاد بعد ذلك عملية اندماج زمزم مع حزب الوسط الإسلامي، في كيان سياسي جديد حمل اسم “حزب الائتلاف الوطني”، وتولى منصب أمينه العام الأول.
قدم غرايبة رؤى تجديدية في الفكر الإسلامي، أهمها التنظير لفكرة الدولة المدنية وفصل الدعوي عن السياسي، ما أحدث نقاشًا واسعًا بين أوساط الشباب الإسلامي، وأدى إلى تحولات وانقسامات داخلية في صفوف التيار. ورغم أهمية طرحه، فهو غائب عن الساحة الإعلامية الأردنية، في وقت تشهد فيه حركات الإسلام السياسي تقلبات حادة في المنطقة.
4. موفق محادين
الدكتور موفق محادين يُمثل صوتًا معارضًا متميزًا في الأردن. يُعرف بميوله القومية وتوجهاته التقدمية التي تدعم حركات المقاومة، وتناهض السياسات الأمريكية. حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأردنية، وكتب أطروحة الدكتوراه عن الدور العربي لمصر في خطاب محمد حسنين هيكل.
عمل سابقًا في مركز الدراسات الفلسطينية بدمشق، ويترأس حاليًا رابطة الكتاب الأردنيين، كما ترأس سابقًا منتدى الفكر الاشتراكي، ويشارك في الجمعية الفلسفية الأردنية.
يحظى بتقدير من مختلف الأطياف السياسية، وله جمهور كبير، لا سيما من الشباب الذين وجدوا في أطروحاته الفكرية والتاريخية ملاذًا يعبر عن وعيهم وهويتهم. من مؤلفاته: نقد الخطاب العربي المعاصر، العلاقات الأردنية الفلسطينية، ودور الدين اليهودي (دراسة في التوراة والأنثروبولوجيا).
ورغم كل هذه الإسهامات، فإن محادين لا يظهر على الفضائيات الأردنية، وتبقى مشاركاته حكرًا على المؤتمرات والندوات.
5. ياسر أبو هلالة
يرتبط اسم الإعلامي ياسر أبو هلالة بقناة الجزيرة، حيث تولى إدارتها بين عامي 2014 و2018. قاد خلالها المحطة في واحدة من أكثر الفترات تعقيدًا، بما فيها تبعات الثورات العربية، وردود الفعل العنيفة للثورات المضادة.
خلال إدارته، تعرضت الجزيرة لهجمات عدة، بما في ذلك منع كوادرها من العمل في العديد من الدول، واعتقال بعض صحفييها، خصوصًا في ظل الأزمة الخليجية عام 2017، حيث طالبت دول الحصار بإغلاق القناة.
ومع ذلك، استطاع أبو هلالة أن يحافظ على بقاء الجزيرة، بل ووسع من منصاتها الإعلامية.
يحمل شهادة البكالوريوس في اللغة العربية من جامعة اليرموك، وبدأ مسيرته المهنية في الصحافة الأردنية، ثم انتقل إلى الجزيرة كمراسل ميداني، قبل أن يتولى إدارتها.
له أفلام وثائقية بارزة، منها: عبد الله عزام: أول الأفغان العرب، الطريق إلى بغداد، واقتلوه بصمت.
رغم هذا المشوار الإعلامي الطويل، إلا أنه لم يُدعَ إلى الفضائيات الأردنية كضيف، ولم يُستثمر حضوره وخبرته.
لا يتسع هذا المقال لذكر جميع الكفاءات الأردنية التي تم تغييبها عن الشاشات، لكننا نأمل أن يكون بداية للفت نظر أقسام التحرير والإعداد في القنوات الفضائية إلى هذه الثروات الوطنية ذات الحضور المحلي والدولي، والتي تستحق الظهور والمشاركة في صياغة الرأي العام عبر إعلام وطني متخصص، عميق، ومسؤول.