سأل أبا عبدالله، جعفر بن محمد، الصادق ع. (ت. 148 هـ) بعض أصحابنا عن الجفر فقال جعفر : هو جلد ثور مملوء علما” (أصول الكافي ج 1 ص 299) الجَفِير: جَعْبَةٌ أَوسَعُ من الكنانة من جلدٍ أَو خشب. (جامع المعاني) الجُفْرَةُ الحُفْرَةُ الواسعة المستديرة. (مختصر الصحاح).
قبل أن نسترسل في بحثنا العالمي هذا علينا التوقف عند ما كتبه الشيخ محمد رشيد رضا حول الجفر. وكما يتضح من تعليقه إنه يفترض أن الجفر كتاب، عندما نشر التالي في مجلة المنار التي يحررها :” أما كتاب الجفر فلا يُعْرَف له سند إلى أمير المؤمنين، وليس على النافي دليل، وإنما يُطْلَب الدليل من مدعي الشيء، ولا دليل لمدعي هذا الجفر ” انتهى من “مجلة المنار” (18/ 178) . في حين أن رواية الكليني تبحث عن حاوية جلدية اسمها “الجفر”. فمعنى الجفر في اللغة جعبة أو حاوية بها عمق وهي ذات قاعدة دائرية. والجفر إما يصنع من جلد الحيوان أو من الشجر (النخيل). علما أن الشيخ أكرم بركات وهو من علماء الشيعة (1968 -) ذكر في كتابه “حقيقة الجفر عند الشيعة” طباعة دار الصفوة بيروت (1995) أن الجفر جعبة ذات ألوان. فهناك جفر أبيض وآخر جفر أحمر. عليه ينطلق البحث من منطلق أنه في زمن لم تنطلق صناعة تجليد أوراق أو رقاع المصاحف فإن الجفر يلعب دور الحاوية الذي يحفظ بداخله جلود كتب عليها القران.
كما أن أحمد بن أحمد (ت 241 هـ) أخرج في مسنده عن طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج أنه كان لعلي ع. “قراب”. يقول صاحب الصحاح أن القِرَابُ : غِمْدُ السَّيْفِ ونحوِه. والجمع : قُرُبٌ، وأَقْرِبَةٌ. و القِرَابُ صِوانٌ من جلد يَضَعُ به المسافِرُ أَداتَهُ وزادَهُ. رواية أحمد بن حنبل هذه تتقاطع مع ما رواه محمد بن يعقوب الكليني (ت 329هـ) قرابة قرن من الزمان بعده.
أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج عليًّا كان يأمر بالأمر فيقال له: (فعلناه) . فيقول: صدق الله ورسوله. فقال له الأشتر: إن هذا الذي تقول؛ أهو شيء عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما عهد إليّ شيئًا خاصةً دون الناس إلا شيئًا سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي.
بخصوص محتوى أو محتويات الجَفْر أو القِرَابُ وأقصد تعبير من مثل “نَبَأُ مَا كان قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ” وهو تعبير متداول ويستخدم لنعت طبيعة محتويات الصحف المضمومة في جوف الجَفْرٌ أو القِرَابُ فتح شهية بعض الكتاب إلى تحويل مفردة جفر من معناها اللغوي الى مصطلح يعني عِلْمُ الجَفْرِ : عِلْمٌ يَبْحَثُ عَنِ الحُرُوفِ مِنْ حَيْثُ دَلاَلَتُهَا عَلَى مَعْرِفَةِ الحَوَادِثِ عَلَى انْتِهَاءِ العَالَمِ. في حين أن الرسول صلى الله عليه وسلم إستخدم هذا التعبير “نَبَأُ مَا كان قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ” لنعت القرآن الكريم. روى الترمذي في سننه: عن الحارِثِ الأعْوَرِ قالَ: …قال عَلِيّ، أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ: سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول: ألا إنها ستكون فتنة فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قالَ: كِتَابُ الله، فِيهِ نَبَأُ مَا كان قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبّارٍ قَصَمَهُ الله، وَمَنْ ابَتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلّهُ الله، وَهُوَ حَبْلُ الله المَتِينُ، وَهُوَ الذّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الّذِي لاَ تَزِيعُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الالْسِنَةُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلُقُ عَلى كَثْرَةِ الرّدّ، وَلاَ تَنْقَضَي عَجَائِبُهُ، هُوَ الّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتّى قالُوا: {إِنّا سَمِعْنَا قُرْآنَا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرّشْدِ فَآمَنّا بِهِ}، مَنْ قالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”.
كما أخرج أحمد من طريق قتادة عن أبي حسان أن أصحاب علي بن أبي طالب ع. لم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة فإذا فيها – فذكرت الحديث – وزاد فيه:
(المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على مَن سِواهم. ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهدٍ في عهده. (وقال فيه) :إن إبراهيم حرّم مكة، وإنّي أحرم المدينة ما بين حَرَّتَيْها وحماها كله، لا يُختلى خلاها ولا يُنفّر صيدُها، ولا تُلتقط لقطتُها، ولا يُقطع منها شجرةٌ، إلا أن يعلف رجلٌ بعيره، ولا يُحمل فيها السلاح لقتالٍ)، والباقي نحوه.
وذكر في موضعٍ آخر الكلام على حديث في باب إثم مَن تَبَرّأ من غير مواليه: وكان فيها أيضًا ما مضى في الخمس من حديث محمد ابن الحنفية أن أباه علي بن أبي طالب أرسله إلى عثمان بصحيفةٍ فيها فرائض الصدقة، فإن رواية طارق بن شهاب عن علي في نحو حديث الباب عند أحمد أنه كان في صحيفته فرائض الصدقة. وقال الحافظ: إن الصحيفة كانت مشتملة على كل ما ورد؛ أي فكان يذكر كل راوٍ منها شيئًا، إمّا لاقتضاء الحال ذكره دون غيره، وإمّا لأن بعضه ملمٌّ يحفظ كل ما فيها أو لم يسمعه، ولا شك أنهم نقلوا ما نقلوه بالمعنى دون التزام اللفظ كله، ولذلك وقع الخلاف في ألفاظهم، ولم يقل الرواة: إنه قرأها عليهم برمّتها فحفظوها أو كتبوها عنه؛ بل تدل ألفاظهم على أنه كان يذكر ما فيها أو بعضه من حفظه، ومَن قرأها لهم كلها أو بعضها لم يكتبوها؛ بل حدّثوا بما حفظوا، ومنه ما هو من لفظ الرسول – صلى الله عليه وسلم – ومنه ما هو إجمالٌ للمعنى كقوله: (العقل وفكاك الأسير) ؛ فإن المراد بالعقل: دِيَةُ القتل. وسميت عقلاً لأن الأصل فيها أن تكون إبلاً تعقل؛ أي تربط بالعقل في فِنَاء دار المقتول أو عصبته المستحقين لها. وقوله: (أسنان الإبل) في بعض الروايات معناه ما يشترط في أسنان إبل الدية أو الصدقة.
وفكاك الأسير ما يفك به من الأسير من فداءٍ أو مالٍ. ففي الصحيفة بيان ذلك، لا لفظ (العقل، وفكاك السير وأسنان الإبل) .
ويستدرك محمد رشيد رضا معلقا على بحثه حول محتويات قربة علي بن أبي طالب في مجلة المنار:
وجملة القول أننا لا نعلم أن أحدًا كتبَ عن أمير المؤمنين ما كان في تلك الصحيفة بنصه، ولا أنه هو كتبها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال في رواية قتادة عن أبي حسان أنه سمع شيئًا فكتبه. (مجلة المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 17 صفحة : 335).
فإذا كان لدى علي بن أبي طالب ع. جَفْرٌ كما تفيد رواية الكافي فعلينا البحث عن توفر الجفر الجلدية أو الجفر النباتية في المدينة المنورة؟ مما يدفعنا إلى التساؤل عن وجود صناعة دباغة الجلود؟ وهل كانت تلون باللون الأحمر والأبيض؟ وعن تواجد صناعة سف خوص النخيل، وخصفها، وصباغتها باللون الأحمر أو الأبيض؟ وإذا كان دور الجفر كملزمة تحتوي على جلود المصاحف؟ فعلينا البحث عن تاريخ الكتابة والخط المكي وأدوات الكتابة من جلود و أقلام وحِبْرُ و وأواني الدَواة لحفظ الحبر. ثم قمنا بتتبع دور علي بن أبي طالب ع. ككاتب عمل تحت إشرف الرسول صلى الله عليه وسلم على تدوين وكتابة القرآن الكريم.
أولا) إذا كان الجَفْرِ منتج جلدي فسنبحث في دَبْغ الجلود وتصنيعُها
الدباغة حرفة تقوم على أساس إصلاح جلود الحيوانات وإبعاد الصوف والشعر منها وتليينها وتنظيفها وتبديل رائحتها لكي تكون صالحة للاستفادة منها , والمكان الذي يتم إصلاح الجلود فيه ودبغها يسمى “المدبغة” .
وتتم هذه العملية بواسطة طرق خاصة وباستخدام بعض الأشجار المعينة والنباتات التي تفيد في هذه العملية , كما انهم أستخدموا بعض الأحجار الخاصة كالجير وغيره وهي تساعد في هذه العملية بعد سحقها.
النباتات التي تدخل في صناعة الدباغة قديما
نبتة القرظ وكانت أهم الأشجار المعروفة لديهم والمستفاد منها في الدباغة شجر ( القرظ ) وهي اجود ما يدبغ بثمره وورقه، وينبت في الصحاري والقيعان من بلاد العرب وكان يباع
في الأسواق في مدن الحجاز.
وقد اشتهر الصحابي رضي الله عنه سعد بن عائذ المؤذن الأنصاري (عاش سعد ر. إِلَى أيام الحجاج الثقفي) بتوريد وبيع شجر القرظ لصناعة الدباغة في المدينة المنورة حتى أنه كنّي بإسم سعد القرظ. وهو مولى عمّار بن ياسر ر. (37 هـ) وقيل مولى الأنصار ويقال اسم أبيه عبد الرّحمن، كان يتّجر في القرظ فقيل له سعد القرظ.
(العسقلاني (1415هـ). الإصابة في تمييز الصحابة. تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض. بيروت: دار الكتب العلمية. ج. 3. ص. 54. )
نبتة الشكعاء : تستخدم البذور في تجبين الحليب وذلك بفركها في الإناء من الداخل والحلب فيه فوراص فيتحول الحليب الى جبن في الاناء وينثر الماء المتبقي وتستعمل بذور نبتة الشكعاء لدباغة الجلود.
شجرة الطلح البري النجدى: منتجة الصمغ العربى (Gum Arabic)، بالنسبة لأزهار الطلح فهى تستعمل فى عمليات زراعة الورود، كما أنها تدخل فى إنتاج العطور ذات الرائحة العطرة والقوية، وتستعمل أوراق النبات وأزهاره كذلك فى العديد من الأغراض الطبية، فهو
يستعمل كأدوية للعلاج من الاعتلالات الجسدية تستخدم كذلك أزهاره لرعى النحل لتساعدكم على إنتاج العسل بأنواعه. فى حين أن خشب الطلح وهو السنط، يعتبر أحد أجود أنواع الأخشاب منذ العصور القديمة، يدخل لحاء الطلح فى دباغة الجلود.
صحابيات دبّاغات
وقد كان بعض نساء المهاجرين في المدينة يقمن بدبغ الجلود مما يدل على انهن كن يجدن هذه
الصنعة بمكة وانهن كن يعملنها ثم نقلنها إلى المدينة فكن يدبغن الجلود بها أيام الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد برع في هذا التخصص زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلى رأسهن السيدةُ زينب بنت جحش (20 هـ أو 21 هـ)؛ حيث كانتْ صَناع اليدينِ، فكانت تدبغ الجلود وتخرزها ووتبيعها وتتصدق بثمنها على الفقراء والمساكين . (رواه الحاكم في “الانتباه لما قال الحاكم ولم يخرجاه وهو في أحدهما أو روياه”، 343 – 4 \ 25 (6776).
وكذلك السيدة سَوْدَة بنت زَمْعَة (ت 23 أو 54 هـ)، كانت بارعة في دباغة الجلود الطائفية أو الأديم الطائفي، وهي الجلود القادمة من مدينة الطائف. (ذكره ابن عبدالبر 4 ج ص 1867 ).
ومن المتخصصات البارعات في الدباغة الصحابيةُ الجليلة أسماءُ بنت عُمَيس (ت 39هـ) زوجةُ جعفر بن أبي طالب(ت 8 هـ). فهذه أسماء بنت عميس زوجة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه تقول : لما أصيب جعفر وأصحابه دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دبغت أربعين منا وتعني بذلك أربعين رطلا من دباغ .( سيرة ابن هشام، ج2 ص380-381).
وقد أشتهرت مدينة الطائف بوجود المدابغ الكثيرة فيها وبكثرة إنتاجها من الأديم، يقول عنها الهمداني: ” الطائف مدينة قديمة جاهلية وهي بلد الدباغ يدبغ بها الأهب الطائفية المعروكة “وهكذا نرى وصف الهمداني لها بأنها بلد الدباغ مما يدل على كثرته فيها وشهرتها بالدباغ , وهو الحرفة الرئيسة لأهل الطائف بعد الزراعة إذ تعتمد عليه تجارتهم اعتماداً كبيراً. وذُكر “ابن المجاور” أن مدابغ الطائف كانت كثيرة، وأن مياهها كانت تنساب إلى الوادي فتنبعث منها روائح كريهة مؤذية (ابن المجاور، صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز، المسماة تأريخ المستبصر، القسم الأول “ص13”.)
حيث ان الجلود المدبوغة تصدر من الطائف عن طريق تجارة قريش وعن طريق سوق عكاظ وغيره من الأسواق المجاورة للطائف , حيث أن أديم الطائف كان يصل إلى الشام وفارس وإلى الحبشة , فكان ضمن هدايا قريش إلى النجاشي في الحبشة الأدم وهي الجلود المدبوغة وذلك حينما بعثوا عمرو بن العاص إلى النجاشي في محاولة من قريش لإيذاء المهاجرين المسلمين إلى الحبشة. ( سيرة ابن هشام، ج 2 ص 277).
وقد أورد د. جواد علي في “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” أن علماء اللغة سردوا أسماء مواد كثيرة استعملت في دباغة الجلود، وذكروا أيضاً طرقاً متعددة في كيفية الدبغ وفي أسماء الجلود المدبوغة والمواد التي تصنع من مختلف الجلود. والواقع إن اعتماد العرب الجاهلين على الجلود كان كبيراً، لأنها كانت متيسرة لديهم، وهي أسهل في العمل من الخثسب أو الحديد أو الأشياء الأخرى بالنسبة إلى عمال جزيرة العرب في ذلك العهد.
و “القرظ” من أهم ما استعمل في دباغة الأدم،يجلب فيطحن بحجر الطواحين، ثم يستعمل في الدباغة. ومن “العقيق” يجلب القرظ إلى مكة لاستعماله في الدباغة. وقد أشار بعض الأخباريين إلى ضخامة حجر الطواحين التي يطحن بها القرطْ. واستعمل “الغرف” في الدباغة كذلك.وعرفت الجلود التي تدبغ به بالجلود الغرفية، ومنها جلود يمانية وجلود بحرانية. وسقاء غرفي دبغ بالغرف. وكذلك مزادة غرفيه.
ومن المواد التي استعين بها في دباغة الجلد: “الدهناء”. وهي عشبة حمراء لها ورق عراض يدبغ به، و “القرضم” قشر الرمان، ويدبغ به. و”الشث” نبت طيب الريح مر الطعم يدبغ به، قيل ينبت في جبال الغور وتهامة ونجد. وذكر بعضهم “الشب” في جملة ما كان يدبغ به. و “الأرطى” شجر دبغ به، وعرف الجلد الذي يدبغ به بي “المأروط” وب “الأرطى”، وب “أديم مرطى”.
تلوين الجلود قديما
الأرطى: دخلت نبتة الأرطى منذ القديم في دباغة الجلود ويكون لون الجلد المدبوغ به أحمر شديد الحمرة. ويستخدم في دباغة وتلوين الجفر الأحمر والقربة الحمراء وأوطاب اللبن الحمر، حيث تبقى نكهة ورائحة الأرطى في الماء أو اللبن أو المحتويات من قراطيس، وهي نكهة مستحبة.
الشب: “غبار بلد الجبل الأبيض”: يستخدم الشب قديما كمادة دابغة وملونة بلون الأبيض للجلد. وتلوين الجفر الأبيض. كما ان تأثيرها علـى الأصـواف كـان واضـحاً إذ تجعلـه أكثـر حيوية ونصاعةً كما تتميز هذه المادة بأنها تعطي الجلد لمعاناً خاصاً في حين ان اللون الأبيض يعزى لعملية الدباغة. ( شذى صوفي (2004)، دباغة الجلود وصناعتها، ص 54).
المُغْرَة: حجر يستخرج منه صبغ أحمر بني مصفر يستخدم للغراء. هو صبغة أرض طينية طبيعية عبارة عن مزيج من أكسيد الحديديك وكميات متفاوتة من الطين والرمل.
وبشكل عام فان الجلود المدبوغة بالزيت تكون ذات لون أحمر في حـين تكـون الجلـود المعالجة بالمواد المعدنية كالشب ذات لون أبيض أما الجلود المدبوغة نباتياً فهي ذات ألـوان متعددة إذ قد تكون حمراء أو صفراء اللون وتتدرج إلى اللون الأحمر وفـق المـواد المسـتخدمة فـي الدباغة. ( شذى صوفي (2004)، دباغة الجلود وصناعتها، ص 60).
تسميات جاهلية تنعت بها الجلود قبل الدباغة وبعدها
الأديـم : وهو ما كان من الجلد قبل وبعد الدبغ
المحرم : وهو الجلد الذي لم يتم دباغته والمحرم هو جلد لم يدبغ
الافيق : وهو الجلد الذي يتم دباغته أو هو أول ما يكون الجلد في دباغته
السبت : وهي جلود البقر وكل جلد مدبوغ بنبات القرظ يسمى سبت أو المنسوب لليمن .
المـذاهب : وهـي سـيور الجلـد المدبوغـة وهـي جلـود مدبوغـة وممـوه بالـذهب أي يجعـل فـي
. تلك الجلود خطوطا مذهبة
الأرنـدج : وهـو الجلـد الأسـود المـدبوغ بـالعفص حتـى يسـود وقـد اشـتهرت صـعدة فـي الـيمن
. بإنتاج ذلك النوع من الجلود
الحــور: وهـي الجلـود البيضـاء الرقيقـة وهـي جلـود الضـأن وكانـت تسـتعمل كبطانـة للجلـود الأخرى.
النطع أو القضيم : وهي جلود بيضاء استخدمت في الكتابة عليها.
ثانيا) إذا كان الجَفْرِ منتج نباتي فسنبحث في صناعة الخصفيات
الخصافة
مسند الإمام أحمد (24813) عن عروة عن أبيه، قال: سأل رجل عائشة هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته شيئا، قالت: نعم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته. صححه الأرناؤوط .
مسند الإمام أحمد ( 11289 )
“إنَّ منكم مَن يُقاتِلُ على تَأْويلِه، كما قاتَلتُ على تَنزيلِه”، قال: فقام أبو بكْرٍ، وعمرُ فقال: “لا، ولكنَّه خاصِفُ النَّعلِ”، وعليٌّ يَخصِفُ نَعلَه.
عن هشام بن حسان، عن الحسن قال: كان سلمان الفارسي (رضي الله عنه) يأكل من سفيف يده” أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 62،
قال النعمان بن حميد: دخلت مع خالي على سلمان بالمدائن وهو يعمل الخوص فسمعته يقول: أشتري خوصا بدرهم، فأعمله، فأبيعه بثلاثة دراهم فأعيد درهما فيه، وأنفق درهما على عيالي، وأتصدق بدرهم، ولو أن عمر نهاني عنه ما انتهيت. أخرجه الطبراني (6110).
حرفة سف الخوص حرفة قديمة
مكونات السعفة
السعفة عبارة عن ورقة مركبة تتكون من قاعدة عريضة تسمى (كربة) وساق طويلة تسمى (جريدة) تنمو عليها وريقات تسمى (خوص) والمفرد (خوصة)، وينمو الخوص من قاعدة السعفة حتى نهايتها. في قاعدة السعفة أشواك يسمى (السلاء) ومفردها (سلاءة) وتكون بالقرب من كربة السعفة.
الخوص ورق النخلة الذي ينمو على الجريد
إذا كان الورق أخضرا سمي خوصا
إذا كان جافا سمي سعف كما يسمى السعف اليابس ( صريفة ).
ويميز الخوص على أساس ليونته أو خشونته
يسمى الخوص “اللبة” إذا كان ليّن وصغير الحجم. وبفضل ليونته يسهل تشكيله.
والثاني “عسب” إذا كان طويل وخشن. ويجب غمره بالماء حتى يلين ليسهل تشكيله.
والسمط إزالة الخوص من الجريد.
السف يعني تجهيز أوراق الخوص.
الخصف يعني تحويله إلى منتج.
وقد أورد ابن أبي الحديد في شرحه: “وكان تعلم (يعني سلمان الفارسي) سفّ الخوص من المدينة”. وهذا دليل على إنتشار صناعة الخصف.
تلوين خوص النخيل قديما:
قشر الرمان: يستخرج منه اللون الأحمر والبني
العصفر والزعفران: يستخرج منهما اللون الأصفر
ورق الحناء: الأخضر
أما حجر النيل فيستورد من الهند ويكسّر قطعا وينقّع في الماء ليلة مع نهار من أول الليل حتى يذوب ويصير ناعماً ويضاف إليه الشب والتمر والجير الخام ويقلب المكون مدة ثلاثة أيام حتى يكون جاهز للصباغة.
أما سبب إضافة المواد المذكورة إلى النيل فهي لتقوية اللون وتعميقه وتثبيته حتى لا ينث مع الوقت. ولكي يعطي لوناً أزرقاً قوياً.
ما زالت عرب الجزيرة العربية تستخدم إسم الجفر والجفير لتعني بذلك حاوية ذات قاعدة دائرية ومازالت تصبغه باللون الأبيض والأحمر على حسب طلب الزبون.
تاريخ الكتابة في الحجاز قبل الإسلام
فالمؤرخ البلاذري يذكر بأن الإسلام دخل وفي قريش سبعة عشر رجلاً كلهم يكتب، وكذلك ذكر الواقدي أن الإسلام جاء وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون وقد أحصاهم فبلغوا أحد عشر رجلاً على رأسهم سعد بن عبادة، والمنذر بن عمر، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت،
يُنظر: ((مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية)) لناصر الدين الأسد (ص: 77)، ((قصة الكتابة العربية)) لإبراهيم جمعة (ص: 30).
سردية وصول الكتابة إلى قريش
قال جلال الدين السيوطى (ت 911 هـ/ 1505م) في “المزهر في علوم اللغة وأنواعها”
ما نصه: المشهور عند أهل العلم ما رواه ابن الكلبي، أبو الحكم عوانة بن الحكم بن عوانة بن وزر الكلبي (توفي 147 هـ) [1]، قال: أول من كتب بخطنا هذا
هو الجزم مرامر بن مرة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن حدرة. كما في القاموس. وهم من عرب طيء تعلموه من كتّاب الوحي لسيدنا هود عليه السلام، ثم علموه أهل الأنبار، ومنهم انتشرت الكتابة في العراق والحيرة وغيرها،
فتعلمها بشر بن عبد الملك [ii] أخو أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل، وكانت له صحبة بحرب بن أمية فتعلم حرب منه، ثم سافر معه بشر إلى مكة فتزوج الصهباء بنت حرب أخت أبي سفيان. فتعلم منه جماعة من أهل مكة.
فبهذا كثر من يكتب بمكة من قريش قبيل الإسلام.
ولذا قال رجل كندي من أهل دومة الجندل، يمن على قريش بذلك:
لا تجحدوا نعماء بشر” عليكم – فقد كان ميمون النقيبة أزهر
أتاكم بخط الجزم حتى حفظتم – من المال ما قد كان شتى مبعثرا
وأتقنتم ما كان بالمال مهملا – وطامنتم ما كان منه منفرا
فأجريتم الأقلام عودا وبدأة – وضاهيتم كتاب كسرى وقيصرا
وأغنيتم عن مسند الحي حمير – وما زبرت في الصحف أقيال حميرا
“المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” (15 /107) .
وقيل : إن أول ما ظهرت الكتابة العربية بمكة من قِبل حرب بن أمية، وأنه تعلم الكتابة من أهل اليمن .
وقيل : بل أول ما ظهرت باليمن من قبل سفيان بن أمية عم أبي سفيان بن حرب، وأتته من قبل رجل من أهل الحيرة، وقال أهل الحيرة : أخذناها من أهل الأنبار .
وقال أبو بكر بن أبي داود عن علي بن حرب عن هشام بن محمد بن السائب قال : تعلم بشر بن عبد الملك الكتابة من أهل الأنبار، وخرج إلى مكة وتزوج الصهباء بنت حرب .
وقيل : إنه لما تعلم أبو سفيان بن حرب الخط من أبيه تعلمه منه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجماعة من قريش، وتعلمه معاوية بن أبي سفيان من عمه سفيان .
أما الأوس والخزرج : فعن سعد بن سعيد قال : كانت الكتابة العربية قليلا في الأوس والخزرج، وكان يهودي من يهود ماسكة قد علمها فكان يعلمها الصبيان، فجاء الإسلام وفيهم بضعة عشر يكتبون، منهم سعد بن زرارة والمنذر بن عمرو وأبي بن كعب وزيد بن ثابت – يكتب الكتابين جميعا العربية والعبرانية – ورافع بن مالك وأسيد بن حضير ومعن بن عدي وأبو عبس بن كثير وأوس بن خولي وبشير بن سعد .
“صبح الأعشى” (3 /13-15) .
وعن الشرقي بن القطامى قال: اجتمع ثلاثة نفر من طيئ، وهم مرامر بن مرة، وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة فوضعوا الخط، وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية .
فتعلمه منهم قوم من أهل الأنبار، ثم تعلمه أهل الحيرة من أهل الأنبار .
وقيل : إن بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك الكندى ثم السكوني صاحب دومة الجندل كان يأتي الحيرة فيقيم بها الحين، وكان نصرانيا، فتعلم بشر الخط العربي من أهل الحيرة، ثم أتى مكة في بعض شأنه فرآه سفيان بن أمية بن عبد شمس، وأبو قيس بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب يكتب، فسألاه أن يعلمهما الخط، فعلمهما الهجاء، ثم أراهما الخط فكتبا .
ثم إن بشرا وسفيان وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة فصحبهم غيلان بن سلمة الثقفى فتعلم الخط منهم .
وفارقهم بشر ومضى إلى ديار مضر فتعلم الخط منه عمرو بن زرارة بن عدس، فسمى عمرو الكاتب .
ثم أتى بشر الشام فتعلم الخط منه ناس هناك .
وتعلم الخط من الثلاثة الطائيين أيضا رجل من طابخة كلب، فعلمه رجلا من أهل وادى القرى، فأتى الوادي يتردد فأقام بها وعلم الخط قوما من أهلها .
وعن أبى بكر بن عبد الله بن أبى جهم العدوى قال : دخل الاسلام وفى قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب : عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح، وطلحة، ويزيد بن أبى سفيان، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وحاطب بن عمرو أخو سهيل بن عمرو العامري من قريش، وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومى، وأبان بن سعيد ابن العاصى بن أمية، وخالد بن سعيد أخوه، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح العامري، وحويطب بن عبد العزى العامري، وأبو سفيان بن حرب بن أمية، ومعاوية بن أبى سفيان، وجهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، ومن حلفاء قريش العلاء بن الحضرمي .
وقال الواقدي : كان الكتاب بالعربية في الأوس والخزرج قليلا، وكان بعض اليهود قد علم كتاب العربية، وكان تعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن الأول، فجاء الإسلام وفى الأوس والخزرج عدة يكتبون .
“فتوح البلدان” (3 /579) .
وقال الدكتور جواد علي :
” ويظهر أن اليهود قد تعلموا الخط العربي من عرب العراق وبلاد الشام، أو من التجار والمبشرين الذين كانوا يفدون إلى الحجاز، وأما القلم المسند، الذي هو قلم العرب الجنوبيين، فلم يكن مستعملًا في يثرب .
وفي جملة من كان يكتب ويقرأ من أهل مكة “حرب بن أمية “. وإليه ينسب قوم من أهل الأخبار إدخال الكتابة بين قريش . وهو أبو ” أبي سفيان بن حرب ” . وورد أن الذي حمل الكتابة إلى قريش بمكة ” أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة ” . فهو ناشر الكتابة على هذه الرواية بين أهل مكة، والاثنان على رأي أهل الأخبار من أقدم كتّاب مكة إذن، بل هما ناشرا الكتابة بها . وقد ذهب ” ابن قتيبة ” إلى أن ” بشر بن عبد الملك العبادي ” علم ” أبا سفيان بن أمية “، و ” أبا قيس بن عبد مناف بن زُهرة “
وقد ذكر ” السيوطي ” عن أبي طاهر السلفي في “الطيوريات” بسنده عن الشعبي، أنه قال : أول العرب الذي كتب بالعربية حرب بن أمية بن عبد شمس . تعلم من أهل الحيرة، وتعلم أهل الحيرة من أهل الأنبار ” .
وكان “حنظلة بن أبي سفيان” ممن يحسن الكتابة والقراءة بمكة . فقد ورد في الأخبار أنه كتب من مكة إلى والده أبو سفيان ” انتهى باختصار .
“المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام” (15 /115-118) .
كاتب صحيفة حصار شعب بن أبي طالب
أبرم كفار قريش وثيقة تعهدوا فيها أن يقاطعوا المسلمين ومن ساندهم وأن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلك كتبوا ذلك في صحيفة، ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم.
وكان كاتب الصحيفة كما ذكر ابن إسحاق منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ابن قصي. قال ابن هشام: ويقال النضر بن الحارث. فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشل بعض أصابعه. وقال الواقدي: كان الذي يكتب الصحيفة طلحة بن أبي طلحة العبدري.
كتاب الوحي عند ابن كثير ثلاثة وعشرين كما في البداية والنهاية
فقد اختلف أهل السير في تحديد عدد كتاب الوحي، فمنهم من جعلهم ثلاثة عشر، ومنهم من جاوز بهم العشرين، وجعلهم ابن كثير ثلاثة وعشرين كما في البداية والنهاية (ج 5 ص 505)، وهذه أسماؤهم كما أوردها، قال: أما كتاب الوحي وغيره بين يديه صلوات الله وسلامه عليه ورضي عنهم أجمعين فمنهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم ثم ذكر: أبان بن سعيد بن العاص، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأرقم بن أبي الأرقم واسمه عبد مناف، وثابت بن قيس بن شماس، وحنظلة بن الربيع، وخالد بن سعيد بن العاص، وخالد بن الوليد، والزبير بن العوام، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعامر بن فهيرة، وعبد الله بن أرقم، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه، والعلاء بن الحضرمي، ومحمد بن مسلمة بن جريس، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أجمعين.
وذكر عمر بن الخطاب أنه انتسخ -على عهد رسول الله- كتابًا من أهل الكتاب ثم جاء به في أديم (تقييد العلم – الخطيب البغدادي، 52ص – دار اللؤلؤة)
وكذلك كتب سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص دينًا على نفسه في قطعة أديم ابتغاها عند خراز قريب من بيته (المصعب الزبيري، نسب قريش: 178.).
القلم، الحِبْرُ و الدَواة في الجاهلية
قلَم :ما يكتب به. (مختار الصحاح)
الحِبْرُ :المِدَادُ يكتب به. (مختار الصحاح)
دَواة: مِحْبَرة، وعاء الحبر، قِنِّينَةٌ زُجاجِيَّةٌ يوضَعُ فيها الحِبْرُ. (مختار الصحاح)
واستخدم العرب في الجاهلية القلم. وعندما كانت تُلجئهم الحاجة إلى أن يسجلوا بعض شؤونهم، في وقت لا يكون معهم قلمهم المبري المقطوط ودويُهم الملأى بالمداد، كانوا يستخدمون غالباً مواد طباشيرية أو فحمية تترك أثرها على ما يكتب عليه. بل إنهم استخدموا أدوات حادةً كالسكين لنقش الكتابة على المواد الصلبة.
وربما سمي القلم: مزبرًا. فقد رُوي أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه دعا في مرضه بدواة ومزبر، فكتب اسم الخليفة بعده٧. قال الزمخشري: المزبر هو القلم؛ وأنشد الأصمعي:
قد قضى الأمر وجف المزبر
الدواة والمداد: وقد ورد ذكرهما كذلك في الشعر الجاهلي، قال عبد الله بن عنمة:
فلم يبق إلا دمنة ومنازل … كما رد في خط الدواة مدادها
حبر-مداد الكتابة عند عرب الجاهلية
العفـــص: وهــو نبــات كــان يتخــذ منــه الحبــر الخــاص بالكتابــة وكــان يصــبغ بــه الثيــاب
ويستعمل العفص في الدباغة حيث أنه يساعد علي حفظ الجلد ومنعه من التلف.
الكاتب علي بن أبي طالب ع.
استمراية التنزيل منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى صعود روحه المباركة إلى باريها خلق واقع تدويني إستثنائي. فهناك الحاجة الى كتاب وحي يقومون بتدوين المُنَزّل بشكل مؤقت في العسب، والكرانيف، واللخاف، وعظام الأكتاف والأضلاع من الشياه والإبل حتى يتم تدوينه لاحقا في الرقاع والجلود شبه النهائية. ومع إستمرار نزول التنزيل يتم مسح وتعديل وإعادة تفريغ محتوياته حتى تُسَطّر كافة أيات السورة المباركة في صيغة إكتمالها كما يبتغي الله العظيم في شأن كتابه العظيم.
كان لعلي بن أبي طالب ع. دور بارز ككاتب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذا الخوارزمي (ت 568 هـ) يروي في المناقب عن علي بن رباح (ت 114 هـ) قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب (ت 40 هـ) وأبي بن كعب (ت 30 هـ).
فكل جريانان حركة التدوين من على أسطح مؤقته ثم تحويلها رويدا رويدا إلى أسطر فوق الرقاع الختامية عملية مضنية كان لعلي بن أبي طالب دور فيها مع باقي طاقم كتبة الوحي المبارك.
ومما يدل على تدوين القرآن في حياة الرسول مارواه الطبراني، قال: حدثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا هدبة بن خالد ثنا مبارك بن فضالة عن أبي محرز: أن عثمان بن أبي العاص وفد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مع ناس من ثقيف فدخلوا على النبي فقالوا له: احفظ علينا متاعنا أو ركابنا فقال : على أنكم إذا خرجتم انتظرتموني حتى أخرج من عند رسول الله قال : فدخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألته مصحفا كان عنده فأعطانيه واستعملني عليهم وجعلني إمامهم وأنا أصغرهم.
(المعجم الكبير للطبراني، باب: عثمان بن أبي العاص كان ينزل:9/61/8393)
قال ابن حجر في فتح الباري: وقد كان القرآن كله كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور
ومثله مارواه أبونعيم، قال: “عثمان بن أبي العاص الثقفي، أنه وفد إلى رسول الله وهو ابن سبع وعشرين في أناس من ثقيف، فسأله مصحفا فأعطاه، وأمره على الطائف.” (معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني،باب:من اسمه عثمان:14/86)
إذا فإن القرآن الكريم كان مكتوبا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه كان متفرقا، ولم يكن مجموعا في موضع أو مصحف واحد.
هناك رويات تفيد أن أول من جمع المتفرق من القرآن الكريم بعد إكتمال تنزيله هو علي بن أبي طالب فيكون علي بن أبي طالب ع. بهذا قد سبق زميله في كتابة الوحي الصحابي زيد بن ثابت الأنصاري ر.
جاء فى فهرست ابن النديم الطبعة الثانية بمصر ( ص 47 ) ما هذا نصه :
قال ابن المنادى : حدثنى الحسن بن العباس قال : أخبرت عن عبد الرحمن بن أبى حماد عن الحكم بن ظهير السدوسى عن عبد خير عن على عليه السلام أنه رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأقسم إنه لا يضع عن ظهره رداءه حتى يجمع القرآن فجلس فى بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه، وكان المصحف عند أهل جعفر، ورأيت أنا فى زماننا عند أبى يعلى حمزة الحسنى رحمه اللّه مصحفا قد سقط منه أوراق بخط على بن أبى طالب ( عليه السلام ) يتوارثه بنو حسن على مر الزمان وهذا ترتيب السور من ذلك المصحف.
ثاني مصحف جمع فيه كامل القرآن بين دفتيه ما رواه البخاري أن أبو بكر الصديق ر. قال : إنك (يعني زيد بن ثابت الأنصاري ر.) رجل شاب عاقل، ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه،…. فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف، والعسب وصدور الرجال … وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر ر. حتى توفاه الله، ثم عند عمر ر. حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر ر..
حرص علي بن أبي طالب ع. على نشر العلم
ثم ذكر الخطيب البغدادي أن أمير المؤمنين علي قوله: “قيدوا العلم بالكتاب”. وفي هذا بيان واضح على أن الهمة مصروفة إلى الكتابة، حتى روى أحد التابعين – وهو عبد الله بن حنش – أنه رأى طلاب العلم في مجلس البراء بن عازب الأنصاري وهم يكتبون على أكفهم بالقصب. (تقييد العلم – الخطيب البغدادي – دار اللؤلؤة).
كتبت المقالة بفضل الله تعالى في ليلة 29 رمضان 1445هـ
________
[1] كان عوانة ابن الحكم بن عوانة الكلبي، نائب الوالي الأموي لخراسان في 727م ثم والي السند. وهو من قبيلة بني كلب، عاش في الكوفة. يعتبر عوانة مصدرًا مهمًا للروايات التاريخية في العصر الأموي. وكثيرا ما يُستشهد به في تاريخ الطبري، وتاريخ هشام بن الكلبي والمدائني.
[ii] بشر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندي أخو أكيدر بن عبد الملك ملك دومة الجندل في عصر ما قبل النبوة. يعود الفضل إلى بشر بن عبد الملك في نقل الخط العربي الشمالي (خط الجزم) إلى شبه الجزيرة العربية والحجاز ومكة، فقد علَّم بعض سادتها الخط العربي الشمالي بعدما كانوا يكتبون بالخط العربي الجنوبي المسند.
*المصدر: التنويري.