المقالاتمنوعات

الوقائع الجدليَّة في السيرة النبويَّة

التاريخ الإسلامي

صدر عن وكالة الصحافة العربيَّة صلى الله عليه وسلم  ناشرون ) بالقاهرة في مارس الجاري كتاب الدكتور بليغ حمدي إسماعيل صلى الله عليه وسلم  أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربيَّة بكليَّة التربية جامعة المنيا) كتاب ” الوقائع الجدليَّة في السيرة النبويَّة ” وهذا الكتاب لا يعد صحفاً متخصّصة في رواية التاريخ الإسلامي؛ إذ يؤكِّد المؤلف على  أن التاريخ وروايته يحتاج إلى منهج صارم وآليات ذات كفاية لا تحقّق إلا في ظلّ مفهوم العصمة والبعد المطلق عن الزلل، لكن المعرفة البشريَّة تظلّ دوماً قاصرة وعاجزة، لذا فهذه الصحف المقبلة تحتفي بقدر قليل من التأريخ وليس التاريخ أي ذكر الحدث والواقعة دون الإسهاب في تفاصيلها مع تحليلها والتعليق عليها ومدى الإفادة منها في حياتنا المعاصرة.

وقد جاء عنوان هذا الكتاب بمواضعة مغايرة قد يراها البعض طويلة، أو غير مألوفة، وجاءت التسمية مغايرة لما اعتاد عليه القارئ من عناوين مألوفة لكتب السيرة النبويَّة، أو تلك التي تروي وتحكي وتجمع من هنا وهناك القصص والحكايا والروايات التاريخيَّة فقط، لأن ما نريد تأكيده ـ هنا ـ أن معظم التفاصيل التاريخيَّة والوقائع التي جاءتنا من جهة الكتب التاريخيَّة والتي نطلق عليها في هذا الكتاب مجازاً النص السابق طفقنا نردّدها وتلهج ألسنتنا بذكرها صباح مساء ممارسين عليها كل صنوف التفكير من تعديل، وإضافة، وحذف ما لا يروق لطبائعنا، وعمليات مثل الاستقراء، والقياس، والتحليل، والتصنيف من جهة أخرى دون أن نربط بينها وبين واقعنا ومصير أمّتنا العربيَّة الإسلاميَّة.

لذا حرص المؤلف على التأكيد على العزم في أن تكون فصول الكتاب الراهن تتناول بعض الأحداث في السيرة النبويَّة تأكيداً على معاصرة أحداث السيرة لواقعنا من ناحية، وكذلك توجيه الناشئة إلى ضرورة بقاء الصلة المستمرة بينهم وبين سيرة الرسول العطرة صلى الله عليه وسلم من ناحية أخرى.

ويشير الكاتب بليغ حمدي إسماعيل إلى أنه ربما ونحن نزعم باهتمامنا بسيرة المصطفى  صلى الله عليه وسلم، لكننا في حقيقة الأمر لم نعي أنه لنا في هذه السيرة العطرة دروس وعبر وتجارب حياة في ظروف مشابهة، لكن الحياة الماديَّة التي تعتري حياتنا بقوة وفجاجة لم تترك لنا فرصة التقاط هذه التفاصيل التي من شأنها لو تمسكنا بها لن نضل أبدا.

وموضوع هذا الكتاب ومادته التي نقدّمها للقارئ هو الوقائع والأحداث التاريخيَّة المهمّة في السيرة النبويَّة، التي شكلت ملمحاً رئيساً من ملامح تفكير العقل العربي منذ القدم، ولا تزال تسيطر عليه، لكنه في ظل المتغيرات العالميَّة المعاصرة استطاعت ألا تدعه يفكر فيها بحدس، أو منطق، أو بنزعة تأويليَّة.

وربما يجد القارئ هذي الوقائع والأحداث غير مسردة بصورة زمنيَّة ” نفسيَّة” متواترة، لأن ما اقتضيناه من منهج لا يخضع لسلطة الترتيب الزمني للأحداث، إنما الحدث ذاته والحالة التاريخيَّة الفاصلة في حياة الإنسانيَّة كلها، والقضيَّة التي تكمن فيها، محاولين تأويله ـ الحدث ـ بصورة تحليليَّة قد يطمئن القارئ لها، ذلك الذي يركن لسطوة الماديَّة التي حاصرته من كل جانب.

ويؤكد الكاتب في أكثر من موضع بالكتاب أنه من آلاف السائلين، ومعهم أيضاً الذين يوجهون هذا السؤال: هل هناك ضرورة لإعادة كتابة السيرة النبويَّة؟ ويجيب: أنا معهم حينما يهرعون إلى المنهج العلمي باستخدام الأسئلة الموجهة غير المبهمة. وهو طرح مشروع حقاً، ولكن الذي ينبغي علينا أن نؤكّده في هذا الصدد أننا نعيد قراءة تاريخنا الإسلامي لا كتابته وروايته، فإعادة القراءة هي إعادة تأويله وتفسيره، لأن التاريخ الإسلامي يحمل دلالات الحاضر أكثر مما يتعلَّق بالماضي، فنحن لا نتعامل مع قصَّة مثيرة تدغدغ مشاعرنا وأعصابنا، بل نتعامل مع حالة تاريخيَّة مهمَّة في تاريخ الإنسانيَّة كلها.

وربما تفسر هذه الحالة التاريخيَّة هذا العجز العربي الراهن والمزمن في مواجهة التغييرات التي تحدث من حولنا، بالإضافة إلى ما تحتاجه الذهنيَّة العربيَّة إلى تجديد وعيها بتاريخها، بل تجديد وعيها بذاتها. وكتابة السيرة النبويَّة ـ لا بشكلها التأريخي التتبعي من الميلاد إلى الوفاة ـ بأحداثها ووقائعها الجدليَّة المضطربة والمضطرمة سياسياً واجتماعياً ـ أحيانا ـ في فهمها تساعدنا في تحليل واقعنا الراهن، ونحن بصدد التصدِّي لمشكلات معاصرة مائجة، وتساؤلات تبحث عن مرفأ لليقين.

لقد استنزف هذا العقل العربي المسلم معظم أفكاره، وخارت قواه التي طالما حاول الاحتفاظ بهيكلها الخارجي،دون أيديولوجيَّة أو إطار مرجعي يمكن الاستناد أو الاعتماد عليه، وكان من الأحرى حقاً استعادة الوعي التاريخي بالمهاد الإسلامي؛ قراءة، وكتابة، وتأويلاً، وتحليلاً، بدلاً من سباق محموم في دفع التهم والنقائص المكتسبة عن الذات.

وهذا الكتاب وفصوله، ما هو إلا التفاتة موجّهة للقارئ العربي لإعادة فكره ونظره إلى استقراء التاريخ الإسلامي بوجه عام، وتاريخ الفترة المحمديَّة على وجه الخصوص، رغبة منا خالصة للاستفادة بسيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، فتعرف سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأمور المهمَّة والضروريَّة لكل مسلم، ففيها نفع وبصيرة وعلاج لمشكلات الإنسان المعاصرة.

ويقع الكتاب في عشرة فصول هي عن الذاكرة الحافظة، السِّيَاقُ التَّارِيْخِيُّ لِكِتَابَةِ السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّة، مَهَادُ النَّسَبِ الشَّرِيْفِ، حَيَاةُ العَرَبِ وحضارتهم وأقوامهم، صَبَاحٌ جَمِيْلٌ عَلَى مَكَّةَ، اِقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَم، الصبر على الشدائد،الهجرة إلى الحَبَشَة، الإسْرَاءُ والمعْرَاجُ، المُهَاجِرُ العَظِيْمُ.

كتاب الوقائع الجدليَّة في السيرة النبويَّة 

المؤلف: بليغ حمدي إسماعيل

الناشر: وكالة الصحافة العربيَّة صلى الله عليه وسلم  ناشرون ) القاهرة 

سنة النشر: مارس 2021

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات