يُعدّ الفن مرآة المجتمع وما هو إلا انعكاس للواقع المحيط بالأفراد المكوّنين لهذا المجتمع. ولكل مجتمع فن خاص به يعكس أحداثه وكل ما يجري فيه. فلكل مجتمع ثقافته وفنّه الذي يعبِّر عنه يعتبر مرآته الذي يعكس فيها أفكاره ولغته في حين نجد أنواعًا وأشكالًا كثيرة يمكن أن يعبر عن فكر ومكنون وثقافة. كل مجتمع الخاصَّة به.
فهناك الدراما والأغاني والسينما والمسرح كلاً بطريقته. وممَّا لا شكَّ فيه أن كل مجتمع يختلف في العادات والتقاليد بما معناه يختلف بثقافته عن المجتمعات الأخرى يفضّلون شكلاً فنياً آخر، لا بل قد يختلف المجتمع الواحد بين أفراده بثقافاتهم، يحملون ثقافات مختلفة ربما لاندماجهم واختلاطهم مع الثقافات الأخرى.
نجد أنَّ النقَّاد والكتَّاب والشعراء يعبِّرون في كتاباتهم يصفون الحياة الواقعيَّة في كتبهم وعلى سبيل المثال نجد شعراء. الجاهليَّة يختلفون عن شعراء العصر الحديث حتى الدراما القديمة تختلف عن الدراما في وقتنا الحالي. وذلك لاختلاف الأجيال واختلاف الظروف والأوضاع ومتغيرات الواقع المعاش فالتغيُّر سنّة الكون. سنتناول الدراما كنموذج للفن في المجتمعات فالدراما نوع من أنواع الفن له أهميته؛ نظراً لأنَّها تعدّ مرآة المجتمع تحاكي الواقع وتعبر عنه وتصفه. بقدر الإمكان بطرق وأساليب متنوّعة وفي حياتنا اليوميَّة بأصغر تفاصيلها.
“تعدّ الدراما التلفزيونيَّة..
قوَّة ثقافيَّة مؤثِّرة في المجتمع لا يستهان بها وذلك بسبب انتشارها الواسع وقدرتها على الإبهار. واستيلاءها على أوقات المشاهدين. فالرسالة الدراميَّة لها قدرة كبيرة على تخطِّي الحواجز الأميَّة وصولاً إلى الجماهير حيث تنفذ الرسالة الدراميَّة. إلى جماهيرها وتؤثِّر فيهم بأسلوب غير مباشر. كما أنَّ الدراما التلفزيونيَّة تساهم في عمليَّة البناء القيمي للإنسان بشرط أن تشتمل على مضمون جيِّد وهادف يعكس واقع القضايا والمشكلات في المجتمع الذي تقدم فيه. لتزويد المشاهدين بالفكر الراقي وبثِّ القيم والسلوكيات الإيجابيَّة المدعمة للمسؤوليَّة الاجتماعيَّة للقائمين على العمل الدرامي.”(1)
لا بد من الاعتراف بقدرة الفن على تغيُّر الطريقة التي ننظر بها إلى العالم سواءً في المحتوى الثقافي أو العلمي. أو الأخلاقي، وخاصَّة متابعي الدراما واسع وكبير جداً حيث. نلاحظ من الأطفال من متابعي الدراما ومحبّيها قبل الكبار ومع تطوّر وسائل التكنولوجيا. ووسائل التواصل الاجتماعي الذي أصبح بمقدور كل فرد أن يصل بكل سهولة إليها. وليتذكَّر أولئك الذين يحبُّون الدراما ويهتمّون بها بشكلٍ خاص الذين نشأوا على المسلسلات الدراميَّة. التي لامستهم بالفعل هذا ينعكس على المجتمع بأكمله.
كنَّا نعتقد بشكلٍ تلقائي أنَّ الفن..
يعكس الحياة مثلاً صانع الدراما يقوم بذلك من خلال عرض مسلسلاته. التي تعبِّر عن ذلك وكذلك الشاعر من خلال شعره ويعكس ما بداخله أيضاً. ونحن أيضاً نمتلك التأثير وصانعو الدراما بشر يمتلكون التأثير بالناس بشكل مباشر أو غير مباشر فالدراما تؤثِّر بالمشاهدين من خلال التمثيل. والسيناريو والمشاهد العاطفيَّة الحزينة أو السعيدة. وأن الدراما هي التي تتأثَّر بما حلَّ على المجتمع العربي من تغييرات فأيهما يسبق تأثيره في الآخر. بمعنى هل الدراما هي المؤثِّر الأول والسبب فيما نراه في الشارع العربي. من سلوكيات وألفاظ وتصرّفات لم نراها ونعهدها من قبل؟ أم أن ما لحق بمجتمعاتنا من تغييرات سلبيَّة هي المؤثر فيما نشاهده بالدراما التلفزيونيَّة؟
هذه الأسئلة تطرح تزامناً مع بثِّ عددٍ من الأعمال الدراميَّة التي لا تتناسب مع أخلاقيَّات المجتمع. من الذي يؤثِّر بمن الدراما أم المجتمع؟ في كل الأحوال نؤكِّد على أهميَّة الدراما في تنمية وعي وإدراك المجتمعات بشكل عام. فالمجتمع هو مصدر ومنبع لما تقدِّمه الدراما فهو مصدر الإلهام لها باعتبار المجتمع هو الأسبق لها ويؤثِّر في الأعمال الدراميَّة.
وإذا كانت الدراما هي لغة الإنسانيَّة التي تجتاز الحدود لتصل إلى أذهان وقلوب المجتمعات والثقافات. فإنَّنا لن نستطيع الارتقاء والوصول بشكلٍ يليق إلى الآخر بدون فن يسمو بوعي وفكر وثقافة المجتمعات وليس فناً يهبط بنا إلى القعر. حيث تعالت الأصوات التي تنادي بضرورة الارتقاء. بالأعمال الفنيَّة وخاصّةً الدراما التلفزيونيَّة التي تدخل إلى بيوت الجمهور بلا استئذان. ويؤكِّد صنَّاع الدراما أنَّ ما يقدِّمونه ما هو إلا انعكاس للواقع المعاش. وما زلنا نرى الكثير من الأعمال الدراميَّة تحاول إظهار الصورة بطرق إبداعيَّة لتحاكي الواقع بجميع تناقضاته. وذلك لأنَّ المشاهد والمبدع يتأثَّران بالواقع الذي يعيشانه.
وأنَّ الأعمال الفنيَّة لا تأتي من كوكبٍ آخر..
فعندما نضع كاميرا في منتصف الطريق سترى كل ما في هذا الشارع من قبح وجمال ويكون للمبدع طبعاً دور في التحكم بنسبة القبح والجمال. وأخذ في الاعتبار بالوعي والادراك لأهميَّة الفن باعتباره أحد أهم القوى الناعمة التي تشكل معالم الحياة الاجتماعيَّة لأفراد المجتمع. بالمقابل نقر بأن أي تغير في المجتمع ينعكس ذلك التغير في الفن. ورقيه بشكل عام، بحيث تركِّز الدراما على سبيل المثال على وقائع المجتمع ومجرياته ولا تخرج عنه. فالفن لا يخرج عن إطار المجتمع الذي يعبر عنه. بما معناه حينما يكون للمجتمع من فكر وثقافة يكون الفن متضمّنا يحمل في مضمونه هذا الفكر وتلك الثقافة.
حيث نتذكَّر جميعاً الدراما في أيام الزمن الجميل المعبّرة عن بساطة المجتمع والقيم الاجتماعيَّة معنى ذلك أنَّ المجتمع كان على قدر من القيم والأخلاق النبيلة. ولا يخفى الأمر إظهار بعض الجوانب السلبيَّة الموجودة في ذلك المجتمع التي تعكسها الدراما؛ فالدراما هي مرآة تصوّر المجتمع بإيجابياته وسلبياته فهي ترجمة للواقع فهي تعبِّر عن ثقافة بيئات معينة بكل ما تعانيه منه من مآسٍ إنسانيَّة. ومشكلات يوميَّة تلامس هموم الأفراد.
وبالنهاية..
لا يمكن إنكار وجود العنف في المجتمع بين الجيران وفي المدرسة والشارع. وربما في الأسرة الواحدة، لكن يجب ألا ترسِّخ الدراما هذا الاتِّجاه فدور الإعلام بصفة عامَّة والدراما تحديداً هو التوعية وتقوية السلوك الأخلاقي وعلى الفنان أن يعي قيمة ما يقدِّمه. فيختار النماذج الإيجابيَّة التي تبني وترتقي بالمجتمع. وما زلنا نتوق إلى أعمالٍ دراميَّة هادفة ترقى بالمشاهد وترقى برسالتها.
المراجع:
1- مي أحمد أبو السعود، المسؤوليَّة الاجتماعيَّة للدراما التلفزيونيَّة المصريَّة، المجلة العلميَّة لبحوث الإذاعة والتلفزيون، العدد الثالث، ص 137.
_______
*الدكتورة ميادة القاسم أستاذ مناهج وطرائق البحث الاجتماعي جامعة ماردين – حلب سابقاً.