البروفيسور ضياءالدين سردار لـ التنويري: تحول الإسلام الى ايديولوجية يجرده من محتوياته الأخلاقية والروحية
الربيع العربي
يرى البرفيسور ضياءالدين سردار أن الاسلام السياسي لا يستطيع أبداً التوازي مع نهج الديمقراطية، وهو ليس جزءأ من الاطار الذهني للاسلام. مشدداً على أن الاسلام السياسي لا يمكن ان يتعامل مع التعددية والتنوع التي هي بالاساس جوهر الديمقراطية، كونه يمتلك نظرة احادية قائمة على شكل قديم وغابر من قوانين واخلاقية تحت مسمى الشريعة، مشيراً في الوقت ذاته الى ان تاريخاً طويلاً يعود الى حكم الامويين والعباسيين اصبح جزءاً متكاملاً في داخل الصناعة السايكولوجية لدى العرب في بحثهم الدائم عن «حكام أقوياء ». التقته «الراصد التنويري وكان معه هذا الحوار..
بطاقة تعريفية: ضياء الدين سردار:
- كاتب وناقد واعلامي بريطاني من اصل باكستاني.
- نشر اكثر من 50 كتاباً.
- مدير مركز دراسات المستقبل التابع لجامعة «ايست وست » في شيكاغو ورئيس معهد «مسلم انستيتو » في لندن.
- رئيس تحرير مجلة «كريتكل مسلم » )المسلم الناقد® الفصلية.
- عمل مراسلاً علمياُ لمجلات النيجر ونيو ساينتس، ويكتب في مجلة «نيوستيتمان » السياسية المعروفة.
- خدم كمفوض في مفوضية «المساوة وحقوق الانسان » البريطانية في الأعوام 2006 – 2009 وشغل عضوية منبر الامن القومي البريطاني 2008 – 2010.
- أعد الكثير من الافلام الوثائقية لعدد من أقنية التلفزة البريطانية مثل » بي بي سي » والقناة الرابعة.
الحوار:
- هل للاسلام السياسي القدرة على اختراع النموذج الذي يصالح فيه الاسلام مع الديمقراطية.. كيف وتحت اي اطار؟
بصراحة لا اعتقد بوجود ما يسمى ب «الاسلام السياسي ». الدين والسياسة لا يلتقيان، وحين يلتقيا تكون النتيجة على الدوام كارثية. السلطة هي محور السياسة، في حين أن الاسلام يمثل نظرة متكاملة للحياة، الى جانب كونه اعتقاد، لذا يمكن القول ان كل سمات الواقع تتكامل في الاسلام من خلال تحكمه بنظرة اخلاقية لكل مظهر من الاجتهاد الانساني. فالاسلام لا يقدم اسئلة واجوبة جاهزة لكل مشاكل الانسان، وانما يوفر تلك النظرة الاخلاقية والعادلة من خلال دفع المسلمين للبحث عن كل ما يخص مشاكل الانسان، بضمنها مشاكل السياسة.
ومن الضروري ان نشخص تلك الرؤية التي تدعي بوجود «الاسلام السياسي » والتي ترى الاسلام ليس كونه اعتقاداً او نظرة حياة، انما ايديولوجية، كالماركسية او المادية، والتي تمتلك أسئلة واجوبة جاهزة لكثير من مشاكلنا. ولكن حين يتحول الاسلام الى ايديولوجية سيقتصر برنامح عمله على منفعة مجموعة سياسية محددة، وبالتالي يخسر انسانيته ويغدو ارض صراع، وحينها يتم التضحية بالاخلاق والعقل والعدالة، على حساب الاداة السياسية ومصالحها. لذلك فان تحول الاسلام الى ايديولوجية شاملة، لا يجرده من محتوياته الاخلاقية والروحية، بل يجعل أغلب تاريخ المسلمين غير اسلامي. وكل ما بقى لنا هو فوضى غيبية، كما نرى في السعودية او ايران او في ممارسات مجموعات كطالبان وبوكو حرام، لذلك فالاسلام السياسي، وبرأيي، لا يستطيع أبداً التوازي مع نهج الديمقراطية، وهو ليس جزءأ من الاطار الذهني للاسلام.
- لعب الاسلام السياسي دوراً في تعثر الاصلاح السياسي وانهيار الهوية الوطنية التي توزعت لصالح العشيرة او الطائفة او الحزب؟
بالتاكيد.. الاسلام السياسي لا يمكن ان يتعامل مع التعددية والتنوع جوهر الديمقراطية فالاسلام السياسي يمتلك نظرة احادية قائمة على شكل غابر من قوانين واخلاقية تحت مسمى الشريعة. حكام مصر المنتخبين على سبيل المثال اكتشفوا ان ازدهار الديمقراطية بحاجة الى التعامل في بعض الحالات الى نظام متشابك من الحكم. في الديمقراطية تتشكل الحكومات من مجاميع بشرية عدة من طوائف واثينات مختلفة، ومصالح شخصية متمايزة، من خلال اطر مؤسساتية محددة بنظم. والسؤال هنا هو: كيف تتفاعل هذه الاجزاء مع بعضها البعض لانتاج الكل المتكامل؟ وأكثر من ذلك كيف يتعامل قادة الديمقراطيات مع هذا التنوع والتعقيد ضمن بيئة سريعة التغيير وذات توقعات عالية؟ فماذا عملوا؟ انهم استخدموا الديمقراطية لتأسيس حكم مستبد من خلال وجود الاسلام في دفة السلطة. والشاهد على ذلك كيف ان الرئيس المصري السابق محمد مرسي حاول ان يستحوذ على كل السلطات لذاته، وبذلك حول نفسه من حاكم منتخب شرعياً الى حاكم مستبد مطلق السلطات، في الوقت الذي كانت فيه الثورة قادرة على تحطيم الهيكلية السلطوية، لكنها حافظت على السلطوية الذهنية للاسلام السياسي، التي اصبحت واضحة في الدستور المصاغ من قبل مرسي وانصاره. على سبيل المثال المادة ) 1( من الدستور تعرف جمهورية مصر العربية بأنها «دولة مستقلة ذات سيادة، موحدة، نظامها ديمقراطي ». في حين تعلن المادة (2): إن «الاسلام دين الدولة والعربية هي اللغة الرسمية » وهذا تعريف منصف فعلاً لان مصر دول عربية مسلمة بالاساس، لكن المادة (2) تستمر بالتعريف على النحو التالي: «مبادىء الشريعة الاسلامية هي الاساس للتشريع » وهو تعريف كارثي لوجود اختلافات تعددية فيما يتعلق بتعريف الشريعة ليس للمسلمين فقط، ناهيك عن غير المسلمين، وهي محاولة واضحة لقمع التنوع والتعددية عندما تظهر الشريعة في المشهد. مصر ستبقى، كما أكدت الاحداث، موحدة وغير قابلة للتقسيم. بالتأكيد ان الافكار القديمة حول الجندر، لغير المسلمين، وفيما تبقى الافكار الاخرى غير المنصفة للشريعة التقليدية تبقى كما هي. المادة (4) على سبيل المثال تمنح القوة لعلماء الازهر الذين يجب اخذ مشورتهم فيما يخص القانون الاسلامي، وهذا بالطبع ليس مختلف كلياً عن دستور ايران الذي يمنح سلطة للولي الفقيه ومجلس الخبراء.
ان الافتراض الاساسي في جوهر هذه المواد يكمن في إنه لا يمكن منح الثقة للناس، الناس هم ذاتهم الذين فجروا الثورة، اضافة الى ارشادهم في قضايا اخلاقية عامة او تعريفهم ماذا تعني ان تكون مسلماً في القرن الحادي والعشرين، ارشاد الناس ونصحهم كالرعية من قبل نخبة متنقاة.
وفي حالة وجود اي شك فيما ورد فان المادة (219) تجعل الامر واضحاً بما يرتبط بمبادىء الشريعة الاسلامية التي تتضمن الدليل العام للقواعد الاساسية للحياة وقواعد الفقه، المستمدة من مبادىء أهل السنة والجماعة، لذا فان الشيعة والصوفيين والاسماعيليين وفرق اخرى من المسلمين الذين لا يتبعون مبادىء المكون السني هم ليس بحاجة للحصول على المواطنة. النساء بالمقابل يجب أن يبقين في المنزل لاداء واجباتهن العائلية، ومن غير المسلمين أيضاً يجب أن يبقوا خارج هذه المعادلة. وهنالك سلسلة من مواد الدستور سيئة بذات القدر.. المادة (45) مثلاً تمنح حرية الفكر والرأي في الحدود المطلقة، المادة السابقة لها (44) تحرم قذف وسب الرسل والانبياء، وبذلك تفتح الباب أمام التجذيف كما في باكستان عندما عانى الكثير من الناس الابرياء من هكذا تشريع، الى الدرجة التي تم الحكم على فتيان مسيحين صغار بالموت، بالتأكيد ليس ازدراء الانبياء فقط، وانما لا يمكن ازدراء اي انسان اخر بموجب المادة (31) اذا اخذنا بنظر الاعتبار أن الرئيس هو انسان، لذا فاي انتقاد موجه له سيقود المواطن المنتقد الى السجن بتهمة اهانة الرئيس، كذلك اهانة الجيش، على سبيل المثال اتهام الجيش بالفساد المالي وسوء الادارة، سوف يقدم المتهم الى المحكمة العسكرية بتهمة جرائم الاساءة الى الجيش.. وغيرها من مواد دستورية لا يستطيع الاسلام السياسي الاجابة على اشكالياتها. لذا فثقافة الاسلام السياسي عليها الاجابة على كثير من الانحراف السياسي الحالي.
- مفهوم الدولة المدنية قائم على الانفراج البشري وعدم الاحتقان الاثني والديني والطائفي، كيف سيتمكن الاسلام السياسي من فك الارتباط بين الديني والمدني في خطاب المؤسسات والحركات الدينية لتحقيق المنجز الديمقراطي؟
مرة اخرى وبمرارة، لا يمكن استخدام الشريعة التي تم تشيدها اجتماعياً في القرن التاسع لانشاء مجتمع مدني لانها تعاني من خلل في جوهرها، وصممت لزمن اخر ومكان اخر. وهذا، بالتأكيد، لا يعني ان الاسلام غير قادر من بناء مجتمع مدني. كثير من المفاهيم الاسلامية، مثل المصلحة العامة، خلافة الانسان، والشورى يمكن احيائها لصياغة مجتمع مدني، ولكن لانجاز ذلك تكون الحاجة ماسة لاجل التحول من مواد الفقه والشريعة التي افرغت من ابعادها الانسانية والاخلاقية، ورؤية الاسلام كحل لمشاكل البشرية. اندونيسيا تقدم مثالاً جيداً، بعض الحركات الاسلامية هناك، على سبيل المثال لا الحصر، شبكة الاسلام الليبرالي، تركز على ما يمكن تسميته ب «اللا رسمية »، وذلك بالتحول من المغالاة في التوكيد على الرسمية والرمزية، الى التركيز على الانسان والبعد الانساني في الاسلام.
المهمة الأولى في «اللا رسمية » هي اعادة هذا البعد المفقود من خلال التأكيد على التسامح والتعددية، والمساءلة والانفتاح في الحكم، وهي الخطوة الاهم لبناء مجتمع مدني، تكون المهمة الدينية لمحاربة الفساد، ومساءلة الحكام المنتخبين، وانشاء ميديا مستقلة وقضاء مستقل، وحكم منفتح وشفاف، كذلك لتأسيس مجتمع مدني اصبح الاساس لديمقراطية اندونيسية.
بالطبع ان المسلمين المحافظين لا يروق لهم ذلك، شجبوا واستمروا في تقويض تلك الجهود.. لكن لا يمكن ان تكون دولة مزدهرة من دون مجتمع مدني مزدهر.
- ما الاخطاء التي لامست ما يسمى بالربيع العربي وكيف ساهم الاسلام السياسي في تحوله الى «خريف عربي .»
العقل لدى العرب متجذر في السلطوية، لاحظ كيف ان أكثر من نصف الشعب المصري احتضن عبدالفتاح السيسي، العسكري ووزير الدفاع السابق، يروق لهم «حكماء اقوياء » اي حكام مستبدين وديكتاتوريين. من السهولة نسبياً كما لاحظنا في احداث الربيع اسقاط الدكتاتورية، وربما السيسي سيذهب بذات الطريقة الذي ذهب بها مرسي، لكن من غير السهولة ازاحة الديكتاتورية المتجذرة في الاطار الذهني عند العرب. هناك تاريخ طويل يعود الى حكم الامويين والعباسيين وأصبح للأسف، جزءاً متكاملاً في داخل الصناعة السايكولوجية لدى العرب.
- كيف تقيم التجربة السياسية التي تمثل تونس وميضاً من الامل، أنها تتبع نموذجاً مشابه للنموذج التركي، اي انها تحاول في ابعاد الدين خارج السياسة.. وهم بذلك كمسلمين يفعلّون اجندتهم المستندة الى الاخلاق والاداب، ولكن ليس اجندة الاسلام السياسي، بذلك لا تهدف حركة «النهضة » الى تحويل تونس الى «دولة اسلامية » تحت حكم «الشريعة ». وهذا لا يجعل تونس اقل إسلامية، وإنما تظهر اكثر وعياً في كيفية ادارة دولة عصرية.
حركة «النهضة » التي حكمت تونس، هي نتاج الحركة الاسلامية، ومثل مصر، مرت خلال عملية صياغة دستور جديد، الذي تبلور بعد كتابة عدة مسودات. تونس إلاسلامية أعلنت دبياجة الدستور الجديد، لكنها ستبقى مؤمنة بتعاليم الاسلام. المادة (1) على سبيل المثال تقول «دين تونس هو الاسلام ولغتها هي العربية » لكن البلاد على ثقة بمواطنيها. المادة (3) تعلن بأن «السيادة تعود الى الشعب التونسي » وليس الله، الذي هو السيادة العليا، كما نراه في دستور باكستان، وأصبح مصدر ما لا نهاية من الارباك واللهو المعرفي(. والأكثر من ذلك لا يوجد اطلاقاً اي ذكر للشريعة الاسلامية، وإنما حقوق الانسان، حقوق العمل، العناية الطيبة، والتأكيد على فصل السلطات، لذا فسلطة التشريع لا تعود الى الرئيس وإنما الى مجلس النواب المنتخب، من خلال الاقتراع السري والحر.
المادة (18) التي تنصح وتمنح الصلاحية للرئيس لفترة محدودة ولهدف محدد لاصدار القرارات التي يخضعها لاجل مصادقتها من قبل مجلس النواب. والأكثر من ذلك توجد معادلة لتأكيد ان مجلس النواب هو الممثل لكل شرائح المجتمع، مع تمثيل مناسب للمناطق واصحاب المهن والفلاحين والعمال، والنواب لا يمثلون مصالحهم بل مصالح كل البلاد. القضاء مستقل وبعض القضاة المختارين من جسم القضاء والسلطات المحلية، وتوجد لديهم استقلالية تامة لادارة شؤونهم.
ومن المفيد ذكره أن النهضة اصرت على ايجاد نظام برلماني مع مراقبة موازية، بينما ناضلت الاحزاب العلمانية من اجل نظام شبه برلماني مع رئيس فاعل وبصلاحية اوسع. هذه التناقضات غير القابلة للمساومة، وقضايا أخرى مختلف عليها تمت تسويتها عبر الحوار والنقاش، وليس من خلال تظاهرات شعبية كبيرة في الشوارع وزعزعة امن الدولة. هدف النهضة ليس ايجاد دستور حول الادارة، وإنما دستور لتمثيل وجهات النظر وطموحات المجتمع المتنوع، وكل القطاعات المساهمة في بناء البلاد. الدستور التونسي يعترف بالتعددية والتنوع في المجتمع التي ترغب في تشييده، موفرة بذلك نظاما معقداً من الحكم لمجتمع مركب في ازمنة صعبة. وعلى الرغم من ذلك لم تخل تونس من الاحتجاجات التي اندلعت معظمها بسبب البطالة المفتشية بين الشباب، والركود الاقتصادي، لذا تحاول الحكومة اي حكومة غير قادرة على تقديم حلولاً انية، لكن الاحتجاج الوحيد الذي استحوذت عليه نسبة كبيرة من الفوضى واعمال الشغب الذي نفذه السلفيون خلال حزيران يونيو عام 2012 خلال الهجوم على مهرجان للفنون.
الفرق بين تونس ومصر، كما عكست دساتيرهما هو الفرق في طريقة التفكير. ليس كالمصريين، التونسيون بدوا كأنهم يوازون اطارهم الذهني، استقرار تونس، وان يبدو هشاً او واهناً، يأتي من حقيقة احتضانها التعددية والتنوع لمواطنيها، كذلك انها وضعت في الوقت ذاته تعقيد الاختلاف في صلب الحكم.
- ما هو برأيك البديل الحقيقي للحركات الاسلامية في العالم العربي؟
باعتقادي ان على الاحزاب الاسلامية ادراك ان خدمة الاسلام لا تعني خدمة الاسلام السياسي او قضية سياسية، وهذا يعني خدمة المجتمع وتعزيز انسانيته، كذلك عليهم العمل لبناء ودعم مجتمع مدني صلد، وعليها ادراك انها غير متوازية مع الزمن المعاصر الداعي لاحترام التنوع والتعدد، والتعامل مع تعقيدات عالم كوني متصل. وأكثر من ذلك ان عليها التعلم من تاريخها الحديث، مثلما حدث من فشل فاضح للاسلام السياسي في باكستان والسودان ومعظم العالم العربي، نظرتها الشمولية للاسلام كدولة حولت سياسة المسلم الى ميتافيزيقية عدمية، وكل فعل وحشي وغير منصف يمكن تبريره بأنه «اسلامي» وفقاً لسياسة المنفعة.
لقد حان الوقت للحركات الاسلامية ان تنضج.
*المصدر: التنويري.