المقالاتثقافة وأدب

لماذا اعتلى النبيّ الأكرم تصنيف مايكل هارت؟

في ظلّ سخافات قد يتعالى صوتها ضدَّ النبي الأكرم “محمد” -صلَّى الله عليه وسلَّم– نتذكَّر تجربة صدمتْ الكثير من الأوروبيِّيْنَ. والأمريكيِّيْنَ ومنذ ما يزيد عن أربعِين عامًا. وهي اختيار نبيِّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- على رأس الشخصيَّات الأعظم تأثيرًا في التاريخ الإنسانيّ كلّه. في فحص علميّ شامل صنعه “مايكل هارت”. وأصدره في كتاب “المائة”.

فهذا السؤال “لماذا النبي الأكرم ؟!” دار في خلد الغرب طويلاً. من جرَّاء هذا التصنيف وكما دار من جرَّاء إساءات وسفاهات حدثتْ أو تحدث. فسبحانَ الذي يُعلي من شأن “محمد”. -صلَّى الله عليه وسلَّم- من الطريقَيْن معًا!. وهنا سنعرض لتلك التجربة وللأسباب التي جعلت النبي الأكرم “محمدًا” . أعظم الأشخاص تأثيرًا على مجرى. تاريخ البشر.

مُؤلِّف كتاب “المائة”:

مُؤلِّف الكتاب. هو “مايكل هارت” أمريكيّ الجنسيَّة. وُلد في العام 1932م وما زال عائشًا حتى وقت كتابة هذه السُّطور. وهو عالِم فيزيائيّ وفَلَكيّ ورياضيّ، يعمل في وكالة “ناسا” وله نشاطات علميَّة وسياسيَّة مُتشعِّبة. ديانته هي اليهوديَّة وهو شخص في غاية التعصُّب والأُصُوليَّة. وفوق ذلك هو عُنصريّ النزعة. يضطهد الأجناس. الأخرى ذات الألوان غير البيضاء. ويقاتل على هذه المسألة في ساحات المعارك السياسيَّة.

ولعلَّ ما يُعمِّق تجربة كتابه هذا أنَّه أمريكيّ. يهوديّ، عُنصريّ. وكلُّها مُؤهِّلات تجعله مُعاديًا في المقام الأوَّل لسيدنا النبي الأكرم “محمد” -صلَّى الله عليه وسلَّم. وهذه العناصر تشوِّقنا إلى معرفة وجهة نظره التي جعلته. يضع رجُلاً ما أشدَّ خلافه معه في أعلى المراتب تأثيرًا على مسار البشريَّة جميعًا. ومن جانب آخر تكتسب تقييماتُه ثقلها مِن كَونِهِ عالِمًا ذا مكانة في قومه. ومعنى هذا أنَّه يكتسب كلّ ملامح المثل السائر “الحقُّ ما شهِدَ به الأعداء”.

لعلَّ ما يُعمِّق تجربة كتابه هذا أنَّه أمريكيّ، يهوديّ. عُنصريّ. وكلُّها مُؤهِّلات تجعله مُعاديًا في المقام الأوَّل لسيدنا النبي الأكرم “محمد” -صلَّى الله عليه وسلَّم-. وهذه العناصر تشوِّقنا إلى معرفة وجهة نظره التي جعلته يضع رجُلاً ما أشدَّ خلافه معه في أعلى المراتب تأثيرًا على مسار البشريَّة جميعًا. ومن جانب آخر تكتسب تقييماتُه ثقلها مِن كَونِهِ عالِمًا ذا مكانة في قومه. ومعنى هذا أنَّه يكتسب كلّ ملامح المثل السائر “الحقُّ ما شهِدَ به الأعداء”.

والحقيقة أنَّ العامل المُؤثر في هذا الاختيار هو الماديَّة البحتة التي تركَّبتْ منها شخصيَّة “مايكل هارت”. فهو رجل ماديّ بحت -يدلُّ على هذا عُنصريَّتُه. وطبيعة عِلمه وعمله- لا يرى غير العوامل الماديَّة، التي يلمسها بيديه ويراها بعينيه. أيْ باختصار هو غربيّ بكُلّ ما تعنيه النظرة الماديَّة الغَربيَّة من قسوة وتجهُّم للآخر. لذلك لا يعدُّ اختياره للنبيّ شهادةً على أيَّة حال، بل هو فقط ما أدَّتْ إليه العوامل التي سيعرضها في كتابه.

عن كتاب “المائة”:

اسم الكتاب بالإنجليزيَّة (The 100: A Ranking of the Most Influential Persons in History). وترجمته “المائة: تصنيف لأعظم الشخصيَّات تأثيرًا في التاريخ”. ظهرتْ الطبعة الأولى لهذا الكتاب عام 1978م، في خمسمائة وخمسين صفحةً. وظهرت طبعته الثانية 1992م -وهي التي اعتمدتُ عليها هنا-. وقد بدأتْ بإهداء لرُوح والده. ثمَّ مقدمة بيَّن فيها أنَّه قد غيَّر التصنيف بعض الشيء وذلك لأنَّه تعلَّم أكثر، والعالَم نفسه تغيَّر أكثر. وطرح مثالاً لذلك “ماو تسي تونج” الرئيس الشيوعيّ الصينيّ. ثمَّ تأتي. مقدمة الكتاب الأصليَّة. ثمَّ فهرس. للخرائط والأشكال المُودَعَة في الكتاب. ثمَّ مُخطَّط عامّ للتاريخ، ثمَّ بدأ في عرض الشخصيَّات. ولا شكَّ أنَّ الكتاب تجربة جريئة لأنَّها تجمع كلَّ التاريخ وتضع تأثيرات الشخصيَّات في موازنة صريحة ومباشرة وجهًا لوجه.

معايير اختياره للشخصيَّات:

وقد اختار هذا الشخصيَّات وصنَّفها على أُسس واضحة. منها -وبالقطع أوَّلها- مدى ما أحدثتْه هذه الشخصيَّة. من تأثير على مجرى التاريخ البشريّ العامّ. ولهذا اشترط أنْ تكون الشخصيَّة حقيقيَّة وواقعيَّة. ولعلَّ كثيرًا مِنَّا لا يعرف أنَّ أعمالاً أثَّرتْ في التاريخ البشريّ . غير معروفة الصانع: مثل منظومتَيْ “الإلياذة” و”الأوديسَّا”. وهما مجهولتا المُؤلِّف أمَّا “هوميروس” -الذي يُشتهَر بتأليفهما- فهو شخصيَّة مَجهولة . وغالب النقَّاد على أنَّه شخصيَّة خياليَّة. كذلك لا أحد يعرف مُؤلِّف “كليلة ودِمنة” ولا “ألف ليلة وليلة”. كما لا أحد يعرف مَن هو مُكتشف آليَّة توليد النار من الاحتكاك. وهكذا كلُّ مجهول لا يضمُّه إلى القائمة.

ومن معاييره أيضًا عِظَم وقوَّة التأثير ومداه. فهو لا يضمُّ مَن كان له تأثير محلِّيّ -أيْ على محلّه وبيئته فقط- ولا يضمُّ ذا التأثير الإقليميّ. بل لا بُدَّ أنْ تكون الشخصيَّة ذات أثر على العالَم أجمع. أو على أوسع نطاق مُمكن.

ومن معاييره ثبات التأثير للشخصيَّة؛ فيجب أنْ يكون هذا التأثير العالَميّ غير منكور ولا مشكوك فيه. ومن معاييره في قياس تفاضُل ثبات التأثير -والتأثير عمومًا- طول هذا الأثر للشخصيَّة. لذلك استبعد نهائيًّا كلّ الأحياء مهما كان تأثيرهم على الواقع المَعيش. فرُبَّما يزول تأثيرهم سريعًا.

وأخيرًا ننبِّه إلى أنَّ المُؤلِّف يصنِّف تقييمًا للتأثير في البشريَّة، لا تقييمًا لخير الناس أو أصلحهم. فهو -كما سنذكر- لا يُوقِّر النبيّ الكريم. في أيّ شيء، ولا يسعده أنْ يرى النبيّ على رأس التقييم بالقطع. بل قد وضعه كما يقولون. رُغم أنفه. وقد صنَّف في التقييم أناسًا كان أثرهم شرًّا شديدًا. لكنَّه يُصنِّف التأثير، لا وجهة التأثير بين الخير والشرّ. فوجَب التنبيه على ذلك.

ترجمة الكتاب إلى العربيَّة:

ترجم هذا الكتاب الكاتب الكبير . “أنيس منصور” في مصر عن دار “الزهراء للإعلام العربيّ”، وظهرت الطبعة الأولى تحت عنوان مُغاير “الخالدون مائة. أعظمهم محمد” عام 1981م. وقد اعترف المترجم أنَّها ليست ترجمةً أمينة للكتاب، يقول في المقدِّمة: “ولا أدَّعي أنَّني أضفتُ شيئًا إلى هذا الكتاب. وإنَّما حذفتُ بعض العبارات وبعض المُصطلحات العلميَّة الصعبة دون إخلال بما أراده المُؤلِّف. فهذا كتاب عن كتاب أو مِن كتاب لمْ أرفع عيني عنه، وإنْ كنتُ لمْ ألتزمْ بحَرفيَّة كلّ ما جاء فيه”. وبالترجمة العديد من التغييرات، كما أنَّه تجاهل ترجمة مقدمة المؤلِّف. من التغييرات ما دخل في الفصل الخاصّ بـ”محمد” -صلَّى الله عليه وسلَّم-. وبرجوعي إلى النسخة الأصليَّة للكتاب، وجدت أنَّه ترجم الفصل كاملًا، لكنَّها ترجمة تنقصها الدقة والأمانة كثيرًا.

توقُّع المُؤلِّف استهجان القُرَّاء لاختيار النبيّ الأكرم:

لا بُدَّ من التنويه هنا على أنَّ النبيّ الكريم. ذو سُمعة بالغة السُّوء في الأوساط الغربيَّة، تولَّدتْ عن ميراث هائل من التشويهات والتدليسات والتحريفات. بل تبديل التاريخ الإسلاميّ كلِّه تقريبًا في نظر الضمير الجمعيّ للغربيِّين في مؤامرة مُحكَمَة تقوم على كثيرٍ من الأصول، وتقوم عليها كثيرٌ من المُؤسَّسات. ولنْ نرى اختلافًا عند المؤلِّف في هذه الصورة فالكتاب لا يرى النبيّ في صورة حَسَنَة أصلاً -كما سنرى-، بل به ثوابت النظرة الغربيَّة للنبيّ.

ومع مراعاة هذا الجوّ المُتربِّص . -في الدوائر التي تهتمّ- والجوّ غير المُبالي للإسلام. ولا لغيره -وهو التيار العامّ الغربيّ- نقدِّر توجُّس المُؤلِّف. فقد توقَّع ما سيُقابَل به من عاصفة انتقادات شديدة، من قِبَل الجمهور عندما يخرج في قلب العالم المسيحيّ. ليُقرِّر أنَّ نبيَّ المسلمين الذي يعتبر لصًّا ومُزيِّفًا. -حاشاه بالقطع- عند الكثير من القطاعات الرسميَّة والشعبيَّة الغربيَّة قائلاً إنَّه الأعظم تأثيرًا في التاريخ كلّه، مُفضِّلًا إيَّاه على النبيّ “عيسى”. والنبيّ “موسى” -عليهما السلام-! .. والأوَّل يتبعه غالب مَن حوله، والثاني يتبعه هو نفسه.

وقد بادَرَ المُؤلِّف مُنتقدِيْهِ بأنَّه يشعر بتعجُّبهم هذا .. لكنْ ماذا يفعل؟! وكلُّ العوامل الماديَّة المُجرَّدة تقوده إلى أنْ يختار هذا الرجل.

وقد لخَّص المُؤلِّف حياة سيِّدنا “محمد”-صلَّى الله عليه وسلَّم- مُقرِنًا بتتبُّع عوامل تأثيره. ونحن نلخِّص تلخيصه أيضًا باختصار شديد في الآتي. مع التنبيه إلى أنَّ لواحق التعظيم مثل الصلاة وغيرها من إضافتي. وأنَّنيْ سأحتفظ بالمعاني السيِّئة التي حاول إلصاقها بالنبيّ. كي يعرف القارئ أنَّ الكاتب لا يكتب إلا عن معيار الصدق مع النفس. وتسليم العوامل البحتة -بخلاف ما فعل الأستاذ “أنيس منصور” حيث حرَّف. معاني المُؤلِّف إلى معانٍ جيدة-. وأنَّني سأذكر النصّ الإنجليزيّ لضمان الدلالة -وهو الأسلوب المُتَّبع في الكتابة المُنضبطة عمومًا-.

المصدر
التنويري
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات